كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن جاذبية (داعش) وهرولة طلبة سودانيين الي أحضانه!!
نشر في الراكوبة يوم 12 - 04 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالله مكاوي
يبدو أن تسارع الأحداث، أو إندفاعها من رحم الغيب دون مقدمات، يفرض نفسه علي الساحة، ويضغط علي مكامن الإهتمام الإعلامي! وتاليا تنزوي رغبات في تناول مواضيع أخري، رغم إستحقاقها إهتمام لا يقل أهمية عن تلك الأحداث المستجدة. ونعني، إن مشكلة اليمن طغت علي الأحداث، وجعلت تناول أمور أخري، وكأنها نوافل يمكن تأجيلها او الإنصراف عنها بالكلية! والسبب، كنت في وارد تناول المسألة الداعشية، وإنخراط جزء من الشبيبة السودانية في دوامتها. ولكن جزا الله المصائب عنا كل خير، فبعظمة مصائب الغير تهون عليكك مصيبتك، او هذا من باب عزاء الإنسان السوداني الصابر(العاجز!) والمحاصر بالمصائب من كل إتجاه! وكأن قدره أن يحكمه قاصرون، يبددون ثرواته ويحولون نعمه الي نغمة وأمنه الي إحتراب، وسلامة وطنه الي أجزاء مفككة، غادر بعضها وتهدد الأجزاء الأخري بخطر المفارقة، ويا لها من مفارقة تدمي القلوب. ولا ندري بعد ذهاب ريحه، ماذا سيحكم هؤلاء المساخيط؟ او علي ماذا يراهنون والوطن يتسرب من بين أياديهم الآثمة!؟ وهذا بالطبع إذا كان هنالك بقية عقل او شذرات من الإحساس والوطنية، التي تجرد منها أولئك الفتية الأغرار، كمكانة وكأفعال وكتاريخ يفرض حكمه الصارم، وكغفلة عن حكمة مكتوبة علي لوحه العظيم، وما أنفك يرددها علي مر الزمان(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا).
ولكن هل هي مصيبة وطن، أم أزمة عالمية تعتصر الإنسان المعاصر! خصوصا بعد أن إستنفدت الحداثة أغراضها والتنوير وعوده، أو تمت إزاحتهما بواسطة الراسمالية، في نسختها الإستهلاكية الأكثر تشوها! وسبب الأزمة لا يكمن في رداءة النموذج الراسمالي وشهيته المفتوحة علي التوحش فقط! ولكن بشكل أساس، لأن جزء كبير من التطور المادي الحادث الآن، وإمكانات وصوله الي مراتب أعلي مستقبلا، مرتبطة عضويا بهذا النموذج الراسمالي الأسوأ! والسبب، إن هذه الروح الراسمالية في حقيقتها متأصلة داخل الفطرة البشرية في طورها البدائي(كحوافز ودوافع تخاطب فيها مواقع لم يتم تهذيبها بما فيه الكفاية!) والساعية دوما للتميز، وتاليا إشباع شهوات التملك والإحتكار والسيطرة والسلطة والقوة والنفوذ! وكل تلك النوازع تجد تعبيراتها المناسبة داخل النموذج الراسمالي، إن لم تكن مصممة له وباعثة علي تواجده من العدم! أي كنموذج يخاطب الغرائز ويعظم وسائل الإشباع ويزين طرق الوصول والحصول عليها! أكثر من كونه مشروع يخاطب الروح او يحفل بالمشاعر او يحتفي بالقيم ومكارم الأخلاق او يضع إعتبار لحقوق الإنسان المعاصر المادية/المعنوية او حقوق الأجيال القادمة! إلا كهوامش لا تنتقص من هيبة ورفعة ونفاذية متن النظام الراسمالي، او تمس بخاطر نمذجته وتفوقه(السوبر حضاري!). ومؤكد إن تواجد هكذا مشروع إستغلالي، يمثل طامة وإنتكاسة محبطة في مسار البشرية! ولكن الطامة الكبري، أنه أصبح المشروع السائد! وتاليا فرض معاييره للإقتصاد والسياسة والإجتماع وحقوق الإنسان والقيم..الخ! علما بأنها معايير تدعو لسيطرة القوة(ذكاء سلاح مال جمال مواهب مكانة..الخ) وتاليا تدني محتوي الأخلاقية والروابط التكافلية التضامنية الإجتماعية لأدني مستوي! وهنا بالتحديد يبرز خواء هذا المشروع، وخطورة إفرازاته، ليس علي الآخرين، ضحايا هذا المشروع وهم الغالبية، أي ما يقارب(95%) من سكان المعمورة! ولكن لخطورتها علي الحياة ذاتها، وبما فيها الفئة المسيطرة(الباغية!) علي هذا النظام، وتسيِّر مفاعيل وإتجاهات ومصالح عمله! وذلك إما عبر تشجيعها علي تنامي السخط العام، وتزايد مساحات وقطاعات الإحتجاجات السلمية(علما بأن هذه السلمية ليست مفتوحة علي السيطرة وعلي الدوام!) الرافضة للنموذج وإفرازاته الضارة! او عبر خلق حالات تمرد