بيد أنك يمكنك أن تشعر بفكرها المتقد، وإصرارها الذي تخفيه بابتسامتها، التي تستخدمها عند توجيه الأسئلة خلال مقابلتها التلفزيونية والحوارية، مع رؤساء الدول والسياسيّين القياديّين، أو خلال البرامج الوثائقية. قدمت نجمة البي بي سي، والتي ينحدر أصلها من منطقة رفاعة، بشمال السودان، إلى البلد في رحلة لمدة أسبوعين؛ لتغطية الانتخابات القومية، وعمل فيلم وثائقي عن فضّ النزاعات عبر المسرح. وكانت قد حضرت إلى السودان عدة مرات؛ لكنها قالت: إن إقامتها فيه لم تكن كافيةً. وتقول: (دائماً ما أغادر السودان، وفيّ حاجة إلى المزيد) وأضافت بتنهيدة مبالغ فيها: (لكن الحرارة في بعض الأحيان تؤثر عليّ). كانت السيدة بدوي، ذات ربيعين عندما غادرت عائلتها السودان، للمملكة المتحدة، بعد استيلاء الفريق إبراهيم عبود، على السلطة، بانقلاب عسكري، في عام 1958م، أدرك والدها بأنه ليس بمقدوره ممارسة مهنته. المطبخ العربي: خلال نشأتها في لندن، كانت السيدة بدوي تتحدث الإنجليزية مع إخوتها، والعربية مع والديها، والناس كبار السن، وقالت مازحة: (أتحدث عربي المطبخ بصورة جيدة)، مضيفة أن لغتها العربية عكست مرحلة ولّت، غير تلك التي تعيشها مع جيلها. وتركز ارتباطها بالسودان على الأشخاص، بمن فيهم عائلتها (الجد الكبير بابكر بدري كانت له بصيرة) فقد قام بإنشاء مدرسة بنات في قرية رفاعة، مبنية من أكواخ الطين، في عام 1907م، كما أسس ابنه يوسف بدري جامعة الأحفاد للبنات في عام 1966م. وفي أثناء حديثها بلغة إنجليزية دارجة، وقليل من الكلمات العربية، مع جمهورها الذي غالبيته من السودانيين، متوسطي العمر، كانت السيدة بدوي تبدو في مزاجها وفي بيتها. وتقول : (أشعر بالراحة نوعاً ما في السودان، ولكني أشعر أنني في موطني في إنجلترا، وأحس بإلفة أكبر تجاهها. وتضيف أن شخصيتها متحركة غير ساكنة، ولا يحددها بلد أو آخر، فهي سودانية وبريطانية، ولكنها في ذات الوقت إفريقية وعربية وصحفية. وفي تعليقها على المهنة التي اختارتها، تقول مقدمة البي بي سي: (الصحفي الجيد لا يعرف الخوف) بل يجب أن يكون مستقلاً، وأن يقوم بدور المناصر، حيث يتخذ موقف المنتقد على الدوام. واعترافاً لها بأسلوبها الحاد في محاورة الشخصيات الشهيرة، بمن فيهم سلفاكير ميارديت، النائب الأول للرئيس، ودالي لاما، اختارها الاتحاد الدولي للبثّ، الشخصية التلفزيونية الدوليّة للعام 2009م. بجانب تغطية الانتخابات، وعمل مقابلات مع الزعماء السودانيين، في الشمال والجنوب، قامت بعمل فيلم وثائقي، عن عاصمة الجنوب، جوبا، خلال نفس الرحلة، وتقول: (هناك اهتمام كبير بالجنوب الآن؛ بسبب اقتراب الاستفتاء في يناير). كذلك تحدثت السيدة بدوي إلى مجلة السودان، عن تصور الغرب للبلد، مضيفة أنها كانت تودّ زيارة دارفور، لكنها يتعين عليها العودة إلى أطفالها الأربعة. (لدى السودان سمعة دولية سيئة جداً؛ بسبب اتّهام الرئيس عمر البشير، والصراع المرير في دارفور، وقبل ذلك الحرب الأهلية، التي طال أمدها، بين الشمال والجنوب). وقالت السيد بدوي : إن الناس، من المحتمل أن يكونوا قد أدركوا أن البلد لم يكن أبيض وأسود).. معترفة بأنها لا تفهم البلد بشكل كامل، مثل معظم الناس. وتضيف قائلة: (لا أعتقد أن السودانيين أنفسهم يفهمون السودان). وعندما سُئلت عن مستقبل البلد، في السنوات القادمة، أعربت السيدة بدوي عن أملها أن تمنح الانتخابات صوتاً لمنتقدي الحكومة والمعارضة) وسوف تستمر صعوبة الاستماع لهذه الأصوات، لكن في ظرف سنتين، ستشهد بوضوح استعداد السياسيين لما سيقدمونه لهذه البلد، في مجال السياسات التي تشمل الصحة والتعليم. في ذلك الوقت، قد تكون السيدة بدوي قد انتهت من كتابة كتاب حول موضوع كانت في شغف له.. ألا وهو إمبراطورية كوش. وتقول السيدة بدوي : إن حضارة كوش القديمة كانت هي أول حضارة في وادي النيل.. ترجع إلى 000.3 سنة على الأقلّ، يتعين الاحترام، والحفاظ على الأهرامات الكثيرة، التي تقع شمال الخرطوم (يستطيع السودان الافتخار بالماضي).