الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمتحانات التعليم والوضع الأليم..!!
نشر في الراكوبة يوم 09 - 04 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
هنالك عديد من الفوارق بين دول الشمال وبلاد الجنوب، او بين المسافة التي قطعتها الدول الديمقراطية، حتي تكرِّس لتقاليد الرقابة والمحاسبة وشيوع ثقافة حقوق الفرد الخاصة والعامة، وبين نهج السلطويات الهمجية او الحكومات الإستبدادية، وطريقة إدارتها للسلطة وطبيعة تعاملها مع بقية المحكومين. ومن هذه الفوارق او العلامات البارزة، تبرز الي السطح مكانة الصحافة الإستقصائية او تجذرها في دول الطرف الأول، ولا نبالغ إذا قلنا أنها ما يعطي للصحافة قيمتها والصحفيين مكانتهم وللمجتمع عينه الساهر علي رعاية مصالحه! وهذا غير قدرتها علي الحد من إنحراف أصحاب السلطة السياسية وملاك النفوذ المجتمعي، في كل ركن من إركان الدولة وكل نشاط من أنشطة المجتمع، خصوصا عندما تمارس علي أصولها؟! وذلك بالقدر الذي تكسب فيه البيئة الصحفية جرعة منشطة، تزيد من حيوية العمل الصحفي وترفع من شأن الصحفيين وقوة تأثيرهم أضعاف مضاعفة! أي كلما كان العمل الصحفي متكامل وسباق ومتفاعل مع قوة وطبيعة الحدث/الفعل/ الخبر، قبل أن يكون ناقل برئ او عاكس بارد له! وهو ما يؤهل الصحافة لإكتساب صفة السلطة الرابعة بجدارة. وهذا بالطبع علي العكس، من واقع الحال الصحفي في بلاد الطرف الثاني! والتي يتم النظر فيها للصحافة والصحفيين، إما بنظرة الشكك والريبة، وتاليا منع الصحافة من دورها الرقابي والصحفيين من دورهم البحثي الإستقصائي الكشفوي، رغم تمتعهم بالمواهب والتأهيِّل والشغف المهني، وليس قليل من الشجاعة والإقدام، هذا من ناحية! ومن الناحية المقابلة، النظر إليها/إليهم كشاشة عرض او أبوق تعكس فقط الإيجابيات المتوهمة للسلطويات الحاكمة! أي دور الصحافة ومهمة الصحفيين، تنحصر فقط في وظيفة شاعر القبيلة، الراسخة في بنية وعي وثقافة تلك النوعية من السلطويات المتحجرة والمتحدِّرة من ساحق الأزمان! وعليه تتركز المهمة في كيل المدح المجاني، مقابل العطاء المفتوح علي مدي رضا السلطان؟! أي الإستماتة لأجل الدفاع عن شرف القبيلة السلطوية، حتي وإن كان القبيلة السلطوية من شاكلة الفصيلة الإنقاذوية، التي شرفها الوحيد أن لا شرف لها؟! وهذا الدور الأخير هو ما عبر عنه الجنرال البشير (قذافيا) او خير تعبير، لدرجة يحسده فيها القذافي بصفاقته المعهودة في مثل هذه الظروف، عندما تبرم وأشتكي من الإعلام (حقو!) ومهام الصحفيين (حقنو!). وبكلمة واحدة، البيئة الإستبدادية حولت صحافة الداخل الي صدي صحافة او (نقتيف) لصورة او حقيقة ودور ومضمون الصحافة او أقلاه عند مقارنتها بصحافة البيئات الديمقراطية.
وبالطبع المقصود بالنهج الإستقصائي ليس طرق أبواب المسؤولين فقط، أعطوهم او منعوهم حق الحصول علي المعلومات وحقوق الوصول إليها! وهي علي فقرها وبؤسها لا تسمن ولا تغني من جوع المعرفة وشغف كشف الحقائق! ولكن المقصود إتباع نهج وآليات عمل، في طريقة تناول أي قضية او حادثة، بالتعاطي مع كل جوانبها وأبعادها وجذورها التاريخية، والملابسات المحيطة بها، وحدود تأثيراتها الإجتماعية وتداخلها مع غيرها من الحقول وعلي حاضر ومستقبل البلاد، وصولا لنظرة الإنسان لنفسه وبلاده إذا إستدعي الأمر! والمقصود بصورة أخص، قضايا من النوع الذي يقيَّل حكومات ويستبدل سلطات، ويجبر المجتمع علي إعادة النظر في طبيعة التعاقد الإجتماعي الذي قاد لمثل هذه النتائج الكارثية! وبصورة أكثر تخصيص، من نوعية تلك الكوارث التي أصبحت تتساقط علي بلادنا كل حين، منذ أن ظلت سحابة الإنقاذ الداكنة سماء البلاد! لتحجب نور الحرية والأمل وشعاع التنمية والرخاء وأفق التطور والنهوض، والأسوأ أنها تفننت في نثر شظاياها وإرسال شواظها لصلي ظهر المواطن وحرق حشا السياسة وتفجير أحشاء الوطن؟!
