تمكنت (الراكوبة) من وضع يدها على تقرير المراجع العام التابع للحكومة، عن شركة الصمغ العربي التي كانت تعتبر من اكبر الشركات القومية، التي ترفد الخزانة العامة بمداخيل كبيرة من النقد الاجنبي، قبل ان تتحول الى ركام بفعل الفساد الكبير، الذي نخر في جسد الشركة، بعدما اضحى التعيين يتم فيها وفقا للولاء السياسي، كما اشار لذلك تقرير المراجع العام. وتعد شركة الصمغ العربي التي تأسست في 18 ديسمبر 1969م، بديلا لسياسة التحرير التي كانت سائدة قبل ذاك التاريخ، بهدف تنظيم تجارة الصمغ العربي محلياً وعالمياً. وظلت الشركة تعمل وفقا لسياسات قومية، لكن في العام 1995م تغيرت سياسة الشركة وانتقلت من نظام الشراء عن طريق الوكلاء الى الشراء المباشر من خلال فتح العديد من الفروع في مناطق الانتاج، لكن يلاحظ أن ذلك تم بدون دراسة، وتخلل ذلك تعيين اعداد كبيرة من الموظفين بدون اسس اختيار سليمة، مما كان سببا في الترهل الوظيفي، لتقوم الشركة بتسريح العديد منهم واعادة هيكلتهم في العام 1999م والعام 2004م. وقال التقرير الحكومي الذي حوى اعترافات مثيرة "إن وظيفة مدير عام الشركة شهدت استقرارا منذ العام 1969م وحتى العام 1989م، الا ان هذا الوضع تغير منذ العام 1995م وحتى تاريخه، حيث كان التعيين يتم لاعتبارات عدة، حيث تعاقب على الشركة اكثر من 10 مدراء، مما كان له الاثر السلبي في الاستقرار الادراي بالشركة". واكد التقرير الحكومي أن "الشركة قامت خلال الفترة من العام 1989م وحتى العام 2002م ببيع كل المخزون الاستراتيجي الذي كان يقدر بحوالي 40 الف طن من الصمغ العربي والدخول في استثمارات فاشلة منها: مصنع القوار الذي جاء بالشراكة مع مصرف التنمية التعاوني، وايضا مصنع الباقير الذي لم يتم تشغيله بصورة كاملة رغم المبالغ الطائلة التي صُرفت عليه، وايضا شراء شركة الخرطوم لتصنيع الصمغ العربي (تمت تصفيتها بخسائر تحملتها شركة الصمغ العربي)، وايضا مكتب الشركة بدولة تشاد الذي تم اغلاقه منذ العام 2008م. المهم ان شركة الصمغ العربي مرّت بازمات حادة، عصفت بها وجعلتها خارج دائرة الانتاج، وجعلتها من اكبر الشركات الحكومية الخاسرة التي نخر فيها الفساد، بل ان فضيحة شركة الصمغ العربي لا تقل عن فضيحة شركة الاقطان الشهيرة. ففي الحالتين الخسائر بلغت مليارات كثيرة، ونهب المفسدون كل موارد الشركة. المخالفات الادارية الكبيرة التي وقعت فيها شركة الصمغ العربي، والازمات المتواصلة، جعلتها نهبا للمفسدين الذين قضوا على الاخضر واليابس لدرجة ان لجان التسيير التي تشكلها الحكومة لتسوية ازمات الشركة، تجد نفسها مضطرة لبيع منقولات وومتلكات واصول الشركة لسداد حقوق العاملين ومخصصات مجلس ادارة الشركة. وفي الفترة من 2012م وحتى 2014م تم بيع بعض الاصول بمبلغ (34,511,755) جنيه، اي اربعة وثلاثين مليار وخمسمائة واحد عشر مليونا وسبعمائة خمسة وخمسين الف جنيه. وشملت الاصول التي تم