رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية المتابعين.. الصحفي إبراهيم بقال يتجول رفقة بعض أفراد الدعم السريع داخل مكاتب الولاية وهو يحمل رتبة "فريق" وينصب نفسه والي لولاية الخرطوم    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب آدم أحمد يوسف من مسجد الإمام عبدالرحمن بودنوباوي
نشر في الراكوبة يوم 22 - 07 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
الله أكبر ولله الحمد
هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد
أمانة الدعوة والإرشاد
خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب آدم أحمد يوسف
نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي
22 يوليو 2016م الموافق 17 شوال 1437ه
الخطبة الأولى
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على حبيبنا محمد وآله مع التسليم، قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
التاريخ حقبة مضت من الزمان فيها العظات والعبر والدروس المستفادة ونقول في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي دخلت أوربا في حروب أهلية بلغت ذروتها في الحربين العالميتين الأولى 1914- 1918م والثانية 1939- 1945م ومن ثم وضعت الحرب أوزارها في أوربا بتكوين عصبة الأمم ثمُ الأمم المتحدة وقد استقر الأمر السياسي في دول أوربا وتوجهوا للإعمار والتنمية ومن ثم الازدهار والترفيه. وظلت دول العالم الثالث والتي أغلبها من الدول الإسلامية في دوامة الانقلابات العسكرية بعد نيل الاستقلال السياسي. وبلادنا السودان التي تحررت من الاستعمار مرتين، المرة الأولى بقيادة الإمام المهدي عليه السلام في 26 يناير من العام 1885م والمرة الثانية في مطلع يناير 1956م والتي كان لحزب الأمة القِدح المعلى ونصيب الأسد في الاستقلال الثاني حيث رفع حزب الأمة شعار السودان للسودانيين وظل يعمل من أجل تحقيق هذا الشعار وقد دفع الآباء الغالي والنفيس من أجل أن يكون هذا الحُلم واقعاً وقد كان. ولم يمض على تحقيق الاستقلال السياسي سوى عامين حتى فاجأ العسكر الشعب بالاستيلاء على السلطة في 17نوفمبر من العام 1958م وظل حكم طُغمة نوفمبر 6 أعوام عجاف ثمُ ثار الشعب ضد نظام عبود وكانت ثورة أكتوبر 1964م والتي تعتبر أول ثورة في العالمين العربي والإفريقي وأيضا لم تمض سوى بضع سنين حتى تفاجأ الشعب السوداني بانقلاب مايو 1969م وجثم نظام مايو على صدر البلاد 16 عاما عجاف فيها قتل النظام الأبرياء المدنيين وتخلفت البلاد عن ركب التقدم والعمران الذي انتظم معظم الأقطار العربية وتدهورت القوى الشرائية للجنيه السوداني الذي كان يساوي ثلاثة دولار وثلث ودُمِرت مشاريع التنمية ولم يفلح نظام مايو في إنشاء الطرق القومية المعبدة بمواصفات عالمية وظلت البلاد متخلفة ومدنها أشبه بقرى كبيرة الحجم وفي إبريل – رجب 1985م ثار الشعب ضد النظام المايوي البغيض ولم يوفق حزب واحد بأغلبية مريحة تتيح له تنفيذ برنامجه منفرداً مما اضطرت الأحزاب الفائزة في الدخول في ائتلاف كانت شيمته المشاكسة. حتى اطل على الشعب السوداني نظام الإنقاذ بليلٍ على ظهر دبابة كان عليها حراسة ثغور السودان وحمايته من الأجانب ولكن وُجهت مدافع تلك الدبابات إلى صدور الذين اختارهم الشعب نواباً له. والحقيقة هي أن نظام الإنقاذ انقلب على حكومة ديمقراطية كاملة