أما النموذج المثالي بين أيدينا لهذه الفواجع الداخلية، فتجسده طامة تسريب مواد إمتحانات الشهادة السودانية الأخيرة! فغير ملابسات الفساد التي تحيط بالجريمة النكراء، كجزء من حالة الفساد العام المستشري في الداخل، إلا أنها تحمل سمات او بعد آخر، وهو إنهيار إطار الضمانات التي تكسب العملية التعليمية جدواها؟! وهو للأسف جزء لا يتجزأ من حالة إنهيار إطار الضمانات الكلية، التي تكسب المواطنة قيمتها، والوطن جدارته او إستحقاق أن يكون وطن في الأصل؟! المهم، علي الرغم من ضخامة هذه الكارثة، إلا أننا لا نجد تحقيق يحيط بالظاهرة أو إستقصاء يروي الغليل! أي يتابع الكيفية التي تتم بها حماية هذه الإمتحانات، وإمكانات او طبيعة الثغرات التي قد تنفذ من خلالها أمثال هذه التسريبات، او الضمانات التي تمنع حدوثها! وكيفية المعالجات والإحتياطات التي تضمن نزاهة الإمتحانات، وتحافظ علي سمعة الشهادة من الإنتقاص، في حال كشف الإمتحان كما هو حادث الآن؟؟ وكم التخبط الذي يلف الجريمة من كل جانب؟! فمثل هذه الأسئلة وغيرها مما طُرح كثيرا، ومنذ تفجر الفضيحة، للأسف تظل إجاباتها معلقة في رحم اللامبالة او تطمينات المسؤولين الفطيرة، علما بأنهم جزء أساس من أسباب النكسة؟! بل وزيادة علي السخرية إزدراء، لم تعلن أي جهة عن مسؤوليتها او تحدد جهات أخري نوع الجرم وشكل العقوبات؟ أما الأسوأ من ذلك، فهو تحويل القضية من حقلها التعليمي والنكسة المتعلقة به، الي الحيز الأمني؟! ويا ليته حيز شفاف يكشف عن الحقائق؟ لهون ذلك من الأمر قليلا! ولكن العكس هو الصحيح، أي تدخل الأجهزة الأمنية الغرض منه، التغطية علي الحقائق وتحميل المسؤولية ذمة المجهول؟! وهذا في حال لم تتم إحاطة الجريمة بكثير من المحرمات! والتي في حقيقتها حاضنة للأخطاء والتستر وإعادة إنتاج الفساد؟! وبما أن وزارة التربية والتعليم هي المعني الأول بالقضية وكذلك وزيرتها، إلا أننا نجد تفاعل السيدة الوزيرة والسادة خبراء الوزارة مع القضية، يحاكي مهزلة التهوين المهيِّن والتبسيط المبتذل! وكأن هذه الممارسات الهروبية والمسؤولية غير المسؤولة، كفيلة بكشف الوقائع وجلاء الحقائق ومحاسبة المتورطين، ووضع الضمانات لعدم تكرارها، او إعادة الهيبة للعملية التعليمية و إنقاذ سمعتها الممرغة في وحل الفساد؟! لدرجة أن الدهشة يقشعر جلدها وترجع الي خدرها كسيفة حسيرة، كلما سمع الشخص آراء هولاء الخبراء او تبريرات هولاء الوزراء! ولو كان لهذه الفواجع من حسنة، فهي تكشف لنا نوعية الوزراء وتعري حقيقة الخبراء، الذين تقع علي عاتقهم مسؤولية إدارة الشأن العام. خاصة وهم يصرحون بكل قوة عين، أن مثل هذه الفاجعة الأخيرة، لا تمس جوهر العملية التعليمة او سمعة الشهادة السودانية في شئ؟! او أن هذا التسريب محدود وتم بتقنيات عالية وو..الخ! وكأن المشكلة في حجم العملية وليس في طبيعتها او تأثير تبعاتها؟! ولو أن حتي المؤشرات من ناحية الحجم تقول العكس كما سنري لاحقا؟! وبعبارة واضحة، إن إزمة الإمتحانات الأخيرة لا تعكس محنة التعليم او أزمة إدارة الإمتحانات فقط! ولكنها قبل ذلك، تعكس محنة المسؤولية وأزمة المسؤولين داخل الوطن! والذي إنحدرت فيه المسؤولية الي درك او متلازمات المزاجية الإستطاعة الكسولة الإستجابة المتبلدة/وفرة الأرباح المادية المكاسب الإجتماعية، بعد أن غابت عنها دقة الرقابة وصرامة المحاسبة او أدب الإستقالة في حال أضعف الإيمان! في الوقت الذي تضخم فيه حجم المسؤولين، للدرجة التي طغوا فيها علي روح المسؤولية وترفعوا علي مكانة المنصب، وحلقوا في فضاءات التعالي، وتحصنوا داخل قلاع الإمتناع علي التغيير او الإحلال! وبغض النظر عن حجم الأخطاء ومقدار التجاوزات او نوعية الفساد الذي يسببونه ويستفيدون منه؟! مما يؤكد أن السلطة الفاسدة (غير الشرعية!) لا تنتج إلا الفاسدين وممارسات الفساد (شرعنة اللاشرع!).
