بعد أن أوصت مفوضية الاتحاد الأفريقي مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الأفريقي بتمديد ولاية البعثة المشتركة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) لمدة عام، وما ورد من دفوعات مضمنة في التقرير المشترك لبعثتي الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي بشأن الأوضاع في دارفور.. يتساءل المراقبون، ماذا بعد؟ وينتظرون. الخرطوم- عبد الرحمن العاجب لازال الغموض يكتنف مصير البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) والتي تعتبر ثاني أكبر بعثة حفظ سلام حول العالم، بعد البعثة الأممية في دولة الكونغو الديمقراطية ويتجاوز عدد أفرادها (20) ألف جندي، وتضم البعثة عددا من الجنود العسكريين وجنود الشرطة والموظفين من مختلف الجنسيات بميزانية بلغت (1.4) مليار دولار للعام 2013م وظلت الجهات المسؤولة من عمل البعثة تمدد عملها سنويا، وفي أواخر يونيو من العام 2015م مدد مجلس السلم والأمن الأفريقي مهمة بعثة (يوناميد) لعام جديد، وسينتهي أجل البعثة في الثلاثين من يونيو القادم بحسب أخر تمديد، ورغم الاجتماعات المتكررة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية بخصوص استراتيجية خروج البعثة، إلا أن استراتيجية الخروج ظلت قيد النظر. (1) وفي الرابع عشر من يونيو الجاري، وقبل أن يحين موعد انتهاء أجل البعثة الأممية في دارفور أوصت مفوضية الاتحاد الأفريقي مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بتمديد ولاية البعثة المشتركة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) لمدة 12 شهرا تنتهي في يونيو من العام 2017م دون تعديل أولوياتها أو تغيير الحد الأقصى لقوام قواتها وأفراد الشرطة التابعين لها، وطالب مارتن أوهوموبيهي رئيس البعثة المختلطة للسلام في دارفور (يوناميد) مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسة التأمت (الثلاثاء) الماضية بالتمديد لولاية البعثة عاما آخر، وينتظر أن يستمع مجلس الأمن في الثالث والعشرين من يونيو الجاري إلى تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي عن الأوضاع في دارفور. (2) وبحسب نص التقرير المشترك لبعثتي الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي الذي تحصلت عليه (اليوم التالي) والذي سيقدم لاحقا لمجلس الأمن، بعد أن قدم أمام مجلس السلم والأمن الأفريقي (الثلاثاء) الماضية حيث رسم التقرير صورة قاتمة للأوضاع في إقليم دارفور، وأكد أنه لم يطرأ تغيير على طبيعة النزاع في الإقليم، واستند التقرير الخاص على نتائج تقييم أُجرى للحالة في دارفور للفترة من الأول من يوليو 2015م إلى الخامس عشر من مايو 2016م، على يد فريق تقييم مشترك بين مفوضية الاتحاد الأفريقي، والأمانة العامة للأمم المتحدة، وفريق الأممالمتحدة القطري، والعملية المختلطة، لتقييم الأوضاع في الإقليم، تمهيدا لتنفيذ استراتيجية خروج البعثة المشتركة من دارفور، وعزا التقرير تردي الوضع لثلاثة عوامل أجملها في عدم إحراز أي تقدم في إيجاد تسوية سياسية شاملة للنزاع، نظرا لأن حكومة السودان والحركات المسلحة غير الموقعة لم تتوصل إلى اتفاق. وأشار التقرير المشترك لبعثتي الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي إلى أن العنف ما زال يشكل مصدرا بارزا لانعدام الأمن والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، ونبه إلى