في أول زيارة لهذا السوق الذي اصبح اشهر من المدينة التي سمي عليها قد تدهشك كل طقوسه، ولكن الذين اعتادوا الزيارة اصبحوا يتذمرون من الصورة التي تغيرت من رواكيب حطب الى فرندات زنكي امريكي ساخنة لم تفلح المراوح في تبديد حرراتها بعد ان كانت النسمات الباردة الطبيعية التي يهرب اليها طالبو الشواء الطازج من لحم الضان والابل، وخلطات المساعدة للهضم السريع المبتكرة زادا ومحفزا لهم للحضور، ولكن بالرغم من ذلك سوق قندهار مازال لديه زوار الا انهم يفتقدون الجلوس في البنابر بعد ان افسدت المحلية هيئة السوق البلدية الخلوية التي كانت تعطيه شكل قرية من جنوب كردفان رواكيبها من الشعب وعرشها من التبن الابيض ونساء الشواء من مختلف القبائل الان لم يعد منها سوى الاسم، عندما تلتفت من جهة الجنوب تجد فاطمة الحمرية ومن الشمال عائشة الكردفانية وبجوارها شواية الحازمية، والاهم ان طعم اللحم الساخن ظل كما هو لهذا السوق بافرنجيته مازال يجذب الزبائن. تحت درجة حرارة بلغت 50 درجة غامر الاستاذ عمر المفتي بدعوة كل من صديقة العزيز بروف محمد عمر وابناء عمه محمد الفكي ومحمد عبدالله لقضاء يوم بسوق قندهار للاستمتاع بوجبة شواء طازجة، وتكاد المفارقة ان تكون ان البروف القادم من بولندا التي لاتتجاوز درجة حرارتها بالصيف اكثر من 30 درجة الا انه اندهش للكم الهائل من الاسر والزوار الذين قدموا الى هذا السوق الذي يعد النقطة الأبعد في ام درمان بعد توسعاتها في كل من قرية الفتح وام بدة، وهو لم يكن في زياراته المتباعدة للخرطوم وعطبرة يتوقع ان يجلس بهذا العنقريب المجلد من خيوط الكتان وقبالته مروحة امريكية الصنع كبيرة تبدد له غيظ عصر ساخن وروائح الشواء تغمره من كل اتجاه. كيف لي ان انسى لحظة الدخول كما وصفوها، بداية لايوجد موقف معين لكل سيارة بل فيما يبدو ان الشخص يختار موقف سيارته قبالة صاحبة الشواء التي تروق له او التي اعتاد الذهاب اليها، والاستاذ عمر فقد بوصلته الطريق الى صاحبة الشواء التي اعتاد ان يعزم اصدقاءه عندها لهذا هذه المرة ركن عربته التي حاصرها عدد من الفتيان معرضين خدمة الغسيل عليه ان ينتهي من وجبته امام شواية الحاجة زهرة، وان كان منذ دخوله كانت الايدي الملوحة من صاحبات الشوايات والفتيات اللاتي يعملن معها تنبسط وتقبض في ترغيب للدخول الى فرندتهم وتلك الرائحة السحرية التي تنبعث من قطعة شحم يحمى بها الصاج ويستجيب لها الجائع وتجذب البطن الخاوية. هل انتهت عجائب السوق لا، عندما طاب للاصدقاء المقام بصالون الحاجة زهرة اختار استاذ عمر لحمته من طربيزة جزارة المحل ووقف على تقطيعها وتم تسليمها للخبيرة وبدات اجراءات التبتيل بالبهار واحماء النار وعندما اطمأن لبدء عملية الشواء باسرع خطوة اتجه الى صبي في العشرين من عمره تحتل تربيزته الجزء الايسر من الراكوبة وبها عدد مقدر من زجاجات مشروب "السف اب" فقط وجرادل واكواز برونزية دنا منه الاستاذ وطلب منه ان يحضر له خلطة(فشفشة) وهي خليط من البارد اعلاه