ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتفاع الدولار.. القصة الكاملة لمعاناة الجنيه..؟!!!.. سمسار دولار: الحكومة عارفة كل شيء لكنها لا تسطيع إصلاح شيء .. مؤسسات الدولة تشتري الدولار من التجار
نشر في الراكوبة يوم 29 - 09 - 2015

المتتبع لمسيرة الجنيه السوداني يجده يخرج يومياً من غرفة عناية إلى عناية أخرى مكثفة، وفشلت كل محاولات أطباء الاقتصاد في إيجاد وصفة لاستئصال الداء من جذورة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي لشعب ظل يعاني من كل شيء. وظلت سياسات إنقاذ الجنيه التي تبذلها الجهات ذات الصلة تتسبب في أمراض أخرى بالإضافة إلى المرض الحقيقي المتمثل في تضخم الاقتصاد وارتفاع الأسعار إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
إذا ما هي الخفايا والأسرار التي تتسبب في هبوط العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار في السوق الموازي والسوق الحر، ولماذا يهلل القائمين على أمر الدولة بحضور الودائع الخليجية لتسهم في ارتفاع سعر العملة المحلي؟، وكيف لتصريحات إعلامية فقط أن تتسبب في ارتفاع سعر الدولار، وهم ديناصورات الدولار الذين يعبثون حتى (بقدرة فول) المواطن المسكين، وهل ما يقوم به الأمن الاقتصادي وحده يكفي لمحاربة هؤلاء.. كل هذه الاستفهامات وضعتها (الصيحة)، في محل التقصي، والتحقيق مع الخبراء المعنين، فهذه الأيام بلغ الدولار الأمريكي قمة لم يبلغها من قبل في السوق الأسود، حيث وصل بحسب استطلاع أجرته (الصيحة) وسط سماسرة العملة المنتشرين وسط السوق العربي بالخرطوم والذين يسبحون بعبارة (صرف صرف) ملوحين بمبالغ مالية على أيدهم أو يشيرون إليك بأطراف أصابعهم، مع عبارة صرف صرف، وعلمت (الصيحة) منهم أن سعر الجنيه مقابل الدولار بلغ (10,10) للشراء و(10) للبيع في سابقة انفخاض للجنيه لم يشهدها الاقتصاد السوداني من قبل.
مصطلح (الكلب)
انخفاض سعر العملة المحلية يبدو أنه أصاب مصطلح الجنيه بالضعف والهوان، وأصبح يكنى له عند العامية بلفظة (الكلب)، (جيب كلب، وداير منك كلبين) بمعنى أديني جنيه أو جنيهين، بالصدفة طلبت امرأة ذات وزن كبير من الكمساري أن يمدها (بفكة) خمسين جنيها، فقال لها(ابداً ما عندى فكة بقرة) اندهشت حينها وتوقعت أنه يقصد المرأة (ثمينة كالبقراء)، وليس ورقة الخمسين جنيها، وحتى المرأة نفسها لم تأخد في نفسها، ففهمت على الفور أن الكمساري يسمي الورقة فئة الخمسين جنيهاً بقرة.
فسألته بماذا تسمون الجنيه وهو أصغر وحدة، فقال أنه يسمي (كلب) فلما شرح لى الأمر قال إن البقرة يمكن أن تحل أزمات كبيرة، فسألته عن الجنيه الكلب؟ فأجاب قائلاً (الكلب لا يأتي إلا بثلاث (رغيفات) والثلاث لا تشبع الكلب.
فمن هنا قررت (الصيحة) أن تبحث عن الأسباب والمسببات التي جعلت الجنيه في مقام الكلب بعد أن كان الجنيه الواحد يساوي كذا دولار في الوقت القريب، وستحاول (الصيحة) في سلسلة من التحقيقات، أن تجاوب على المسببات مع الأكاديميين، وخبراء الاقتصاد، المسؤولين السابقين، وأن تتجول في أزقة السوق العربي لاستطلاع تجار وسماسرة العملة، ومعرفة النتائج التي حققها الأمن الاقتصادي في حربه على تجار العملة.
