الشاعرة العراقية تؤكد أن الرواية أصبحت تحظى باهتمام بالغ لأن مواقع الأجناس الأدبية تتغير من عصر لآخر. ميدل ايست أونلاين حوار أجراه: أحمد بدر نصار تشعر بالأسى وهي ترى وطنها العراق يتعرض لهذه المآسي "الشعر هو النبض الذي ينبض به العالم" تلك المقولة التي نطقت بها الشاعرة العراقية الكبيرة خالدة خليل في مهرجان فاس الدولي للشعر في دورته السادسة التي حملت اسمها، تكشف عن عشقها للشعر وكم يلعب دورا كبيرا في حياة الشعوب والأمم. لم يختر مهرجان فاس الدولي اسم خالدة خليل من فراغ فهي كاتبة وشاعرة من عيار فريد، لها بصمات كبيرة في عالم الأدب والثقافة ليس على مستوى العراق فحسب وإنما على المستوى العربي، ولها الكثير من الإصدارات التي وقف أمامها كثيراً النقاد فلم تكن أعمالها تقليدية وإنما تجسد معاناة العراق وعالمها العربي كالطبيب الذي راح يشخص الأسقام الحقيقة بمهارة في جسد الفكر العربي. حصلت خالدة على شهادة الماجستير في الأدب والنقد الحديث من جامعة الموصل 1998 عن رسالتها "البناء الفني في رواية شرق المتوسط" لعبدالرحمن منيف، والآن أوشكت على الانتهاء من الدكتوراه في نقد الشعر. وقد تم تكريمها من قبل وزارة الثقافة والشباب في إقليم كردستان العراق في الشهر الخامس من هذا العام 2016. معها كان هذا الحوار. * من أبرز أعمالك ديوان "شرنقة الحمى" ورواية "أشرعة الهراء" نريد تسليط الضوء عن كل منهما. وما هي الرسالة التي أرادت أن تقوليها للقراء؟ - هما من أحب الأعمال إلى قلبي كونهما يحتويان على رسائل نحن في أمس الحاجة إليها وتتلخص في احترام الإنسانية واحترام الأخر المختلف ثقافياً ودينياً وقومياً. نحن نعيش في عالم مازال التعايش بمفهومه القروسطي غائبا في السنوات الأخيرة للأسف، وأنا تعرضت في "شرنقة الحمى" إلى فكرة الأم وهي الوطن وكيف هو حجم الألم الذي يشعر به إنسان مفارق وطنه لسنوات عدة وينتابه الحزن والعجز والخوف كلما تعرض وطنه لأي أزمة. أما بالنسبة لروايتي "أشرعة الهراء" فهي تكشف حجم العبث الذي صبته الحضارة الحديثة على إنسانية الإنسان المعاصر وعلمته الحروب والدمار والإرهاب وراحت بلا رحمة تسلب من الإنسان إنسانيته ونخوته وقيمه بالقوة فتاه الإنسان وأصبح يعيش حياة أقرب إلى العبث والرواية تمزج بين اللغة الشعرية والسردية. * ما الذي يستفزك كشاعرة أو كاتبة؟ - كشاعرة تستفزني أشياء كثيرة في حياتنا المعاصرة أبرزها غياب الإنسانية في أماكن كثيرة من العالم، فضلا عن انتشار الخراب والدمار في موطني العراق أو عالمي العربي ككل، فأنا أريد أن أعيش في سلام وأن يحترم الإنسان أخاه الإنسان وان اختلف معه في الدين واللون والجنس فكلنا بشر سواسية وعلينا أن نتخلص من أي عنصرية أو مفاهيم خطأ قد تسحب من رصيد إنسانيتنا من حين لآخر، ولذلك تستفزني أي أحداث ضد الإنسانية في أي مكان في العالم، وربما موقف بسيط يكون بداية شرارة لكتابة قصيدة كبيرة وربما مشهد تليفزيوني يستفزني فيكون البداية لكتابة قصيدة أو قصة أو رواية فالشاعر بطبيعته حساس ويتألم بمجرد أن يرى أي إنسان على وجه الأرض يتألم. * تمرد * يقال أنك شاعرة متمردة؟ - هذه حقيقة والتمرد يجب أن يكون بداخل كل شاعر أو كاتب فأنا متمردة على الأوضاع السلبية والمواقف التي تضعف إنسانيتنا، متمردة على نشر الأفكار المتطرفة في عالمنا العربي، والتي من شأنها نشر الفوضى، ولذلك يجب أن يكون الشعر ثورة على كل شيء قبيح حتى يتحول إلى المسار الصحيح ويصبح جنة للناس، هو التمرد الصحي الذي يجب أن يكون في حوزة كل شاعر، وكل من يحمل قلماً يريد أن يحمي به وطنه من الأضرار وأرى أن الثقافة عَصب الحياة وهي الترمومتر الذي يقاس على أساسه رقي المجتمعات وتطورها. * هل ترين أن روح الفن مازالت نابضة؟ روح الفن هي الخيال، الشعور بالجمال، ان ترى في القبح جمالاً، ان ترى الأشياء بشكل مغاير بعد ان أضفت إليها روح الفن. وهذه الروح موجودة ولولاها لما رأينا نتائج مبهرة في هذا العالم من أدب وموسيقى ورقص. * ما رأيك في كثرة الإصدارات في العالم العربي؟ - كثرة الإصدارات وسهولة النشر والكتابة يعتمدان بالدرجة الأساس على الكم لا النوع، وهذا يعني صعوبة الفرز بين ما هو جيد وينتمي للأدب ويستحق القراءة والمتابعة وبين ما لا ينتمي للأدب. الكثرة ولّدت أناسا محسوبين على الأدب في الآونة الأخيرة، وهم ليسوا أدباء بمعنى الكلمة لكن النخبة المثقفة تستطيع أن تفرق بين الأديب والشاعر الحقيقي الذي يمتلك الموهبة وبين الدخلاء. * لم يعد الشعر يتمتع بالشعبية التي كانت في أزمنة ماضية، ما سبب ذلك؟ - الرواية أصبحت تحظى باهتمام بالغ لأن مواقع الأجناس الأدبية تتغير من عصر لآخر، فالشعر كان هو الجنس الذي يعبر عن الآمال والطموحات والأحلام وبعدها تحول نظر العالم الى المسرح ثم انتقل مع القرن التاسع عشر نحو الرواية لأن الرواية كما يقول هيكل هي المعبرة عن روح العصر وتعقيداته وجدليته لذا فهي الأقرب لعصرنا الذي نعيش، اذا قلنا نحن في زمن الرواية فان دور النشر بلاشك سوف تهتم بِمَا يباع أكثر، والرواية هي التي تحتل المرتبة الأولى في فنون الأدب وربما طبيعة الزمن الذي نعيشه هي التي سمحت لها أن تأخذ هذه المكانة، وأنا كتبت الرواية بعد كتابتي للشعر لأنني رأيتها الأقرب للإجابة عن الكثير من الأسئلة الفلسفية. * تأثير الغربة * هل للغربة تأثير على كتاباتك؟ - للغربة مذاقها المر الذي يأتي بعد غياب طويل عن الوطن الذي تربينا وعشنا فيه أحلى أيام العمر وعندما يشعر الكاتب بالعجز وهو يرى وطنه يتمزق يخالجه إحساس مرير، ولا بد أن ينعكس ذلك على كتاباته وقد كتبت أفضل أعمالي في الغربة وحصلت على جوائز قيمة بسبب أعمالي التي كتبتها وسط دموعي وحزني وخوفي على وطني الحبيب وهو يغتال بيد لا تعرف للرحمة طريقاً ولا للإنسانية معنى ولا للحضارة مفهوماً. * الموت والحياة في معظم كتاباتك تركزين على ثنائية الموت والحياة. ما تفسير ذلك؟ - هذا طبيعي لشاعرة رأت الموت بعينيها في موطنها العراق وقد جلست مع بعض الفتيات العراقيات لأسمع منهن قصصاً يشيب منها الجنين في رحم أمه فهذه تم خطفها وتعذيبها، وهذه رأت الويل والدمار في عائلتها، كل هذه القصص كانت لا بد أن أحولها إلى صور شعرية لتجسد حجم المعاناة التي تشهدها أرض العراق وأنا كشاعرة عراقية أصبح الحزن والوجع يسكن حروفي وأبيات شعري. * كيف ترين الحياة الثقافية العراقية؟ - الحياة الثقافية تتأثر بالواقع المعاش. لا يمكن أن تكتب عن الفرح وأنت ترى المئات يقتلون يومياً. لا يمكن أن تكتب عن السعادة وأنت ترى الإبادات بحق الشعوب. لا يمكن أن تنشد للحياة وأنت ترى الشلل في كل مفاصلها. ما يحدث اليوم اقرب إلى الهراء، وموت محقق لكل أدوات وفنون الثقافة والشعر، فأبناء العراق يبدعون ويكتبون من خارج العراق وهم يعتصرون حزنا على وطنهم الغالي. * ما الذي صنعته ثورات الربيع العربي في الثقافة العربية؟ - هذه الثورات حدثت أساسا خارج إطار الثقافة والمثقفين بالمفهوم المتعارف عليه لأنها ثورات شعبية الكترونية قادها مجموعة من الشباب الثائر من اجل التغيير لكن هل هذا يعني بقاء المثقف بعيدا؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه هنا. اعتقد ان دور المثقف جاء بعد التغيير وعلى المثقف ان يغير من آليات ومقاصد خطابه وان يبدأ من النقطة التي انتهى إليها السياسي، فالتغيير في المنظومات السياسية حدث وجاء الان دور المثقف لوضع الأُطر واستشراف المستقبل، وأنا أرى أن أنسب وقت للمثقف العربي بشكل عام لكي يلعب دوره في توعية الشعوب والمجتمعات العربية لا بد أن يفعل اليوم لنحمي شبابنا من أي أفكار هدامة قد تنعكس بالسلب على أمن المجتمعات العربية التي مازالت تعاني من آثار العمليات الإرهابية هنا وهناك، وعلى المثقف العربي أن يبذل قصارى جهده لتوضيح الصورة ويبرز الأفكار التي تبني المجتمعات. ما طقوسك أثناء الكتابة؟ ليست لدي طقوس معينة ولا أوقات محددة للكتابة، القصيدة هي التي تكتبني، ويمكنني أن اكتب في السيارة، في جلسة مع الأصدقاء، في الليل او في النهار، في مكان يضج بالحضور لا استمع سوى الى قلمي الذي يدعوني لأن أكون معه في تلك اللحظة! * ما أعمالك الجديدة؟ - لدي مجموعة نصوص مفتوحة تحت الطبع بعنوان "بحر يمور على كفي". (عن السياسة الكويتية).