في أغسطس 1973 تعرّض بنك "كريديت بانكين" في السويد إلى عملية سطو مسلح، وقام سجين هارب يدعي "كلارك" باحتجاز بعض الرهائن لمدة ستة أيام، انضم إليه خلالها زميل له. الغريب في الأمر، أن الرهائن قد ارتبطوا عاطفيا بمُختطفيهم خلال هذه الفترة، ودافعوا عنهم بعد إطلاق سراحهم أمام القضاء. كريستين إنمارك كانت إحدى ضحايا الحادث، أجرت مكالمة هاتفية من داخل البنك مع رئيس الوزراء، تستجديه أن يسمح لهم بمغادرة البنك مع الخاطفين، وقالت ما نصّه: "إنني أثق ب "كلارك" وبزميله ، ولا أشعر بأي نوع من الخوف ، هم لم يرتكبوا أي أمر سيء معنا، بل على العكس، كانوا لطيفين جدا". من هنا نشأ مصطلح "متلازمة ستوكهولم" الذي صاغه "نيلز بيجيروت" الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة، ليُعبّر عن الحالة النفسية التي تصيب الإنسان عندما يتعاطف مع عدوه أو مختطفه أو من يسيء إليه، وذلك بعد دراسة حالات كثيرة مشابهة، تمكن المختصون من خلالها من تقرير هذه الحالة المرضية.علماء النفس يقولون إن ضحايا الاختطاف وأسرى الحروب والمقموعين والمضطهدين، يتعرضون لضغوط نفسية، فيبدأ العقل الباطن للضحية في إقناعه بضرورة إرضاء الجاني لتجنّب أذاه، كنوع من الحيل النفسية، وبالتالي يتجه العقل الواعي إلى إرضائه، ويتطور الأمر إلى حد التعاطف معه، ورفض أي محاولات لإخراجه من سيطرة ذلك الجاني. يَمْثُل هذا العارض النفسي أمامنا لدى استقراء واقع الشعب السوداني الان، والذي صار مرتعا لكل من هب ودب واصبح يتلقي اللطمات والاهانات من كل صغير رذيل فتارتاً يضرب ويسحل مواطنون في مصر ولا احد يتحرك وينتهي الامر والشعب في خضوع تام. لا بل المحزن ان هناك بعض الاصوات من جلدتنا قد جنحت لتجريم الضحايا ..وما فتأنا نستفيق من تلك الضربة التي مست كرامتنا الشخصية التي هي مصدر فخر لنا والتي هي صفة نوصف بها عند الشعوب " السوداني لايقبل الاهانة". حتي طلع علينا من امتلأت بطنه بالارز واصيب بتخمة انقصت الجزء المسؤول عن التفكير والادراك في عقلة الذي لا يستوعب عراقة وتاريخ امة السودان الذي يعلمه الداني والقاصي من اهل وسكان تلك البقعة التي ولد فيها ذلك المتتطاول لكن من يهن يسهل عليه الهوان. ومابرحنا نعزي انفسنا مما صرنا اليه من ضعف وهوان حتي افقنا علي مصيبة تبين ان لا احد في اي منصب أو مسؤول يعرف أو يعي معني انه في هذا المنصب من اجل ان يخدم مواطنية بكل احترام وتفاني لا بل حتي يتقبل حتي المسائلة والزم من الناس بكل طيب خاطر فهذه ضريبة العمل العام . فوزير المالية ان جاز ان نسميه وزيراً لان ما تفتق به عقله ونطق به لسانه من وصف شعب كامل يحتوي علي خلطة من المهن والتخصصات والمهارات بانه عاطل لعمري انها لطعنة بنصل مسموم ... لو كان هذا الوزير في حكومة دولة "وادية Wadiya"من فيلم "The Dictator الدكتاتور" لطالبه ذلك البرلمان الفاسد في تلك الدولة بجلسة محاسبة عاجلة يضطر علي اسرها لتقديم استقالته تحت الحاح من الحزب الذي ينتمي اليه بسبب ما سببه للحزب من احراج وتناقص حاد في عدد مؤيديه وقبل ذلك القاء كلمة اعتذار وإبداء الندم ويكون بهذا قد كتب نهاية لمغامراته في عالم السياسة التي لاتقبل الهفوات لان الذاكرة السياسية لاتموت وذاكرة الشعوب لاتنسي. عندما اندلعت احداث سبتمبر كانت أحد مجالات الكشف عن هذه الحالة والمقصود هنا متلازمة استوكهولم، فلم تكن تلك الاحداث محل إجماع من الشعب، كانت هناك فئة رافضة لتغيير المألوف بكل مساوئه، إلا أنها لم تجد مفرا من الاستسلام للسياق العام، من باب دع السفينة تُحرّكها الرياح.المتابع لمسار الاحداث يجعلنا نستحضر متلازمة ستوكهولم، إذ أن هذا الشعب وبمعنى أدق فئات منه تأقلمت مع الاستبداد والقمع، وانتابتها تلك الحيلة النفسية في الهروب من ضغط الواقع بالرضا به، لذا كانت هذه الفئات تهتف للحاكم لمجرد كسرة خبزٍ يرمي بها إليهم المقصود هنا ليس المعني الحرفي بل تلك العبارات المستفزة الشهيرة ." الحيحكم منو لو مشي" أو "البتعرفو احسن من المابتعرفو" . هنا يظهر استعذاب ألم الاضطهاد والاستبداد لذا وجدت هذه الفئات ضالتها في بعض الدول التي فشلت في استرداد عافيتها مثل اليمن وليبيا ولا نريد الخوض في القضية السورية فالموضوع شائك ومعقد فزعم هولاء أن الفتن والاضطرابات التي أعقبت الثورات أثبتت صحة مسلكهم الخانع.وظهرت تطبيقات هذه الحالة المرضية في رضا بعض السودانين بالواقع وان صاحبه ذل وخضوع واضطهاد للكرامة وعزة النفس.بل ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك وشرعنوا انه اذا ذهبت هذة الحكومة فان السودان سينهار وسيصبح يمن او سوريا جديدة لقد كانت الكارثة الكبرى عندما امتزجت هذه الحالة المرضية بالبُعد العَقَدي لدى بعض الناس المغالية إثر تأثير رجال الدين الذين اصبحوا يلبسون ثوب غير ثوبهم مما ادي لخلط ولغط انفرط علي إثرة عقد المجتمع الذي كان يمتاز بالوسطية مما افقد الناس ثقتهم وقل ارتابطهم الوجداني بالدين ويعتبر رجال الدين الذين اصبحت لديهم ميول سياسية واضحة لهم تاثير كبير علي تفكير المواطن وتصوير ان كل معادي للسودان انما هو معادي لله وسنة نبيه. كل ما سبق جعل بعضهم يتأقلم ويتعايش نفسيا مع الذل والخضوع وفي ظل الأجواء والأوضاع الراهنة لا ينبغي أن ننساق وراء دعوات التعايش النفسي مع أعدائنا تحت مظلة التسامح والسلام. أن تضع عدوك في مكانه الطبيعي من الكراهية المبنية على أساس، لا يتعارض مع التسامح والعدل معه.لسنا ملزمين بوصايا "أحبوا أعداءكم"، فالحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، ولسنا مطالبين سوى بالتسامح والسعي إلى إقرار السلام والعدل، لنا مشروعية القصاص ودفع الصائلين والمحتلين والمستبدين. [email protected]