بينما تصرخ المواطنة «سوريا الحرة» في مظاهرة نسائية: «لا مشمش لا تفاح.. حتى يسقط السفاح»، تؤكد السلطات الرسمية السورية على أن الحياة تسير بشكل طبيعي وحركة الأسواق عادية والأسعار إلى انخفاض. «سوريا الحرة» اسم مستعار اختارته شابة من ريف محافظة حمص، ليكون اسمها على صفحتها في «فيس بوك»، و«سوريا» تقول إنها خرجت يوم جمعة «حماة الديار» في مظاهرة نسائية وإنها هتفت: «لا مشمش لا تفاح.. حتى يسقط السفاح» في إشارة إلى أهم زراعتين في بلدتها الصغيرة، وأكدت أن عائلتها وكل أقربائها ممن يخرجون في المظاهرات أهملوا زراعتهم. «المشمش حل موعد جني ثماره، والتفاح على الأبواب، لكنهم لا يتوسمون خيرا في مواسم هذا العام ما لم يسقط النظام». وفي دردشة عبر «فيس بوك» توضح «سوريا» أن زراعتهم تضررت كثيرا خلال الأعوام الخمسة الماضية بسبب السياسات الاقتصادية الجائرة التي اتبعتها الحكومة لدى رفع الدعم عن المحروقات، وفتح الباب أمام استيراد الفواكه. لكن ماذا بعد خفض سعر المازوت ألم ينعكس هذا على تحسين الزراعة؟. ترد «سوريا الحرة»: «بكل تأكيد سيخف العبء على الفلاح ولكن في المقابل الأوضاع الحالية أوقفت تصدير الفواكه والخضار السورية وانخفضت الأسعار بشكل كبير، وبالتالي لم يستفد الفلاح كثيرا، انخفاض السعر سيستفيد منه المواطن لكن يجب ألا ننسى أن حركة العمل عموما شبه مشلولة». حسان (34 عاما) موظف في معمل ملبوسات قطاع خاص، قال إن صاحب المعمل «أخبرهم بضرورة البحث عن فرص عمل أخرى فقد يضطر إلى تخفيض عدد العمال، لا يوجد تصريف كاف للبضائع في السوق المحلية وبما يجنبه الخسارة» ويتابع حسان أنه ما عدا اللوازم المعيشية الأساسية كالغذاء والدواء لا توجد حركة شراء، فالناس «تعيش حالة من الترقب والقلق» وتابع: «من معه قرش فهو حريص على عدم صرفه». هذه الحالة دفعت كبار التجار إلى سحب أموالهم من البنوك السورية، وتحويلها إلى بنوك الخليج، أما المواطنون العاديون فقام عدد كبير منهم بسحب ودائعهم من البنوك وتحويلها إلى عملات أجنبية أو ذهب، خشية انهيار سعر الليرة، وهو أمر جهدت الحكومة السورية لتداركه. خلال الشهور الثلاثة الأخيرة عمدت السلطات إلى اتخاذ بعض الإجراءات لدعم الليرة، وتشجيع المنظمات الأهلية وسيدات الأعمال المواليات لها للقيام بحملات شعبية لهذا الهدف، مثل حض المواطنين السوريين على فتح حسابات لهم في المصارف السورية العامة ولو بألف ليرة سوريا نحو (20 دولارا)، تتولى وسائل الإعلام المحلية نقل وقائعها كحدث وطني. وتقول مصادر اقتصادية إن رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الرئيس قام بسحب أمواله من الخارج ووضعها تحت تصرف الحكومة السورية. وما زال العدد الأكبر من رجال المال والأعمال السوريين من الموالين للنظام، يدعمون بقاءه من خلال تمويل حملات إعلامية وإعلانية تحض الشارع السوري على «درء الفتنة»، واختيار طريق «إصلاح يقوده الرئيس بشار الأسد»، عبر لوحات إعلانية ولافتات تملأ الشوارع. وتكشف هذه الخطوات من جانب آخر عن التحالف الوثيق بين المتمولين السوريين والنظام، وهو تحالف قائم على الشراكة في الأعمال، حيث تتهم المعارضة السورية الحكومة السورية بأنها خلال السنوات الماضية عملت على تفصيل قوانين على قياس طبقة