كان وصل (12) جنيهاً
فلنبدأ سلسلة التحقيقات من مقولة مشهورة أطلقها في بدايات الإنقاذ العميد صلاح كرار المشهور (بصلاح دولار)، والذي كان حينها رئيساً للقطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني وهي عبارة (إن لم تأت الإنقاذ لوصل الدولار إلى 12 جنيهاً)، وحينها كان الدولار يساوي جنيهين فقط، بدأت مسيرة التدهور منذ ذلك الوقت إلى أن بلغ اليوم أكثر من (10) جنيهات، علماً بأن الجنيه نفسه تعرض إلى هجرة نحو الدينار بعد أن تم ضربه في عشرة، وعاد جنيهاً مرة أخرى مضروباً أيضاً في عشرة أخرى، وتبقى القيمة الحقيقية للجنيه السوادني الأن تساوي مائة جنيه قبل ربع قرن من الزمان.
خمسة وعشرين عاماً فشلت فيها لدولة في تأسيس نظم أو قاعدة اقتصادية منضبطة تحكم بها التوافق ما بين امكانيات البلد وقدراتها الاقتصادية وما بين الامكانيات والاحتياجات حتى لا يختل ميزان المدفوعات ومن ثم الحاجة إلى طباعة العملة والتي أدت بدورها إلى التضخم الحالي.
ثلاث مراحل للتدهور
من يصدق بأن الجنيه وقبل أن يتدهور كان يساوى (2) جنيه أسترليني و(3) دولارات أمريكية، وعشرة ريالات سعودية، ومنذ ذلك الوقت مرت الجنيه بثلاث مراحل للتدهور، كما وثقها الخبير الاقتصادي النعمان حسن فكانت المرحلة الأولى قبل إنقلاب مايو، والتي بدأت فيها نسبة الانخفاض ترتفع منذ ذلك الوقت، وذلك عقب قرار صادر عن وزير المالية حينها بدر الدين سليمان عندما ألغى الرقابة على النقد، وعمل بذلك على تعويم سعر العملة (بمعنى أن الجنيه هو الذي يحدد قيمته في السوق مقابل العملات الأخرى وليس سياسة الدولة)، وكان من المفترض أن يقابل ذلك القرار إرتفاع في مصادر الإيرادات، حتى تظهر القوة الحقيقية للجنيه بالحفاظ على قيمته.
المرحلة الثانية وصفها خبراء الاقتصاد بمرحلة (إعدام الجنيه أو ذبحه).
وشهد فيها الجنيه هبوطاً قياسياً في عهد الإنقاذ، وذلك عندما أعلن في تسعينيات القرن الماضي، وزير المالية عبد الرحيم حمدي عن سياسة التحرير الاقتصادي، وهي تعني رفع الرقابة عن السوق، ودخلت البلاد في مرحلة السوق الحر الذي فتح الباب واسعاً أمام الاستيراد للسلع الكمالية.
أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة انفصال الجنوب، التي أعقبت مرحلة انهيار المشروعات الزراعية وتدني الإنتاج الزراعي، والصناعي، وأعلنت حينها الدولة قرار رفع الدعم عن المحروقات، ليصل الجنيه مرحلة أن ينقل إلى البنوك بواسطة (شوالات خيش).
مضاربات الحكومة
فلنبدأ في هذه الحلقة بالمضاربات التي تحدث في سوق الدولار فتخفت حينها (الصيحة) للتعرف على كيف تمضي تجارة الدولار داخل مبنى برج البركة المشهور بتجارة الموبايل والأجهزة الإلكترونية، وبرج الدهب في وسط الخرطوم جنوب وشرق المسجد الكبير.
في مساء الاثنين الماضي أوقفت العربة بالقرب من مسجد الخرطوم الكبير فالتف حولها ثلاثة من الشباب الذين يصطفون على جنبات بداية شارع البلدية في انتظار زبائن العملة من الدولار والريال السعودي، فقلت لهم كم سعر الدولار اليوم يا شباب، فقال: أحدهم في العقد الثالث من عمره، أسمر اللون يرتدي نظارة داكنة من الصعب أن تتعرف على لون عينيه من خارج الفريم، فقال لي (كدي أطلع من الشارع) أوقفت العربة جانباً فدخل إلى العربة فقال: لي بائع أم مشترى قلت له مشترى قال لي (جداً) (بديك سعر كويس معاك)، داير قدر كم قلت له (200) دولار فقط فقال لي الدولار يساوي عشرة فاصل عشرة، ولو تأخرت إلى غدٍ لن تجد هذا السعر فالدولار في زيادة هذه الإيام.
