منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    وزارة الصحة تلتقي الشركة المصرية السودانية لترتيب مشروعات صحية مشتركة    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتفاع الدولار.. القصة الكاملة لمعاناة الجنيه..؟!!!.. سمسار دولار: الحكومة عارفة كل شيء لكنها لا تسطيع إصلاح شيء .. مؤسسات الدولة تشتري الدولار من التجار
نشر في الراكوبة يوم 29 - 09 - 2015

المتتبع لمسيرة الجنيه السوداني يجده يخرج يومياً من غرفة عناية إلى عناية أخرى مكثفة، وفشلت كل محاولات أطباء الاقتصاد في إيجاد وصفة لاستئصال الداء من جذورة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي لشعب ظل يعاني من كل شيء. وظلت سياسات إنقاذ الجنيه التي تبذلها الجهات ذات الصلة تتسبب في أمراض أخرى بالإضافة إلى المرض الحقيقي المتمثل في تضخم الاقتصاد وارتفاع الأسعار إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
إذا ما هي الخفايا والأسرار التي تتسبب في هبوط العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار في السوق الموازي والسوق الحر، ولماذا يهلل القائمين على أمر الدولة بحضور الودائع الخليجية لتسهم في ارتفاع سعر العملة المحلي؟، وكيف لتصريحات إعلامية فقط أن تتسبب في ارتفاع سعر الدولار، وهم ديناصورات الدولار الذين يعبثون حتى (بقدرة فول) المواطن المسكين، وهل ما يقوم به الأمن الاقتصادي وحده يكفي لمحاربة هؤلاء.. كل هذه الاستفهامات وضعتها (الصيحة)، في محل التقصي، والتحقيق مع الخبراء المعنين، فهذه الأيام بلغ الدولار الأمريكي قمة لم يبلغها من قبل في السوق الأسود، حيث وصل بحسب استطلاع أجرته (الصيحة) وسط سماسرة العملة المنتشرين وسط السوق العربي بالخرطوم والذين يسبحون بعبارة (صرف صرف) ملوحين بمبالغ مالية على أيدهم أو يشيرون إليك بأطراف أصابعهم، مع عبارة صرف صرف، وعلمت (الصيحة) منهم أن سعر الجنيه مقابل الدولار بلغ (10,10) للشراء و(10) للبيع في سابقة انفخاض للجنيه لم يشهدها الاقتصاد السوداني من قبل.
مصطلح (الكلب)
انخفاض سعر العملة المحلية يبدو أنه أصاب مصطلح الجنيه بالضعف والهوان، وأصبح يكنى له عند العامية بلفظة (الكلب)، (جيب كلب، وداير منك كلبين) بمعنى أديني جنيه أو جنيهين، بالصدفة طلبت امرأة ذات وزن كبير من الكمساري أن يمدها (بفكة) خمسين جنيها، فقال لها(ابداً ما عندى فكة بقرة) اندهشت حينها وتوقعت أنه يقصد المرأة (ثمينة كالبقراء)، وليس ورقة الخمسين جنيها، وحتى المرأة نفسها لم تأخد في نفسها، ففهمت على الفور أن الكمساري يسمي الورقة فئة الخمسين جنيهاً بقرة.
فسألته بماذا تسمون الجنيه وهو أصغر وحدة، فقال أنه يسمي (كلب) فلما شرح لى الأمر قال إن البقرة يمكن أن تحل أزمات كبيرة، فسألته عن الجنيه الكلب؟ فأجاب قائلاً (الكلب لا يأتي إلا بثلاث (رغيفات) والثلاث لا تشبع الكلب.
فمن هنا قررت (الصيحة) أن تبحث عن الأسباب والمسببات التي جعلت الجنيه في مقام الكلب بعد أن كان الجنيه الواحد يساوي كذا دولار في الوقت القريب، وستحاول (الصيحة) في سلسلة من التحقيقات، أن تجاوب على المسببات مع الأكاديميين، وخبراء الاقتصاد، المسؤولين السابقين، وأن تتجول في أزقة السوق العربي لاستطلاع تجار وسماسرة العملة، ومعرفة النتائج التي حققها الأمن الاقتصادي في حربه على تجار العملة.
