شعراء يرونها أفسدت القصيدة وآخرون يحلقون في فضائها الرحب الكويت- من منى الشمري: يبدو أن تداول الأدب والشعر من خلال السوشال ميديا، شهد تحولات كبيرة في المشهد الثقافي وفي انتشار الشعر من جديد، ليعود به للجمهور الذي هجر الأمسيات الشعرية، وحقق حضورا طالما كان غائبا عن شعراء المنصات مؤخرا، بحيث سهل المهمة على المتلقي، حين صار الشاعر والقصيدة في متناول القراء اليومي، بل على مدار الدقائق بعد أن كانت بينهما مسافات شاسعة تقتصر على وجود الدواوين الشعرية في المكتبات، صار النشر سهلا وسريعا. وفي حين يرى شاعر أن السوشال ميديا اختصرت المسافة بينه وبين القارئ واغنته عن النشر في الصحف الورقية، يرى شاعر آخر أن السوشال ميديا أساءت للشعر وروجت للغث والرداءة، التي صار أبطالها الذين لا يتحصلون على أنصاف الموهبة حتى، نجوما في تويتر وانستجرام والفيسبوك يتبعه عدد مخيف من المتابعين في استسهال كتابة القصيدة وراء الشهرة والنجومية. «القدس العربي» استطلعت آراء مجموعة من الشعراء. السوشال ميديا حررتنا من الإعلام المقروء الشاعر إبراهيم الخالدي أوضح أنه لمس تفاعلا عبر فضاء السوشال ميديا قائلا: لعل وسيلة التواصل الوحيدة، التي تعاملت معها بشكل جدي هي «تويتر» من خلال حسابي الذي يحمل اسم ديواني الرابع «ربما.. كان يشبهني»، ربما تأكيداً مني على أنه إطلالة لأشعاري على هذا الفضاء، حيث أنني لم أتاقلم مع الفيسبوك أو الانستجرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، وبالفعل حقق لي تويتر تواصلاً يومياً مع القراء، وزملائي من الشعراء والأدباء، وأجده نافذة جيدة لنشر أشعاري، سواء من خلال المقاطع القصيرة بما يسمح به ال 140 حرفاً المتاحة، أو بنشر الروابط والصور للنصوص الأطول، أو لتحميل الدواوين كاملة، وأنا أحب هذه الوسيلة، خاصة أنها توصلك للقارئ الراغب بالاطلاع على ما تكتب، فمن لا يرغب يمكنه أن يلغي متابعته. وأضاف الخالدي: كما صرت أعتمد في النشر على تويتر لدرجة أنني لم أعد أهتم بنشر نصوصي الجديدة في الصفحات الثقافية من خلال الصحف الورقية أو في الدوريات المختلفة، مكتفياً في كثير من الأحيان بهذه الإطلالة التويترية، ورغم أن فضاء تويتر قد يجرنا أحياناً للحديث في مجالات عامة غير الشعر، إلا أنني أحرص على عدم الانسياق كثيراً وراءها، وأحرص على العودة إلى الشعر كمجال رئيسي لوجودي في تويتر كلما ابتعدت قليلاً. وأكد الخالدي: هذه الوسائل عبر السوشال ميديا حررتنا من سطوة الإعلام المقروء الذي قد يتحكم بما نرغب بنشره، أو ينشره بصورة لا ترضينا من حيث الأخطاء المطبعية، والتأخر في النشر، كما أنه ساهم في تنشيط «لياقتنا الإبداعية»، إن صح التعبير، من خلال الكتابة شبه اليومية، والتفاعل السريع مع الحالة الشعرية العامة، والتعاطي الدائم مع الساحة الشعرية. ومن فوائد تويتر أيضاً أنه أصبح مساحة إعلانية لإصداراتنا ومواعيد أمسياتنا وتغطياتها، ونشر الروابط المختصة بأخبارنا وأشعارنا، وكذلك صار فرصة للتواصل مع شعراء وأدباء وقراء تفصلنا عنهم المسافات والحدود، ولكنه لا يخلو من عيوب، منها أنه قد يجعلنا أسرى لمساحة قصيرة لنشر الشعر، فنحجم الفكرة أحياناً في بيتين أو مقطع قصير، مما يؤثر