تستهدف ضرب، ليس قيمه الخاوية أصلا، ولكن أفراد وقواعد عمل هذا النظام، وبطريقة تمردية عنفية ليس لها من ضابط، بعد أن إحتقرت قواعد الضبط ذاتها! والحال هكذا، يصبح (داعش) ليس كائن مسخوي لا عقلاني دموي فقط! ولكنه تعبير عن تشوهات او إختلالات يمر بها العالم العريض ككل! بمعني آخر(داعش) يمثل صرخة الرفض لهذه الأوضاع القائمة! ولكنه يمثل بصورة أكبر، حالة العجر المطلق عن التصدي لها! أي بدلا عن محاولة وعيها وتفسيرها، في ضوء الظروف المحيطة والمرحلة التاريخية الحاكمة ودرجة التطور الماثلة! ومن ثم إبتكار وسائل وبرامج ومشاريع جديدة، للتصدي للمشروع المضاد! ولكن من دون إهدار ما تم الحصول عليه من قيم، وإنجازه من معارف، وإحرازه من مكاسب، خلال رحلة تطور الحياة. نجده وبكل حماقة وقصر نظر وتهور، وليس قليلا من الجهل! لجأ الي أكثر الحلول دموية، ومعاداة للتفكير العاقل والشخصية الناضجة والوجدان السليم! وتاليا المحاولة اليائسة لتحطيم النموذج القائم! وذلك ليس بإستدعاء نموذج تاريخي كان إبن عصره وظروفه فقط، ولكن بالتمسك بأسوأ لحظات ذاك التاريخ وممارساته! أي ليس السعي الساذج لنقل التاريخ حرفيا، رغما عن كاريكاتورية وإستحالة ذلك النقل! ولكن وبصورة أخص، نقل أزمات ذلك التاريخ! ولكن بصورة أكثر قداسة وأشد خطورة! لدرجة أنها تبرر القتل والظلم وإنتهاك حقوق الآخر! ليس كوسائل تتقصد تحقيق أهداف مقدسة فقط!! ولكن كغايات تعلي من شأن تلك الإنتهاكات وتكسبها أبعاد دينية! أي تجاوز حتي لأصول الدين الإسلامي، الذي يدعون الإنطلاق منه والإستناد علي تعاليمه!!
ولكن هل تلك المواجهة تبرر لداعش أفعالها؟! بمعني آخر، هل رؤية بعض الإسلامويين لسلوك داعش، علي أنه رد لمظالم دول عظمي او مظالم تاريخية! ينفي حقيقته أنه فقط صدر عن إسلامويين! بالطبع لا! ولكن رفض الرؤية الإسلاموية ينتج، لأنها تأتي بصورة تبريرية إيدويولوجية وليست تحليلية معرفية، تتوخي المقاربات المفضية لوضع الحلول والمعالجات الممكنة او طرق المواجهة الناجعة! والأمر الآخر، إن الإسلامويين وكعادتهم التبسيطية التعميمية المخلة، يغفلون عن كل الأعطاب الأخري، التي أدت لظهور نموذج(داعش!) ويحشرونها كلها في جحر عدوان نظام إسرائيل وظلم العالم الغربي! (وكأنه ليس هنالك ظلم وعدوان أكثر شراسة من بعض الفئات في الداخل، من الإستبدادويين بصفة عامة ومن الإسلامويين بصورة أخص!). وتلك الإستراتيجية الإسلاموية ليست مصادفة، ولكنها مقصودة لذاتها! وذلك لأن الأسباب الذاتية التي أفضت الي بروز نموذج(داعش!) هي نفس الأسباب التي أخرجت لنا نموذج الإسلامويين ككل، من قمقم التاريخ! وهو ما يعني إستدعاء كل التاريخ الإسلامي، بمحنه وحروبه وصراعه علي السلطة! وبكلمة واحدة، تاريخ نفي المسلمين العاديين من الحياة الطبيعية، عبر شغلهم وعلي مدار تاريخهم بمسائل نخبوية(الخلافة/صراع السلطة) تهم أفراد محددين، يتطلعون الي السلطة والتحكم في الآخرين! بمعني آخر، تاريخ الإسلام هو تاريخ الصراع علي السلطة، وليس التدافع في الحياة من أجل تطويرها وترقيتها في كل المجالات! وبما أنه تاريخ صراع علي السلطة! فتاليا وقوده هم بسطاء المسلمين، الذين تتدني درجة سويتهم، الي مجرد جنود في مشروع إمبراطوري سلطوي يخدم متبنيه او سادته! ولا يصدف أن يكون هؤلاء السادة، من الأنانية والطمع والتهور والظلم والجهل وإحداث الخراب العميم بمكان! وبكلمة واضحة، الدين أستخدم كوسيلة حينا وكوظيفة في كل الأحيان! تضفي شرعية علي السلطات الحاكمة والمجموعات المتحكمة في جمهور المسلمين! أما الدين كعقيدة تستهدف ترقية النفس وترطيب الوجدان والسمو بهما عاليا. فهذا ما كان في ندرة لبن الطير، في هذا التاريخ الدامي الرهيب! وهو ما يستدعي حاضرا، إعادة تموضع الدين في الحياة العامة، والنأي به عن حلبة الصراع علي السلطة او التنافس علي منافع الدنيا الزائلة! لأن في هذا رد إعتبار للدين، بقدر ما فيه تحرير للسياسة والحياة!