كان وصل (12) جنيهاً
فلنبدأ سلسلة التحقيقات من مقولة مشهورة أطلقها في بدايات الإنقاذ العميد صلاح كرار المشهور (بصلاح دولار)، والذي كان حينها رئيساً للقطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني وهي عبارة (إن لم تأت الإنقاذ لوصل الدولار إلى 12 جنيهاً)، وحينها كان الدولار يساوي جنيهين فقط، بدأت مسيرة التدهور منذ ذلك الوقت إلى أن بلغ اليوم أكثر من (10) جنيهات، علماً بأن الجنيه نفسه تعرض إلى هجرة نحو الدينار بعد أن تم ضربه في عشرة، وعاد جنيهاً مرة أخرى مضروباً أيضاً في عشرة أخرى، وتبقى القيمة الحقيقية للجنيه السوادني الأن تساوي مائة جنيه قبل ربع قرن من الزمان.
خمسة وعشرين عاماً فشلت فيها لدولة في تأسيس نظم أو قاعدة اقتصادية منضبطة تحكم بها التوافق ما بين امكانيات البلد وقدراتها الاقتصادية وما بين الامكانيات والاحتياجات حتى لا يختل ميزان المدفوعات ومن ثم الحاجة إلى طباعة العملة والتي أدت بدورها إلى التضخم الحالي.
ثلاث مراحل للتدهور
من يصدق بأن الجنيه وقبل أن يتدهور كان يساوى (2) جنيه أسترليني و(3) دولارات أمريكية، وعشرة ريالات سعودية، ومنذ ذلك الوقت مرت الجنيه بثلاث مراحل للتدهور، كما وثقها الخبير الاقتصادي النعمان حسن فكانت المرحلة الأولى قبل إنقلاب مايو، والتي بدأت فيها نسبة الانخفاض ترتفع منذ ذلك الوقت، وذلك عقب قرار صادر عن وزير المالية حينها بدر الدين سليمان عندما ألغى الرقابة على النقد، وعمل بذلك على تعويم سعر العملة (بمعنى أن الجنيه هو الذي يحدد قيمته في السوق مقابل العملات الأخرى وليس سياسة الدولة)، وكان من المفترض أن يقابل ذلك القرار إرتفاع في مصادر الإيرادات، حتى تظهر القوة الحقيقية للجنيه بالحفاظ على قيمته.
المرحلة الثانية وصفها خبراء الاقتصاد بمرحلة (إعدام الجنيه أو ذبحه).
وشهد فيها الجنيه هبوطاً قياسياً في عهد الإنقاذ، وذلك عندما أعلن في تسعينيات القرن الماضي، وزير المالية عبد الرحيم حمدي عن سياسة التحرير الاقتصادي، وهي تعني رفع الرقابة عن السوق، ودخلت البلاد في مرحلة السوق الحر الذي فتح الباب واسعاً أمام الاستيراد للسلع الكمالية.
أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة انفصال الجنوب، التي أعقبت مرحلة انهيار المشروعات الزراعية وتدني الإنتاج الزراعي، والصناعي، وأعلنت حينها الدولة قرار رفع الدعم عن المحروقات، ليصل الجنيه مرحلة أن ينقل إلى البنوك بواسطة (شوالات خيش).
مضاربات الحكومة
فلنبدأ في هذه الحلقة بالمضاربات التي تحدث في سوق الدولار فتخفت حينها (الصيحة) للتعرف على كيف تمضي تجارة الدولار داخل مبنى برج البركة المشهور بتجارة الموبايل والأجهزة الإلكترونية، وبرج الدهب في وسط الخرطوم جنوب وشرق المسجد الكبير.
في مساء الاثنين الماضي أوقفت العربة بالقرب من مسجد الخرطوم الكبير فالتف حولها ثلاثة من الشباب الذين يصطفون على جنبات بداية شارع البلدية في انتظار زبائن العملة من الدولار والريال السعودي، فقلت لهم كم سعر الدولار اليوم يا شباب، فقال: أحدهم في العقد الثالث من عمره، أسمر اللون يرتدي نظارة داكنة من الصعب أن تتعرف على لون عينيه من خارج الفريم، فقال لي (كدي أطلع من الشارع) أوقفت العربة جانباً فدخل إلى العربة فقال: لي بائع أم مشترى قلت له مشترى قال لي (جداً) (بديك سعر كويس معاك)، داير قدر كم قلت له (200) دولار فقط فقال لي الدولار يساوي عشرة فاصل عشرة، ولو تأخرت إلى غدٍ لن تجد هذا السعر فالدولار في زيادة هذه الإيام.
