دارٌ جدلٌ واسع حول موضوع سد النهضة الأثيوبي خلال الأُسبوعين الماضيين، بشأن الاتفاقية التي تم إبرامها في الخرطوم يوم الاثنين 23 مارس 2015، سواء كان على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، انطلاقاً من الانعكاسات المُترتبة على قيام هذا السد، سلباً كانت أو إيجاباً (وفقاً للرُؤى المُختلفة بهذا الخصوص). وشمل هذا الجدل آراء وتحليلات الخبراء والمُتخصصين في القانون الدولي، أو العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أو المياه والري والزراعة، إلى الاقتصاديين والباحثين وغيرهم، وبلغت هذه الآراء مداها حينما قال الدكتور أحمد المُفتي المُستشار القانوني بوزارة الموارد المائية، ووكيل الوزارة السابق، بالنَّص: أنَّ هذا الاتفاق سيؤدي لضياع (حق) السودان المائي، ويُهدد تنفيذ مشروع الأمن الغذائي واستغلال أراضينا الزراعية بصفةٍ عامَّة، والأخطر في إفاداته (أي د. المُفتي)، أنَّ الاتفاق (سيُلغي) كل الالتزامات المائية المُلقاة على عاتق أثيوبيا لصالح السودان (وفق القانون الدولي)، بما في ذلك اتفاقية 1902 للمياه، وهي إفادات خطيرة من شخص (قانوني) وذو علاقة بالوزارة المُختصَّة، وتمَّ نشرها رسمياً في صحف الخرطوم! رغم الجدل الكثيف حول هذه الاتفاقية، لم (نشهد) أو (نسمع) أو (نقرأ) تصريحاً واحداً، ناهيك بيان واضح وحاسم من رموز أو قادة العمل السياسي بشأن الاتفاقية الملغومة التي (وقَّعها) البشير وعصابته باسم السودان، مُتنازلاً فيها عن حقوق السودان في مياه النيل (وغيرها من الحقوق المترتبة على هذا التوقيع)، نتيجة لخوفه من مصر التي تحتل مثلث حلايب وغيره من أراضي وادي حلفا من جهة الشمال، أو استرضائه لأثيوبيا التي تحتل الفشقة وقبلها أراضي بني شنقول وترغب في تركيع السودان مُستقبلاً، بل واحتلاله بالكامل! فقد شكَّلت تصرفات من (يُوصفون) بقادة ورموز الأحزاب والقوى السياسية صدمة كبيرة! إذ لم يكتفوا بال(فُرْجَة)، بل طالب بعضهم وصَرَّحَ بتأييده البشير وصحبه! في ما ركَّز البعض الآخر منهم، على ما بدأه من مسرحياتٍ (عبثية)، في إطار الاتفاقات المُسبقة بشأن نصيبه من ال(كعكة)، بينما السودان يضيع بمُغامرات البشير وعصابته! وفي الواقع لم يُخيب قادة ورموز السياسة ظني، على الرغم من التوضيحات، بل والتحفُّظات والمُناشدات، التي أطلقها العديد من أبناء السودان بشأن هذه الاتفاقية، حيث ارتضوا (قادة ورموز السياسة) بإساءات البشير وصحبه لهم ك(مُعارضة تُمامة جرتق)، وخذلوا الشعب السوداني طيلة ال(25) سنة الماضية، ولا يزال خذلانهم مستمراً، وأثبتوا (عملياً) أنهم يسعون (فقط) خلف مصالحهم الذاتية، وبناء أمجادهم على جماجم ورفات الشعب السوداني، وضمان مُستقبل أبنائهم وإشباع شهواتهم السلطوية والمالية! ودونكم ما تحمله الصحف (يومياً) من أحداثٍ وتصريحات بشأن اهتماماتهم بالسلطة والجاه، واستكثروا حتَّى مُجرَّد (تصريح) يعكس اهتمامهم بالبلد وأهلها ناهيك من بيانات استنكار ومُناهضة عملية لهذه الجريمة! وهم بأوضاعهم وأفعالهم المُخزية هذه، لا يختلفون كثيراً عن البشير وعصابته، فالثاني يُدمِّر السودان هو ومن معه بأكثر من صورة، وهم يُساعدوه في التدمير مُقابل قسمتهم من فتات موائده المسمومة والمُتمرِّغة في الخيانة. أردتُ بهذه المقالة التوعية والتنبيه لردَّة فعل من يعتمدُ عليهم بعض البُسطاء من أهل السودان لإنقاذهم من جرائم البشير وعصابته، ولعلَّ الله أراد لهذه الاتفاقية الكارثة أن تكون ليُظهرهم على حقيقتهم أمام الجميع، ولتتفتَّح بصائر الشعب ويُدرك ألا خلاص إلا بالأيادي والعقول والإرادة الوطنية الخالصة، المُنطلقة من رحم الشعب السوداني الذي عانى كثيراً من المُغامرين ال(تاريخيين) وال(جُدُد)! فسَجَم البشير، الذي لا يتوانى عن بيع كل ما هو مُتاحٌ له لأجل السلطة، ينسحب بذات القدر على أولئك المُتاجرين بقضايا الشعب، واللاعبون مع أكثر من نظام حكم للسودان منذ الاستقلال، وفشلوا (فشلاً) ذريعاً في إدارته وتطويره (أي السودان) رغم الفرص العديدة التي أُتيحت لهم، ويكفي وضعهم أياديهم في أيدي البشير وعصابته بعدما قتلوا واغتصبوا وشرَّدوا وأجاعوا هذا الشعب، وأذاقوه كل أصناف المرارة دون أي تقدير لمشاعر ذات الشعب الذي يتحدثون باسمه (زوراً وبُهتاناً)! إنَّ الضحية الأولى في كل ما يجري هو الشعب السوداني بقطاعاته المُختلفة، ولا مجال أمامنا إلا بالانتفاض على كل من غامر بنا وبمصالحنا وكرامتنا، وسلامنا وأمننا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إشباعاً ل(مَلَذَّاته) و(شهواته) المالية والسُلطوية التي لا تنتهي! ليس أمام السودان الآن من مخرجٍ (بعد لطف الله) إلا في شبابه، وأعني بهم شباب السودان كافة، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية والعقائدية والقبلية، لإحداث التغيير المنشود وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، من المجهول الذي يقودنا إليه المُتأسلمون وطلاب المُغامرة (قادة) الأحزاب والقوى السياسية، التي لا يهمها سوى أملاكهم وتعزيز مكانة أبنائهم! الفرصة ما زالت مُواتية أمام المُغامرين من (ديناصورات) ورموز السياسة والأحزاب ليُثبتوا عكس حديثنا، عبر إجراءات (قوية) و(عملية) للإطاحة بالذين باعوا البلد وأهلها (حاضرها ومُستقبلها) للغير، وإلا فليتقاسموا صفة ال(سَجَمْ) مع البشير وعصابته! وإن شاء الله، سأفرد المساحة القادمة للحديث تفصيلاً عمَّا وصفوه باتفاق المبادئ أو الاتفاق الإطاري لكارثة سد النهضة وانعكاساته المُدمرة وما يُمكن القيام به. [email protected]