الدسم. حكومة ديمقراطية بكل ما تعني الكلمة من معنى. ديمقراطية ارتضاها كل الشعب السوداني بما فيهم الحزب الذي دبر للانقلاب ليلة 30 يونيو حزب الجبهة الإسلامية القومية والذي دخل تلك الانتخابات وحُظي بالدرجة الثالثة بعد حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي، إلا أن حزب الجبهة الإسلامية القومية أبا إلا أن يقتل الدجاجة ويحوز على كل البيض فكان الانقلاب المشئوم في ليلة ال 30 من يونيو من العام 1989م. والمؤسف حقا كان موقف الشعب من هذا الانقلاب الحزبي موقفا سالباً ولم تُبدى أدنى مقاومة من أجل استدامة الديمقراطية بل بعض البسطاء انطلى عليهم سيناريو الانقلابيين. والشيء بالشيء يذكر في الاسبوع المنصرم شهدت دولة تركيا انقلابا عسكريا على حكومة ديمقراطية ارتضاها شعب تركيا ومن الملاحظات الجوهرية هي أن الشعب التركي تصدى للدبابات الانقلابية ورماها بالأحذية والحجارة بل بعض المواطنين تمددوا أمامها لتدهسهم. إن الدفاع عن الديمقراطية لا يكون بوحدات عسكرية مدججة بالسلاح ولكن يكون بوعي الشعب ومعرفة حقوقه المدنية والسياسية فيدافع عنها. إن الاستقرار السياسي هو أول لبنة في بناء الأمم ولكن المؤسف أن جنود وضباط دول العالم الثالث ما زالت عقولهم مجبولة على حب السلطة بينما جنود وضباط الدول الأوربية تجد نفسها في المهن العسكرية لذلك تطور الأداء العسكري وبلغ أقصى أنواع التطور في صنع الأسلحة وتسليح الجيوش لا للاستيلاء على السلطة ولكن لحماية دولهم ولطاعة الإدارات المنتخبة من قبل الشعب. إن الانقلابات العسكرية مدانة ومشجوبة ومستهجنة من قبل كل الشرفاء وعشاق الحرية والديمقراطية ولكن الغريب في الأمر أن الانقلابيين الذين استولوا على السلطة في السودان عبر انقلاب عسكري على نظام ديمقراطي هم اليوم يدينون الانقلاب العسكري في تركيا فنقول لهم.
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك وانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهُناك يُقبل ما تقول ويُهتدى بالقول منك وينفع التعليم
لا تنهى عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ونقول لهم. إذا كنتم صادقين في إدانتكم للانقلابات العسكرية فتوبوا إلى بارئكم وارجعوا الحق إلى أهله. هذا الشعب السيد فوق كل سيد ليختار نوابه ومن يمثله عبر البرلمان وذلك عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة عبر المراقبة الدولية وتحت حكومة قومية تمثل كل ألوان الطيف السياسي السوداني وعندها سيقبل الشعب بمن يمثله.
الحديث.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه) أو كما قال.
الخطبة الثانية
أيها الأحباب.
في الأسبوع المنصرم استعرضت صحيفة الجريدة في أعدادها الخميس 14 يوليو الجمعة 15 يوليو والسبت 16 يوليو 2016م استعرضت كتاب: (الجزيرة أبا همس التاريخ) لمؤلفه د. الطيب أحمد هارون وركز الكتاب على العلاقة بين الإمام عبد الرحمن والمهاجرين الأنصار والذين جاء غالبيتهم من غرب السودان وخاصة دارفور ووصف المؤلف حال المهاجرين (بالمُستَغلين) من قبل الإمام عبد الرحمن ووصفهم (بالسُخُرة) وتحدث المؤلف عن دائرة المهدي ووصفها (بالمؤسسة الربحية) وخلص المؤلف على أن الإمام عبد الرحمن المهدي رجل أعمال زكي استفاد من جهل المهاجرين.
إزاء هذا نقول.
أولا: المؤلف يجهل الكثير عن شخصية الإمام عبد الرحمن المهدي.
