ما لا تدركه الحكومة أن جل الإنتاج الذي حققته القضارف هذا العام قد ضل طريقه من المنتجين إلى جيوب آخرين، وبحسابات بسيطة تتجاوز ما تشغل به الحكومة بالها من خسارة دائرة انتخابية ومشاركة حزب أو ممانعته، فإن أكثر من (70%) من إنتاج محاصيل القضارف تم دفع تكاليف حصاده من السوق بسبب إحجام البنوك عن تمويل عمليات الحصاد والاكتفاء بالزراعة والكديب، رغم أن تكلفة الحصاد هي الأعلى وتمثل نسبة (70%) من تكلفة الزراعة الكلية لأنها تحتوي على مصاريف عالية وتفاصيل كثيرة تبدأ من استجلاب أيد عاملة من خارج السودان إلى بالة الخيش وسعرها في البنك أعلى من السوق بسبب هامش الربح الكبير، بجانب تكاليف الترحيل والضرائب والرسوم في أسواق المحاصيل، ويضطر المزارعون لدفع تكاليف الحصاد من السوق عن طريق تمويل الكسر "الكتفلي" رغم أنه تمويل ربوي يحسب الجنيه الواحد بواقع خمسة جنيهات حيث لا ينتظر عمليات الحصاد خاصة في السمسم المرتبط بآجال محددة وإلا فإنه سيذهب إلى باطن الأرض مرة أخرى حال نضج قبل حصده بصورته المعلومة، وفي النهاية يفاجأ المزارع بسعر أقل من تكلفته بما فيه سعر التركيز الذي حدده البنك الزراعي للشراء بواقع (500) جنيه للجوال. ولا يبدو الإنتاج هذا العام مبشرا حسب ما ظلت تروج له الحكومة، فالعشرة ملايين جوال من الذرة يتذوق المزارعون الآن علقمها بسبب تدني الأسعار وعدم الالتزام من البنك الزراعي بمواصلة شراء المحصول من المنتجين، ويقول عمر حسن فاضل نائب رئيس اتحاد الزراعة الآلية بالقضارف إن الموسم الحالي ورغم الوفرة التي تحققت فيه إلا أنه واجه ظروفا مأساوية بالنسبة للمزارعين فمن جهة انخفضت الأسعار ومن جهة أخرى ضاقت السعة التخزينية بالمحاصيل فلزم الإنتاج مناطقه ولم يتم ترحيله للأسواق، ويحذر فاضل في حديثه ل(اليوم التالي) مما أسماه (شبح السجون) التي يقول إنها بدأت في استقبال المزارعين لكن ليس بسبب ديون البنك الزراعي، وإنما بسبب ديون السوق الذي لجأ اليه المزارعون في وقت الحصاد بسبب عدم تمويل عمليات الحصاد من البنوك. ويقول محدثي إن ديون السوق التي تعرف بالكسر أو "الكتفلي" لا ينتظر أهلها يوما واحدا ولا يجاملون ويضيف: "المنتجون اعتمدوا في تمويل عمليات الحصاد على الكسر وهو يمثل (70%) من إجمالي العملية الزراعية" مؤكدا أن تجار الربا الذين يعج بهم سوق القضارف ولديهم قدرة مالية كبيرة مولوا أكثر من (70%) من إنتاج هذا العام، ووصف تمويل السوق بأنه خطير على المزارعين لجهة أن "الجنيه فيه بخمسة جنيهات وأن تجار الربا لا ينتظرون دقيقة واحدة ويزجون بالمزارعين في السجون أو يطردوهم من منازلهم ولا يقبلون أي تسويات". ويحذر نائب رئيس الزراعة الآلية من أوضاع سيئة تنتظر المزارعين في ظل تقديم تجار السوق لشيكاتهم ضد المزارعين في وقت ذكر فيه أن السوق تدنى إلى درجة كبيرة حيث بلغ سعر أردب الذرة (جوالين) (415) جنيها، ويمتنع البنك الزراعي من الشراء فيما أشار لخطورة أخرى في ظل وجود أكثر من ثلاثة ملايين جوال في العراء لم تأت للأسواق وتوقع أن لا تأتي في ظل التكلفة العالية والأسعار المتدنية. ويشير أيضا أمين أمانة الزراع بحزب المؤتمر الوطني إلى أن محصول السمسم هو الآخر واجه خسائر فادحة وسط المزارعين والتجار لجهة تدني سعره بصورة مريعة بحساب أن البعض اشترى المحصول بسعر أعلى من الموجود الآن في الأسواق وكذلك اتحاد المزراعين ذهب أيضا لإصدار تكلفة سلمها لرئاسة القطاع الاقتصادي بلغت فيها تكلفة الأردب بالنسبة للذرة حوالي (668) جنيها بينما بلغت تكلفة قنطار السمسم لدى المزارعين (787) جنيها، ويؤكد أمين الزراع أن هنالك عددا من المزارعين يقبعون الآن في السجون وهنالك آخرون مهددون أيضا في ظل الظروف الحالية التي يمر بها الموسم الحالي، ورأى أن الحل الوحيد في عودة البنك الزراعي لشراء المحصول من المزارعين وإيقاف المعاملات الربوية بتحديد تمويل عاجل في المواسم القادمة للحصاد. وينشط هذه الأيام بصورة كبيرة سوق الكسر في ولاية القضارف دون وجود رادع محدد، وينتشر في سوق القضارف عبر زقاق محدد يطلق عليه البعض (زقاق المواسير) بيع الكتفلي والكسر حيث يقوم المزارع الذي يلجأ في ظل ظروف قاهرة لا تنتظر لشراء الجنيه الواحد بخمسة أو سبعة جنيهات في معاملة يصنفها أهل السوق بأنها معاملة ربوية ولا يتم فيها أي تسليم لبضائع وانما يتم منح "قروش بقروش"، وأدت التجارة الحالية لتشريد عشرات الأسر خاصة من المزارعين والتجار وبيع ممتلكاتهم حيث يلجأ تجار الربا لرهن الممتلكات وتحويل ملكيتها لهم وفي حالة التعثر يقومون مباشرة ببيعها وعرضها في السوق وطرد أسرة المزارع والتاجر من المنزل دون أي وازع أو ضمير. ويشتهر تجار معلومون للعامة بهذه التجارة أمام سمع الجهات المختصة الفقهية منها والقانونية، وما يشغل الحكومة فعليا الآن هو زحام العملية الانتخابية لكنها ستتبين للجلبة بعد أول يوم للتصويت عندما تجد أن (80%) من سكان ولاية القضارف الذين يمتهنون الزراعة مواجهون بالإعسار وعدم القدرة على السداد وأن خروجهم للتصويت سيبقي مرهونا بتفهم الحكومة لقضيتهم الشائكة للآخر اليوم التالي