يبدو أن التعدد الثقافي والاثني والعرقي وكذلك الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي يمر بها السودان أثرت في كثير من الجوانب الاجتماعية والثقافية حيث امتد هذا الأثر ليصل غلى حد عدم استقرار الأسرة السودانية والمتمثل في تزايد حالات الطلاق والتي وصلت نسبتها حسب آخر الاحصاءات إلى 30% أي بين كل ثلاث زيجات تحدث حالة طلاق واحدة. في حين يرى خبراء اجتماعيون أن الظروف السياسية والحروب التي شهدها السودان ومازالت تداعياتها مستمرة هي أحد أهم الأسباب التي أدت لتفشي ظاهرة الطلاق في البلاد. وكشف قاضي المحكمة العليا في السودان عبدالرحمن شرفي النقاب عن دراسة اعدت في وقت سابق تقول إن نسبة الطلاق في السودان بلغت 30% ما يعني أن بين ثلاث زيجات تحدث حالة طلاق واحدة. ووصف قاضي المحكمة العليا ارتفاع هذه النسبة بأنه مخيف جدا مما جعل المختصين والمهتمين بالشأن الاجتماعي بالسودان يدقون ناقوس الخطر داعين إلى ضرورة معالجة أسباب تفشي هذه الظاهرة. وفي حديث خاص ل"العربية.نت" بالخرطوم عزت الخبيرة الاجتماعية الدكتورة سارة مكي أبُّو كثرت نسبة الطلاق في الآونة الأخيرة في الأسر السودانية إلى التعجل في عملية إتمام الزواج بحيث لا يكون هناك فهم جيد بين الطرفين وعدم التوافق والإصرار على عدم التنازلات لكل الطرفين مما يجعل الحياة الزوجية لا تستقيم. ونوهت الخبيرة الاجتماعية إلى أن ما تم الكشف عنه من حالات طلاق هي فقط الحالات المرصودة في المحاكم التي تسمى (التطليق) مشيرة إلى أن هناك حالات تتم بمعزل عن المحاكم داخل الأسر وتسمى (الطلاق) وهذه نسبتها كبيرة جدا، مضيفة "السودان يختلف في أمر الطلاق عن كثير من الدول التي تشترط اللجوء للمحاكم، حيث يمكن أن يتم الطلاق مباشرة دون الذهاب للمحاكم" . واعتبرت دكتورة سارة أن الوضع السياسي والحروب التي مر بها السودان لها أثر كبير جدا في عدم استقرار الحياة الزوجية وذلك لأنه عندما يحدث التشرد والنزوح يحصل تغيير للعادات الاجتماعية بحيث يصبح الزوج ليس هو الذي تعودت الزوجة على أن يخرج ويلبي احتياجات البيت الأسرية، ففي حالات الحروب والنزوح لا يستطيع الرجل أن يتحصل على نفس مرتبه او عائده الذي كان يتحصل عليه من قبل، وعندما تعمل المرأة في هذه الحالة تصبح الأشياء بالنسبة للرجل ليس هي نفسها الأشياء مما يخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار. وقالت دكتورة سارة إن هناك أسسا ومعايير لدى بعض الناس وهي ضرورة أن يكون هناك توافق في مستوى التعليم ولا يُقبل أحد الأطراف الطرف الآخر إلا إذا كان بنفس المستوى التعليمي أو أعلى منه، مشيرة إلى أن هذه ليست قاعدة يعتمد عليها. وأضافت أنه في المجتمعات العربية والإسلامية تعد كلمة مطلق اومطلقة لها تأثيرها السالب على الطرفين والتاثير الاكثر على الاطفال لأن الطفل تكتمل شخصيته في الخامس من عمره وبالتالي يعرف ما يدور من حوله وعندما تاتي سن المراهقة ويراجع نفسه ويرى مثلا الأب يحضر إلى المدرسة ويقوم بدفع مصاريفه ويتواصل لمعرفة أحواله أثناء العام الدراسي يحس بغبن ويمتد ذلك الغبن ليصل مرحلة التمرد. وأوضحت الدكتورة أبُّو إذا تزوج أحد المطلقين تأتي مشكلة ما يعرف بزوجة الأب وزوج الأم، وهو ما يضع الأطفال في مشكلة. كما أبدت الخبيرة الاجتماعية تخوفها واستغرابها من آخر الاحصائات التي نشرت في المحاكم الشرعية في السودان والتي أظهرت أن نسبة الطلاق بلغت أكثر من 600 حالة طلاق في العام، منها 300 حالة لبنات في سن العشرين، ولهن طفل أو طفلة، ووصفت هذه النسبة بالمخيفة والمقلقة، ولكنها قالت لا يمكن تحميل المسؤولية لطرف دون آخر بل المسؤولية يتحملها كلا الطرفين. وأشارت أبُّو إلى أنه في السودان حدثت طفرة في سلوك البنات والنساء، حيث أصبحت المرأة تريد أن تخرج وتعمل، دون أن يكون هناك قبولا من الرجل بذلك، مما جعله لا يساعد في سد المساحة التي كانت تشغلها المرءة في البيت. وأشارت الخبيرة إلى موضوع هجرة الأزواج خارج السودان من أجل كسب العيش، الأمر الذي يدفع بعض الزوجات لطلب الطلاق. وفي سؤال عن ماهية الحلول لهذه الظاهرة، ركزت الخبيرة الاجتماعية على الفترة الاولى والتي سمتها (سنة اولى زواج) واصفة اياها باكثر الفترات حرجا، وقالت هي فترة من الضرورة أن يحصل فيها تنازل من الطرفين حتى يحدث توافق، وبالتالي لا بد من مراعاة السلوك الشخصي لكل طرف والعادات التي كان يمارسها، وان لا يهضم كل طرف حقوق الطرف الآخر حتى يحدث هذا التوافق.