أما بخصوص قضية التسريبات تحديدا، فالملاحظ أن عملية كشفها لم تتم بواسطة تطبيق الضوابط المعمول بها للكشف عن او منع التسريبات وهذا إن وجدت أصلا! وكذلك لم تتم عبر يقظة وصحيان الأجهزة الأمنية، المتغلغلة في كل نشاط وإتجاه، ويصرف عليها من لبن الرضع وقوت اليتامي وحق العلاج! ولكن وكما قيل عن سبب الكشف، أنه يندرج تحت بند إذا إختلف اللصان ظهر المسروق؟! أي بسبب إنعدام الثقة بين المجرمين، مما يعني أنه إذا توافر بينهم قدر قليل من الثقة، وهو ما يصعب إيجاده بين بلطجية الإمتحانات! فإن المسألة كانت ستمر مرور الكرام؟؟ أما الجانب الآخر لتصعيِّد المسألة، فمصدره أن أبطال الجريمة (والمؤكد جزء منهم!) من خارج الحدود، وتاليا لها تبعات في دولة أخري! يبدو أنها لم تصل للدرك الذي وصل إليه التعليم والفساد في بلادنا، المصنفة أمامها بمراحل في سجلات الفساد العالمي للدول الأعلي فسادا! وقبل ذلك، تعلم حساسية وأهمية العملية التعليمية علي حاضر ومستقبل بلادها! الشئ الذي يبيح إعلان حالة الطوارئ وتفعيِّل إشارات الخطوط الحمراء، التي تُصدِّع بها الأجهزة الأمنية رؤوس المعارضة صباح مساء في الفارغة والمقدودة، بتجاوزها لتلك الخطوط، كلما تناولت سيرة السلطة او تردي أوضاع البلاد! مما يؤكد المؤكد، أن وظيفتها محصورة في حماية النظام وأركانه وليس الدفاع عن مصالح العباد وأمن البلاد؟! المهم، لولا كل تلك المعطيات لمرت العملية بسلام، وهو ما يثير الشكوك عن ماضي الإمتحانات كما علق البعض محقا؟ وعطفا علي ماسبق، ومن خلال معلومات والأصح حكايات سمعية لا أملك أدلة علي إثباتها، إلا مصداقية الحاكين، ومن ضمنهم شقيقتي التي لها إبنة ممتحنة هذا العام من مدرسة خاصة، فقد علمت أن هنالك مراجعات كانت تتم لطلبة مدرستها تحديدا، تكاد نوعية الأسئلة تنطبق علي أسئلة الإمتحان لولا تعديلات بسيطة في سؤال او سؤالين؟! وهي مراجعات كانت تتم نظير مقابل مادي؟! بل بعض الأمهات اللائي يحضرن مع بناتهن الي المدرسة أثناء إنعقاد جلسات الإمتحان، لا يبدو عليهن القلق او الإضطراب المُلازم لهكذا أجواء! إن لم يكن العكس هو ما يحدث من خلال شكل الونسة والضحكات!؟ مما يشي بأنهن يعلمن البئر وغطاءها فيما يخص الإمتحان؟!! وإذا ما صح ذلك، ولا أعتقد أن طبيعة أوضاع السودان الآن تنكره! فهذا بدوره يفتح الباب علي مصراعيه أمام قضايا أخري أكثر خطورة، ويتورط فيها آباء وأمهات وأساتذة إضافة الي الطلاب أنفسهم! أي دخولهم جميعا في عمليات تزوير واسعة النطاق! الشئ الذي يثير السؤال المحزن، حول طبيعة التحولات القيمية التي إنحدر إليها إجتماعنا السوداني؟ بمعني، حتي إذا إفترضنا أن هنالك إمتحانات معروضة للبيع، مع توافر كل الضمانات الأمنية لجهة عدم كشفها او كشف المتورطين في التعامل معها! فالطبيعي وفي الأحوال الطبيعية أن يرفض الأساتذة وأسر الطلاب هذا الأسلوب، بل وإستنكار هذه الجريمة، ناهيك عن فضحها والتبليغ عن المتورطين فيها فورا، للمساعدة علي محاكمتهم! وإلا ماذا يقدم هؤلاء الأساتذة والآباء لطلبتهم وأبناءهم من قِيَّم، إذا ما إنحدروا لهذا المستوي من التزوير؟! بل في حالة كالأخيرة، يصبح الآباء والأساتذة هم من يضعون أبناءهم وطلابهم علي مسار الكذب والخداع والغش ويهدونهم الي طريق الضلال القويم؟! والحال كذلك، ماذا ينتظر الآباء والأمهات والأساتذة من هكذا أبناء وطلبة، علما بأن من يزرع الريح لا يحصد إلا العاصفة والأسف الطويل؟!