ثانيا: لم يكن ملما بأحوال الذين هاجروا من غرب السودان إلى الجزيرة أبا في تلك الحقبة من الزمان. إن الإمام عبد الرحمن المهدي هو أصغر أبناء الإمام المهدي حيث ُولد صباح يوم عيد الفطر فمدحه الشاعر قائلا:
بين عيدين أهني القطرِ
عيد ميلاد سيادتك
وعيد هلال الفطر
يا الكل يوم صباحك عيد
انتقل الإمام المهدي إلى الرفيق الأعلى في الثامن من شهر رمضان وولد الإمام عبد الرحمن في صبيحة يوم العيد أي بعد 21 يوما من وفاة المهدي. تربى الإمام عبد الرحمن في كنف خليفة المهدي حيث حفظ القرآن الكريم وهو لم يبلغ عامه الحادي عشر وبعد زوال دولة المهدية كان هو الذكر الوحيد من عائلة المهدي بين الأسرى من النساء حيث قاسى الشدائد والمحن في أيام العُسرة ما بين قرية عبد العزيز في الجزيرة وجزيرة الفيل بواد مدني وعندما انتقلت الأسرة إلى أم درمان بدأ عبد الرحمن الصبي في تحصيل العلم الشرعي عند الشيخ ود البدوي فكان عبد الرحمن واسطة عقد طلاب الشيخ وكان الطالب المميز في تحصيله العلمي وبعد التخرج كان همه أن يرى السودان حراً مستقلا كما كان في عهد أبيه الإمام المهدي. لذلك رفع شعار السودان للسودانيين مقابل شعار آخر رفعه الحزب الاتحادي ليكون السودان تحت التاج المصري. وكان للشعار الثاني نصيرا وعونا من دولة الخديوي لذلك بدأ الإمام يبحث عن ساعد لتنفيذ شعار السودان للسودانيين فكان الساعد هو أولئك المهاجرين الذين جاءوا من كردفان ودارفور بنسبة أكبر.
وكما بدأتُ أقول: إن المؤلف يجهل حال المهاجرين من غرب السودان. ذكر لي الوالد الراحل المقيم مُرجب حامد وهو من المهاجرين الأوائل من دارفور إلى جزيرة أبا. قال لي بالحرف الواحد (يا ولدي لو كان في الدنيا جنة في ذلك الزمان لكانت دارفور) ويقصد بذلك الخير والنعيم، أما كردفان فكانت تُكنى (بكردفان الغرة أم خيراً جوة وبرة)، كل هذا تركه هؤلاء المهاجرون وراء ظهورهم. أما عن التعليم فأهل دارفور كانوا يقولون للذي لا يحفظ القرآن عن ظهر قلب يقولون له (كادِك) وجمعها (كُداك) وتعني الاستخفاف بالإنسان وكانوا يقولون (الما قرأ ابن عاشر ما يشق الفاشر) (والما قرأ العزية في الصلاة ما عندو نية). (والما قرأ الأخدري النبي منه بري). وهذا يعني أنهم كانوا حفظة لكتاب الله ومتفقهين في دين الله. إذن دواعي الهجرة إلى الجزيرة أبا لم تكن مادية ولا عن جهل.
وأقول للكاتب: وأنا ابن واحد من أولئك المهاجرين أقول أغلبهم إن لم يكن جلهم كانوا كمثل الذين جاء وصفهم أعلاه.
إذن فليسأل الكاتب لماذا كانت هجرة هؤلاء إلى جزيرة أبا رغم ما قِيل فيهم.
نقول له. قديما كان أبو جهل لا يرى في النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا يتيم ابن أبي كبشة. وأنت وغيرك أيها الكاتب لا ترى في الإمام عبد الرحمن إلا رجل أعمالٍ يستغل عماله فكن كذلك. ولكن لا تحجر على الذين نوّر الله بصائرهم ورأوا أن الإمام عبد الرحمن هو مخلص السودان كأبيه الإمام المهدي عليه السلام عندما هبّ لطرد الاستعمار. فكانت نظرة الإمام عبد الرحمن أبعد وبصيرته أثقب فكان يعلم أن شعار السودان للسودانيين يحتاج إلى عُدة وعتاد. والعُدة والعتاد لم تكن بالسيف والرمح كما كان في عهد المهدي ولكن بالقلم والبيان لأن القاعدة المهدية تقول: (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال). ولله در عكير الدامر الذي قال:
جهاد المهدي سيف سلاه يلمع ضاوي
حكمو في رقاب المشركين الفي الشرع بتلاوي
وإت جهادك باللين والحِكم والهداية تداوي
اختلفت السيوف عِلا الضرب متساوي
فكان المهاجرون هم العتاد فعندما قطعوا الأشجار وعمروا المشاريع الزراعية وجنوا القطن كانوا يعلمون علم اليقين أن الوفود التي تذهب للتفاوض إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى بريطانيا وإلى مصر كانت تلك الوفود تحتاج للمال وكان الضيوف الذين يأتون للسودان يحتاجون للمال لذلك كان عرق هؤلاء المهاجرين بمثابة الدماء التي بذلها أسلافهم في تحرير القطر من الغزاة.