على رغبتنا بإنتاج نصوص متكاملة، كما أنه يضعنا تحت سطوة المزاج العام، فقد يكون الجميع منشغلين بحدث سياسي مهم، مما لا يدع الفرصة لمشاركة إنسانية أو عاطفية مثلاً في ذلك الوقت. وختم بقوله: إن تنوع مشارب المتابعين قد يصدم الشاعر أحياناً بردود فعل لا تمت للشعر بصلة، وعليه أحياناً أن يرد عليها، أو يتفاعل معها، مما يدخله أحياناً في جدل لا طائل منه، أو يجعلنا نحجم عن نشر ما نريد ابتعاداً عن هذه الحوارات العقيمة، مع وضع اعتبار حقيقي للفرق بين انتشار القصائد قبل وبعد هذه العوالم الإلكترونية، فلا شك أنه قد صار أفضل الآن، ولكن لذلك ضريبة يجب أن ندفعها، وهو ما عنيته. التفاف الجمهور حول الشاعر الشاعر سالم الرميضي قال: كان هناك سابقا جمهور للشعر حاضر في أرجاء الوطن العربي وانتشار لون واحد من الشعر وتسيده بسبب ترويج قنوات وفضائيات له، على مدى نصف القرن الماضي، ولن أتكلم هنا عن جودته الفنية وعمقه، وإنما أعني عدم عنايته بالمتلقي إطلاقا، فهو لون نخبوي لا يتلذذ فيه إلا شعراؤه ونقاده وقليل جدا من القراء النوعيين، كل هذا ساهم في ابتعاد الجمهور المثقف غير الشاعر والجمهور الأقل ثقافة عن كل فعاليات الشعر أو أغلبها، لشعورهم بأنهم غير ممثلين فيها. فلما جاءت وسائل التواصل الحديثة التي تجاوزت أحادية طرح الوسائل التقليدية وقدمت كل البدائل، استطاع هذا الجمهور العريض أن يلتف حول الشعراء من جديد وأن يتعرف عليهم أكثر بملء إرادته، لا بدعم من مجلة أو قناة تلفزيونية أو جريدة، ولعل هذا يفسر لماذا نرى متابعي الشعراء عندنا في الكويت يتجاوزون العشرة آلاف متابع، في وسائل التواصل الاجتماعي، وربما أغلبهم ما كانوا يتكلفون الاهتمام بالحضور لأي أمسية لولا هذه الوسائل. وأضاف الرميضي: أتوقع أن علينا كشعراء أن ننسق حملاتنا الإعلامية لفعالياتنا الثقافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فلو فرضنا أن المهتمين الحقيقيين بالشعر يمثلون أقل نسبة ممكنة 0.1٪ مثلا فهذا يعني أن لدينا أكثر من أربعة آلاف مواطن ومقيم مهتمين بالشعر، فلو عملنا على إيصال الدعوة لهم جميعا لأي فعالية وحضر منهم العشر (10٪) فهذا يعني 400 شخص يحضرون للفعالية الثقافية، وهو عدد كبير جدا في الأعراف الثقافية الاعتيادية، وأعمل الآن أنا باسم منتدى المبدعين كوني رئيسه وعدد من رؤساء الملتقيات الثقافية الفاعلة في الكويت مثل الملتقى الثقافي وملتقى الثلاثاء وغيرها، على خطة إعلامية كهذه تعتمد على السوشال ميديا اعتمادا كليا وتهدف لإيصال صوت الملتقيات لأكبر عدد من المهتمين الحقيقيين بالثقافة بشكل عام. بالنسبة لتجربتي الخاصة فقد لمست من جمهور وسائل التواصل ميلا شديدا للشعر، خصوصا في تويتر، فالبيت والبيتان لها سرعة انتشار النار بالهشيم، وقد لاحظنا بعض الشعراء الذين لم يطبعوا ديوانا واحدا يصل عدد متابعيهم (الحقيقيين) إلى أعداد مهولة، ويرصد هذا من معدل الريتويت والفيفرت بشكل مستمر، أما أنا فأعترف بأنها فتحت لي أجواء واسعة جدا، حيث أصبحت دواويني تصل لقراء ألتقي بهم للمرة الأولى في حياتي، ولا سيما في المعارض الخليجية والعربية، حيث بيع ديواني «عناقيد الذهب» في عمان والرياض على سبيل المثال بنسخ فاقت عدد