بناءً علي أعلاه يمثل (داعش) أحد تمظهرات الأزمة الإنسانية المعاصرة، في بعدها الديني الأكثر حساسية وخطورة! أي عندما يتلبس الصراع الأرضي علي النفوذ والسيطرة، اللباس الديني! وتاليا يستقطب أتباع الدين البسطاء، وبغض النظر عن أهدافهم الحقيقية او تباين مشاربهم الجغرافية او منابتهم الإجتماعية او توزيعاتهم الطبقية! والسبب في ذلك بسيط، لأن سؤال الدين وفي الحقيقة إجابات الدين الإيدويولوجية! هي ما يمنح كل الأسئلة الوجودية، وبمختلف تعقيداتها وتشعباتها وأبعادها الحياتية والمحلية والخارجية، إجابات سحرية او ساهلة ومضمونة ومطمئنة! او علي الأقل مُرضية لكل صاحب حاجة او عاهة جسدية/عقلية/نفسية! وبطبيعة الحال، هذا ليس بدين! ولكنه و في أفضل حالاته، يحيل الي السلامة الرغبوية، او مخرج آمن من التورط في التفكير والإقتناع عبره، أو إحتمالية جرح خاطر الإطمئنان الوثوقي، هذا من ناحية! أو تحمل مسؤولية المواجهة والإقناع وتقبل الآخر المختلف(وجوده يشكك في الفكرة/العقيدة المثالية برمتها!) من الجهة المقابلة! في هذا الإتجاه، (داعش) يشكل أزمة في حد ذاته، وليس حلا لإشكالات وجودية او تعقيدات سياسية او مادية او إجتماعية او تاريخية، او تفاوت وتبعية في علاقات خارجية، علي الأرض وفي عين الواقع! بتعبير آخر، (داعش) يمثل حالة عصبية هروبية من مواجهة إشكالات محلية معقدة او إختلالات خارجية متحيزة! وتاليا فهو يشكل حضن آمن، لحلول هلوسية وتفكير جنوني ونفسيات مريضة! ولعلمه مسبقا إن حلوله غير عملية وغير مواكبة وغير مقنعة للغالبية العظمي! لذلك لجأ بوعيه او بدونه، لحيلة إلباس مشروعه الطابع الديني المقدس، وذلك لسببين، أولا، منع مساءلته او التصدي له! وثانيا، تبرير التخلص من الخصوم او المعترضين بكل الوسائل! بل تصبح كل الوسائل مشروعة ومفضلة طالما كانت الغاية مشروعة (الدين المفتري عليه!). أي ليس لواقعيتها او معقوليتها او صحتها او شرعيتها، ولكن فقط بسبب دينيتها! حتي ولو كانت دينية مفارقة لروح الدين! إذا صح أعلاه، فهذا يعني، إن(داعش) مشروع منحرف وشاذ، فوق أنه جنوني وعدمي، وصادم للحس الإنساني السليم، ناهيك عن السلوك الديني القويم! وتاليا من ينتمي لتنظيم بهذه المواصفات، لأبد أنه يعاني بدوره من تشوهات نفسية او إجتماعية او إقتصادية..الخ! وهذا ما يبرر تعدد مشارب وجهات المنتمين لداعش! أي داعش يشكل منطقة جذب، لكل من يعاني إشكالات إجتماعية طبقية، إقتصادية مادية، سياسية إستبدادية..الخ، يعجز عن حلها او مواجهتها! وتاليا إنتماءه لداعش هو نوع من التعويض عن حالة الفشل في إثبات الذات او إنجاز أهداف صعبة المنال(نجومية/شهرة!) او الهروب من بيئة معادية للفرد بشكل او بآخر، او البحث عن هدف نبيل يضيف للحياة معني مقدس وجدوي إجتماعية، تكسب صاحبها مكانة خاصة وسط (الأسرة الأصدقاء او المجموعة التي ينتمي لها بصفة عامة!). وبما أنه مسبقا يفتقد للتوازن النفسي او العقلي! او قد يعاني من الحساسية الزائدة الرافضة للواقع! فإنه يحاول مواجهة الواقع، ولكن بطريقة (شمشونية/نيرونية!) أي هدم الواقع بمن وبما فيه! بدلا من السعي لتغييره او تعديله، عن طريق بناء علاقات تضامن ومشاركة مع أكبر قدر من الآخرين، الواعون بطبيعة التعقيدات والراغبون في التغيير.