قلت له أين الدولار، فقال لي موجود في المكتب، المعلم هناك نحن (سماسرة ساي)، نزلنا من العربة، فأخذني إلى مكتب داخل شقة في عمارة برج البركة، الشقة مفروشة في عدد من المكاتب، تبدوا كمكاتب سماسرة العربات في دلالة الصحافة، الكتب مكون من طقم كراسي جلوس وطربيزة، كبيرة مع كرسي متحرك، وخزنة قروش يمكن أن تحمل في باطنها جوالين عيش أو أكثر، وذلك لكبر حجمها.
سلمني مبلغ 200 دولار مقابل (2) مليون أي ألفي جنيه، وهو المبلغ الذي رست عليه المفاصلة، فحينها شعرت أن الشاب بإمكانه أن يتحدث أكثر بعد أن تأكد بأنني ليس من الأمن الاقتصادي، عرفت أنهم يميزون بين الأمن والزبائن، بحاسة أمنية غريبة، على كل استفاض الشاب معي في الحديث حول أسباب ارتفاع الدولار، وجدته ليس مجرد سمسار وإنما أقرب بكثير إلى كونه الخبير الاقتصادي وذلك عندما قال لي (ياخ معقولة في زول ما عارف أسباب ارتفاع الدولار في البلد دي)، قلت له أشرح لي كيف تبقى المضاربة في هذا السوق فقال (هم حوالى خمسة أو ستة تجار يتعاملون مع الحكومة نفسها وهي المسؤول الأول عن ارتفاع الدولار، ونحن مجرد سماسرة فقط نتحصل على مبالغ بسيطة لتجارة الدولار ونأخذ هامش فائدة قلت له من أي تتحصلون على الدولار فقال (المضاربات الكبيرة تتم مع المعلمين أنفسهم وهي في الغالب تكون فيها شركات ومؤسسات حكومية تطلب مبالغ كبيرة من التجار وهم يوفرونها بالإسعار التي تروق لهم أما نحن يستخدموننا فقط لجمع مبالغ على شالكة موظفين منظمات أو أمم متحدة وبعض المغتربين، وهي في الغالب لا تتعدي خلال اليوم حوالى عشرة آلاف دولار إلى عشرين ألف وهذا مبلغ بسيط مع التعاملات التي تتم هاتفياً ما بين المؤسسات والتجار الكبار باخصتار يا شيخنا (الحكومة عارفة كل شيء لكنها لا تسطيع إصلاح شيء..).
سؤال طيب كيف تتم المضاربة؟. فقال : المضاربة تتم كالآتي مجموعة من التجار يشترون كميات كبيرة من الدولارات التي لا تتوفر حتى لدى الحكومة، وبعد فترة وجيزة يتفقون على تحديد سعر جديد أن أرادوا تحقيق ارتفاع الأسعار أو انخفاضها.
انتهى حواري مع سمسار الدولار فقلت له أنا صحفي ومحتاج لتلك المعلومات في سلسلة تحقيقات عن الدولار.. فما رأيك؟ هل تستطيع أن تسمح لي بنشر اسمك كمصدر فقال (إنت جادي البلد دي هبايبها قايمة، الجماعة ديل أسي طلعوا من هنا تقول لي اسمك اكتب أي شيء إلا اسمي ده)، ضحكت وعرفت أن الأمن الاقتصادي عامل عمايلو في الجماعة، يواصل الليل بالنهار لأجل محاربة تجارة العملة.
على كل خرجت من المكتب السمسار وفي يدي ورقتين فقط من فئية الماية دولار موضوع عليها صورة جورج واشنطن، ودفعت مقابله هاتين الورقتين عملة ورقية فئة عشرة جنيهات، كنت أحملها في كيس، مضمدة بلستك قروش حتى لا تتبعر من كثرتها، فقلت في نفسي الفرق شاسع بين (جورج) والجنيه، وعبارة جورك لدى سماسرته، تعني الدولار.