استمرار الاقتتال وحوادث العنف ضد السكان المدنيين من جانب الجماعات والميليشيات الإجرامية في الانتشار، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل احتواء تلك الحالة وقال التقرير إن المدنيين في جميع أنحاء المنطقة لا زالوا يتحملون عواقب الحالة الأمنية المتقلبة، وبحسب التقرير فإن العام 2016م شهد عمليات نزوح جديدة لعشرات الآلاف من الأشخاص كما ظل نحو (2.6) مليون شخص في حالة نزوح في دارفور، ونوه التقرير إلى تسبب القتال مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور بجبل مرة في مزيد من المعاناة للسكان المدنيين في دارفور، وعكس التقرير صورة بائسة للأوضاع الإنسانية في دارفور خلال الأشهر المنصرمة. (3) وقدرت الجهات الإنسانية الفاعلة حسب التقرير، عدد النازحين داخليا في دارفور بما يفوق (2.6) مليون شخص، من بينهم (1.6) مليون شخص لا يزالون في المخيمات، وما لا يقل عن مليوني شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وأشار إلى أن حوالي (2.7) مليون شخص الآن في دارفور يواجهون أزمة أو حالة الطوارئ في ما يتعلق بالأمن الغذائي، وكشف التقرير عن عودة نحو (000 70) شخص إلى ديارهم منذ بداية عام 2015، غير أن كثيرين اختاروا البقاء في المخيمات أو في المستوطنات والمناطق الحضرية، ولم يستثن اللاجئين، وأشار إلى (000 300) لاجئ سوداني إضافيين لا يزالون في تشاد. وبحسب التقرير فإن العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة في دارفور لا تزال تواجه قيوداً شديدة على إمكانية الوصول وحرية التنقل ولا سيما في ما يخص دورياتها وبعثات التحقق الموفدة إلى جبل مرة ومناطق النزاع الأخرى في أعقاب الاشتباكات والهجمات على السكان المدنيين وقال إن (الغالبية العظمى من القيود على التنقل فرضتها السلطات السودانية في انتهاك لاتفاق مركز القوات) ونبه إلى أن الحكومة تتعلل في أغلب الأحيان، كمبرر لهذه القيود، بانعدام الأمن والتزامها بحماية العملية المختلطة بموجب ذلك الاتفاق، فضلا عن الافتقار إلى الموافقة اللازمة، وأشار إلى أنه ونتيجة لهذه القيود، لم تستطع العملية المختلطة أن توفد على الفور بعثات تقييميه وأمنية ذات أهمية حيوية إلى مناطق القتال بين القوات الحكومية والحركات المسلحة والمناطق التي تشهد عنفا، من قبيل أجزاء من جبل مرة في وسط دارفور، و(أنكا) في شمال دارفور، و(مولي) في غرب دارفور. (4) وشهدت العملية المختلطة قيودا على الرحلات الجوية، إزدادت حدتها عقب استئناف أعمال القتال في جبل مرة في منتصف يناير 2016م، ولا سيما الرحلات الجوية المتوجهة إلى مواقع النازحين المدنيين، وشرح التقرير بالتفصيل منع الحكومة موظفي البعثة وقادتها من الحصول على تأشيرات لدخول البلاد، وكشف عن رفض ما مجموعه (39) تأشيرة، منها (19) لموظفين مدنيين، وواحدة لأحد أفراد الشرطة، وشمل ذلك رفض إصدار التأشيرات لمرشحين مختارين لشغل مناصب عليا مهمة بينها الموظف الأول للشؤون الإنسانية، ووظيفة كبير المستشارين لشؤون حماية المرأة في مرتين مستقلتين بالنسبة لكل منهما، كما لم يتم تجديد تأشيرتي الإقامة للقائم بأعمال الممثل الخاص المشترك ونائب الممثل الخاص ولرئيس مكتب غرب دارفور إلا لشهرين فقط، بينما رُفض طلبا رئيس المكتب في جنوب دارفور، ونائب رئيس قسم حقوق الإنسان، وبالنسبة للقيود التي ذكرتها البعثة المشتركة، فإنه من أصل (97) تأشيرة مدنية رفض منحها منذ عام 