لن يكون تدمير وتحطيم مستشفي الخرطوم آخر مؤامرات الرأسمالية الطفيلية علي قطاع الصحة،والخدمات عموماً. وهذه المؤامرة رسمت تفاصيلها منذ أن صعدت الجبهة الإسلامية للحكم عبر انقلاب يونيو 1989،وقبل ذلك التاريخ كان المدعو مامون حميدة صفراً علي الشمال في مجالي السياسة والطب. ما يسمي بثورة الإنقاذ الصحي،كانت بداية إلغاء العلاج المجاني في المستشفيات العامة والمراكز الصحية،تزامن معها تقليص موازنة الصحة،من أجل إضعاف المؤسسات الصحية الحكومية،مقابل تشجيع القطاع الخاص الصحي وتوفير كل التسهيلات له. ثم صعد الفاسدون إلي هيئة الإمدادات الطبية لقفل منابع الإمداد الدوائي وتجفيف القطاع العام من الدواء. ثم عمدا ومع سبق الإصرار،أغلق الباب أمام خريجي كليات الطب للتعيين في وزارة الصحة،حتي يتجهوا قسراً للقطاع الخاص بأقل الأجور. وتحولت بعد ذلك المستشفيات العامة بالخرطوم إلي وزارة الصحة الولائية،حتي لا تعد قومية،عبر ما يسمي بالأيلولة.بعدها جاءت نظريات مامون حميدة حول نقل العلاج للأطراف ومعناها تدمير المستشفيات المركزية. مسح مستشفي الخرطوم،غير أنه يمثل إبعاد المنافس الرئيسي للمستوصفات الخاصة في مركز الخرطوم،فهو يوفر مساحة كبيرة لسماسرة الأراضي والمافيا الإنقاذية لجني المليارات من الجنيهات من خلال بيع الأرض.والمستوصفات التي كان ينافسها مستشفي الخرطوم تشمل الزيتونة وأخواتها. والآلاف من المرضي الذين كانوا يهرعون إلي مستشفي الخرطوم من أجل تلقي العلاج،لن يجدوا غير الزيتونة وأخواتها،ولا بد أن يدفعوا المال الكثير من أجل الفحص الوهمي،والعلاج الذي يعجل بموتهم في آخر المطاف. ولن يقتصر الأمر علي مستشفي الخرطوم،فطريق المؤامرة يمر إلي مستشفيات أمدرمان وبحري.وسيشمل كذلك كليات الطب في الجامعات الحكومية،من أجل تجفيفها أو خصخصتها حتي تزدهر كليات الطب الخاصة. وعلي ذلك فالمدعو مامون حميدة (ترس)واحد في ماكينة طفيلية،ينفذ الأوامر،مثل مخلب القط الذي يعمل عن طريق توجيهات المخ. المعركة إذن مع الفيل وليس ظله،والفيل هو منظومة الإنقاذ الفاسدة،السياسية،الإقتصادية الإجتماعية،التي تستهدف إفقار الناس،وتجويعهم وقتلهم في نهاية المطاف،في إطار تمكين الرأسمالية الطفيلية. لقد قاوم الأطباء،والكوادر الصحية،هذه المؤامرة بقدر ما استطاعوا،لكنهم كانوا وحدهم،مع الأسف،ولم يستطيعوا وحدهم إيقاف البلدوزر،الذي هدم مستشفي الخرطوم،ومن قبله مستشفي جعفر بن عوف،ومن قبلهم المراكز الصحية التي خصخصت،وهيئة الإمدادات التي تحولت لصندوق،وفي الطريق مستشفيات ستمسح من الوجود. سنري يوماً الفنادق الفاخرة الأجنبية،تقوم مكان مستشفي الخرطوم،وسيدفع المواطن السوداني قيمة الكشف الطبي في الزيتونة واخواتها بالدولار الأمريكي،وسيموت الناس بالملاريا لأن قيمة الحبة الواحدة فوق طاقة ذوي الدخل المحدود،وإن مرض السدنة فسيتعالجون في الزيتونة وأخواتها في أجنحة فاخرة،لأن الخزينة العامة ستدفع نفقات علاجهم بالإسترليني. ومع ذلك فمن أولي برامج حكومة ما بعد الإنتفاضة القادمة مسح الزيتونة وأخواتها من الوجود،وهدم الفنادق التي ستقوم مقام مستشفي الخرطوم،وسيرجع المستشفي لسابق عهده،أما الذين اكتنزوا المال من بيع العلاج والصحة،فلهم حساب عسير مع الشعب السوداني،وكل عام والسودان بخير. [email protected]