ولكن إذا صح ذلك، كيف نبرر التجاوب مع كمية العنف المهول، الذي يمارسه هذا التنظيم بدم بارد؟! وغالبا ضد أبرياء لم يتسببوا في هذا الواقع، الذي يرفضه (داعش) وأصحابه، إن لم يكن هم ضحاياه بصورة او أخري! وللغرابة هنا بالتحديد يكمن جزء كبير من جاذبية(داعش)! وهو الإنتقام من الحاضر وقوانين وقيِّم ومعارف الحاضر! بصورة مادية، تعبر عن كمية الغضب الذي يعتمل داخل نفوس أفراد(داعش)! وبما أنه غضب إنتقامي أعمي، فتاليا لا يقوي علي التمييز بين الضحايا! فكل فرد غير(داعش) هو بطبيعته عدو او وسيلة لإرهاب العدو(وإعدوا لهم ما أستطعتم من مشاهد رعب وأدوات إرهاب، ترهبون بها الأعداء والمشككين!). أي يصبح الضحية البرئ بمثابة تَمَثُّل لحالة الإنتقام، التي يراد إنزالها بالعدو الأكبر، الغرب الصليبي، وأتباعه في الداخل غير المتدينين كما يجب! أي كل من ليس بداعش يستحق ما يحدث له! بمعني، ما يميز داعش، نشاط او تحرك العقل الباطن(مركز العقد والأمراض والرغبات المكبوتة!) أما العقل الظاهر الذي يعقل الأشياء ويتصدي لإنحرافات العقل الباطن! فهو خامل او معطل بفعل الروح الداعشية المسيطرة. وبما أن الدنيا مجرد مطية للجنة الموعودة، وإضافة الي خبثها وإمتلاءها بالشرور والآثام وفتنتها بالشهوات وإتباع الشياطين! فلأ بأس من أن تخاض في بحور من الدماء! او لا يضيرها كم العنف والقسوة المهولان، طالما كانت الشدة أفضل أدويتها! وهذا غير أن فترتها قصيرة وتشكل فرصة ذهبية للنعيم الأبدي، الذي يكافئ علي قدر العزائم الإنتهاكية ضد الخطائيين والكفار، والروح البطشية التي تميز الأتباع عن غيرهم! ولكن الغريبة، ورغم هذا الخيال الديني الأسطوري والبيئة الرعبوية السائدة التي يحياها الداعشيون، إلا أنهم وكغيرهم من الإسلامويين، لا ينسون نصيبهم من الدنيا! خصوصا علي مستوي السلطة(حب القيادة والمال!) والجنس(حب النساء كأجساد للمتعة!) والشهرة(حب الإعلام والنجومية، وهي خصيصة راسمالية، يفترض أنهم يعادونها!).
ولكن المفاجأة غير السارة، وفي الحقيقة الصادمة، هي إنتماء طلبة من السودان الي تنظيم داعش!! أي تنظيم بكل هذه المواصفات الإرهابية الجنونية المرعبة، التي تغالط ما تعارف عليه، عن الشخصية السودانية! المتآلفة والكاره للعنف(غير صراع السلطة الدموي الذي دشنته ورعته المؤسسة العسكرية ومن بعدها الأجهزة الأمنية، والتصادمات القبلية المحدودة!) والراغبة في العيش بكرامة، والنافرة من الدماء والقسوة المفرطة بصفة عامة! لدرجة صبرها المحير علي ظلم ذوي القربة من الشموليات وضلال العسكريات سنينا طوال، مخافة إن يحدث ما لا يحمد عقباه او تتورط في ظلم او دماء أبرياء! عموما هنالك لحظات او مواقف تمر علي المرء، يتمني فيها لو أنه كان يحلم! او يصحو ليجد أن كابوسا كالإنقاذ او تنظيما شيطانيا كداعش، لم يوجد أصلاً علي سطح الحياة! ولكن للأسف هذا هو ما يحدث، وهذه هي حقائق الحياة الصادمة! التي يجب التعامل معها بما تستحقه، من جدية وصرامة وصلابة في المواجهة، حتي حدوث التغيير المنشود، لهذه الأوضاع الكارثية. فالحياة أقيم من أن تترك ليتسلط عليها شذاذ الآفاق، وأكرم من أن تهان بواسطة إستبداد متسلط او جماعات مهوسة، كارهة ليس للجميع ولكن للحياة ذاتها! لأن الكرامة وحرية الإختيار ومسؤولية التصرف هي حقنا في هذه الحياة، أما الآخرة فلها رب يقوم بشأنها! المهم كنت قبل فترة قصيرة، قد إتهمت البشير بتلفيق قصص دواعش سودانيين او تضخيمها، او علي الأقل لم أصدق روايته وشككت فيها! علي أساس أنه يستثمر كعادته، في رواية إنتماء سودانيين لداعش! بغرض عرض المزيد من الخدمات علي الملوك الخليجيين، لزيادة أهميته وتضخيم دوره! وتاليا إستقطاب أكبر قدر من دعمهم المالي ومساندتهم السياسية. ولكن وبعد سماع هجرة عدد من الطلبة السودانيين، وإرتماءهم وبمحض إرادتهم في