الزوجة السودانية تكمن سعادتها وفخرها بعريسها من خلال ما يأتي به من هدايا خاصة الذهب عند عقد القران ، ففي السودان الرجال يتبارون في تقديم كل ما في إمكانياتهم لتقديم أنفسهم بشكل جيد ونيل الثقة والامتنان من أسرة العروس. وفي التقاليد السودانية، يعيش العريس ترفا حقيقا عند الزواج كما انه لا يُسأل عن مؤخر الصداق، ولا تفرض عليه شروط مادية تلزمه بتسديدها في حال الانفصال، فبينما في دول عديدة تفرض شروطا مادية على العريس يلتزم بها في حالة الطلاق ,مثل شيك أو كما في مصر ما تسمى «القائمة» وهي تتضمن شروطا مكلفة تجعل العريس يفكر ألف مرة قبل أن يفكر في تطليق زوجته لصعوبة الوفاء بالالتزامات الموقع عليها. نجد العريس السوداني يتزوج بلا قيود، ومن حقه الانفصال متى رأى أن هناك أسبابا منطقية للطلاق، وهذا جعل الزوجة تدرك أن تفاهمها مع زوجها والالتزام بواجباتها هي الحل الوحيد للاستمرار في الحياة الزوجية، وفي المقابل يجبر الزوج على احترام زوجته وبذل كل ما يمكن تقديرا لإخلاصها.. يقول عثمان إبراهيم مدرس نقل من الخرطوم إلى أحد الأقاليم الشمالية والتحق هناك بمدرسة في تلك الولاية بعد عام كامل من العمل بالمدرسة تعرفت إلى إحدى زميلاتي وكنا متفاهمين، وعرفني أهل المنطقة كعادة أهل الأقاليم الذين يحرصون على التعرف على المهنيين الذين يخدمون مناطقهم ويقدمون لهم كل ما يساهم في راحتهم واستقرارهم مثل المدرس والطبيب والمهندس، وتقدمت لزميلتي وبعد أيام قليلة أبلغوني بالموافقة، فطلبت مهلة لتجهيز نفسي.. سألوني عن المشكلة التي تستوجب التحضير، فأبلغتهم بأنني يجب أن أعد نفسي وأجهز سكنا وأقوم بتأثيثه حتى لا نواجه معوقات في حياتنا مستقبلا، فما كان منهم إلا أن سخروا مني ووجدتهم قد جهزوا لي منزلاً واكتفوا بمبلغ 500 جنيه مهرا، وجنيه واحد مؤخرا، وفي أول شهر من طلبي للزواج بزميلتي كنا متزوجين، وبعد 4 سنوات عدت إلى الخرطوم والآن لنا 19 عاما ولدينا البنون والبنات، والحمد لله نعيش في أحسن حال. تجارب ناجحة بينما يقول صالح.م.م مهندس زراعي «تزوجت جارتي وعشنا في سعادة وأمان لمدة عامين ونصف العام، وفجأة اختلفنا ودار نقاش شديد بيننا وانتهى بالطلاق، وبعدها بيومين دخلت «الأجاويد» وأسرتها للصلح بيننا فشعرت بأنني تسرعت، خاصة أن أسرتها لم تطالبني بما هو فوق إمكانياتي للزواج بابنتهم، فهرعت فوراً وقبلت رأسها وعدنا إلى منزلنا والآن لنا 14 عاماً نعيش في أمان وسلام. وتروي عائشة ربة منزل تجربة أخرى، قائلة: «زوجي قدم لي شبكة جيدة ومهرا معقولا ونحن لم نطلب مؤخراً وفق عاداتنا ونضع في خانته على وثيقة الزواج مبلغا بسيطا لا يزيد على جنيه أو اثنين.. وتستطرد: كنت أدرك واجباتي تجاه زوجي وما زلت أعيش معه سنوات طويلة بحب واحترام. ليس ذلك لأنني أعلم أنه ليس هناك مؤخر أو قائمة أو شيك يجبره على التمسك بي؛ لأنه إذا لم يتمسك بي من أجلي فإن ملايين الدنيا لا تكفي». وتعلق دكتور سارة عبدالعزيز، أستاذ علم الاجتماع، موضحة أن الأعراف السودانية السائدة جعلت من مطالبة أهل الزوج بمؤخر كبير أو مطالب كبيرة عيباً لا يغتفر، غير أن هذه الأعراف السودانية جعلت من الزوجين مثالاً للاحترام المتبادل بما تمكنهما من إنشاء أسرة مستقرة دون أن يخرج أحدهما عن التقاليد المعروفة. وتضيف: «هناك في دول أخرى من حق أهل الزوجة أن يطالبوا بحقوق لابنتهم إذا حدث الطلاق، مثل وضع قيود على الزوج تجعله غير قادر على الفكاك مهما كان الحال أو حتى