أما عن مجتمع الجزيرة أبا وأنا لي الشرف أن تكون أبا مسقط رأسي ومسقط رأس أمي في عشرينيات القرن الماضي.
إن مجتمع أبا كان مجتمعا فاضلا ليس له مثيل إلا مجتمع المدينة المنورة في الصدر الأول. كانت أبا عبارة عن بوتقة روحية تجمع شعوب وقبائل من أجناس وأعراق مختلفة إلا أنها ببركة الإمام عبد الرحمن صارت مؤتلفة ومتجانسة ومتحابّة حتى أنهم يقولون (العامل يرث أخيه العامل). لم تكن بالجزيرة أبا نقطة شرطة لفض النزاعات بين الناس بل كان الإصلاح يكون بين الأخوين المتخاصمين عقب الصلاة المكتوبة أو حلقة الراتب. كان أهل أبا رهبان الليل عمار الأرض بالنهار كانوا يتحلقون كل يوم مرتين عقب صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس وعقب صلاة العصر وقبل غروب الشمس ليذكروا الله في حلقة وليقرءوا 151 آية قرآنية من المختارات وعدد من الدعوات المأثورات عن رسول الله ثم يختموا ذلك بحزب من القرآن في الصباح وحزب آخر في المساء ليكونوا قد قرءوا جزء من القرآن في كل يوم وبذلك يكونوا قد ختموا القرآن كاملا كل شهر في حلقة وجاء في الأثر حديث طويل أن لله ملائكة سياحون يلتمسون حلقات الذكر فإذا وجدوها تنادوا هلموا إلى طلبتكم فيكون بعضهم بعضا حتى يصلوا إلى الحق عز وجل فيسألهم فيما وجدتم عبادي؟ فيقولون وجدناهم يحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويمجدونك يا ربنا، فيقول الله عز وجل أو رأوني؟ تقول الملائكة لا. يقول الله عز وجل: كيف إذا رأوني؟. تقول الملائكة: لكانوا أشد حمدا وتهليلا وتكبيرا وتمجيدا. يقول الله عز وجل ومن ما يستعيذون؟ تقول الملائكة: يستعيذون من النار. يقول الله عز وجل أو رأوها؟ تقول الملائكة: لا. يقول الله عز وجل: وكيف إذا رأوها؟. تقول الملائكة: لكانوا أشد استعاذة منها. يقول الله عز وجل: وماذا يطلبون؟ تقول الملائكة: يطلبون الجنة. يقول الله عز وجل: أو رأوها؟ تقول الملائكة: لا. يقول الله عز وجل: وكيف إذا رأوها؟ تقول الملائكة: لكانوا أشد طلبا لها. يقول الله عز وجل: أُشهدكم يا ملائكتي قد غفرت لهم جميعا. تقول الملائكة: فيهم فلان بن فلان الخطاء. يقول الله عز وجل: هؤلاء القوم لا يشقى جليسهم.
فهم القوم فكن جليسهم أيها الكاتب الناقد بغير بصيرة.
وكتب الكاتب عن دائرة المهدي وقال فيها ما لم يقله مالك في الخمر. نقول له: إن القصد من دائرة المهدي هي أن تكون معينا للإمام في تحقيق تحرير السودان وكان القصد نبيل ولكن في نهاية الأمر هي تجربة بشرية قابلة للنقد ولو كان هناك بعض الإخفاقات فالإمام على رأس الهرم ويمكن للذين هم أدنى الهرم أن تحدث منهم أشياء ولكن لم يكن بالضرورة أن الإمام راض عنها وهذا حدث حتى في الصدر الأول. ولكن مهما يكن من إخفاقات كانت دائرة المهدي هي المخلص لأهل السودان من قبضة الاستعمار الثنائي في القرن الماضي.