إحضان داعش، وقبلها إنضمام بعضهم للجماعت المقاتلة في الصومال ومالي! وضحت الصورة تماما، وهو ما يجب مواجهته! بمعني، حدوث نوع من التحولات الهائلة، علي مستوي الذهنيات والنفسيات والميول والرغبات داخل الوطن، لشرائح عريضة من المواطنين، وبالأخص الشباب! ولا يخفي أنها ظواهر او سلوكيات، لا تخدم مشروع التحرر العام ولا التحول الديمقراطي المطلوب! فوق إنها منبتة وتفتقد للقدوة والمثال الوطني الصالح! كما أنها أكثر هروبية وميل للخلاص الفردي، وفقدان للثقة في المنظمات والإنشطة السياسية، والعمل الجماعي بصفة عامة! وبصورة أكبر كراهة للوطن! وفي الحقيقة هو وطن لم يقدم لهم عشر ما يتطلعون إليه! ولكن المؤكد أنه قدم لهم وبسخاء حاتمي، المزيد من الهموم ووأد الطموحات والآمال وتسفيه الأحلام وقتامة المستقبل! وكذلك إبتلاهم بتقسيمة طبقية حادة! بين من يملكون كل شئ، والذين في الغالب ينحدرون من بيوتات أصحاب السلطة(مباشرة!) او ينتمون الي عوائل يؤيدونها دون تحفظ(غير مباشرة!) أي بمساعدتها او بالصمت عليها، حفاظا علي مكاسبهم التي أفرزتها الحالة الإنقاذوية المنحطة! وبين من لا يملكون، ولا توجد إحتمالية لأن يمتلكوا شيئا في مقبل أيامهم! ولكن ذلك لا يعني، أن من يملكون، لا مشاغل او هموم لهم! علي العكس هي متوافرة ولكنها للأسف مشاغل وهموم تغادر الي خارج الحدود غالبا! للتضامن مع جهات او قضايا خارجية! تملأ ما يعايشونه من فراغ الإهتمام بقضايا محلية لا تعنيهم في شئ! بكلام آخر، بعد مصادرة الحريات والسياسة والإقتصاد او الهموم العامة، لصالح السلطات الحاكمة، وتحكمها في كل الأنشطة الثقافية والإجتماعية والرياضية والإعلامية! وبما فيها الأوساط الطلابية! حدث نوع من إنقطاع التواصل بين الأجيال والطلاب والشباب من ناحية! وطبيعة القضايا التي يتناولونها من الناحية المقابلة. وبما أن الوسط الطلابي نفسه، أصبح يعاني من طبقية تعليمية! وقبلها كان يعاني من تمايزية تخصصية(علمي/شاطر و أدبي/سطحي!) فقد أصبحت الجامعات الإستثمارية الخاصة، تستقطب طلبة لهم مشاغلهم الخاصة، والمعزولة عن الهموم الحقيقية للمجتمع العريض من حولهم! والتي يعبر عنها بقية الطلاب في الجامعات الحكومية، المفقرة أكاديميا وخدميا، كحال مجتمعهم. المهم، أُدخلت في الجامعات الخاصة، ثقافة جديدة علي الأوساط الطلابية، وهي الإبتعاد عن السياسة والتجمعات السياسية! بل وتجريمهما، بوصفهما مجالات تعطيل وتخريب وإنصرافية! وأن الأفضلية العلمية والإجتماعية تنحو نحو التميز الأكاديمي، المجرد من أي أبعاد قيمية او إجتماعية او وطنية! أي ضمور الجانب الإبداعي في شقه السياسي الثقافي الإجتماعي الرياضي..الخ! ومحصلة ذلك، ضمور إحساس التضامن مع المواطن العادي، خارج أسوار الجامعة! وبكلمة محددة، قتل الإهتمام بالشأن العام داخل نفوس الطلاب، وحشرهم في زاوية ضيقة من الإهتمامات الشكلية والعلاقات الغرامية والتكنولوجية. وكل تلك التدابير الإجرامية، تتخذ كتقية، لتحافظ علي إمتيازات الحكام! وهو ما يمكن التعبير عنه، بأنه الوجه الآخر للراسمالية المذكورة آنفا! والتي تعلي من قيمة الذكاء والمواهب والنجومية، بربطها بالتميز المعنوي والمردود المالي الوفير! أي ليس كوسائل يستحسن توظيفها في تحسين شروط الحياة للجميع، بوصفهم مواطنين وقبل ذلك بشر من طين! أي تغليب علاقات المشاركة علي الإحتكار وتقاسم المنفعة العامة علي الإستغلال. المهم، هذا الفراغ الذي يعيشه طلاب الجامعات الخاصة، وذات التخصاصات الطبية علي وجه الخصوص! والتي تعاني تاريخيا من إنحسار او إنعدام العلوم الإجتماعية والفلسفية والتاريخية في مناهجها، وتتعصب بدورها للمعارف الطبية والإمتيازات المهنية أو الطبقة الطبية الإجتماعية المترفة، لو جاز التعبير. ووجدت هذه الشريحة الطلابية، إن أفضل وسيلة لملء فراغها(التشاركي/الشبابي/ الإهتمام بالمحلي!) هو الملجأ الديني او الحضن المقدس الدافء! الذي يعالج شكليا الكبت(الترفيهي النشاطي الإنفتاحي المرتبط بمرحلة الشباب!) هذا من جهة! ويغني العقل والوجدان من نار التساؤلات الحارقة، فيما يخص الوجود الإنساني الزماني(التاريخي) والواقعي(المكاني) والمستقبلي(الغاية) من جهة مقابلة. وكان أفضل منفذ للتعبير عن هذا الإغتراب الداخلي والإضطراب الوجودي! أي لإيجاد الذات التائهة او الممزقة بين التناقضات الواقعية والرغبوية والمعرفية والروحية والداخلية والخارجية، هو الإنتماء ل(داعش)! أي ميزان العدالة الدنيوي، لكل المهوسين دينيا ومضطربين إجتماعيا ومهجسين مغامريا(نجوميا!). من هذا المدخل، يصبح إنتماء طلبة سودانيين ل(داعش!) لا يفرق عن إنتماء غيرهم من المجموعات الأخري. أي العبرة ليست بمواطن او ثقافات المنتمين، ولكن العبرة ترجع لدوافعهم فقط! وهو ما يقودنا مجددا لبيت القصيد! أي ما هي العوامل التي تجعل تنظيم، بكل هذا العنف والجنون والعبث والكره للآخر المختلف، أن يكون مقبولا! ناهيك من إن يكون جاذبا!! والإجابة ببساطة، تكمن في تمدد وسيطرة النموذج الراسمالوي بتوحشه وقيمه التي تعلي من شأن الربحية والإستهلاكية! ويوظف في ذلك كما كررنا، المواهب الخاصة(ذكاء مهارات فنية رياضية إعلامية!) بمعني، إنه جعل التميز منحصر في تخصصات ووظائف ومواهب، بطبيعتها نادرة او ضيقة ولا تسع إلا أعداد محصورة من الأفراد! وتاليا بقدر ما يتم تعظيمها ومنحها المزيد من الشهرة والنجومية، بمردودهما المادي والمعنوي الوفير! بقدر ما يتم تعميم قيمها ومركزية صفاتها وإمتيازاتها ومقدراتها، في الوجدان الجمعي! وكل ذلك يقود لمزيد من الفوارق داخل الدول، وبين الدول بعضها البعض! وبما أن هذه الأوضاع الإمتيازية تتم علي حساب الغالبية! فهذا بدوره مولد للسخط العام(ظاهر او مكتوم!)! وبما أنه أيضا، وسائل التعبير عنه مختلفة، بإختلاف القيم السائدة والمرجعية التاريخية والقانونية..الخ في كل مجتمع! فإن ردات الفعل تاليا تصبح متباينة! في طريقة التعبير عنه، او تتخذ إنماط شتي! وبالأصح يتم إمتصاصه أحيانا، من خلال صنع أوضاع إمتيازية عامة، مثل الإهتمام بالأندية والبطولات الرياضية، وزيادة الصرف عليها، لتستقطب أكبر قدر من الجماهير! وتاليا التنفيس عن غضبها وإحتقاناتها وسخطها، الناجم عن التفاوت الإجتماعي وعلاقات الإستغلال الإقتصادية، وتحكم الطبقات السياسية في مسار الحاضر والتخطيط للمستقبل. أي بقصد حرف الجماهير عن الوعي بعلاقات التسلط والإحتكار والإمتياز، وتاليا تنظيم نفسها من أجل الضغط لتغيير قوانين وقيم الراسمالية المسيطرة! في إتجاه إنجاز اوضاع أكثر عدالة ومشاركة وحرية ومساواة حقيقية! أي لتصب في صالح الغالبية المُستغَلة(هذه ليست شعارات شيوعية بائدة او علامات حقبة ستنية يسارية رومانسية حالمة، ولكنها تعبيرات حزينة ومتحسرة ومشفقة! من أجل إيقاف إفرازات عجلة الراسمالية، المصادرة لبهجة وكرامة الواقع، ومدمرة لفرص المستقبل وحق أجياله!). ونفس الشئ يمكن أن ينطبق علي الإهتمام الدعائي الفائق والصرف البذخي، علي السينما والغناء ووسائل الترفيه الأخري! ولا يقلل من وحشية هذا النموذج، إتاحة فرص المنافسة بعدالة بين الجميع! والسبب، إن الفائزين او الناجحين، سيعيدون إنتاج نفس النموذج، ولكن بوسائل أكثر تطور وإستفادة من التقنيات الحديثة، وتاليا أكثر قدرة علي الإستغلال! أي العطب في تصميم الآلة او البرامج المستخدمة، وليس في عدالة فرصها او إمكانات نجاحها وسيطرتها! وإذا صح ذلك، تصبح محاربة الدول الراسمالية ل(داعش!) هي من باب داوني بالتي كانت هي الداء(بحسب حكمة مجالس اللهو والشراب او غرور الإنتشاء السلطوي!). لأن (داعش!) في أدق تفسيراتها، هي إنعكاس لأمراض وتشوهات وإنحرافات الراسمالية، بإمتداداتها