قلت له أين الدولار، فقال لي موجود في المكتب، المعلم هناك نحن (سماسرة ساي)، نزلنا من العربة، فأخذني إلى مكتب داخل شقة في عمارة برج البركة، الشقة مفروشة في عدد من المكاتب، تبدوا كمكاتب سماسرة العربات في دلالة الصحافة، الكتب مكون من طقم كراسي جلوس وطربيزة، كبيرة مع كرسي متحرك، وخزنة قروش يمكن أن تحمل في باطنها جوالين عيش أو أكثر، وذلك لكبر حجمها.
سلمني مبلغ 200 دولار مقابل (2) مليون أي ألفي جنيه، وهو المبلغ الذي رست عليه المفاصلة، فحينها شعرت أن الشاب بإمكانه أن يتحدث أكثر بعد أن تأكد بأنني ليس من الأمن الاقتصادي، عرفت أنهم يميزون بين الأمن والزبائن، بحاسة أمنية غريبة، على كل استفاض الشاب معي في الحديث حول أسباب ارتفاع الدولار، وجدته ليس مجرد سمسار وإنما أقرب بكثير إلى كونه الخبير الاقتصادي وذلك عندما قال لي (ياخ معقولة في زول ما عارف أسباب ارتفاع الدولار في البلد دي)، قلت له أشرح لي كيف تبقى المضاربة في هذا السوق فقال (هم حوالى خمسة أو ستة تجار يتعاملون مع الحكومة نفسها وهي المسؤول الأول عن ارتفاع الدولار، ونحن مجرد سماسرة فقط نتحصل على مبالغ بسيطة لتجارة الدولار ونأخذ هامش فائدة قلت له من أي تتحصلون على الدولار فقال (المضاربات الكبيرة تتم مع المعلمين أنفسهم وهي في الغالب تكون فيها شركات ومؤسسات حكومية تطلب مبالغ كبيرة من التجار وهم يوفرونها بالإسعار التي تروق لهم أما نحن يستخدموننا فقط لجمع مبالغ على شالكة موظفين منظمات أو أمم متحدة وبعض المغتربين، وهي في الغالب لا تتعدي خلال اليوم حوالى عشرة آلاف دولار إلى عشرين ألف وهذا مبلغ بسيط مع التعاملات التي تتم هاتفياً ما بين المؤسسات والتجار الكبار باخصتار يا شيخنا (الحكومة عارفة كل شيء لكنها لا تسطيع إصلاح شيء..).
سؤال طيب كيف تتم المضاربة؟. فقال : المضاربة تتم كالآتي مجموعة من التجار يشترون كميات كبيرة من الدولارات التي لا تتوفر حتى لدى الحكومة، وبعد فترة وجيزة يتفقون على تحديد سعر جديد أن أرادوا تحقيق ارتفاع الأسعار أو انخفاضها.
انتهى حواري مع سمسار الدولار فقلت له أنا صحفي ومحتاج لتلك المعلومات في سلسلة تحقيقات عن الدولار.. فما رأيك؟ هل تستطيع أن تسمح لي بنشر اسمك كمصدر فقال (إنت جادي البلد دي هبايبها قايمة، الجماعة ديل أسي طلعوا من هنا تقول لي اسمك اكتب أي شيء إلا اسمي ده)، ضحكت وعرفت أن الأمن الاقتصادي عامل عمايلو في الجماعة، يواصل الليل بالنهار لأجل محاربة تجارة العملة.
على كل خرجت من المكتب السمسار وفي يدي ورقتين فقط من فئية الماية دولار موضوع عليها صورة جورج واشنطن، ودفعت مقابله هاتين الورقتين عملة ورقية فئة عشرة جنيهات، كنت أحملها في كيس، مضمدة بلستك قروش حتى لا تتبعر من كثرتها، فقلت في نفسي الفرق شاسع بين (جورج) والجنيه، وعبارة جورك لدى سماسرته، تعني الدولار.
حتى قدرة الفول
علاقة ارتفاع الدولار بقدرة الفول أصبحت معلومة حتى لدى الباعة المتجولين والذين أصبحوا يرفعون أسعار السلعة التي في أيديهم مجرد سماع أن الدولار ارتفع، فثبت جلياً أن عجلة الاقتصاد في السودان تسيرها أمور لا علاقة لها بميزان المدفوعات ولا المديونية ولا أسعار الصرف، وإنما مسائل أخرى تتعلق بمرابحات أو مضاربات في سوق العملة.