وذكر الكاتب أن الإمام عبد الرحمن لم يكن زاهدا في الدنيا مثل أبيه.
نقول له. إن الإمام عبد الرحمن كان يُكنى بالفقير الغني فقد كان كريما جوادا حتى وصفه أحد الشعراء بقوله:
تسلم يا الزعيم التلفى ساعة العترة
يا جبل الضرى يا الري نهارة الخترة
عندك طبعة ساعة تدي إيدك تترا
زي ورق الأراك الشم زيفة النترة
إن للإمام عبد الرحمن أيادي بيضاء في كل المؤسسات السودانية القومية والرياضية والفنية وقد كان أبا لكل أبناء السودان حتى انه اشترى بيتا لأبناء السودان المبتعثين للتعليم العالي بالمملكة المتحدة وقد ذكر لي أحد الآباء في خمسينيات القرن الماضي زار وفد شبابي من الاتحاد السوفيتي سابقا زار السودان وعندما علم الإمام عبد الرحمن بالوفد الزائر استدعى سكرتير الحزب الشيوعي وسلمه مبلغا من المال ثم قال له هذه ضيافة ضيوف السودان ثم ذكر له أن الباخرة (الطاهرة) تحت تصرفه حتى يعود الوفد إلى وطنه وعندها قال سكرتير الحزب الشيوعي (التقدمي منو دا ولا انحنا). وكان الإمام يكفل أعداد كبيرة جدا من أبناء السودان المبتعثين للتعليم خارج البلاد وكان مساعدا لعددا من المستثمرين ومشجعا لهم في أعمالهم التجارية حتى كان ذلك سببا لعدد كبير منهم أن ينضموا إلى حزب الأمة وأيضا كان راعيا لأسر غير مسلمة وكانت رعايته سببا في إسلامهم. وأعمال البر والخير للإمام عبد الرحمن لا تُحصى ولا تعد ولكن بعض الناس لا يروا إلا الشوك في الأشجار وتعمى أعينهم عن رؤية الأزهار. وذكر المؤلف أن الإمام عبد الرحمن أورد صيغة البيعة وهي: (بايعنا الله ورسوله وبايعناك على تقوى الله والسمع والطاعة فيما يرضي الله ورسوله وقراءة الراتب أو ما تيسر منه ثم ذكر الكاتب وتبعها بالدعاء وحقيقة هي الوسيلة وصيغتها آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالإمام المهدي دليلا وخبيرا وبالإمام الصادق الأمين أي السيد عبد الرحمن وسيلتنا إلى الله). انتهى حديث الكاتب
إزاء هذا نقول.
إذن ما الغريب في أمر البيعة. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم) والإمارة تكون ببيعة وإذا كانت صيغة البيعة كالتي أعلاه فلا غبار عليها وقد قال الإمام عبد الرحمن: (لما كان لقوام الإنسان لصلاح دينه حالتان نور يفيض على القلوب وسلطان يتحكم في الأبدان فإنا أمرنا أن تكون بيعتنا بيعة رضا) فهنيئا للذين بايعوا بيعة الرضا. أما الوسيلة فعندما قرأها الإمام عبد الرحمن للأنصار فسرها بقوله: (الوسيلة لا يستطيع أحد أن يمسك بيد أحد ويعرج به إلى سبع سموات ولكن الوسيلة يهديك ويرشدك إلى يتنور قلبك وعندما يتنور قلب العبد يوفق إلى صالح الأعمال وبصالح الأعمال يصل إلى الله).
وقد ورد في المقدمة للكتاب قول المعلق: (قيمة الكتاب تكمن في الكم الهائل من المعلومات التي جمعها الكاتب خلال 16 عاما من شفاه الأنصار والمعاصرين والمشاركين في ذلك التاريخ. وأيضا جاء في المقدمة : الكتاب في سلاسة راوية مشوّقة وهو يندرج في إطار تاريخ ما أهمله التاريخ ولذلك سماه الكاتب همس التاريخ لأنه يحكي بعضا من المسكوت عنه في تاريخ الأنصار والجزيرة أبا والسيد عبد الرحمن المهدي) انتهى التعليق.