2015م، وافقت الحكومة، في مارس وأبريل 2016م، على (17) تأشيرة تخص أساسا موظفين فنيين أدرجت أسماؤهم في قائمة تضم (29) تأشيرة ذات أولوية قدمتها العملية المختلطة إلى الحكومة في 24/ فبراير 2016م. وأوصى التقرير بأن تركز العملية المختلطة جهودها على مسألتين بوجه خاص، أولاهما حماية النازحين؛ وثانيتهما التصدي للتهديد المتزايد الذي يشكله العنف في دارفور، وشدد على أن الأوضاع الراهنة في دارفور لا تساعد، في ظل استمرار النزاع المسلح بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، وانتشار العنف والهجمات ضد المدنيين، على عودة النازحين داخليا إلى مواطنهم الأصلية على نطاق واسع، وشدد على ضرورة أن تكون جميع عمليات العودة الآمنة والطوعية وأن تستند إلى الموافقة المستنيرة للنازحين أنفسهم، وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وطالب التقرير بأن تقترن عمليات العودة بإيجاد حلول دائمة، تشترك فيها جميع الجهات الفاعلة المعنية، بما في ذلك النازحون داخليا والمجتمعات المضيفة، وأن تستند تلك العمليات إلى بيانات أساس موثوقة ومحدّثة بشأن احتياجات النازحين أنفسهم وشواغلهم المتعلقة بالحماية وتركيبتهم الديمغرافية ونواياهم. وقطع التقرير بأن مبادرات الحكومة من أجل كبح المستويات المرتفعة من العنف في دارفور وجهودها المبذولة، لا يمكن أن تستمر من دون إبرام اتفاق سياسي شامل، بعد إجراء مشاورات مكثفة مع جميع أصحاب المصلحة بشأن مسائل رئيسة من قبيل الإدارة المنصفة للأراضي والموارد الأخرى، ونبه إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للنزاع في دارفور، داعياً جميع أطراف النزاع لأن تقوم فورا باستئناف المحادثات المباشرة بحسن نية وحث جيش تحرير السودان، فصيل عبد الواحد محمد نور على الانضمام إلى عملية السلام دون أي شروط مسبقة، بغية وقف الأعمال العدائية. (5) وامتثالا للقرار (2228) والبيانين الصادرين عن مجلس السلم والأمن الأفريقي في الثاني والعشرين من يونيو والحادي والثلاثين من يوليو من العام 2015م بشأن استراتيجية خروج العملية المختلطة، عقد الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة وحكومة السودان اجتماعا استراتيجيا ثلاثيا على هامش الدورة العادية السادسة والعشرين لجمعية رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي التي انعقدت في أديس أبابا في الثاني والعشرين من يناير، وكان الاجتماع جزءا من المناقشات الثلاثية التي بدأت في عام 2015م بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن إطار التعاون من أجل تحقيق النقاط المرجعية للعملية المختلطة، التي يتوقف عليها خروجها النهائي من دارفور، وخلال الاجتماع تم الاتفاق على عقد المزيد من المناقشات في نيويورك في الثامن والعشرين من مارس على هامش اجتماع الغرفة العاملة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة. وقبل نحو بضعة أسابيع بدأ فريق من الآلية الثلاثية التي تضم ممثلين للحكومة السودانية والأممالمتحدة والاتحاد الافريقي، زيارة لولايات دارفور الخمس للوقوف ميدانيا على الأوضاع، وذكر وقتها أن الفريق عقب عودته سيقدم تقريرا للأمين العام للأمم المتحدة الذى يقدم بدوره تقريرا لمجلس الأمن الدولى حول تطورات الأوضاع في دارفور، وينتظر أن تستضيف الخرطوم في الثاني والعشرين من مايو الجارى، اجتماعات الآلية الثلاثية المعنية بخروج (يوناميد) من