بالورقة والقلم، بعد الذي قدمه فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني، لو أن أيّ منهما لزِم منزله وجلس يتفرج على ما يجري بالوطن لما عاب عليهما أحد ذلك، ولا ينقص أي منهما مركز أو مجد أو شهرة حتى يسعيا للحصول عليها في مثل هذه المرحلة من العمر، فقد شغل أبوعيسى منصب وزير الخارجية (1970) عندما كان الوزير وزير، وقبل أن يجور عليه – المنصب - الزمن ويقفز عليه الذين أفقدوه هيبته ومقامه، وهو الذي رفض تولي منصب وزير التعليم العالي الذي عرضه عليه النظام عقب إتفاقية السلام (2005)، كما أن أصغر الذين تتلمذوا على يدي الخبير الأممي الدكتور أمين مكي مدني وهو أستاذ بكلية القانون جامعة الخرطوم من "فناطيط" الإنقاذ الذين يزجون به اليوم في السجن أصبحوا وزراء وولاة وسفراء، (من بينهم علي كرتي) فقد تخرج الدكتور أمين مكي في جامعة الخرطوم (1962)، وحصل على دبلوم القوانين المدنية من لوكسمبورج (1964)، وعلى ماجستير القانون الجنائي المقارن من جامعة أدنبرة (1965) والدكتوراة من جامعة لندن (1970). ولو أن النظام يكان ُحسن الفهم والتقدير، لما شهّر بنفسه بتقديم هؤلاء الأبطال للمحاكمة بهذه التهمة الجائرة وعديمة الأساس، وأكبر دليل على ضعف القضية وخوائها أن الشاهد الذي يعتمد عليه النظام في توجيه الإتهام بصفة خبير هو ربيع عبدالعاطي، فهذا رجل "بَوْ" ليس لديه من سمات أهل الخبرة سوى نظارة النظر، ومن فضل شهادته أنها كانت مكسب للخصم الذى سعى لإدانته، ولو أن القاضي الذي ينظر القضية كان له قلباً يحدثه لقام بشطب القضية وأطلق سراح الأبطال الذين يجلسون على منصة الشرف قبل أن يترجّل هذا الشاهد الدَهُلْ من منصة الشهود. ما تأخذه شهادة "ربيع" على الأستاذين فاروق وأمين، أنهما قاما بالتوقيع على وثيقة وردت فيها عبارة "شعبنا"، وبحسب "خبرة" الشاهد فهو يرى أنه لا يصح للموقعين على الوثيقة أن يستخدموا هذه العبارة، طيب ليه ؟؟ قال: "لأن الشعب لم يفوضهم يتحدثون عن الشعب وكأنه ملكاً لهم وينوبون عنه". وفي مكان آخر سئل "ربيع" عن وجه الجريمة في توقيع الوثيقة، قال : "توقيع الأستاذان على وثيقة نداء السودان يجعلهما شريكين فى العمل الذي يقوم به بقية الموقعين (يقصد الحركات المسلحة) من أجل إسقاط النظام بالقوة المسلحة وإحداث الفوضى والقضاء على الشرعية وقتل المواطنين ونهب ممتلكاتهم لأن الذي يوقع إتفاقاً مع الطرف الذى يحمل السلاح ويمارس القتل يكون شريكاً له". خطأ المحكمة أن تستمع لمثل هذا العاطل بصفة خبير، فهناك ضوابط في القانون لمن يكتسبون هذه الصفة في الإدلاء بأقوالهم في إجراءات قضائية، ليس من بينها تفسير نصوص إتفاق يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها الوصول إليه، ثم أن الذي يسمع مثل هذا الكلام وصاحبه قيادي بالمؤتمر الوطني يعتقد أن النظام حين وقّع إتفاقه مع "أبوقردة" كان الأخير يحمل في يده غصن زيتون. ليس هناك في القانون ما يمنع إتفاق أي جهة سياسية مع أخرى في سبيل إسقاط حكومة، ما