لا يختلف اثنان أن العدل لا يمكن أن يتحقق من غير قانون، وإن القانون أن لم يطبق على الجميع فلا فائدة منه، ومن مكارم الأخلاق أن لا يستغل أهل القانون القانون، ولذلك حين تطبق الدولة القانون لابد أن تكلف به من هم على خلق، لأن القانون في يد من لا أخلاق له مفسدة، واعتقد أن الحكومة اخطأت واختارت بعضا من الناس لتطبيق القانون لم يكونوا على خلق ولذلك تتحدث عن محاربة الفساد ولا تستطيع أن تحاربه حتى اضطرت لعمل مفوضية ووضع قانون لها رغم القوانين الموجودة أصلا ابتداءً من الدستور وحتى اللوائح. السودان صنف في العام 2014 واحد من أفسد الدول في العالم، المعايير التي تم بها قياس مدى فساد الدول وشفافيتها كانت منطقية جدا، وعزت منظمة الشفافية أسباب الفساد إلى عدة أسباب أهمها ما له علاقة بعدم انضباط الدولة بالدستور والقوانين التي تحكم المؤسسات المختلفة، مثل ضعف الرقابة على المؤسسات وتهميش السلطتين التشريعية والقضائية وتحكم السلطة التنفيذية على الحياة السياسية والاقتصادية، والفراغ السياسي المستمر نتيجة الصراع على السلطة والسيطرة على مؤسسات الدولة، وغيرها من الأسباب، ولكن هذه هي الأهم لما لها من علاقة تنظم الدولة بناءً على القوانين، حين تفقد الدولة هذا الوضع يصبح القانون عُرضة للانتهاك وعدم الاحترام على جميع مستوياته . الخلل الأساسي الذي جعل الفساد يستشري في السودان هو أن بعض من العاملين في الدولة يوقفون عمل القانون أو يتلاعبون عليه أو يسخرونه لخدمتهم بل ويحتالون عبره على المواطن والدولة، ولذلك أصبحت بعض الأمور في المؤسسات تمضي وفقا لمصالح أولئك المنتهكين للقانون وليس مصالح البلد ولكنها تضر بالكثيرين، المصيبة الكبرى التي تضعف القانون نفسه حماية الحكومة لأولئك الناس لأسباب مختلفة غير منطقية. في صحيفة السوداني الصادرة أمس ورد خبر بعنوان تحلل سياسيين وتشريعيين وقانونيين من تجاوزات أراضي الخرطوم، تفاصيل الخبر تؤكد أن أولئك المكلفين بحماية القانون وتطبيقه وتنفيذه ورعايته متورطون في تجاوزات الأراضي بولاية الخرطوم، وقد انطبق عليهم قول المثل حاميها حراميها، والأدهى والأمر أن الحكومة سمحت لهم بالتحلل حتى بعد التحريات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والتي أثبتت تورطهم، هذا حدث على مستوى الأراضي ومما لا شك فيه أن هناك حوادث مشابهة في جميع المؤسسات وإن اختلفت نوعية التورط. التحلل لا يعني سوى شيء واحد فقط هو أن الحكومة تحمي الفساد لأن المفسد لن يشعر ابدا بفداحة جرمه وسيعتبره لعبة وانكشفت وسيعيدها مرة أخرى وبطريقة احرف وهو بالفعل ما سيحدث، والتحلل هو مكافأة لهم وليس عقابا، وبناءً عليه يصبح الحق العام عُرضة للتلاعب المستمر ما دام القانون والدين يستغلان لصالح المفسدين. الأموال التي يحصل عليها هؤلاء المفسدون هي حق عام، والحق العام لا يجب أن تتنازل عنه الدولة مهما كانت المبررات حتى لا تفتح أبواب الفساد مشرعة، بل حتى تقفل أبواب الفساد المشرعة. هؤلاء الذين ينتهكون القانون ويحصلون على أموال هي حرام قانونا وشرعا لا شك أنهم وصلوا درجة بعيدة من الاستخفاف بالدين والأخلاق ومات ضميرهم وهم أقلية، ولكن لماذا تتساهل الحكومة في عقابهم لماذا تخاف من بترهم وقد أصبح بقاؤها مرهونا بالإصلاح الذي لا يقبل التحلل الذي هو تشجيع على الفساد. التيار