أي وهم يؤسسون لتخريج مزورين كبار، سيكونون هم أول ضحاياهم، وذلك بعد إنهيار مقومات حماية المجتمع وممسكات بقاء الوطن! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما هو مصير الطلبة المجتهدين وصادقين كأسرهم، كيف يتسني لهم أن يُعبِّروا عن قيمهم وسط هذا الدمار الشامل؟ وأنَّي لهم أن يعبُروا هذا الإنحطاط بسلام؟ أي كيف يحافظون علي توازنهم النفسي، ويثقون في صحة وسلامة قيمهم التي تشربوها، وهم يعايشون نقيضها كل حين؟ وكيف يتحول أصحاب القيم والإجتهاد الي ضحايا، لواقع أقل ما يقال أنه يحاربهم ويتقصد تشديد الإختبار علي ممتلكاتهم الأخلاقية، التي تعبت الأسر في تمليكها إياهم؟ وكذلك، هل تعبر نتائج هذا العام عن حقيقة مجهودات ومستويات الطلبة؟ أم إن ما أصاب العملية التعليمية من وصمة عار يجعل الشكوك تحوم حولها؟ مما يصعب محوه لمدة جيل كامل، بعد دخول الشهادة السودانية في غيبوبة او غرفة الإنعاش، نتيجة لإصابتها بداء الشهادات المضروبة، شأن العملات المزيفة؟! وإذا كان كل ذلك أخبار سيئة، فالأسوأ منها أن يكافئ المزورون علي جرمهم وتصادر حقوق المجتهدين، وتنحط قيمة الصدق ويرتفع علم الفهلوة خفاقا في سماء البلاد وإحتمال بين الأمم (الفاسدة بالطبع!). والإحتمال الراجح وبعد كل هذه المهازل، أن يفتتح إسلاموي غطت لحيته نصف بطنه وهو يستثمر في التعليم كبقالة، العام الجديد لطلبة مدرسته الخاصة، ببيت الشعر العربي الذائع الصيت (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت إخلاقهم ذهبوا).
وعلي كلٍ، يصح أن الإنقاذ هي المتسبب الأعظم في هذا السقوط المروع، وهي تفرغ القيم من مضامينها، من خلال إصرارها علي المظاهر والتمسك بالقشور والتركيز علي الكسب السهل، وتاليا تحولت الحياة الي عرض وطلب، والخدمات الي تجارة، والمهن والوظائف الي جشع وإستغلال! وبالطبع مع إنحطاط البيئة الداخلية الي هذا المستوي، حُقَّ للخراب أن يطاول كل شئ، من التعليم الي الطب مرورا بالإقتصاد وليس إنتهاءً الي غيرها من المجالات؟ وهو ما انعكس علي تمدد سرطانات المدارس الخاصة والمستشفيات الخاصة وغيرها من الأنشطة الخاصة في كل مجال، وجميعها ترفع شعار، جني المكاسب المادية بكل الوسائل والأساليب! وطالما هي حريصة علي دفع نصيب السلطات الحاكمة من هذا الإستثمارات، وهذا في حال لم تكن بمشاركة أعضاء السلطة فيها! فمن حقها أن تضع دستورها الخاص وتطبق سياساتها (الربحية!) الأكثر خصوصية، بعيدا عن رقابة الأجهزة الحكومية او بموافقتها وتحت حمايتها كما أسلفنا! والحال كذلك، من مصلحة الأستاذ الظهور بمظهر الموهوب، الذي يضع الإحتمالات الصحيحة لنوعية الأسئلة المنتظرة علي ورقة الإمتحان (حتي ولو عبر شراء أوراق الإمتحانات ولو لمرة واحدة ليتحول بعدها لفكي إمتحانات قاطع!) ونفس الشئ ينطبق علي المدارس! لترتفع أسهم كل مدرسة مع إرتفاع الدرجات التي يحرزها طلابها في إمتحانات الشهادة السودانية، لتكتسح بعدها سوق المدارس! وفي هكذا أساليب فاسدة فاليتنافس المستثمرون! وعلي هذا المنوال قس بقية الأنشطة والمجالات، وقابليتها ليس للمشاركة في جرم تسريب الإمتحانات، ولكن حتي المتاجرة بأرواح المواطنين والمواطنات؟!