بيعها: حافلة هايس (لوحة رقم 7505)، وتايوتا دبل كاب (لوحة رقم 1169)، وتايوتا دبل كاب (لوحة رقم 42350)، وتايوتا دبل كاب (لوحة رقم 32340)، وبوكس تايوتا (لوحة رقم 31823)، تايوتا كرونا (لوحة رقم 340793)، حافلة هايس (لوحة رقم 6662)، تايوتا دبل كاب (لوحة رقم 19549)، عربة بولو (لوحة رقم 35247)، وايضا عدد ستة لوري بدفورد (لوحات رقم 6610 – 6611 – 6612 – 6613 – 6614 - 6615)، وايضا عربة فيرنا، بجانب قطعة ارض رقم (3) بالباقير، مصنع تايلاند بانكوك (تملك فيه الشركة نسبة 65%)، وايضاتم بيع قطعة ارض (15) الذي يضم مبنى رئاسة الشركة نفسه والذي تم بيعه بمبلغ (30,000,000) اي ثلاثين مليار جنيه. وكل ذلك من اجل سداد جزء من مخصصات مجلس الادارة ومستحقات العاملين ومصروفات التسيير. مع العلم انه تم الحجز على الكثير من اصول الشركة بواسطة المحاكم لصالح جهات أو اشخاص اشتكوا الشركة لتحصيل مستحقاتهم ومديونياتهم عليها. ووصل الفساد مرحلة ان يرفض بعض اعضاء مجلس الادارة تسليم العربات التي بحوزتهم لرئاسة الشركة بالخرطوم، حتى كتابة تقرير المراجع العام التابع للحكومة, على الرغم من إخطارهم وتوجيههم بقرار من مجلس الادارة، مع ملاحظة أن نشاط الشركة قد توقف. ورفض عضو مجلس ادارة شركة الصمغ العربي ابراهيم حسن عبد القيوم تسليم عربة لاندكروزر (لوحة رقم 2073). وايضا رفض عضو مجلس ادارة شركة الصمغ العربي مصطفى داؤود تسليم عربة هايلوكس دبل كاب (لوحة رقم 72861). وايضا رفض معاوية احمد الماحي وهو مستشار غير متفرغ لشركة الصمغ العربي، تسليم عربة كوريلا (لوحة رقم 24590). وذكر تقرير المراجع العام أن نشاط الشركة متوقف، لكن مع ذلك فهناك عربات يتم استخدامها في انشطة اخرى خاصة. واوصى التقرير الحكومي بمعاقبة كل اعضاء مجلس الادارة الذين تصرفوا في بيع الاصول، التي قالوا انهم باعوها وفقا للمادة (13) من عقد تأسيس الشركة ونظامها الاساسي. وقال التقرير ان تلك المادة تخوّل لهم بيع الاصول لاغراض التطوير وليس لاغراض التخلص او سداد الالتزامات، مما يستوجب محاسبة كل اعضاء المجلس. وكانت الشركة تمتلك ثلاثة مكاتب استثمارية خارجية بكل من دبيوتايلاندوتشاد، لكن تم بيع تلك المكاتب في ظروف غامضة، وبطريقة تكشف حجم التلاعب بالمال العام. فقد تم بيع مكتب تايلاند بموجب قرار مجلس الادارة رقم (4/5) بتاريخ 4 اكتوبر 2012م، لشركة الاتجاهات. وتم تسليم مكتب تشاد لشخص يدعى محمد جبريل الحر (تشادي الجنسية) بواسطة المدير المالي السابق "إبن عمر محمد آدم" بناء علىً على توجيه احمد مهدي ابراهيم مدير المكاتب الخارجية في العام 2008م بما فيه من اصول ومخزونات واستثمارات وارصدة نقدية. وقال تقرير المراجع العام الحكومي "أنه لم تتوفر لمجلس الادارة او لجنة التسيير أي معلومات عن مصير مكتب تشاد حتى كتابة التقرير". كما تم ايقاف نشاط مكتب دبي، مع أن اخر مراجعة له كانت في العام 2010م بواسطة