يقول الله تعالى :(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) وقيل قديماً قال : ( إن الظلم والخداع ونقض العهود لا يمكن أبدا أن يؤدي إلى قوة حقيقية إنها تؤدي إلى سيادة وقتية ...). ويقال : إذا كان العدل أساس الحكم ، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل . وذكر بعضهم أنّ قاضي المدينة محمد بن عمران الطلحي، عندما أقام الجمالون الدعوى على الخليفة أبي جعفر المنصور، سأله المنادي بأي شيء أنادي: أبالخلافة أم باسمه؟ قال: باسمه، فناداه فتقدم إليه، فقضى عليه . ومن صور رفض القضاة التدخل في القضاء، أنّ المنصور كتب إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد وفلان التاجر، فادفعها إلى القائد. فكتب إليه سوار: إنّ البينة قد قامت عندي أنها للتاجر، فلست أخرجها من يده إلاّ ببينة. فكتب إليه المنصور، والله الذي لا إله إلاّ هو لتدفعنها إلى القائد. فكتب إليه سوار، والله الذي لا إله إلاّ هو لا أخرجها من يد التاجر إلا بحق، فلما جاءه الكتاب قال: ملأتها والله عدلاً، وصار قضاتي تردني إلى الحق لآ أعلم كيف يكون البدء ومن أى قيم العدالة وبكافة مشاربها ودروبها يكون المعين او الأخلاق ومعاييرها او مبادىء ومواثيق حقوق الإنسان يكون الحديث !!!! عموما وكما تابعتم وسمعتم فى واحد من صباحات الوطن المليانة بالأسى والحسرة بتاريخ 06/07/2015 أصدر قاضى جنايات أم درمان ( أمين حسين أقرين ) حكما بالجلد عشرون جلدة على المناضل مستور احمد محمد - الامين السياسيى لحزب المؤتمر السودانى ,ورفاقه عاصم عمر وأبراهيم محمد زين بسبب قيامهم بمخاطبة سياسية دعما لحملة مقاطعة الإنتخابات التى فرضها الإنقاذيين لكسب شرعية الزيف والكذب برغم إرادة وأنف الشعب الصابر . وقد وصف هذا القاضى الحكم بأنه عقوبة تأديبية لمستور ورفقاءه ... وأظنه يقصد كيف يشاءوون ويحلمون دون رغائب السلطان !!! ونظرا للإستجابة الواسعة لحملة المقاطعة والمأزق والحرج الذى تورطت فيه السلطة بسبب تلك الإنتخابات ومقاطعة الناس لها أقامت محاكم الجلد والغرامات هذه للمعارضين الصادحين بحلم وطن يسع الجميع بقصد إزلالهم وتركيعهم وهم يمارسون حقهم فى التظاهر والتجمع والتعبير عن الراى بنص القانون والدستور ، ووفقا لمبادئ حقوق الإنسان التى كفلتها كافة مبادىء العدالة الإنسانية ولعل إبسط تصنيف يمكن يقال عن هذه المحاكمات أنها أدوات للقمع والكبت بإسم العدالة وإستعمال القضاء تحديدا لإنجاز هذه المهمة ومع مارشح من جهل قضاتها أو تجاهلهم عن عمد لمبادىء الدستور وحقوق الإنسان تترك الإنطباع الراسخ وتؤكد أن القضاء أصبح أداة من أدوات السلطة ويقوم بالدور القامع والمتساوي مع أدوات السلطة التنفيذية من شرطة وقوات أمن وكتائب عند اللزوم بغرض إزالال وتركيع ابناء هذا الشعب الأوفياء وتجرديهم من وطنيتهم وحقوقهم الدستورية والإنسانية كما تضيف هذه المحاكمة سابقة جديدة فى قاموس الطغاة وسلوكياتهم فى قص رقبة العدالة ذاتها وهى التى يرتجى منها المظلوميين أن تحقق العدالة لهم وترد حقوقهم دون خوف أو وجل من سلطة أو حاكم بل تحاكم الحكام والطغاة المتجبرين على شعوبهم . ومن غرائب الصدف أن يكون السيد / مستور محمد أحمد الذى طالته هذه المحاكمة هو الأمين العام لحزب المؤتمر السودانى وأحد مؤسسى ورؤساء هذا الحزب هو الراحل القاضى / مولانا عبد المجيد إمام - قاضى ثورة أكتوبر الذى قاد الدور المفصلي والرائد فى مسيرة ثورة أكتوبر ولعل فى زمن الغباش هذا يكون من الظلم واللؤم لنا كأمة سودانية وإنصافا لدور القضاء ورجال القانون أن تغيب علينا المواقف المشرقة والدور