يا حليلك يا مقنع الحوبات ويا أخو الأخوات، وينك الليلة يا رباي اليتامى ويا عطاي العدامة.. مثال لعبارات نمدح بها الأموات حال فقدهم، وربما لم تسمع آذانهم كلمة شكر قط طيلة مدة حياتهم وعطائهم المستمر، حتى اشتهر المثل الشعبي السائر (إن شاءالله يوم شكرك ما يجي)، وبذات النهج درجت جهات عديدة على تأبين بعض المشاهير وفق تاريخ وفاتهم من كل عام، ولكن اختلف الأمر في تأبين الموسيقار وردي حسب اللجنة العليا للمهرجان أن يحتفوا بذكرى رحيله يوم 19 يوليو من كل عام وفق تاريخ ميلاده في العام 1932، بدلا عن المعتاد. أربع سنين مرت على رحيله، يتجدد فيها ذكراه التي تُحيي مشاعر وأحاسيس عشاق فنه الذي لا يُعلى عليه، حسب تعبير كثيرين من مختلف الأجيال، وذلك من خلال فعاليات مهرجان وردي الوطن ذات الاسم أطلقه علية السموأل خلف الله وزير الثقافة آنذاك، وكان من المرضين عنهم من بين أقرانه، زينت المهرجان مجموعة مقدرة من المغنين والشعراء ورموز أهل الفن، وفي الأول من أغسطس تُختتم فعالياته بمنتدى خاص بالنادي العائلي، يرى بعض محبي وردي درجة التشدد أنهم حرصوا على حضور المهرجان تخليداً لذكراه، رغم كل المجهودات يصعب تقليد أدائه على كل من تغنى بأعماله كونه فريداً من نوعه، حسب قولهم. غلطة كانت غرامي ليك في مجرى الحديث ومن خلال سهرة تلفزيونية قدمتها قناة أنغام الفضائية بالخصوص، يقول الشاعر محمد عبدالقادر أبوشورة: وردي وإسماعيل حسن شكلا ثنائياً رائعاً، وعندما تغنى وردي بأغنية "غلطة كانت غرامي ليك" هُوجم فيها حسن كونه تمرد على المرأة وخالف نهج الحقيبة الذي يقدسها، وكانت رؤيته أن العواطف تترجح وليس لها قانون ثابت، ولا يقصد بذلك عداوة المرأة أو انتقاص من شأنها كما يُفسر البعض. وأضاف أبوشورة: "وأخيراً تربع على عرش الغناء بعد تأليفه عدة قصائد بذات المفهوم، أضف إليها أداء وردي المميز ما جعلها تكتسح فضاء الفن بقوة إلى يومنا هذا". يتابع أبوشورة: "يحكي لي وردي في إحدى جلساتنا بأنه يجمع الأطفال عندما يكون بصدد تلحين عمل جديد، ويقسم لهم الحلوى حتى يشاركوه جلسته في مقاعد نقاد له ومن ثم يبدأ يلحن، إذا أصغوا له وتابعوه باهتمام يواصل تلحينه وبمجرد انشغالهم عنه فورا يتوقف عن الغناء، لظنه أنهم شفافون ولا يجاملونه مهما قدم لهم، وكان يعد وردي هؤلاء الأطفال ناقداً حقيقياً". وختم أبوشورة "هذا حس متطور جدا". دي صعبة جداً ومن جهته يسرد الصحفي عبد الخالق الشريف ملمح من حياة صديقه للمقرب وردي، مشيراً إلى أن أول من لفت وردي إلى خامة صوته وموهبته الثرة، وتنبأ له بمستقبل باهر، هو زميله المعلم عبدالغفور محمد في منطقة صواردة بالشمالية، حينها تغنى وردي مع طلبته على مسرح المدرسة بنشيد صباح الخير مدرستي. وزاد: "ومن ثم انتقل إلى شندي حيث قابل إبراهيم عوض، وكان يتغنى له كثيراً في بداياته، ذات مرة قال له أفكر أن أذهب إلى الإذاعة ورد عليه إبراهيم بقوله (دي صعبة جدا). وقاطعه أبوشورة في الصدد قائلاً: يقص لي وردي بقوله بعد مرور سنة ومعي إبراهيم عوض جاء إلينا مغنٍّ شاب في سينما السجانة، وقال لنا أريد الذهاب إلى الإذاعة والتفت إلى إبراهيم وضحكت قائلاً (دي صعبة جداً). ويستأنف الحديث الشريف مواصلا: "ما يؤكد أن لوردي روح المرح والسخرية والدعابة، ولي معه حكاية طريفة، كانت يده مكسورة ويريد مشاهدة مباراة (هلال مريخ) كونه هلالابياً متعصباً، حينها نصحته ببقائه بالمنزل حتى لا تُكسر يده الأخرى، وبعد مرور أيام ذهب لإحياء ذكرى إبراهيم عوض في نادي المريخ وقال للجمهور كانت هناك مباراة حاسمة ولن أستطيع مشاهدتها بسبب ود الشريف هددني بكسر يدي الأخرى في ذات المباراة. وأكد عبدالخالق: "على تواضع وحميمية وردي ونفى غروره كما يصفه البعض". وردي الوطن إلى ذلك، يثنى القول وزير الثقافة الطيب حسن بدوي من خلال خواتيم فعاليات وردي الوطن بالمسرح القومي في أمدرمان التي جاءها وردي في العام 1959. وأضاف بدوي: ستظل أمدرمان حاضنه لمثل الحدث كما يلتقي السياسيون في القاعة للحوار الوطني، نحن نلتقي هنا بوردي شيباً وشباباً، كونه تغنى لكل الوطن وضمنت مسيرته الإرث والأصالة والتاريخ. ولفت إلى دور وزارته في استكمال التنمية الثقافية وتعزيز مثل فن وردي وحفظه متغنياً بالجلابية والتوب والمركوب والمشهود له عربي وأفريقي واسع، مشدداً على حرصهم بهذا اللقاء، ويحسبه مؤتمراً حاشداً لكل ضروب الفكر والإبداع يجعل الإرث الثقافي معززاً. ومن خلاله نجعل لوردي محطة لتأصيل إرثنا ونحميه بالقوانين والتشريعات، بجانب التدريب والتأهيل. اليوم التالي