مراجع قانوني خارجي. ما يعني ان الحكومة لا تعرف عن المكتب اي شئ منذ العام 2010م. وكل هذه الاخفاقات المتتالية، والتلاعب الكبير بالمال العام، مقرونا مع الفساد المالي والادراي ادى لتراكم مديونيات كبيرة جدا على شركة الصمغ العربي، وتبعا لذلك بلغت الألتزامات حسب الارصدة الموجودة في الحسابات حتى 18 مارس 2014م مبلغ (272,485,261,24) جنيه، أي مئتان واثنان وسبعين مليار واربعمائة خمسة وثمانين مليون ومئتان وواحد وستين واربعة وعشرين جنيه. وهي عبارة عن تمويل افراد وبنوك ودائنون تجاريون وعاملون تركوا الخدمة ومستحقات العاملين والضرائب والزكاة وارباح الاسهم ومستحقات العاملين بعد الهيكلة. وذكر التقرير الحكومي الذي حصلت عليه (الراكوبة) من مصادرها، أن عضو مجلس ادارة شركة الصمغ العربي سيد محمد احمد طاهر قام باستلام (62) طن من الصمغ بسعر 2600 دولار من مكتب دبي بغرض بيعها لسداد ديون بعض التجار، بموجب خطاب مجلس الادارة بالنمرة ش ص ع/م ر/2012م، لكن لم يتم التحقق من قيمة بيع كمية الصمغ وسدادها لصالح الدائنيين. بل ان الادارة التنفيذية اكدت انه لم يتم مدها باي مستندات لاجراء القيود المحاسبية. واشار التقرير الى انه تم تكوين لجنة لتحصيل الديون برئاسة ابراهيم حسن عبد القيوم وعدد ستة اخرين، وظللت تتحصل بعض المديونيات وعمل تسويات مع الدائنين، لكنها رفضت تقديم اي مستندات عن المبالغ التي تم تحصيلها الى المراجع العام. بل ان رئيس اللجنة ابراهيم حسن عبد القيوم وهو عضو مجلس الادارة رفض تسليم عربة لاندكروزر (تحمل اللوحة رقم 2073). وبلغت مخصصات مجلس الادارة ارقاما خرافية وظلت تلك المخصصات على الرغم من توقف نشاط الشركة فعليا، ووصلت تلك المخصصات حتى 13 ديمبر 2013م مبلغ 1,341,402 جنيه. الملاحظة المهمة هي ان كشف المخصصات ضم اسماء بعض الذين انتهت علاقتهم بشركة الصمغ العربي مثل وزير الصناعة الحالي السميح الصديق الذي ظل اسمه موجود ضمن قائمة المخصصات المستحقة لاعضاء مجلس الادارة. ويلاحظ ان مجلس الادارة قام بتعديل مكافأة اعضاء المجلس البالغة 75000 الف جنيه والتي كانت تُمنح مرة واحدة لكل عضو خلال فترة عمله بالمجلس، الا ان مجلس الادارة درج على منح هذه المكافأة بنهاية كل سنتين، بموجب القرار رقم 3/4/2008م دون الرجوع الى الجمعية العمومية، وهو ما اسهم في خسارة الشركة الكبيرة. وطالب التقرير الحكومي الرسمي باسترداد كل الاموال التي تم صرفها للاعضاء في ظل توقف النشاط. العبث بالمال العام وصل مرحلة ان يتم سحب مبلغ 2,755,98 دولار امريكي، أي اثنين مليون وسبعمائة خمسة وخمسين ألف وثمانية وتسعين دولار من حساب شركة الصمغ العربي رقم (1152) اجنبي طرف البنك السوداني الفرنسي بالشيك المصرفي رقم (2476) في قضية احدي شركات التنمية، دون علم شركة الصمغ العربي، ولم تقم الشركة بمناهضة القرار، على الرغم من وجود مستشار قانوني ومجموعة من المحامين بالشركة.