مبيعات الكويت، مع العلم بأنني شخصيا لم أحضر لتلك المعارض لتوقيع الكتاب. بينما ديواني الأخير «إطلالة على الصبا» نفدت نسخه الألف في معرضي الشارقة والكويت فقط. وهذا كله بفضل الله سبحانه ثم وسائل التواصل الاجتماعي. وسائل التواصل أفسدت الشعر ولم تنقذه الشاعر مصعب الرويشد له وجهة نظر مختلفة فهو يرى أن: الشعر مادة روحية، من الطبيعي أن تعيدها وسائل التواصل الاجتماعي إلى صدارة المشهد الإنساني، وتقدمها للجمهور بشكل أجمل مما كان سابقاً، إذ كان محصوراً في الدواوين المكدسة، والأمسيات النخبوية، أما الآن فهو بين الأيادي، وفي كل المحافل. وقال الرويشد: إن السوشال ميديا أبرزت أسماء الشعراء وصورهم وأصواتهم، وأصبحوا يزاحمون في شهرتهم أهل الفن والمسرح، ولكن هل بذلك تكون قد أنقذت الشعر؟ لا أعتقد، وأخشى أن أقول إنها أفسدته، لأن الشهرة والجماهيرية أكبر أعداء الشعر الحقيقي والروحي المبني على تواصل المتلقي مع النص بأكبر قدر من الصفاء والشفافية، بعيداً عن الذوق العام والتصفيق الذي تستجلبه غالباً المجاملة وذكر: بالنسبة لي كانت قصائدي منتشرة في فضاء الإنترنت عبر المدونات، والأمسيات التي تتم تغطيتها وعبر الصحافة الورقية أيضاً، أما اليوم بعد نشر ديواني الأول، أحجمت عن نشر القصائد الجديدة في وسائل التواصل لسبب واضح، وهو أنها ليست الفضاء المناسب للنوع الذي أكتبه من الشعر، أحرص غالباً على الصدمة والعنف والمكاشفة، وهذا أقل الشعر جماهيرية وانتشاراً بين عامة القراء ولهذا أعتقد أنه لا ينبغي للشعر أن يقدم نفسه بقدر ما ينبغي للشاعر أن يقدم ما يكتبه لنفسه ولقارئ حقيقي لا يبحث عن الصورة الرنانة والدهشة المؤقتة. لا عدالة للمنتج الإبداعي الشاعر حمد الزمامي قال: بالنسبة لوسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة، فلها لاشك تأثيرها على الشعر والمشهد الشعري؛ فشخصياً أرى أنها قد ساهمت بشكل واضح في تسليط الضوء على مواهب جديدة تكشفت للجمهور. ولكنها، من جانب آخر وبسبب طبيعة هذه الوسائل وإيقاعها السريع، وضعت الميزان في كف كل نوعيات الجماهير فتسببت في شيء من اللاعدالة للمنتج الإبداعي، ولكن تبقى ثقة المبدع بنفسه وبنتاجه هي الحكم الأهم. ليدركوا الفرق بين الشعر والشعير الشاعر دخيل الخليفة صاحب التجربة الأعمق، له رأي سابق حول ظاهرة السوشال ميديا، التي يرى أنها غيرت كثيرا من المفاهيم، وفتحت آفاقا مطلقة للنشر، بحيث أعطت حرية غير مقيدة، منطلقة من الاستعداد والتقييم الذاتي، وليست مرتبطة بمفاهيم يحددها النقد أو الواقع أو الشروط الإبداعية والمهنية، هذا الأمر منح بطاقة عبور لبعض الدخلاء وعديمي الموهبة، لينشروا ما يجول في خواطرهم، مما قد لا ينتمي لأي جنس أدبي محدد. غير أن آخرين طوروا من قدراتهم واستفادوا من احتكاكهم اليومي بالمبدعين، فتجاوزوا مرحلة البدايات ومازالوا يركزون على كيفية تطوير موهبتهم. إن سهولة النشر سلاح ذو حدين، لا يحرض الشاب على ابتكار حيل أسلوبية تمكنه من التفرد، مع ضرورة التفريق هنا بين شاب مازال يتعلم وكبار عشقوا النشر في المواقع الإلكترونية، إيمانا منهم بأنها الأوسع . ويبقى الرهان أولا وأخيرا على ذائقة المتلقي الواعي الذي يفرق بين الشعر والشعير.