* لا أتفق مع الأستاذ نبيل أديب المحامى بأن التوصية التى خرجت بها لجنة الحريات بمؤتمر الحوار الوطنى بإلغاء قانون النظام العام بولاية الخرطوم (1996 ) باقتراح من عضو حزب المؤتمر الوطنى بدرية سليمان، تثلج الصدور، أو تُعد تطورا مُهما فى طريق الإصلاح القانونى، كما وصفها فى مقال بصحيفتنا يوم أمس الأول (الأحد،17 يناير، 2016 )، بل واعتبرها مؤشرا لجدية الحوار !! * والسبب أن قانون النظام العام أو (أمن المجتمع، كما يسمى الآن) ميت سريريا منذ مولده، ويستحيل تطبيقه من الناحية العملية، ولو حاول من بيده السلطة أن يفعل ذلك بالقوة لما استطاع، وعلى سبيل المثال المادة 7/1/ ب من ضوابط إقامة الحفلات الغنائية الخاصة التى تمنع الرقص المختلط أو رقص النساء أمام الرجال فى الحفلات الخاصة، والمادة 9/ 1/ أ من ضوابط استخدام المركبات العامة التى تمنع تواجد الرجال فى الاماكن المخصصة للنساء او العكس فى وسائل المواصلات العامة، والمادة 19/ج التى تنص على ضرورة الفصل بين الرجال والنساء فى الصفوف .. هذه مواد ولدت ميتة، وليس لها وجود فعلى، ويستحيل تطبيقها!! * بل إن المواد التى وجدت طريقها للتطبيق بحزم شديد منذ صدور القانون، ولا تزال تطبق حتى الآن (على الشرائح الفقيرة فى المجتمع) مثل المادة (7/1/أ) التى تفرض إيقاف الحفل فى موعد أقصاه الساعة الحادية عشر مساءً، انهارت تماما بعد السماح باستمرار الحفلات الغنائية بعد الحادية عشر مقابل دفع رسوم للسلطات المحلية، أو بالتغاضى عن الزمن القانونى فى حفلات اصحاب النفوذ التى تمتد حتى فجر اليوم التالى وتحت حماية أجهزة القانون، وهو ما يعنى أن القانون قد انتهى بشكل عملى ولم يعد هنالك ما يُثلج الصدر بصدور توصية بإلغائه، كما ان بقية المواد ليست محل جدل أو خلاف كبير، بل ان بعضها محل اتفاق الجميع (مثل المادتين 14/أ و14/ ب اللتين تمنعا استخدام ودخول الرجال فى محلات تصفيف شعر النساء، والمادة 19/أ التى تحظر استخدام مكبرات الصوت فى الأماكن التجارية بصورة مزعجة، وهى مادة لا تجد طريقها الى التطبيق رغم أهميتها فى مكافحة الازعاج وكبح الفوضى فى الاسواق)!! * توقعت، بدلا عن الثناء على التوصية بإلغاء قانون ميت، ان يتحدث الاستاذ نبيل عن ضرورة إلغاء المادة (152 ) من القانون الجنائى لسنة 1991، فهى التى نتج عن وجودها وغموضها المتعمد وسوء تطبيقها بواسطة شرطة النظام العام، كل حالات انتهاك خصوصية وكرامة النساء، اللائى يحفظ لهن المجتمع السودانى وضعا مميزا ولا يتقبل اطلاقا ان يتعرضن لأى شئ يخدش خصوصيتهن وكرامتهن، وليس لدى أدنى شك فى أن من ابتدعها، قصد منها اذلال المجتمع وتخويفه والسيطرة عليه من خلال إذلال وتخويف المرأة، ولكنه لم ينجح، والدليل على ذلك أنه وبعد مئات الآلاف، وربما الملايين من حالات انتهاك الخصوصية والكرامة باستغلال هذه المادة البغيضة، ظلت المرأة تقاوم الظلم والتسلط وتقتحم كل المجالات وتؤدى الدور المطلوب منها بدون خوف من شرطى يتربص بها، أو قانون يعاقبها بالجلد ويهينها ويذل اسرتها بدون جرم ارتكبته!! * كان على الاستاذ نبيل المطالبة بإلغاء هذه المادة البغيضة (التى لا تنتمى لقانون النظام العام)، وليس الثناء على توصية (خبيثة) بإلغاء قانون ميت سريريا، فيسهم فى ترسيخ الصورة المقلوبة فى الاذهان بأن المشكلة هى (قانون النظام العام)، وليس القانون الجنائى العام ممثلا فى المادة (152 ) وغيرها من المواد البغيضة التى تنتهك الكرامة الإنسانية وتقيد الحريات، وتضع المجتمع بأكمله فى سجن كبير اسمه الخوف من الفضيحة، فيسهل تطويعه وقياده !! * إذا كانت هنالك جدية فى ترسيخ الحريات وحماية المجتمع من الانتهاكات والمظالم، فعلى لجنة الحريات أن تصدر توصية بإلغاء المادة (152 ) والمواد الشبيهة بها فى القانون الجنائى، وليس التوصية بإلغاء قانون ميت لا يتذكره أحد، معتقدة أنها تخدعنا باعتبار أنها قد حققت بعض مطالبنا!! الجريدة [email protected]