ولاحظت (الصيحة) أن وصول الدولار الى أكثر من عشرة جنيهات انعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات، ووصل هذا الارتفاع حتى (قدرة الفول)، وأعلنت شركة دال قبل يومين فقط من كتابة هذه السطور عن ارتفاع أسعار المشروبات الغازية بنسبة كبيرة، وارتفعت أسعار مشتقات الألبان المعلبة وحتى (كاسة الزبادي)، وكل ذلك له علاقة مباشرة بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.
هذه الحلقة ستجيب على مسببات ارتفاع الدولار مقابل الجنيه. وقصدت (الصيحة) عدداً من الأكاديميين وخبراء الاقتصاد وطرحت عليهم استفهاماً على شاكلة لماذا يرتفع الدولار مقابل الجنيه بطريقة غير منطقية؟. وما هي الآليات التي يمكن تطبيقها لحفظ توازن الجنيه أمام العملات الأجنبية؟
على كل حال، فإن نسبة التضخم بحسب إحصائيات وزارة المالية أنها بلغت (11%) بينما تشير الإحصائيات إلى أن النسبة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، لأن معدل التضخم بحسب علماء الاقتصاد يقاس بالارتفاع المتزايد لاسعار السلع اليومية.
ولاحظت (الصيحة) من خلال متابعتها لمعدلات التضخم في الشهور المالية وبحسب نشرة صادرة من الجهاز المركزي للإحصاء، أن معدل التضخم واصل الانخفاض للشهر الثامن على التوالي، وسجل لشهر أغسطس 2015، 11,31 مقارنة ب 14,1 لشهر يوليو الماضي 2015،ان نسبة تراجع بلغت 19,73%..
الدينار لا يبيض
"الدجاجة تبيض، ولكن الدينار لا يبض" هذه النظرية مقولة شهيرة استعان بها القذافي فى كتابه الأخضر وأراد، القذافى أن يوضح طريقته في حل أزمة الاقتصاد العالمي إلى جانب نظريات أخرى.
وتكمن رؤية القذافي باختصار شديد في أن الدينار الليبي لا يبيض إذا ما تركته في المنزل، وحث الشعبي الليبي أن يشتري دجاجة ويستثمر في بيضها لأن الدجاج يبيض وأن الدينار لا يبيض.
الفكرة ربما قصد من خلالها القذافي تشجيع الشعب الليبي على الإنتاج وعدم الاعتماد على ما يتقاضونه من رواتب حكومية. وهذه النظرية ربما أشبه بكثير للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فقد تعطلت كافة أدوات الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعى، وهو من الأسباب المباشرة في تدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار.نظرية الدينار لا بييض ربما يتفق معها كافة خبراء الاقتصاد أن لم يكن أغلبهم.
د. حسن عبد الحميد خبير اقتصادي وأستاذ بمعهدة الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، أعاد الاستفهام نفسه ل(الصيحة) قبل أن يجيب عليه بعبارة فيها شيء من الحسرة على الوضع الاقتصادي، (البمنع الدولار يرتفع شنو؟). عبد الحميد ألقى باللائمة على السياسات الاقتصادية التي طالت البلاد منذ مجيء الإنقاذ قبل أكثر من ربع قرن، وقال في حديثه ل(الصيحة) إنه يتوقع أن يصل الدولار إلى أقصى حد، وليس هناك ما يشير إلى احتمالية تحسن على المدى القريب، وحصر المسببات في أن خللاً هيكلياً أصاب الاقتصاد منذ وقت ليس بالقريب، واسترسل قائلاً (الخلل الهيكلي، وضعف الإنتاج وسياسات سعر الصرف، وشروط الاستثمار، جميعها تكالبت على الجنيه، وأردف قائلاً: (ليس من المعقول أن نفتح الباب لاستيراد جميع السلع وأشياء يمكن أن تصنع بالداخل)، ولم ينس عبد الحميد الحديث عن المقاطعة الأمريكية وانعكاساتها السالبة على التحويلات، وعدم الاستفادة من الدعم الخارجي والمساعدات الأخرى.