والزبادي، وعليه وقبل حضور الصينية الممتلئة شواء لحم وسلطات وشطة خضراء مطبوخة كانت لهم وصلات عرض تجاري من البائعين الجوالة بالسوق وفي كل ثانية يمر بائع الكسيت والاسطوانات الذي يحمل بضاعته في درداقه فيجذب الحضور لحظة بغناء الحماسة الذي ينداح من سماعته الكبيرة وبمجرد حضوره يعود الانتباه للبائع الذي عرض على استاذ محمد الفكي "سونكي امريكي" ذو شفرة حادة ويتمتع بمزايا عديدة وكاد محمد ان يقتنيه الا ان سعره المرتفع دفعه الى ان يحول رايه الى بطارية صغيرة قبض عليها بقوة وتفحصها بكل حرص وهو مندهش من امكانياتها وقال هذه يحتاج اليها عندما يخرج لصلاة الصبح او المشاركة في الدفن ليلاً الا انه ايضا لم يستطع شراءها لان سعرها لم يستطع تخفيضه وبنهاية الامر حضور الصينية واللحم ساخناً صرف الانظار عن سواه وامتدت الايادي اليه في شغف وهو لم يخيب الامال ساخن طري طاعم لذيذ، هل انتهينا بعد الوجبة الدسمة ادوها عصير الفشفشة، وحبسوا بشاي عرب احمر تقيل بدون بهار، وختم محمد الفكي بطلب قهوة وعند الحساب طار الكيف لانه طلب مع الجبنة كباية وهو لايشرب القهوة بالفنجان وبعد ان تكيف وجاءت المحاسبة وسألت زعفران عن ثمنها قالت: 5 جنيهات! آه صرخة خرجت من محمد الفكي اثارت الضحك بالكل "الكترابة مالك يازعفر غالية كدي؟" ولم يكن هناك من بد سوى ان يدفع المفتي حق الطلب وبرضو لسان الحال يقول راجعين ليك ياقندهار. هل انتهت عجائب السوق لماذا نسيت المقابلة الاهم لقد قابل البروف محمد عمر ملك السوق وجها لوجة وسجل له بكاميرته مقابلة حصرية ستظل ذكرى عالقة بذهنه الى حضوره مرة اخرى في احدى زياراته العائلية، المؤسف له ان السوق يتقاطر عليه عدد لابأس به من طالبي المعونة والمعوزين من الرجال فقط اذ لم تتقدم اليه امراة طالبة العون، لانه بعد احتساء مشروب الفشفشة تقدم من الاستاذ عمر المفتي صبي في ال 12 من عمره ضعيف البنية ومخارج حروفه غير واضحة انحنى اليه في هدوء وهو يقول له:عايز اغني ليك اغنية وعندما سمح له صدح باغنية سيد خليفة ازيكم واخذ يتمايل ويعبر بيديه كما يفعل صاحبها وعندما ختم الوصلة قال له انا ملك السوق وفي بادئ الامر لم يستبن ماقال الى ان كرر بقوة انا ملك قندهار ساعدوني ياجماعة، فقال له عمر انت ملك السوق ولماذا تشحد، قال: لأني محتاج اسمي منصور احمد محمد خير اسكن مربع 12 دار السلام وهو قادم من ولاية كردفان من دار حامد وهو مريض ولقد تعرض سابقاً لحادث تصادم من قبل موتر مما ادى الى اصابته بتهتك في الكلية اليسرى مما دعا الى اجراء عملية تقرر بموجبها نزع الكلية وهو ما جعله يمكث شهورا بمستشفى الخرطوم الذي حول اليه ونزوح عائلته للعاصمة الى انه لايدرس وليس له عمل لان بنيته الضعيفة لم تمكنه من البقاء بعمل لهذا يأمل من الجميع مساعدته، عندها قال له عمر المفتي ساعطيك ماتريد لانك فنان وانت تنتقي اغاني سيد خليفة لهذا انت رائع وعندها انهالت الهبات من جميع الاصدقاء. الذين خرجوا من صالون الزهراء وهم منتشون السوداني