حتى قدرة الفول
علاقة ارتفاع الدولار بقدرة الفول أصبحت معلومة حتى لدى الباعة المتجولين والذين أصبحوا يرفعون أسعار السلعة التي في أيديهم مجرد سماع أن الدولار ارتفع، فثبت جلياً أن عجلة الاقتصاد في السودان تسيرها أمور لا علاقة لها بميزان المدفوعات ولا المديونية ولا أسعار الصرف، وإنما مسائل أخرى تتعلق بمرابحات أو مضاربات في سوق العملة.
ولاحظت (الصيحة) أن وصول الدولار الى أكثر من عشرة جنيهات انعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات، ووصل هذا الارتفاع حتى (قدرة الفول)، وأعلنت شركة دال قبل يومين فقط من كتابة هذه السطور عن ارتفاع أسعار المشروبات الغازية بنسبة كبيرة، وارتفعت أسعار مشتقات الألبان المعلبة وحتى (كاسة الزبادي)، وكل ذلك له علاقة مباشرة بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.
هذه الحلقة ستجيب على مسببات ارتفاع الدولار مقابل الجنيه. وقصدت (الصيحة) عدداً من الأكاديميين وخبراء الاقتصاد وطرحت عليهم استفهاماً على شاكلة لماذا يرتفع الدولار مقابل الجنيه بطريقة غير منطقية؟. وما هي الآليات التي يمكن تطبيقها لحفظ توازن الجنيه أمام العملات الأجنبية؟
على كل حال، فإن نسبة التضخم بحسب إحصائيات وزارة المالية أنها بلغت (11%) بينما تشير الإحصائيات إلى أن النسبة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، لأن معدل التضخم بحسب علماء الاقتصاد يقاس بالارتفاع المتزايد لاسعار السلع اليومية.
ولاحظت (الصيحة) من خلال متابعتها لمعدلات التضخم في الشهور المالية وبحسب نشرة صادرة من الجهاز المركزي للإحصاء، أن معدل التضخم واصل الانخفاض للشهر الثامن على التوالي، وسجل لشهر أغسطس 2015، 11,31 مقارنة ب 14,1 لشهر يوليو الماضي 2015،ان نسبة تراجع بلغت 19,73%..
الدينار لا يبيض
"الدجاجة تبيض، ولكن الدينار لا يبض" هذه النظرية مقولة شهيرة استعان بها القذافي فى كتابه الأخضر وأراد، القذافى أن يوضح طريقته في حل أزمة الاقتصاد العالمي إلى جانب نظريات أخرى.
وتكمن رؤية القذافي باختصار شديد في أن الدينار الليبي لا يبيض إذا ما تركته في المنزل، وحث الشعبي الليبي أن يشتري دجاجة ويستثمر في بيضها لأن الدجاج يبيض وأن الدينار لا يبيض.
الفكرة ربما قصد من خلالها القذافي تشجيع الشعب الليبي على الإنتاج وعدم الاعتماد على ما يتقاضونه من رواتب حكومية. وهذه النظرية ربما أشبه بكثير للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فقد تعطلت كافة أدوات الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعى، وهو من الأسباب المباشرة في تدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار.نظرية الدينار لا بييض ربما يتفق معها كافة خبراء الاقتصاد أن لم يكن أغلبهم.
د. حسن عبد الحميد خبير اقتصادي وأستاذ بمعهدة الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، أعاد الاستفهام نفسه ل(الصيحة) قبل أن يجيب عليه بعبارة فيها شيء من الحسرة على الوضع الاقتصادي، (البمنع الدولار يرتفع شنو؟). عبد الحميد ألقى باللائمة على السياسات الاقتصادية التي طالت البلاد منذ مجيء الإنقاذ قبل أكثر من ربع قرن، وقال في حديثه ل(الصيحة) إنه يتوقع أن يصل الدولار إلى أقصى حد، وليس هناك ما يشير إلى احتمالية تحسن على المدى القريب، وحصر المسببات في أن خللاً هيكلياً أصاب الاقتصاد منذ وقت ليس بالقريب، واسترسل قائلاً (الخلل الهيكلي، وضعف الإنتاج وسياسات سعر الصرف، وشروط الاستثمار، جميعها تكالبت على الجنيه، وأردف قائلاً: (ليس من المعقول أن نفتح الباب لاستيراد جميع السلع وأشياء يمكن أن تصنع بالداخل)، ولم ينس عبد الحميد الحديث عن المقاطعة الأمريكية وانعكاساتها السالبة على التحويلات، وعدم الاستفادة من الدعم الخارجي والمساعدات الأخرى.