إذا كان مقتدراً ويستطيع دفع ما التزم به فهذا يعتبر تعويضاً، بينما الأسر السودانية تعتقد أن الرجل لا يعوض بالمال، لأن المال زائل ودائما ما يقول السودانيون «المهم الستر». ولفتت أستاذ علم الاجتماع أن وضع القيود على الزوج قد يدفع إلى مضايقة زوجته أو ضربها أو إكراهها حتى تطلب الطلاق ليسقط عنه ما هو مكتوب عليه باعتبارها هي التي طلبت الطلاق فتسقط حقوقها، وذلك في حال أنه لم يكن مرتاحاً أو غير راض عن زوجته، ولذلك فإن عدم مطالبة العريس بالتزامات كبيرة، كما يفعل السودانيون، يضمن للزوجين العيش بكامل رضائهما لعدم وجود قيود تجبر الرجل على البقاء معها إذا لم يكن راضيا عن دورها كزوجة. مسؤوليات كبيرة الحاج عيسى شريف، إمام مسجد، قال «قمت بإجراءات عقد قران عشرات الزيجات، وكنت أسأل عن المهر ولكني لم أسأل يوماً عن المؤخر، وأضع بنفسي (واحد جنيه) دون الرجوع للطرفين لأنني أعرف كيف يفكرون، ولكن إذا حدث خلاف نقوم بحله في هذا المسجد أو في منزل أهل الزوج أو أهل الزوجة وفق جلسة عرفية نبصر كلا منهما بواجباته ونعيدهما إلى بعضهما». وأشار إلى أن الزواج بالتراضي يعني أن يتحمل كل منهما مسؤوليته في الاختيار، وهذا يضعهما أمام مسؤوليات كبيرة، ولذلك عندما تأتي زوجة إلى أهلها غاضبة يرجعها ولي أمرها، ويشترط عليها إما أن يأتي زوجها بها ليُسأل عن قراره، أو أن تبقى في بيت الزوجية، وكلاهما يدرك مسؤولية الطلاق التي تضعهما تحت طائلة الجلسة العرفية القاسية التي لا بد أن تنتهي بعودتهما سويا إلى عش الزوجية. ويتدخل في الحديث إسلام السميح، وهو موظف فيقول: «تخرجت منذ ثلاثة أعوام في الجامعة وكنت أحب زميلتي وهي كانت في السنة الثانية وقبل أن تتخرج بعام واحد تقدمت لأهلها، وكنت أعمل موظفا حديثا بإحدى المصالح وأهلي ساعدوني كأهل الريف حتى أصون نفسي، سألني والدها إذا كنت أستطيع أن أفتح بيتا؟ فقلت: نعم، إلا أنهم لم يقتنعوا لأنهم يعرفون دخلي الشهري وما ينتظرنا من مسؤوليات، وكان شقيقها يملك شركة خاصة به وطلب مني العمل معه بمبلغ مضاعف فوافقت. وتم زفافي بمهر معقول ومؤخر 5 جنيهات فقط، ونحن لا نختلف كثيرا وحتى عندما نختلف نفضل أن نناقش مشاكلنا داخل حجرتنا، وأنا أدرك كيف تفكر هذه الأسر، فهي أهم ما عندها أن يحترم الزوج زوجته وأن تطيع الزوجة زوجها، ولا عذر إذا كان أي من الطرفين قد تجاوز هذا الخط المرسوم. كما أكد صلاح الطيب، موظف، أنه كان متزوجاً بنت عمه ولكن لم يحدث توافق وطلقها بعد زواج استمر 6 سنوات، ورغم أنه قد أوفاها كل حقوقها المنصوص عليها في عقد الزواج وغير ذلك، أشار أنه ترك لها المنزل الذي كان يعيشان فيه وسجله باسمها من أجلها وأجل ابنه الوحيد، مشيرا إلى أن الطلاق جاء لعدم التفاهم، نتيجة أنه زواج عائلي رغم الفارق الكبير في التعليم بينهما، وقال إن أغلب الزيجات في السودان كانت تتم باعتبار أن البنت لابن عمها، وفي حالة تمرده أو عدم وجوده ينظرون إلى أن الأولى بها أي قريب لها، وليس من معايير الاختيار التوافق الاجتماعي أو التعليمي، وهذا انعكس سلباً على مستوى العلاقات الزوجية وأدى إلى ارتفاع نسبة الطلاق. ولكن علماء الاجتماع يتفقون على أنه بالرغم من ارتفاع نسبة الطلاق فإن نسبة القضايا المنظورة في المحاكم قليلة جداً مقارنة بحجم الطلاق»، وأشاروا إلى أن الرجل السوداني بالرغم من إعفائه من أي قيود أو التزامات بعد الطلاق، فإنه غالبا ما يقوم بتعويض مطلقته ماديا ومعنويا بأكثر مما هو متوقع.