ولكن إذا صح كما سبق، أن الإنقاذ هي المتسبب الأكبر في هذا الخراب العميم، فالأكثر صحة أن الأزمة التعليمية/المجتمعية سابقة علي الإنقاذ، إن لم تكن هي أكثر ضحاياها مسخا وتشوها، علي ألا ينتقص ذلك من جرائمها شئ؟! ونقصد بذلك أن جوهر الأزمة التعليمية/المجتمعية تمتد جذورها الي بدايات التعليم الحديث وبنية تصميمه وطبيعة مخرجاته! فالملاحظ أن العملية التعليمية الحديثة في السودان، رغم ما قدمته من إضافات حداثية، مقارنة بطبيعة التعليم التقليدي المتمحور حول المحمولات الدينية الشرعية! إلا أن تصميمها لم يكن من أجل إحداث نهضة مجتمعية وتطورية للدولة السودانية، بقدر ما صممت لخدمة وظائف محددة، وذات طابع روتيني يفتقد أي سمة إبداعية! أي عملية تعليمية ذات بعد واحد (أكاديمي تلقيني!) وتاليا هي عاجزة عن إكتشاف مواهب الفرد المركبة، ناهيك عن تطويرها! ولذا فهي قاصرة عن تنمية الفرد تنمية متكاملة، ومن ثم فهي أكثر قصور عن إحداث تنمية شاملة في المجتمع، ومن باب أولي فهي غير معنيِّة بتقدمية الدولة؟ والتي بالطبع تختلف عن هواجس إدارة الدولة، الأكثر تعلق بالشق السلطوي! أي الأولي تدخل في فضاء الرؤية الإستراتجية، أما الثانية فبالكاد يمكن إدراجها في خانة الممارسة التقنية او التكنيكية.
والمحصلة، أصبحت العملية التعليمية قائمة علي أساس برمجة الطالب (كالآلة!) لأداء وظيفة معينة، ولا يصدف أنها مستقلة بذاتها، ولا تربطها أواصر صلة مع باقي الوظائف في الدولة (والدولة ذاتها موجهة لخدمة الوظائف وأصحابها وليس المجتمع بحال من الأحوال!). وعليه كان التركيز علي كم الدرجات التي يتحصل عليها الطالب، ووجهة هذه الدرجات (كليات القمة!) وتاليا مردود ذلك علي الطالب/الفرد (وغالبا أسرته!) إمتيازيا! وبتعبير آخر، الأولوية لإحراز الدرجات العالية (الأوائل!) ومن ثم ربطها/هم كاثوليكيا بالإمتيازات! وليس لتحديد القدرات ومعرفة المواهب، وتوظيفها ضمن نظرة كلية او تنموية شاملة، بحيث تستقطب كل طاقات وقدرات المجتمع بمختلف أنواعها وأحجامها، مع نيلها نفس القدر من الإحترام والتقدير! علي ألا يمنع ذلك تقدير المواهب العالية ومكافأة المبدعين وتحفيز المجتهدين، ولكن وفق أصول مرعية تبتعد عن المبالغات والتدليل والإفراط، المفضية بدورها للغرور والتعالي وإحتقار الآخرين الشركاء في المجتمع؟! المهم، ربط الدرجات العليا بالامتياز حصرا، وبغض النظر عن المردود المجتمي! أفرز ثقافة النخبة ورموزها، التي تربت علي التدليل وإحتكار كل الامتيازات؟! وتاليا مصادرة حق المجتمع في إبراز كل قدراته ومواهبه، ومن ثم تطوير منظومة قيمية معرفية تنظيمية، قادرة علي القيام بعبء النهوض بالمجتمع ككل، وليس إمتصاص رحيق المجتمع بواسطة النخبة وهي تلعب دور ملكة النحل؟! والأسوأ من ذلك، مصادرة حق المجتمع في إدارة شأنه ديمقراطيا، بعد أن فرضت النخبة الوصاية عليه، عبر فرض معاييرها وقيمها التي تراعي مصالحها، ومن ثم الحفاظ علي مكانتها وأمتيازاتها! خصوصا بعد أن منحت نفسها حق الفيتو المجتمعي والسلطوي، كونها فقط صاحبة الإمتياز الأكاديمي المطلق! وذلك قبل أن يفرزها عن بقية مكونات المجتمع في (غيتوهات) السياسة والسلطة والإدارة والوظائف والثقافة(دين وحداثة) والإعلام والمال! وبما أن المجتمع نفسه ومن خلال أفراده يتطلعون لنفس المكانة وحيازة ذات الإمتيازات، فهذا بدوره ما يجعل القطع مع هذه الثقافة المكرِّسة، مسألة شبيهة بالمستحيلات؟! وبكلمة مختصرة، مجتمع في مقتبل دخوله علي الحداثة، صنع نخبة مأزومة او ممزقة بين تطلعات حداثية تضطلع فيها بدور القائد، وبين فرض هذا الدور (بقوة الأكاديمية) المناقض لروح الحداثة الديمقراطية! بمعني صادم، نخبة تستخدم آليات وأدوات الحداثة بذهنيات وسلوكيات تقليدية! أي نخبة ترد علي مجتمعها المأزوم بإنتاج قيم أكثر مأزومية! وهي بدورها تصبح متحكمة في ثقافة المجتمع، وهكذا دواليك؟! مما يذكر بالدائرة الشريرة في حقل السياسة والسلطة، إن لم تكن هي مصدرها.