دارفور، وربما يتناول اجتماع فريق العمل الثلاثي الذي سيعقد في الخرطوم أجندة عديدة تخص البعثة من بينها إجازة ما توصلت إليه مجموعة العمل المشترك في زيارتها لولايات دارفور الخمس، وسبق أن اتفق كل من (مارتن أوهوموبيهي) الوسيط المشترك وممثل الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي بدارفور (يوناميد) والبروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية السوداني على أهمية اجتماعات فريق العمل الثلاثي، الخاص بخروج البعثة باعتبار أن مغادرة قوات البعثة المختلطة ليس (عملا سياسيا) لكنه قرار دولي يخضع لمعايير معروفة، من خلال مباحثات الرجلين التي ركزت على بحث استراتيجية خروج قوات حفظ السلام من الإقليم. (6) وبالنسبة ل(نوسيفيوي مابيسا نقاكولا) وزيرة الدفاع بجنوب أفريقيا، فإنها اتهمت حكومة السودان بأنها جعلت من الصعب بصورة متزايدة ، بالنسبة لحكومتها، توفير دعم لوجيستي لقواتها العاملة ضمن قوات حفظ السلام المختلطة (يوناميد) في دارفور، مثلما جعلت من المستحيل على تلك القوات القيام بدورها في حماية النساء والاطفال، ولذلك صدر القرار، أول أبريل الماضي، بسحب تلك القوات نهائيا، وقالت وزيرة الدفاع في بيان أمام الجمعية الوطنية قبل بضعة أسابيع إن سحب قوات جنوب أفريقيا من السودان كان نتيجة العجز عن توفير الدعم اللوجستي لتلك القوات بسبب تدخل الحكومة السودانية، وكان مكتب (جاكوب زوما) رئيس جنوب أفريقيا أعلن في وقت سابق أن بلاده ستسحب قواتها البالغ عددها نحو (400) عنصر من البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة بدارفور، وطبقا للمتحدث باسم الرئيس فإن الخطوة جاءت (لانتهاء فترة عمل القوات في البعثة) ، فيما سارع البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية وقتها للترحيب بخطوة جنوب أفريقيا لاتخاذ قرار بسحب قواتها من دارفور، وأكد أن القرار يأتي في إطار التشاور الجاري بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية من خلال استراتيجية خروج (يوناميد) بعد أن شهدت دارفور أمناً وسلاماً. (7) وفي سياق متصل بقرار تمديد بقاء بعثة (اليوناميد) انتقد السفير عثمان نافع مندوب السودان بالاتحاد الأفريقي وسفير السودان لدى إثيوبيا في بيانه أمام مجلس السلم والأمن الأفريقي (الثلاثاء) ما أورده التقرير المشترك، وأشار إلى أن الذين أعدوا التقرير (لا علاقة لهم بالتطورات الأمنية والإنسانية التى تشهدها دارفور) ولفت نافع إلى الجهود التي قام بها الجيش السوداني في القضاء على الحركات المتمردة وطردها من الاقليم حيث لجأت إلى ليبيا ودولة جنوب السودان.. ولكن رغم ذلك سيظل الأمر مرتبط ارتباطا وثيقا بفريق العمل المشترك الذي بدأ اجتماعات متصلة منذ مارس 2015م للتوصل إلى استراتيجية خروج البعثة المختلطة من إقليم دارفور المضطرب، وكان فريق العمل الثلاثي قد أقر لدى استئناف اجتماعاته بالخرطوم في الثامن عشر من أبريل الماضي، القيام بزيارات ميدانية لدارفور والاتفاق على أن خروج ممرحل وسلس ليوناميد، وبحسب ما أوردته الخارجية السودانية فإن برنامج فريق العمل المشترك إبان برنامجه السابق يتضمن زيارة ميدانية لولايات دارفور، وبعدها سيعقد الفريق اجتماعاً في اليوم الأخير للزيارة وسيرفع مخرجاته للآلية المشتركة على المستوى الاستراتيجي، فضلا عن أن الآلية ستناقش قضايا أخرى تتعلق ببعثة (يوناميد) وأدائها وإنسحابها من دارفور.