وأشار إلى أن استمرار الحرب في عدد من المناطق ساهم بقدر كبير في خروج مناطق الزراعة عن دائرة الإنتاج، علاوة على الإنفاق الأمني والعسكري الذي ظل يستنزف الميزانية العامة.
رزق اليوم باليوم
وحول الحلول المطلوبة لإنقاذ الجنيه من الضياع، طالب عبد الحميد بضرورة مراجعة إدارة العملية الاقتصادية في البلاد برمتها، مشيراً الى أن الأجهزة المعنية تعاني من أزمات كبيرة، سواء في بنك السودان، أو وزارة المالية، ودعا لوضع سياسات اقتصادية، تعمل على معالجة الخلل الواضح في الاقتصاد، وزاد( الخلل يبدو متمثلاً في الأشخاص الذين يديرون العملية في جوانبها التقنية والفنية.
ولفت إلى أن الإصلاح فيما يتعلق بالبناء المؤسسي يحتاج إلى عمل كثير مذكراً بأنه غير فاعل فيما يختص بإدارة الشأن العام، وتقديم الخدمات، خاصة وأن الأزمة متكاملة، ملاحظاً أن الأمور الاقتصادية تدار بسياسة (رزق اليوم باليوم)، وليس هناك تخطيط إستراتيجي، منادياً بعملية إصلاح جذري إن أراد الناس العودة بالجنيه لسيرته الأولى.
التضخم.. أنواع.. أسباب.. علاج
التضخم عبارة متداولة من قبل المواطن البسيط في مفردة الغلاء، ولكن الكثير من الناس لا يعرفون المعنى الحقيقي للتضخم، وإن كان هو الأزمة الحقيقية، التي يعاني منها المواطن بطريقة مباشرة في مأكله ومشربه ومسكنه، ويعرف علماء الاقتصاد التضخم بأنه الزيادة المتواصلة لأسعار السلع والخدمات بمعنى(عندما يذهب الفرد إلى السوق ليجد أن وزن أو عدد ما يشتريه اليوم من سلعة ما يقل عن وزن أو عدد ما كان يشتريه بالأمس بنفس المقدار من النقود، فهذا مؤشر خطير على تطور اقتصادي سلبي يلتهم قيمة النقود، ويجعلها تفقد قيمتها، بمعنى آخر أنك تذهب بأموال كثيرة لتأتي بأشياء تحمل على اليد فقط). هذا باختصار شديد تعريف الظاهرة الخطيرة المسماة بالتضخم، والتي يعرفها العامة باسم "الغلاء، وعن مسببات التضخم يشير خبراء الاقتصاد بأنه ليس له مسبب واحد بل أسباب عدة منها تضخم ناتج عن التكاليف وينشأ بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، المتمثلة في زيادة الرواتب والأجور، وآخر ناتج عن زيادة الطلب على النقد والذي يصاحبه زيادة عرض السلع والخدمات مما يعني ندرة السلع وارتفاع ثمنها، أما الأخير وهو الذي يعنى بتضخم تشوهات الاقتصاد حيث تكون الأسعار قابلة للارتفاع وغير قابلة للانخفاض كما في حالة الوضع الآن في البلاد، وتشير المقارنة أعلاه إلى أن كافة مسميات التضخم متجسدة تماماً في واقع الاقتصاد الحالي وإن بحث علماء الاقتصاد لمصطلح آخر لدخلت حالة السودان في هذا المصطلح الأمر الذي يشير الى أن الأزمة أزمة خلل هيكلي وليس خللاً طارئاً تتم معالجته بين يوم وليلة أو شهر وشهرين.
المعالجة تتم حين تتخذ الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد القوي معدل الفائدة وسيلة للحد من التضخم، فتتعامل بمعدل الفائدة بالزيادة أو النقصان لكي تعالج التضخم، فعندما تكون هناك علامات تضخم بدأت في الظهور، فإن البنك المركزي يعمل على زيادة نسبة الفائدة، فيسحب الأموال من السوق ويوجهها إلى عملية ادخار أو استثمار (الادخار = الاستثمار)، فعندما تكون أسعار الفائدة عالية فإن الإغراء في الاستثمار سيرتفع لكبر الفائدة العائدة على المستثمر.