المهم، إذا صح ما سبق، يصح أكثر أن أزمة الدولة السودانية هي في حقيقتها أزمة نخبة متضخمة الإمتيازات والوهم بإمتلاكها الكفاءة اللازمة ليس للتحكم بالمجتمع فقط، ولكن مُلك الدولة عضوضيا الي الأبد! أما مصدر هذا الوهم/الكفاءة ليس القدرة علي حل المعضلات او إبداع المخارج للأزمات او إمتلاك مهارة إدارة ذاتها ناهيك عن المجتمعات، ولكنها تتركز فقط في مقارنة وضعها مكانتها علمها مع من يفتقدون هذه الحظوظ والمؤهلات! في ظل ظروف منافسة مشكوك في عدالتها، ونظام تعليمي مؤكد الطعن في سلامة تصميمه كما أسلفنا؟! أما الأكثر صحة من كل ذلك، هو أن الإنقاذ مثَّلت التجلي الأعظم لأزمة النخبة او جسدت النخبة عارية من غطاء الشعارات/الغرور/الوهم، وإن شئت هي صورتها الأكثر تشوه ورداءة؟! وبمعني مغاير، داخل كل نخبوي تقبع روح إنقاذوية مستترة، وإذا ما وجدت الفرصة للتعبير عن ذاتها، فمؤكد أنها ستعيد سيرة الإنقاذ وإن بطريقة مخادعة/ناعمة/أقل فظاظة! وهذا بدوره يفسر لماذا ضعفت نخبة المعارضة في مقارعة نخبة الإنقاذ؟ أي السبب إشتراكهم في نفس المنطلقات والتصورات والتطلعات، أي القيادة الأبدية للجماهير المغلوبة علي أمرها او غير المحظوظة أكاديميا، وإن إختلفت وسائل السيطرة ولغة الخطاب؟! وذلك قبل أن يفسر، هرولة كثير من قيادات النخبة المعارضة للإرتماء في أحضان النظم الشمولية العامرة بالمطائب والإمتيازات المجانية، وحضن الإنقاذ رغم تعفنه ليس ببدعة في تاريخنا السياسي الحديث، بل هنالك من أفراد النخبة المعارضة من تطفل علي معظم موائد النظم الشمولية دون شعور بالحرج او التناقض، إن لم يكن العكس صحيح، أي إعتباره سلوك طبيعي ضمن رحلة طويلة من التميز والأفضلية المجانية، او المجردة من الأعباء القيمية والمجتمعية! وعلي العموم، نخبة معارضة بهذا التكوين، لن يعجزها إيجاد المبررات الشكلية، للمشاركة في هذا الخراب السلطوي العميم.
وبناءً علي ما سبق، يصبح حرص الأسرة علي أن يحرز أبناءها درجات عالية، أهم من حرصها علي الوسيلة التي يتم بها إحراز هذه الدرجات او الغاية المجتمعية من إحراز هذه الدرجات! أي لا يوجد في تربية الأسر لأبناءها والمدارس لطلبتها، أي غرس لروح المسؤولية المجتمعية او النزعة الإنسانية او حتي جوهر القيم الأخلاقية بعيدا عن المظهرية الإجتماعية؟! والحال كذلك، يصبح كشف الإمتحان وإستثماره، مسألة مبررة واقعيا (وإلا لما حدثت!) بل وترقي لنوع من الفهلوة الواقعية والقدرة المالية والوجاهة الإجتماعية والإمتياز التعليمي (للأسرة والطلاب والأساتذة والمؤسسة التعليمية!) وهذا للأسف هو الوجه المظلم من الطامة الكبري التي حلت علي مجتمعنا، والذي بدوره ليس مبرأً من القابلية لتلقي الكوارث والمحن؟! وعليه تصبح المعالجة ليس في وضع الإحتياطات لمنع تسرب الإمتحانات فقط، ولكن بمراجعة شاملة لكل العملية التعليمية، علي أن تستصحب المراجعة ما ذكر أعلاه، إذا ما لامس موضع الألم! وعلي أن يعقب ذلك، مراجعة دورية للمنهج وكيفية إعداد الإمتحانات ومدي صدقيتها في التعبير عن الإستيعاب والغاية من وجهة العملية التعليمة، وكذلك تحليل النتائج لمراجعة أوجه القصور وتوزيع الفرص بعدالة علي جميع مناطق السودان، مع مراعاة التباين في مستويات المدارس وكفاءة المعلمين؟! أما الأهم من كل ذلك، فهو وضع الضمانات القيمية والمجتمعية، قبل تطبيق الإجراءات والضوابط القانونية، والتي لا تمنع تسرب الإمتحانات فقط، ولكن تنزع عنها الرهبة وتفصل عنها الإمتياز، وتُحيِّلها الي مجرد آلية تساعد علي توزيع الأدوار وضبط المنهج ومكافأة المجتهد! ولن يتم كل ذلك، إلا بالقطع مع طبقة النخبة وثقافة النخبة، وتاليا إمتيازات النخبة، مع رد الإعتبار لآليات إكتشاف المواهب وبناء القدرات، لكل أبناء المجتمع وفي كل التخصصات والمجالات! فالإنسان، أي إنسان، وبغض النظر عن مواهبه وقدراته، هو في حد ذاته ثروة وقيمة عليا، يجب المحافظة عليها ورعايتها أفضل رعاية.