وأشار إلى أن استمرار الحرب في عدد من المناطق ساهم بقدر كبير في خروج مناطق الزراعة عن دائرة الإنتاج، علاوة على الإنفاق الأمني والعسكري الذي ظل يستنزف الميزانية العامة.
رزق اليوم باليوم
وحول الحلول المطلوبة لإنقاذ الجنيه من الضياع، طالب عبد الحميد بضرورة مراجعة إدارة العملية الاقتصادية في البلاد برمتها، مشيراً الى أن الأجهزة المعنية تعاني من أزمات كبيرة، سواء في بنك السودان، أو وزارة المالية، ودعا لوضع سياسات اقتصادية، تعمل على معالجة الخلل الواضح في الاقتصاد، وزاد( الخلل يبدو متمثلاً في الأشخاص الذين يديرون العملية في جوانبها التقنية والفنية.
ولفت إلى أن الإصلاح فيما يتعلق بالبناء المؤسسي يحتاج إلى عمل كثير مذكراً بأنه غير فاعل فيما يختص بإدارة الشأن العام، وتقديم الخدمات، خاصة وأن الأزمة متكاملة، ملاحظاً أن الأمور الاقتصادية تدار بسياسة (رزق اليوم باليوم)، وليس هناك تخطيط إستراتيجي، منادياً بعملية إصلاح جذري إن أراد الناس العودة بالجنيه لسيرته الأولى.
التضخم.. أنواع.. أسباب.. علاج
التضخم عبارة متداولة من قبل المواطن البسيط في مفردة الغلاء، ولكن الكثير من الناس لا يعرفون المعنى الحقيقي للتضخم، وإن كان هو الأزمة الحقيقية، التي يعاني منها المواطن بطريقة مباشرة في مأكله ومشربه ومسكنه، ويعرف علماء الاقتصاد التضخم بأنه الزيادة المتواصلة لأسعار السلع والخدمات بمعنى(عندما يذهب الفرد إلى السوق ليجد أن وزن أو عدد ما يشتريه اليوم من سلعة ما يقل عن وزن أو عدد ما كان يشتريه بالأمس بنفس المقدار من النقود، فهذا مؤشر خطير على تطور اقتصادي سلبي يلتهم قيمة النقود، ويجعلها تفقد قيمتها، بمعنى آخر أنك تذهب بأموال كثيرة لتأتي بأشياء تحمل على اليد فقط). هذا باختصار شديد تعريف الظاهرة الخطيرة المسماة بالتضخم، والتي يعرفها العامة باسم "الغلاء، وعن مسببات التضخم يشير خبراء الاقتصاد بأنه ليس له مسبب واحد بل أسباب عدة منها تضخم ناتج عن التكاليف وينشأ بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، المتمثلة في زيادة الرواتب والأجور، وآخر ناتج عن زيادة الطلب على النقد والذي يصاحبه زيادة عرض السلع والخدمات مما يعني ندرة السلع وارتفاع ثمنها، أما الأخير وهو الذي يعنى بتضخم تشوهات الاقتصاد حيث تكون الأسعار قابلة للارتفاع وغير قابلة للانخفاض كما في حالة الوضع الآن في البلاد، وتشير المقارنة أعلاه إلى أن كافة مسميات التضخم متجسدة تماماً في واقع الاقتصاد الحالي وإن بحث علماء الاقتصاد لمصطلح آخر لدخلت حالة السودان في هذا المصطلح الأمر الذي يشير الى أن الأزمة أزمة خلل هيكلي وليس خللاً طارئاً تتم معالجته بين يوم وليلة أو شهر وشهرين.
المعالجة تتم حين تتخذ الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد القوي معدل الفائدة وسيلة للحد من التضخم، فتتعامل بمعدل الفائدة بالزيادة أو النقصان لكي تعالج التضخم، فعندما تكون هناك علامات تضخم بدأت في الظهور، فإن البنك المركزي يعمل على زيادة نسبة الفائدة، فيسحب الأموال من السوق ويوجهها إلى عملية ادخار أو استثمار (الادخار = الاستثمار)، فعندما تكون أسعار الفائدة عالية فإن الإغراء في الاستثمار سيرتفع لكبر الفائدة العائدة على المستثمر.