العالمية والداخلية، ومضامينها الإستغلالية الطبقية والإحتكارية السلطوية! وتاليا يصعب علاجها بنفس الأدوات والوصفات المسببة للمرض! بتعبير آخر، إن محاربة(داعش!) تمثل قتال هدري للظل(النتائج)! وترك فاضح للفيل(الجوهر، الراسمالية كمنظومة علاقات حاكمة للحياة، او السبب الحقيقي للأزمات المعاصرة!). أي بعد السيطرة علي (داعش!) رغم صعوبتها(لعدمية داعش، او ليس لديه ما يخسره، علي إعتبار الخسارة قيمة جوهرية في أسلوب عمله وتوجهاته الإنتحارية/الإستشهادية!) فإنه ستتولد دواعش أخري! أكثر فتكا بجموع المواطنين والدول والحضارة الإنسانية! لذلك أي محاربة لداعش لا تتزامن مع مساءلة النظام الراسمالوي، ومواجهة تداعياته، والتصدي لداعميه ومتبني مضامينه وقيمه وعلاقاته الشوهاء! سيكتب لها الفشل او إحراز نجاحات محدودة! يستحيل عليها قفل باب المخاطر أمام الوجود الإنساني. بتعبير آخر، محاربة داعش تبدأ برد الإعتبار لقيم الحداثة، في بعدها التنويري الرامي، للمساواة والعدالة الإجتماعية وإشاعة الحرية وروح العقلانية ومظلة التسامح، بين بني البشر، تحت سقف إنساني، يشترك فيه كل البشر بوصفهم بشر فقط! أي دون إضافات او خصومات! ومؤكد إن مواجهة كهذه لا تستنفر أهل الداخل فقط، ولكنها ذات أبعاد عالمية( لوحدة قضايا ومصير الإنسان!) فوق إنها تواجه نظام دانت له السيطرة شبه المطلقة آنيا! ويجد المعاونة من نخب لا حصر لها، وعلي إمتداد المعمورة! طالما ظل وفيا لمدها بموارد وخصائص، تمنحها التميز المادي والإجتماعي، علي حساب غالبية سكان المعمورة! الأقل مواهب وذكاء ودرجة إنسانية، علي حسب تصنيفات هذا النظام! ولكن المؤكد أنها الأكثر رغبة ومصلحة، في تعديل ميزان نظام العصر المختل. أما في الداخل، فمن دون رد الإعتبار للحياة السياسية الإجتماعية الرياضية الثقافية، داخل كل الجامعات السودانية، وكحق أصيل من حقوق الطلبة! فإنها ستظل بيئة مولدة للمتطرفين ومشجعة علي الإرهاب، ومنفرة من الإهتمام بالشأن العام! وبما أن الشأن الجامعي ليس جزر معزولة عن المجتمع المحيط تماما! فإن تغيير البيئة الخارجية، أي الحياة داخل الوطن بصفة عامة! هي صمام الأمان لحياة جامعية طبيعية ومستقرة ومشجعة علي الإبداع وحسن الأداء. يأمن فيها الآباء علي أبناءهم داخل الجامعات وخارج الوطن او بين ربوعه! والأهم من ذلك إن هذه الحادثة(الهرولية تجاه الداعشية!) أثبتت أن من يضعون أياديهم في المياه الباردة، وينعمون بأحوالهم الإقتصادية المريحة! وفي ظل هذا البؤس المتفشي في الداخل(غالبا هم أحد أسبابه ولو بطريقة غير مباشرة، كتفضيل المحافظة علي إمتيازاتهم مقابل عدم الإكتراث لأوضاع البؤساء او السعي
لتغييرها للأفضل طالما هذا السعي يصطدم بإغضاب الحكام وتاليا تهديد إمتيازاتهم!). هم غير آمنين كما يتوهمون! وإن المصائب والتعقيدات السياسية والإجتماعية والدينية، التي يعتقدون أنها لا تهمهم في شئ، وليست تطولهم بحال من الأحوال، هي أقرب إليهم من حبل الوريد! وعموما تفكير كهذا، فوق أنانيته وقلة مروءته، فإنه يغفل أن التعقيدات الداخلية تمسك برقاب بعضها البعض! وإن تأثيراتها السلبية النهائية ستصيب الجميع، وليس الفقراء والمقهورين والمعارضين حصريا! والإنقاذ نفسها خير نموذج ودليل! لما أحدثته من خراب مادي وقيمي، لم يستثنِ أحدا داخل الوطن بل حتي خارجه! ولذا تغيير هذه الأوضاع الإستبدادية وغير الإنسانية، هي وأجب الجميع! وتاليا تنعكس ثمار تغييرها علي الجميع خيرا وبركة. وهذا بالطبع بعيدا عن شعارات الوطنية والإخوة السودانية وحق الأوطان في دم كل حر..الخ، التي أصبحت لا تغني من تنمية حقيقية ملموس ومعاش أثرها ولا تشبع من جوع ديمقراطي إستطال أمده! كما أنه وللواقع المشاهد الحمد، لا تخدش جلد الأغنياء الجدد او تمس حياء المترفين الغافلين! ولله الحمد من قبل ومن بعد.