من المصادفات التي تتناسب مع هذا الموضوع، أن جيلنا كان قد إمتحن للشهادة السودانية في العام 1994م، ولسوء حظنا بل وحظ التعليم والوطن، أن تلك الإمتحانات كانت صعبة، وتمت في أجواء كانت العملية التعليمية محافظة علي زخمها نوعا ما، وكذلك الإمتحانات علي كفاءة إجراءاتها! ولذلك ظهرت النتائج علي حقيقتها، متدنية النسب لجميع الطلاب مقارنة بسابقتها! وكانت هكذا نتيجة مما لا يتماشي مع زيف السلطات وولعها بالمظاهر الدعائية والفرقعات الإعلامية؟! وترتب علي ذلك، وبمساعدة خبراء تعليم فاسدون ومطبلاتية متزلفون، أن تم التحول من نظام التصحيح الخام او التراكمي الي النظام العياري! وكان النظام الأول يعكس حقيقة المجموع المتحصل عليه، وبقسمة المجموع الكلي علي عدد المواد نتحصل علي النسبة المئوية! أما النوع الثاني وهو العياري، فيقوم علي جمع المواد وأخذ الجذر التربيعي لها، ومن ثم ضربها في العدد (10) ونفس الشئ يتم للمادة؟! وعليه فهذه الطريقة الأخيرة والمتبعة الآن، لا تعطي حقيقة درجات الطالب او مجموعه النهائي، ولكنها تقوم علي المقارنة بين درجات الطلاب مع بعضهم البعض، بالقدر الذي ترفع فيه من مظهر الدرجات الدنيا! أي إعطاء نتيجة طيبة شكليا مهما كان شكل الأداء العام! وهو في الحقيقة ما يهم الحكومة حصرا؟! وللأسف كثير من الأسر والمدارس والطلاب؟! وقد يكون هذا العامل الأخير، هو السبب في إغراء طلاب إردنيين وغيرهم من الطلاب العرب، لتفضيل إمتحانات الشهادة السودانية (وشهادتها الجميلة والمتضخمة مظهريا!). مع العلم أنهم ينطلقون من نفس العقليات والظروف التي شكلت ميول وتفضيلات الأسر السودانية! أي الإهتمام بالدرجات العليا وتفضيل كليات محددة، لها مردود إجتماعي وإقتصادي مميز؟! وهذا بدوره يقودنا لتناول الإعلام الأردني لهذه المسألة! بمعني، أعراض التهكم والسخرية التي أغضبت البعض، لها جذور ورواسب او مسببات مصدرها العقليات العرقية والثقافة القبلية، التي شكلت الوعي في هذه المنطقة من العالم، والأردن ليس إستثناء ولا السودان كذلك؟! وعليه، يصح عدم محاسبة المجتمع الأردني بتلفظات بعض إعلامييه (نسخ الطيب مصطفي الأردنية!) ولكن الأكثر صحة أن المجتمع الأردني يطاله بعض اللوم، لجهة عدم تصدي عقلاء المجتمع الأردني لتجاوزات بعض صبيانهم في الإعلام المحلي علي الغير، قبل عدم إحترام غيريته! ولكن بعيدا عن اللوم والعتاب المضاد، يجب أن لا ننكر أن تقييم الإعلام الأردني للتعليم في السودان والتجاوزات التي تتم داخل حقله، صحيح! بل هنالك أسوأ مما ذكر، يحيط بهذه العملية التعليمية المنكوبة! ولكن ما فات علي الإعلام الأردني، أن الإنهيار المريع للتعليم في السودان، إرتبط بحكومة الإنقاذ! وأن التعليم في السودان كان نسبيا من أجود أنواع التعليم في المنطقة! وذلك ليس مصادفة، ولكنه كان جزء من خدمة مدنية كانت الأرقي وبما لا يقاس، مقارنة بباقي الدول المحيطة؟! ورغم أننا لا نعلم عن الأردن الكثير، أي بوصفها دولة محدودة التأثير (مفعول بها وليست فاعلة حتي علي مستوي الإقليم!) إلا أننا علي يقين تام أن مستوي التعليم في الأردن أجود من مستوي التعليم في السودان، ليس لمعرفتنا بمستوي