دام ذلك يتم عبر طرق سلمية وبغير قوة السلاح، وهو ما حدث في إتفاقية "نداء السودان" التي تنص ديباجتها على كلام من ذهب يُلخص فحوى الإتفاق جاء فيها: "إدراكاً منا بأن بلادنا تنزلق نحو الهاوية بسبب سياسات النظام بعد انقلاب يونيو 1989، مزق البلاد وأشعل الحروب. وفرض هوية أحادية ونشر الكراهية والفتن وإزدراء الآخر. وعرَّض قوميات للإبادة الجماعية. ودفع بالملايين لمعسكرات النزوح واللجوء. وتسبب في انفصال جنوب السودان، وقوض الاقتصاد بتحطيم المشاريع الإنتاجية والثروة القومية، ونشر الفساد، ودمر الصحة والتعليم والبيئة ومؤسسات الدولة، وضيق سبل معاش الناس فدفعهم إلى الهجرة والعطالة، كما قام بسن وترسيخ القوانين المهينة والمحطة لكرامة وحقوق نساء ورجال السودان، وغيب مؤسسات الديمقراطية والرقابة، وأخرس الإعلام والتعبير الحر بلك أشكاله، ووضع بلادنا تحت الوصاية ب62 قراراً دولياً وبإتهام قيادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من سياسات نراها تدفع بالبلاد نحو مزيد من التمزق والإنزلاق نحو الخراب الشامل ... عليه، فقد تنادينا على العمل من أجل تفكيك نظام دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن والمواطنة المتساوية، عبر النضال الجماهيري اليومي وصولاً للانتفاضة الشعبية للتحرر من الشمولية والعنف والإفقار، نحو ديمقراطية راسخة، وسلام عادل وتنمية متوازنة". مشكلة النظام أنه ينسى أن الحزب الذي يستند عليه – الكيزان - هو أفضل حزب يحسن الولولة والصراخ والعياط حين يخرج من السلطة، ومثل الفعل الذي يُحاكم عليه هؤلاء الأبطال سوف يأتي عليهم يوم يمنحون الذي يأتي بمثله جائزة ونيشان، فالتاريخ الحديث يحكي بأن تنظيم الحزب الحاكم قد شارك في محاولة إسقاط النظام العسكري السابق "مايو" بالقوة العسكرية (1976) لا بمظاهرات سلمية، وسوف يأتي اليوم، وهو قريب، الذي تذهب فيه حكومة الإنقاذ، لتعود الجبهة الإسلامية القومية ل "سيرتها الأولى" فتخرج بمظاهرة "مليونية" مع شمس كل صباح يشرق، وسوف يرتفع الزعيق بحديث الشتائم والكذب والإفتراء، ولا بد أن يكون هناك كثيرون قد شاهدوا مقطع الفيديو الذي ينتشر هذه الأيام على شبكات التواصل الإجتماعي، والذي ظهر فيه الأستاذ/ علي عثمان محمد طه (لم تكن نعمة البترول قد ظهرت عليه)، يتحدث بصفته زعيماً للمعارضة بالبرلمان (1986) وهو ينتقد سلوك الحكومة الديمقراطية فقال: " لقد قامت الحكومة بإحتجاز طالبة بقسم الشرطة وأمضت ليلتها فيه، وهذا شيئ لم يحدث حتى في دولة إسرائيل". لا تخدعكم هذه النفخة والنفشة التي يمارسها أهل النظام في حق هؤلاء الأبطال، فسوف يأتي عليهم اليوم الذي يتوسلون فيه الحرية، ويطالبون فيه بالعدالة التي ينكرونها على الآخرين. من مفارقات القدر أن يستقبل أبطال ثورة أبريل المجيدة "فاروق وأمين" يوم غد السادس من أبريل الذكرى الثلاثون وهم في حراسة نظام يزيد في بؤسه وضلاله وفساده عن النظام الذي إنتفضوا عليه !! سيف الدولة حمدناالله [email protected]