أما في دول كوضعية السودان فلا يمكن علاجه من دون زيادة الإنتاج على حساب الاستيراد، وتشجيع الاستثمار..
تشوهات في الاقتصاد
تشوهات الاقتصاد عبارة استخدمها الخبير الاقتصادي د. محمد الناير تشبيهاً لحالة التضخم والرقم الذي ضربه الدولار مقابل الجنيه المحلي وأشار الناير في حديثه ل(الصيحة) أن وصول الدولار لأكثر من عشرة جنيهات فيه فارق كبير ينم عن حدوث تشوهات في الاقتصاد إذا ما واصل الجنيه الانخفاض مشيراً الى أن الفارق كبير ما بين السعرين في السوق الموازي والسوق الأسود.
وأضاف الناير قائلاً (إن السوق الموازي أصبح يؤثر تأثيراً كبيراً على السلع والخدمات، ولكن إذا طرحنا ما هي الأسباب نجد أن الأسباب تكمن في حدوث مضاربة على الدولار وامتهان جهات كبيرة تجارة العملة غير المشروعة، وقال إن ذلك سيؤثر تأثيراً مباشراً على شرائج المجتمع في عيشهم وحياتهم.
وطالب الناير الجهات القائمة على محاربة تجارة العملة غير المشروعة بإنزال أقصى العقوبات، على المتلاعبين باقتصاد البلاد، مشيراً إلى أن هؤلاء يعملون على تدمير الاقتصاد الوطني. ويستحقون توقيع أقصى العقوبات مقابل ذلك.
الغريب في الأمر
هل يعقل بأن تساهم واقعة سياسية في ارتفاع الدولار، أو أن ينخفض الجنيه مقابل الدولار لمجرد شائعات دخول وديعة معينة إلى بنك السودان، أو يرتفع بصورة كبيرة مجرد اندلاع حرب ما بين الحكومة والتمرد في منطقة معينة.
كل تلك المسببات تستطيع أن ترفع سعر الدولار مقابل الجنيه الأمر الذي يشير إلى أن الاقتصاد لا يستند على إنتانج زراعي أو صناعي، وأصبح الاقتصاد قابلاً للتأثر بكل الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، وحتى الرياضية، إنشاء فقط، وكل ذلك ينتج من خلال المضاربات التي تتحكم في السوق.
ويقول أحد تجار العملة الذين التقتهم (الصيحة) بالسوق العربي في جولتها الميدانية فضل حجب اسمه، إن الحالة المزاجية للتجار يمكن أن تسهم في ارتفاع الدولار، وشرح القصة كالآتي: (إن مجموعة من التجار يتفقون على شراء كميات كبيرة من الدولار ويرفضون بيعها لفترة من الزمن فتضطر مؤسسات الدولة المعنية بشراء واستيراد حاجياتها من الخارج الى شراء حاجتها من هؤلاء التجار أنفسهم بأسعار يحددونها وليس المؤسسات ليصبح هذا السعر هو السعر الجاري والمتداول وربما يقوم هؤلاء التجار بخفض السعر بعد التخلص من كميات كبيرة من دولاراتهم).
معلومة لابد منها
1 آخر معلومة فقط للمقارنة بوضعية الاقتصاد القومي مع أكبر خمس دول في العالم فتأتي المقارنة كالآتي كما تحصلت عليها من مواقع اقتصادية متخصصة فالناتج القومي لخمس دول بالترتيب 2014م هو: أمريكا 15.7 ترليون دولار- الصين 8.2 ترليون- اليابان 6 ترليونات- ألمانيا3.4 ترليون- فرنسا 2.6 ترليون (الترليون ألف بليون أو مليار).. ثم السودان 0.60 ترليون دولار- (أي 60 مليارا)- أي أن الناتج القومي الأمريكي أكبر من السودان ب261 ضعفاً أو النتاتج القومي السوداني يساوي 0.4% من الأمريكي أقل من نصف في المائة.
هذه المقارنة قصد منها فقط التنويه الى حجم الاقتصاد المحلي مقارنة بالعالمي ولا ننسى أننا مرتبطون بمنظمة تجارة دولية تطلب وضعية اقتصادية معينة للانضمام إليها لذا أن المقارنة لم تأت من فراغ. وليعلم القراء أن سعر الصرف هو الفرق ما بين الجنيه والعملة الأجنبية الدولار.
التيار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.