إزاء هذا نقول:
أولا يقول الكاتب إنه تلقى معلوماته من الأنصار والمعاصرين للإمام عبد الرحمن فنحن كأبناء الجزيرة أبا نتساءل من هم الأنصار الذين تلقى منهم الكاتب المعلومات؟
نقول: إن في الجزيرة أبا صنفان من الناس منذ أن فتحها الإمام عبد الرحمن في العام 1908م، الصنف الأول هم المهاجرون والذين سبق ذكرهم أولئك الذين جاءوا عن بصيرة ودراية وعلم وقناعة بحثا عن تحرير السودان فوجدوا ضالتهم في الإمام عبد الرحمن وكانوا له عونا ونصيرا في تحقيق شعار السودان للسودانيين. أما الصنف الثاني فهم الذين جاءوا (بريبة) ويقصد من ذلك أنهم كانوا في دارفور عندما يذهبون لصيد الأفيال تصيح فيهم أنثى الفيل والتي تسمى (أم سقدوية) وصياحها مرعب والذي يهرب من هول الفزع تغني عليه البنات لذلك يُصاب بخيبة الأمل ومن ثم يهاجر إلى دار الصباح فيأتي به القدر ربما إلى الجزيرة أبا فيكون واحد من أفراد قبيلته التي هاجرت نصرة للدين وساعدا أيمن للإمام عبد الرحمن وأظن أن الكاتب أستلقى معلومات من الذين هربوا فزعا من صوت (أم سقدوية).
ويقول الكاتب: أنه سمى كتابه همس التاريخ لأنه يحكي عن المسكوت عنه في تاريخ الأنصار والجزيرة أبا والإمام عبد الرحمن.
أقول للكاتب: والذي لم يعرف عن الجزيرة أبا شيئا أبا لم يكن فيها شيء مسكوت عنه حتى في عهد الإمام عبد الرحمن الجزيرة أبا كان بها معارضون ومخالفون ومنكرون للفكر الأنصاري منذ زمن بعيد وهم معروفين لأهل أبا بل بها عدد كبير جدا من أعضاء الحزب الشيوعي منذ مطلع الخمسينات والإمام يعرفهم بل ساعد بعضهم في الدراسة خارج السودان وفي أحداث مارس 1970م كان لأبناء أبا من أعضاء الحزب الشيوعي دور كبير حيث كانوا يجتمعون مؤيدين النظام المايوي اليساري في بداية عمره والإمام والأنصار كانوا على علم بهم.
وجاء أيضا في المقدمة أن الكاتب الدكتور الطيب هارون من أبناء الأنصار الملتزمين إذ يقول أنا من أبناء الأنصار الذين يكنون لإمامهم نوعا من الاحترام يشبه التقديس لكنه كمؤرخ يقول عندما بدأ التاريخ يتكلم قررت أن أصمت وبدأ أحاديث التقديس والعصمة تتلاشى.
إزاء هذا نقول:
إن الكاتب لم يكن من أبناء أبا وجاء إلى أبا معلما مثله مثل الذين جاءوا هربا من صوت (أم سقدوية) ومنذ مجيئه عُرف بين أهالي أبا بتوجهه المعارض والناقد لنهج الأنصار بل هو محسوب لفئة عُرفت بعدائها للأنصار وكانت له مواقف خلافية مع طلابه حتى أثناء حصة لتاريخ والتي ينحرف بها كثيرا عن المقرر.
ونقول للذين لا يعرفون الجزيرة أبا إن أبا خرّجت آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الذين يحملون درجات علمية عالية في المجالات المختلفة في العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية وقد انداحوا في أنحاء المعمورة وهم يكنون الاحترام والتقدير للإمام عبد الرحمن والأئمة من بعده ولآبائهم الذين كانوا على بصيرة من أمرهم وأبناء أبا بالمرصاد لكل من تسول له نفسه طمس تاريخ الأنصار الناصع والذي خطه الأسلاف بأحرف من نور فلا نامت أعين المحرفين للتاريخ والويل كل الويل للمشوهين لتاريخنا العظيم.
أيها الأحباب. ما زال الأحباب عروة الصادق وعماد الصادق ومصطفى آدم ما زالوا خلف القطبان من هذا المنبر نطالب بإطلاق سراحهم فوراً.
♻♻♻♻♻♻♻♻♻


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.