الطليعي والسيادي الرائد لرجال القضاء وتشرفوا يوما بهذه السلطة وكانوا فرسانها وعبروا عن وجدانها وضمير عدالتها الساطع بالحق المبين . فهلا وقفتم سادتي معي و الدعوة أيضا لقاضي جنايات إم درمان وكافة سلطات العدالة لنقف على هذه السيرة النيرة لهذا الراحل الذى أصدر قاضى جنايات أم درمان أمرا بجلد أمين عام الحزب الذى أسسسه عام 1986 م كرجل أنجبته هذه الأمة فكان ابنها الذي ادخرته حين اشتد ليل الظلم في أكتوبر 1964 وخرجت جموع الأمة وقطاعاتها النشطة لتكتب فجر أكتوبر وتهتف بحقوقها وكرامتها أنه الراحل مولانا عبد المجيد أمام كان بصوته الجهوري الضاج بالحسم والثورية ,والمشبع بقوة السلطة القضائية أورد هنا نصا كتب يوما على جريدة الصحافة ونشره بعض الناشطين توثيقا لهذه اللحظة الحاسمة فى مسيرة ثورة أكتوبر الذين يعرفون عبد المجيد إمام، يعرفون فيه هيبته وقوة شخصيته، والذين شهدوه في مواقف الشدة يعرفون حزمه وحسمه، كما يعرفون صوته الجهوري الطاغي في مثل تلك اللحظات. يوم المواجهة في الرابع والعشرين من أكتوبر، كان صوت عبد المجيد إمام هو صوت الحسم لواقع المجابهة بين سلطة نوفمبر، وسلطة الجماهير التي كانت لحظتها في حالة التكوين. كان عبد المجيد ورفاقه على وشك السير بمذكرة المحامين والقضاة إلى المجلس الأعلى حينما اعترضتهم ثلة من جنود الشرطة قفلت الطريق. طلب منهم الضابط الملازم (وقتها)، قرشي فارس، بأن ينصرفوا لأن لديه تعليمات بعدم السماح للموكب بالتقدم. ولما كانت للقضاء سلطة على الضباط، صاح عبد المجيد إمام في قرشي فارس بصوت رددت صداه ساحة القضاء كلها «أنا عبد المجيد إمام قاضي المحكمة العليا، بهذا أمرك بالانصراف بجنودك فورا. وقال قرشي فارس بعد ذلك بزمان، إنه لم يكن هناك لحظتها من هو أسعد منه وهو يصيح رداً على القاضي الأكتوبري.. «حاضر سعادتك»، وينصرف بجنوده، فقد كان ضابط الشرطة حائر النفس بين واجب المهنة وحتمية الالتزام بالإرادة الشعبية..كانت تلك اللحظات هي لحظات حاسمة في تاريخ السياسة السودانية. فقد دكت كلمات عبد المجيد إمام حائط الرهبة الذي كانت تقف وراءه سلطة نوفمبر، وأعلت صوت القانون. كان انصياع قرشي فارس لتعليمات القاضي هو رداً للأمور إلى نصابها.. وتعبيراً عن سيادة حكم القانون حتى في أحلك اللحظات وأكثرها ظلاماً.. فعبد المجيد امام كان لحظتها يمثل سلطة القانون التي سلبت منذ حكم رجال نوفمبر بقانون الدفاع.. وكانت صيحته في قرشي فارس هي صيحة الحق.. وكان انصياع قرشي هو الإيذان بأن الحق حتماً يعلو ويسود . هذه السيرة نعيد ذكرها مع حفظ الحقوق لأهلها حتى يطمئن هذا الشعب الصابر ، أن أمته لم تعقم يوما عن إنجاب الرجال الذين يتصدون للمهام الوطنية والقومية وفقا لضمير العدالة الحقة وسيادة واستقلال القضاء وبصوت جهوري لا ترهبه صولجان السلطة وأدواتها القامعة للثائرين من أجل الكرامة وضد الكبت والجوع ، ونعيد ذكرها حتى يعرف القائمين على أمر القضاء مسئولياتهم في قدسية القضاء وإستقلاله ودوره السامي في حفظ الحقوق العامة والدستورية للمواطنيين والدفاع عنها والوقوف سندا منيعا ضد تغول السلطة عليها ضميرا وعدالة . ولعل هذه السابقة تؤكد لنا كيف يكون القضاء عاليا ومستقلا وحاميا لحقوق المواطنين وتطلعاتهم المشروعة وكيف يقف ضد الطغيان ونصيرا للمواطن حين تستبد سلطته التنفيذية والتشريعية وتقف ضد كرامتة وحقوقه فى الحياة الحرة والكريمة وتمارس البطش والكبت على عكس ما سطرته محكمة جنايات إم درمان فى حكمها المذل للقضاء ومكانته اولا وقبل الشرفاء . * جمال عمر مصطفى محامى ومستشار قانونى [email protected]