أما في دول كوضعية السودان فلا يمكن علاجه من دون زيادة الإنتاج على حساب الاستيراد، وتشجيع الاستثمار..
تشوهات في الاقتصاد
تشوهات الاقتصاد عبارة استخدمها الخبير الاقتصادي د. محمد الناير تشبيهاً لحالة التضخم والرقم الذي ضربه الدولار مقابل الجنيه المحلي وأشار الناير في حديثه ل(الصيحة) أن وصول الدولار لأكثر من عشرة جنيهات فيه فارق كبير ينم عن حدوث تشوهات في الاقتصاد إذا ما واصل الجنيه الانخفاض مشيراً الى أن الفارق كبير ما بين السعرين في السوق الموازي والسوق الأسود.
وأضاف الناير قائلاً (إن السوق الموازي أصبح يؤثر تأثيراً كبيراً على السلع والخدمات، ولكن إذا طرحنا ما هي الأسباب نجد أن الأسباب تكمن في حدوث مضاربة على الدولار وامتهان جهات كبيرة تجارة العملة غير المشروعة، وقال إن ذلك سيؤثر تأثيراً مباشراً على شرائج المجتمع في عيشهم وحياتهم.
وطالب الناير الجهات القائمة على محاربة تجارة العملة غير المشروعة بإنزال أقصى العقوبات، على المتلاعبين باقتصاد البلاد، مشيراً إلى أن هؤلاء يعملون على تدمير الاقتصاد الوطني. ويستحقون توقيع أقصى العقوبات مقابل ذلك.
الغريب في الأمر
هل يعقل بأن تساهم واقعة سياسية في ارتفاع الدولار، أو أن ينخفض الجنيه مقابل الدولار لمجرد شائعات دخول وديعة معينة إلى بنك السودان، أو يرتفع بصورة كبيرة مجرد اندلاع حرب ما بين الحكومة والتمرد في منطقة معينة.
كل تلك المسببات تستطيع أن ترفع سعر الدولار مقابل الجنيه الأمر الذي يشير إلى أن الاقتصاد لا يستند على إنتانج زراعي أو صناعي، وأصبح الاقتصاد قابلاً للتأثر بكل الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، وحتى الرياضية، إنشاء فقط، وكل ذلك ينتج من خلال المضاربات التي تتحكم في السوق.
ويقول أحد تجار العملة الذين التقتهم (الصيحة) بالسوق العربي في جولتها الميدانية فضل حجب اسمه، إن الحالة المزاجية للتجار يمكن أن تسهم في ارتفاع الدولار، وشرح القصة كالآتي: (إن مجموعة من التجار يتفقون على شراء كميات كبيرة من الدولار ويرفضون بيعها لفترة من الزمن فتضطر مؤسسات الدولة المعنية بشراء واستيراد حاجياتها من الخارج الى شراء حاجتها من هؤلاء التجار أنفسهم بأسعار يحددونها وليس المؤسسات ليصبح هذا السعر هو السعر الجاري والمتداول وربما يقوم هؤلاء التجار بخفض السعر بعد التخلص من كميات كبيرة من دولاراتهم).
معلومة لابد منها
1 آخر معلومة فقط للمقارنة بوضعية الاقتصاد القومي مع أكبر خمس دول في العالم فتأتي المقارنة كالآتي كما تحصلت عليها من مواقع اقتصادية متخصصة فالناتج القومي لخمس دول بالترتيب 2014م هو: أمريكا 15.7 ترليون دولار- الصين 8.2 ترليون- اليابان 6 ترليونات- ألمانيا3.4 ترليون- فرنسا 2.6 ترليون (الترليون ألف بليون أو مليار).. ثم السودان 0.60 ترليون دولار- (أي 60 مليارا)- أي أن الناتج القومي الأمريكي أكبر من السودان ب261 ضعفاً أو النتاتج القومي السوداني يساوي 0.4% من الأمريكي أقل من نصف في المائة.
هذه المقارنة قصد منها فقط التنويه الى حجم الاقتصاد المحلي مقارنة بالعالمي ولا ننسى أننا مرتبطون بمنظمة تجارة دولية تطلب وضعية اقتصادية معينة للانضمام إليها لذا أن المقارنة لم تأت من فراغ. وليعلم القراء أن سعر الصرف هو الفرق ما بين الجنيه والعملة الأجنبية الدولار.
التيار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.