استمعت بكثير من التركيز لالبوم (موجة) للمطربة «نانسي عجاج» والالبوم يستحق رؤية تحليلية نقدية عميقة لأنه يجسد مجموعة من المفاهيم والرؤى الفنية التي تفتقر إليها الكثير من الاصدارات الفنية التي استمعت إليها مؤخراً كما ان الالبوم توافر له افضل مستوى من مستويات التنفيذ الموسيقي وعلى مستوى تقنية الصوت وسنفصل هذا الأمر في هذه القراءة. إختيارات الأغاني مزجت الاختيارات مزجاً موفقاً بين (المسموع) و(الجديد) و(المسموع الجديد) بمعنى ان بعض الاغنيات تم تناولها في فترات سابقة ولكنها لم تحظ بدورة استماع كاملة وعلى سبيل المثال اغنية (أهلاً بيك) كلمات فريد يوسف وألحان بدر الدين عجاج والحقيقة هذه الاغنية الحلوة راجت في التسعينيات بشكل كبير ثم اختفت مرة اخرى في دوائر النسيان وهذا الالبوم اعطاها مستوى سماعياً جديداً واستطاع التوزيع الموسيقي المعاصر ان يبعث فيها حيوية جديدة لا سيما استخدام آلات الجيتار والمجموعة الايقاعية مما جعل الاغنية اقرب الى لونيات الجاز أو البلوز المعاصرة. من الوطنيات الوجدانية غنت نانسي للعطبراوي من كلمات شمس الدين حسن خليفة (مرحبتين بلدنا حبابا) ورغم ان هذه الاغنية من الاغنيات الكبيرة إلاَّ أن اداء نانسي لها لم يعجبني صراحة فقد غلب على صوتها طابع الحزن والشجن ولم تستطع نانسي في اداء هذه الاغنية ان تقنعنا بأن هذا عمل وطني يفترض ان يعبر فيه الصوت عن القوة وروح الحماسة رغم عذوبة الكلمات ورومانسيتها نانسي اغرقت هذا العمل في موجة عارمة من الاسى للدرجة التي افقدت العمل طابع الاعمال الوطنية - هذا المزيج بين الحزن والحماسة طابع فطري في صوت العطبراوي. موسيقى الهادي صوت نانسي في تقديري ان الموسيقار الهادي الجبل اعاد اكتشاف صوت وامكانات نانسي عجاج واهداها عملين كبيرين (ألف نهر ونيل وموجة) للشاعر قاسم ابوزيد وبالرجوع الى البومات نانسي السابقة فان العمل الخاص الوحيد الذي يمكن ان تراهن عليه هو (بلداً هيلي انا) لطارق الأمين. هذان العملان لقاسم أبوزيد والهادي قدما مساحة ذهبية لنانسي تبرز فيها بعض المواهب والملكات الخفية في صوتها بل والغناء في مناطق لم تكن تغني فيها. حضور سيد خليفة يبدو ان نانسي معجبة على المستوى الشخصي بالفنان سيد خليفة وباغانيه الخفيفة (أغاني المسرح) فحمل البوم (موجة) اغنية لسيد خليفة هي (داري عينيك عينيك داريها) ودرجت على ان تغني في المسارح اغنية (يهديك الله ويخليك وهي اغنية ديالوج مسرحي خفيفة تعتمد على ترديد الجمهور مع سيد خليفة (داري عينيك) لسيد خليفة تعتبر واحدة من عدة اغنيات تتحدث عن موضة او مزاج عام أو فكرة اجتماعية سائدة فهناك اغنية مشابهة هي (داري عينيك بالنضارة يا اجمل ضيف جانا زيارة) وطالت هذه الموضة الشعر الشايقي كما عند الشاعر المرحوم عبد الله محمد خير (النضارة بتضاري العيون؟! ما أظن سحاب حجب القمر) في تقديري ان الاغنية الكبيرة الوحيدة التي غنتها نانسي ونالت استحسان وقبول واسع هي اغنية ابو العلا (ولي المساء) في البومها الأول وهي فعلاً عمل فني شاهق يكشف قدرات سيد خليفة الحقيقية مطرباً وملحناً. رؤى وملاحظات أعمال قاسم أبوزيد والهادي الجبل في الالبوم وجدت مساحة جيدة من التنفيذ الموسيقي لاسيما المشاركة (الدويتو) واستخدام الموسيقي التعبيرية والتصويرية التي جعلت الاعمال تتخذ ابعاداً موسيقية بمواصفات البناء الدرامي الذي يبدأ بتمهيد تطور ثم ذروة وخاتمة وتلخيص مع ملاحظة ان الشاعر قاسم ابوزيد مؤخراً انتج مجموعة من الاعمال في ثنائية مع الموسيقار الهادي ود الجبل لم تجد الأصوات التي تظهر هذه الاعمال الموسيقية. اندريه.. معالجة الموروث رغم ان اغنية «اندريه» غارقة حتى النخاع في تراث غرب السودان إلاّ أن المعالجة الموسيقية وطبيعة صوت نانسي المتحضر استطاع ان يضع هذه الايقونة التراثية باطمئنان في صورة العصر وها هي تتنقل لحالة معاصرة على مواقع الانترنت والحواسيب والموبايلات كأنها أثر من انتاج هذه الأيام. «اندريه» نفسها كاغنية تملك مقومات العمل التراثي وخصائصه وهي البساطة والقدرة على الانتقال بين الاجيال ثم التداول والانتشار عندي ملاحظة بخصوص استخدام الأصوات والمجاميع كان يمكن ان يتم تنفيذها بشكل أفضل ومضاعفة عدد الاصوات عن طريق تقنية (الملتى تراكس) كما كان بالامكان اضافة مؤثر يشي ببيئة غرب السودان اسوة باستخدام مؤثر (الطيور) الذي سبق اغنية غني يا طيور الذي نفذته حنان النيل في اغنية غنى يا طيور غني لعائشة الفلاتية وبالمناسبة هذه الاغنية اسمها (الربيع)، لا شك عندي ان حسن مبارك موسيقي موهوب وهذا الالبوم كشف عن ملكات حسن مبارك الحقيقية والتي لم تتح لنا غربته في امريكا وهجرته إليها التعرف عليها عن قرب.