كلمة أخيرة
ليعذرنا شاعر الشعب محجوب شريف في غيابه الأبدي، وذكري رحيله تمر والأوضاع تزداد مأساوية وتعقيدا، وقد بدلنا خلفه تبديلا وتقصيرا وتخاذلا، عن إنجاز بضع مقاصده وما أعظمها! او حتي بلوغ مراميه في بناء وطن حي ديمقراطي، ينعم فيه أبسطنا بالحرية والكرامة والمساكن العامرة بالكهرباء والمياه وراحة البال! وبدلا عن ذلك، سكنت السرطانات الأبدان وأمراض الفشل الكلوي البيوت، وسدة الكيماويات والأسمدة جوف الأطعمة والمزروعات والمشروبات! أما عن سرطان الإنقاذ الذي تحكر في السلطة عنوة(رجالة عسكرية بطعم الغدر وقانون السلاح ووعي البداوة وشرعة التلاعب بالدين الحنيف!) وأحال صباح البلاد ووعودها بالتطور، الي ليل بهيم وخراب عميم، فحدث ولا حرج! والمؤسف أنه لم يمنحنا التدهور المريع والسقوط الشنيع، علي كل المستويات فقط! ولكنه نكبنا بمزيد من التشوهات، التي طالت أبناءنا وطلبتنا! لتدفع بهم الي حضن التشوه الأعظم، الذي يمثله سرطان(داعش!). أكثر السرطانات فتكا وتدميرا! أي وصل لحد من العنف والقسوة والتهور والجنون، ما لا يمكن لأحد أن يتصوره، حتي في أكثر أفلام الرعب تطرفا وسيناريوات الخيال العلمي جموحا! وكل ذلك بسبب، سيطرة الثقافة او العادات الإستهلاكية والروح الراسمالية، علي المشهد المعاصر من ناحية! ونسختها الإسلاموية الأكثر تشوها، علي المشهد الشرق أوسطي، من الناحية المقابلة. ولا يمكن نسيان الأنظمة الإستبدادية في مراوحاتها بين جميع النظم والمشاريع المطروحة وخلطها مع بعضها البعض! والخروج منها بكائن هلامي لا لون ولا رائحة ولا طعم له، ولكن ما يميزه فقط، التمسك بالسلطة بأكثر الأساليب دموية وإنحطاط. طبت حيا وميتا حبيبنا محجوب شريف! فمثل جنون وإرهاب وعجائب عصرنا، لا تناسب كائن في وسامتك وتحضرك! وكما إن روحك الإنسانية الشفافة، ونداءات التنبيه للخطر والإنتباه خاصتك! لا تسمع في وجه هذا الزمان الأصم ومشاعره المتبلدة، التي زادها(داعش) تبلدا وجفاف!
كل ذكري ومحجوب شريف بأشعاره البسيطة(الرايقة) المدهشة، وصفاته النبيلة المُشرِّفة! حية بيننا، وفي أيادينا جمر قضيته وفي بالنا سمو أخلاقه ووصاياه، وحبه الكبير للوطن وحرصه علي رفعته، وتقديره العظيم للمواطنين، ورغبته الصادقة في تحريرهم ومنحهم ما يستحقونه من مكانة وإعتبار. اللهم وافر رحمتك وعظيم أجرك للمرحوم محجوب شريف وللوالد الذي يشاركه البساطة والشفافية، ولكل الذين رحلوا والوطن في خاطرهم، مدافرة عوارض وأمنيات تقدم. ودمتم في رعاية الله!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.