رجال المال والذي ينتمي غالبيتهم لأبناء مسؤولين سابقين وحاليين، عقدوا شراكات تجارية مع طبقة التجار التقليدية أي تحالف «الفساد مع المال مع سلطة القوة» على غرار ما جرى في مصر، بل إنهم يعتبرون النظام السوري «نسخة سيئة» عن النظام المصري. هذا التحالف نجح لغاية الآن في السيطرة على الاحتجاجات التي تشهدها مدينة حلب عاصمة سوريا «التجارية»، كما أفلح هذا التحالف في أن تبقى الاحتجاجات في العاصمة دمشق معزولة ومحدودة في مناطق وأحياء معينة. عدم انخراط حلب في حركة الاحتجاجات كان سببا ليقوم تجار مدينة حماه منذ عدة أسابيع بمقاطعة البضائع الحلبية، مع امتناع الكثيرين عن تسديد التزاماتهم لتجار حلب، كما دعا ناشطون في صفحات الثورة السورية إلى مقاطعة حلب. أما الأكثر طرافة، فهو ما قيل عن قيام أهالي تلبيسه ولدى بدء الاحتجاجات بإقامة حاجز على الطريق الدولي حمص - حماه - حلب، وتوقيف السيارات المتجهة إلى حلب والبصاق عليها. ويراهن النظام بقوة على طبقة التجار والصناعيين الذين يعتبرون جزءا منه، وأيضا طبقة الموظفين والعاملين في الدولة من المنضوين في حزب البعث الحاكم، وتبدى هذا في إخفاق الدعوات إلى إضراب عام، الذي تحقق بشكل جزئي في مدينة حمص، وحماه، ودرعا، وبعض بؤر الاحتجاجات الكبيرة. ومهما قالت وسائل الإعلام الرسمية إن الحياة طبيعية وتسير بشكل عادي، وعرضت صورا للناس في الأسواق والحدائق، فإن ذلك ورغم صحته ظاهريا لا ينفي حالة القلق التي يعيشها السوريون منذ ثلاثة أشهر، وخشيتهم من الطريق المجهول الذي يسير فيه النظام بإصراره على محاصرة المدن بالدبابات وترك عناصر الأمن والشبيحة يرتكبون جرائم بشعة لا يجدون لها أي تفسير، كما يرعبهم الشرخ الكبير بين مؤيدين للنظام ومعارضين له، يبدأ من زملاء العمل، والأصدقاء ولا ينتهي عند أبناء الأسرة الواحدة. حسين، كتب على صفحته: «لا أؤمن إلا بالله والوطن ومع ذلك اتهمني أخي بالخيانة لأني خرجت في مظاهرة». مداهمات بالدبابات وقصف مدفعي يوقع قتلى في الرستن وتلبيسة المحاصرتين أضافت المعارضة السورية يوم الاثنين إلى أجندة تحركاتها الأسبوعية ليصبح دوما تحت شعار «اثنين إحراق الصور»، في إطار دعوتها لإحراق صور الرئيس السوري بشار الأسد «في كل مكان في سوريا والعالم احتجاجا على القتل والقمع والظلم»، في وقت بقيت فيه مدينتا تلبيسة والرستن، القريبتان من حمص، تحت القصف المدفعي السوري، الذي أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. من جانبه، اتهم نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أمس القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةوفرنسا، بالسعي «لإعادة الاستعمار» إلى سوريا. وتأتي الدعوة إلى «اثنين حرق الصور» بعد أن أعلنت المعارضة السورية عن الدعوة لتحركات شعبية بشكل يومي في إطار «الشعب يريد إسقاط النظام»، وبثت صفحتها على شبكة «فيس بوك» صورا ومقاطع فيديو لمتظاهرين وهو يحرقون صورا للرئيس السوري بشار الأسد. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان قوله إن «11 شخصا قتلوا وجرح نحو مائة آخرين في مدن الرستن وتلبيسة وحمص أول من أمس». وتابع الجيش السوري أمس تنفيذ عمليات دهم في هذه المنطقة، خصوصا في تلبيسة. وذكر الناشط عينه أنه «تم إدخال جرحى إلى المستشفى في حماه لأن قوات الأمن قطعت الطرق المؤدية إلى حمص»، كاشفا عن العثور على جثتين فجر أمس في حي بابا عمرو في حمص، التي شهدت تمركزا أمنيا كثيفا بسبب التوتر الذي تعيشه المدن المجاورة. وكانت الدبابات السورية، وفق ما أكده شهود عيان، اقتحمت مدينة تلبيسة أمس، في ظل أنباء عن سقوط 10 جرحى، فيما شهدت المعضمية حملة مداهمات واعتقالات واسعة على خلفية استمرار المظاهرات الليلية. وفي الرستن، سمع دوي رصاص كثيف على أطراف المدينة، في ظل قصف مدفعي متقطع. وأكدت صفحة «الثورة السورية» على «فيس بوك» سقوط ثلاثة قتلى على الأقل وعشرات الجرحى، في وقت لا تزال فيه خدمات الكهرباء والماء والاتصالات مقطوعة تماما عن المدينة. وبحسب مصادر محلية، اقتحمت الدبابات السورية بلدة تلبيسة يوم أمس بعد أن حاصرتها لمدة يوم، وأن عشرة على الأقل قتلوا. وقالت المصادر إنه «تم قصف جامع القلعة الموجود عند التل وجامع المقبرة، واستمر القصف العشوائي مع زخات من الرصاص حتى الساعة العاشرة صباحا (أمس)»، وأنه بعد الساعة العاشرة بدأ عناصر الأمن العسكري ومعهم شبيحة باقتحام البيوت، ليتمركزوا عند القلعة وخزان المياه. ولفتت المصادر إلى أن عددا من المصابين حالتهم سيئة، وتم نقلهم إلى مركز ثقافي بعد أن احتلت قوات الجيش والأمن المستشفى الوطني في البلدة الواقعة على بعد عشرة كيلومترات إلى الشمال من حمص. وقال ناشطون على «فيس بوك» إن انفجارا قويا وقع في ساعة مبكرة من صباح يوم أمس، تبعه تحليق للطائرات الحربية. وشنت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة في تلبيسة شملت عددا من الأطفال. وأشار الناشطون على صفحات «الثورة السورية» إلى أن الأمن يقوم باختطاف جثث القتلى والجرحى من الشوارع، وسط استمرار أيضا لانقطاع الكهرباء والماء والاتصالات. وتمنع القوات المحاصرة للبلدة سيارات الإسعاف من الدخول وإسعاف الجرحى. ويتواصل القصف على البلدة مما أدى إلى ارتفاع سحب سوداء غطت سماء المدينة. وفي الرستن، قال ناشطون إن إطلاقا كثيفا للنار جرى بعد ظهر أمس عند أطراف المدينة مع قصف مدفعي متقطع، وتأكد استشهاد 3 على الأقل منهم الطفل باسل عبد الرحمن موصلي. وقالت مصادر إعلامية سورية غير رسمية إن «سيارة إسعاف تعرضت لإطلاق نار في مدينة الرستن، مما أدى لإصابة سائق السيارة بطلق ناري في الفك، تم نقله على أثرها للمشفى العسكري بحمص». من جانبها، قالت الوكالة السورية للأنباء (سانا) إن «(مجموعة تخريبية) في حمص قامت يوم الجمعة الماضي بترويع المواطنين الآمنين وأحرقت واعتدت على الممتلكات العامة وحرمة المقابر». وأضافت: «كما قامت المجموعة التخريبية بالاعتداء على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة والرشق بالحجارة مستخدمين في ذلك أطفالا زجوهم في لعبة التخريب وجعلوهم يحملون الحجارة بدلا من الكتب والأقلام». وذكرت أنه تم يوم أمس الاثنين «تشييع جثامين ثلاثة من قوى الجيش والأمن استهدفتهم مجموعات إرهابية متطرفة في منطقة تلبيسة يوم الأحد». وفي محافظة إدلب (شمال)، خرجت مظاهرات في بلدة كفرنبل انضم إليها متظاهرون من قرى أخرى وقام المتظاهرون بإحراق صور الرئيس بشار الأسد. وفي جسر الشغور، قام المتظاهرون بقطع