التعليم في الأردن وهو ما نفيناه سابقا، ولكن لأننا متأكدون أن ما يسمي تعليم في السودان، هو تجهيِّل مع سبق الإصرار والتعمد؟! ولكن الأكثر تأكيد، أن جودة التعليم في الأردن لا ترتقي لمصاف الدول المتقدمة! أي ما يفاخر به؟! ولأنها إذا كانت بهذه الجودة الموصوفة، فلا خوف عليها حتي من الشهادات السوادنية المضروبة! لأن جودة التعليم كفيلة بإخراج كل من لا يملك المؤهلات من سباق المنافسة! أي هي قادرة علي معالجة العيوب آليا، وإلا ما قيمة جودتها؟! المهم، إذا صح أن التعليم في الأردن متقدم علي السودان، وكذلك مستوي الخدمات الطبية، بدلالة هجرة السودانيين زرافات ووحدان للتعافي في مستشفياتها، رغم غياب الضمانات الطبية من محاسبة علي الأخطاء ونحوه! فالأكثر صحة، أن هذه الجودة تندرج ضمن المعايير المتدنية للجودة، في هذه المنطقة من العالم! والدليل علي ذلك، الحياة السياسية والإجتماعية في الأردن، والتي ما زالت تعتقل في خانة التقليدية الراسخة! وكون نظام التعليم الأردني فشل في تغيير هذه الوضعية! فهذة شهادة بعجز مخرجاته وهشاشة بنيته! وكل هذا ما لا يشجع تطاول أفراد من الأردن او مجتمع بكامله، علي المواطنين والدولة السودانية او غيرهم/ها، رغم الوضعية السيئة التي يرزح تحت نيرها المواطن والقطر والمؤسسات السودانية الآن؟! ولكن الأهم من كل ذلك، أن همّ السودان والأردن وكل شعوب المنطقة، لا يقتصر علي عدم جودة العملية التعليمية فقط، ولكنه يتجسد في غياب الديمقراطية وتغييب الحريات ومصادرة السياسة وإمتهان حقوق الإنسان! ولا غرو أن هذه الأخيرة هي الأساس بل والضامن ليس للنهوض بالعملية التعليمية فحسب، وإنما لتنمية الفرد والمجتمع والنهوض بالدولة بصفة عامة؟! والخلاصة، الإنخراط في صراعات جانبية بين الأشقاء في الوطن العربي او غيره، سواء في هذه القضية او غيرها، هو صراع عبثي، فوق أن خسارته مؤكدة لكل الأطراف! لأن المستفيد الوحيد من هكذا مناوشات إعلامية، هي السلطويات الطغووية الحاكمة، والعقليات الثقافوية الإستبدادية المتحكمة، وللأسف المسيطرة علي هذه المنطقة منذ فجر التاريخ؟!
آخر الكلام
كل التقدير والإحترام للدكتور عمر القراي وهو يتصدي لتعدي الطلبة الإسلامويين علي أساتذتهم، ويمتد كذلك للأستاذ مبارك أردول وكل من رد لهم الإعتبار وأنصف جهد السنين، في هذا العهد الأغبر! ولكن في المقلب الآخر، ماذا نسمي أساتذة تحولوا الي تجار تعليم! ويا ليتها تجارة شريفة وعلي أصولها، ولكنها للأسف تجارة فاسدة كالمتاجرة بالممنوعات والأدوية الفاسدة والأطعمة المسرطنة! أي المتاجرة بالإمتحانات المكشوفة من أجل مصالح الذات، ونصرة المدارس الراسمالية الخاصة؟! وفي الختام، كنت أعتقد أن السودان/السودانيين يمران بمحنة في ظل وجود حكومة الإنقاذ الفاسدة؟! ولكن يبدو أن الوضع/المجتمع الآن يقبع في قعر بركة الفساد الإنقاذوية الآسنة. وعليه يجدر التحول من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، الي إنا لله وإنا إليه راجعون. ودمتم في رعاية الله.
[email protected]
الصورة للطالب عمر البشير وهو يناقش أطروحه علمية،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.