طريق حلب - اللاذقية تضامنا مع الرستن وتلبيسة. وفي عربين بريف دمشق، قالت مصادر حقوقية إن «سيارة تابعة للأمن دهست مواطنا قبل الإجهاز عليه بطلقات نار». في تلك الأثناء، استمر متظاهرون بعدة مدن ومناطق في الصعود إلى أسطح المنازل والتكبير بصوت مرتفع بعد منتصف الليل. وفي بلدة خربة غزالة في ريف درعا (جنوب)، قامت عناصر الأمن بإطلاق النار في الهواء لإسكات أصوات التكبير ليل أول من أمس، إلا أن ذلك لم ينجح، مما اضطر الأمن للتراجع إلى خارج البلدة. أما في درعا، فقد اقتحمت القوات السورية قرية المليحة الغربية، الواقعة شمال شرقي درعا، واعتقلت عددا من الأهالي، منهم كل من: كساب المتعب الحراكي وشيخ مسجد القرية محمد عبد الرزاق الحراكي، وعدنان المخزوم، ومحمد المخزوم، ونفذت حملة مداهمات منظمة للبيوت، مانعة الناس من الخروج من منازلهم وأداء آذان الظهيرة، وفق ما أعلنته المعارضة السورية. في موازاة ذلك، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري مسؤول أشارته إلى أن «عمليات الملاحقة والتعقب لعناصر المجموعات الإرهابية المسلحة في بلدة تلبيسة وفي حمص أسفرت عن مقتل أربعة عناصر بينهم ضابط وجرح 14 آخرين». وأوضح المصدر أن «عمليات الملاحقة والتعقب أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية وإلقاء القبض على عدد منهم ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة»، مشيرا إلى أن «وحدات الجيش والقوى الأمنية تواصل ملاحقة العناصر الإرهابية المسلحة لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة». إلى ذلك، أعلن مصدر رسمي أن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اتهم خلال لقاء مع نظيره الصيني، القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةوفرنسا، بالسعي «لإعادة الاستعمار» إلى سوريا. وقالت وكالة الأنباء السورية إن المقداد دان خلال اللقاء المحاولات التي تقوم بها الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن الدولي لإدانة القمع في سوريا. وأكد المقداد أن «ما يجري من محاولات في مجلس الأمن الدولي.. وسيلة لإعادة عهود الاستعمار والانتداب وتبرير التدخل في الشؤون الداخلية للدول». وبدأ مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي دراسة مشروع قرار يحذر سوريا من «جرائم ضد الإنسانية» قد تكون ارتكبت، لكنه امتنع عن تهديدها بفرض عقوبات، ويبدو أنه سيصطدم برفض روسيا. ويندد مشروع القرار الذي حررته فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال وتم توزيعه الأربعاء، بالعنف الذي يمارسه نظام بشار الأسد، ويطالب بالسماح لفرق المساعدات الإنسانية بالدخول إلى المدن السورية. ويعتبر مشروع القرار أن «الهجمات الواسعة والمنهجية التي ترتكبها السلطات الآن في سوريا ضد الشعب يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية». وفي الإطار نفسه، نددت مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي أمس ب«وحشية» قمع المتظاهرين من قبل القوات الحكومية في ليبيا وسوريا، معتبرة أن هذا «يثير الصدمة» لازدرائه حقوق الإنسان. وجاء كلام بيلاي في افتتاح الدورة السابعة عشرة لمجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة.