المسمًى الصحيح هو زيادة الأسعار و ليس التحرير لأسعار الوقود لأنً تعريف التحرير من الناحية الاقتصادية هو "إزالة الضوابط و القيود التي تفرضها الحكومة من أجل تشجيع التنمية الاقتصاديًة" و هذا التعريف لا ينطبق على أفعال النظام و لا ينطبق على بيئة السودان التنافسيًة بدليل أنً أسعار جميع السلع الاستهلاكيًة و المعمرة في السودان أغلى من الدول الفقيرة و معظم الدول النًامية و المتقدمة ...، و الضرائب التي تفرضها الحكومة من بين الأعلى عالميًاً، و الاحتكار و الاستئثار الذي تقننه الحكومة هو في الواقع قمًة التقييد..، جميع الدول في العالم التي تنتهج سياسات التحرير الاقتصادي يوجد لديها سعر صرف واحد و لا توجد سوق سوداء..، السبب الرئيسي لضنك العيش عندنا هو سياسة التمكين التي تعتبر من لا ينتمي لحزب النظام لا يعرف شيئاً و لا يستحق شيئاً و أنًه مجرًد حشرة يجب سحقها، و سياسة التمكين لا ينكرها النظام بل يقرها و يثبت دعاماتها من خلال الممارسة الفعليًة علناً و السياسات التي يحدثها باستمرار حتًى يضمن سيطرتها، و هنا مربط الفرس. رغم أنً النظام لم يدخر جهداً لتدمير المواطن السوداني إلاً أنًه في كل مرًة يكتشف أنً هنالك ما يتطلًب إعادة الكرًة ، و أنً آلة تدميره لم تكن من الفعاليًة التي يريدها بأن تسحق كل شئ، و عليه أن يقوم بفعل أكثر فعاليًة من سابقه يستهدف به غالبية الشعب و في نفس الوقت يكافئ به أفراده نظير ما يبذلونه من جهد في تنفيذ خططه التدميريًة.. نهاية الشهر الماضي أعلن النظام تحرير أسعار الديزل و الفيرنس للقطاع الصناعي و خيًر أصحاب المصانع بين الشراء بسعر السوق الأسود أو استيرادها ، يقول النظام أنً التحرير يساهم في تطور القطاع الصناعي و يزيد الإنتاج للسلع الصناعية و يحقق الاكتفاء الذاتي التصدير ، إضافة إلى أن تحرير الجازولين والفيرنس جاء في الوقت المناسب حيث هبطت الأسعار عالمياً ،و أن القرار فرصة للاستفادة من قروض التمويل المتاحة خارجيا في المجال الصناعى ...، هذه الحكمة من التحرير بحسب زعمه.. أمًا الواقع فهو العكس تماماً لكل كلمة ممًا ورد أعلاه، و فيما يخص "فرص قروض التمويل المتاحة خارجيًا في المجال الصناعي" ، هذه الجزئيًة لم أفهم منها شيئاً و أكاد أجزم بأنً وشوشة الطيور أقرب إلى الفهم منها..، لكن ما لم يحمله النًاس محل الجد هو أنً النظام يستهدف تدميركل القطاعات الانتاجيًة التي لا تزال تعمل رغم تدميره المستمر لها و ليس القطاع الصناعي وحده. رؤية أصحاب المصانع أتت كليًاً بعكس ما يراه النظام ، و تعكس الواقع المعاش..، حيث يرون بأنً دخول الجازولين و الفيرنس إلى السوق الأسود يؤدي إلى ارتفاع أسعارهما كما أفاد الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية مؤكداً أنً القرارسيكون سبباً في إعاقة تنمية القطاع الصناعي الذي يعاني أصلاً من الضعف و يمر بأسوأ حالاته و يعاني من شح المواد الخام و ارتفاع العملات الأجنبية بجانب مشاكل التحويلات ، و ما يفترض أن تفعله الدولة هو تشجيع قطاعات الإنتاج بدعم مدخلات الإنتاج لا بتحريرها ، محذراً من أن تؤدي هذه السياسات إلى إرتفاع اكثر في أسعار المنتج المحلي و الخدمات ، و الاعتماد على المنتج المستورد الذي يؤدي إلى تأزيم مشكلة العملة الأجنبية كما وصف رئيس شعبة الأغذية الخطوة بتنصل الدولة عن مسؤولياتها تجاه الإنتاج المحلي بشتى صوره ، و تخوف أن يؤدي القرار إلى تذبذب انسياب الوقود إلى المصانع بسبب رفع الدولة يدها عنه ،مطالباً الجهات المسؤولة بتكثيف الجهود لضمان توفيره و توزيعه للمصانع ، و من جانبه تخوف صاحب مصنع السقد للأغذية من توقف بعض المصانع بسبب إرتفاع التكاليف و ارتفاع أسعار المنتجات التي ستتزامن مع القرار ، مما يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية في الأسواق في ظل محدودية الدخول مما يطور الأمر إلى أن يصل إلى الكساد.( جريدة آخر لحظة عدد الثلاثاء 28 يونيو 2016). ما لم يفصح عنه النظام و يعلمه غالبيًة النًاس هو أنًه لا توجد حدود فاصلة بين الدولة و حزبها الحاكم و جشع كل القائمين على أمر الدولة بلا استثناء و الدليل على ذلك أنً استيراد المحروقات تتحكًم فيه شركات لا تتبع للدولة إنًما أفراد يتحكمون في الدولة و يحققون أرباحاً مبالغ فيها من الدولة و من المواطن ، و النتيجة أنً كل شئ يأتينا من الخارج يباع بأكثر من أسعاره في الدول الأخرى التي أصلاً تستورده مثلما نفعل ، و المحروقات لن تكون استثناءاً من هذه القاعدة العامًة...، من الطبيعي أن تباع باضعاف سعرها الحقيقي .. أمًا الحديث عن استيراد المصانع لما يكفيها من الخارج إن أرادت كما خيرها النظام فهو مثل بيع السمك داخل مياه البحر و أقرب ل"عيزومة المراكبيًة" منه إلى الجديًه...، و المراكبيًة لمن لا يعرفهم هم الصيادون الذين يجوبون بمراكبهم بطول النيل و يعزمون النًاس في البر أن يتفضلوا معهم و هم ماضون في طريقهم..، فالنظام مسيطر بشركات أفراده على تجارة المحروقات و لا يمكن أن يفرط فيها للمنافسين و حتًى إن فعل لا يمكن للمصانع استيراد حاجتها من المحروقات بسبب عدم توفر العملات الصعبة و افتقارها لمواعين التخزين لأنً الديزل و وقود الأفران Heating Oil (الفيرنس) لا يمكن استيرادها بالقطًاعي الحدً الأدنى لشراؤها حسب الأسعار العالميًة لا يقل عن 30 ألف طن متري. إن اتحد أصحاب المصانع يمكنهم هزيمة النظام على الرغم من أنًه يوفر لشركاته العملة الصعبة بالسعر الرسمي و يطلب من أصحاب المصانع تدبير العملة الصعبة بطريقتهم الخاصة من السوق الأسود..، يمكنهم هزيمته لأنً أسعار الديزل و الفيرنس أسعارها متدنية و حتًى إن اشتروا الدولار من السوق الأسود و مهما كان سعره سيحصلون عليها بأسعار أقلً بكثير من أسعار السوق الأسود التي تتجاوز 30 جنيهاً للجالون بعد زيادة أسعارها 105%..لكن يبدو أنًهم لا يفكرون بهذه الطريقة فقد عمل النظام بما فيه الكفاية لتمزيق أوصالهم و تفريق كلمتهم..، لنقف على أسعار الأسواق العالميًة التي يشتري منها النظام: مستند (1): الجدول التالي يوضح بيانات مأخوذه من موقع إدارة معلومات الطاقة لأسعار الخام الأمريكي عند 41.9 دولار، و خام القياس العالمي عند42.78 للبرميل، و أسعار الديزل عند متوسط1.27 دولار للجالون و البنزين عند متوسط 1.29 دولار للجالون و الفيرنس(heating oil) عند متوسط 1.14 دولار للجالون بتاريخ 27 يوليو 2016: لا يختلف الحال كثيراً عن أسعار سوق (platts) لتسليم الموانئ الأوروبيًة أو Rim تسليم الموانئ الآسيويًة فالأسعار متقاربة كثيراً...، الأسواق العالميًة تتعامل بالدولار و عادةً تستصحب المعايير الأمريكيًة أمًا داخل السودان البيع للمستهلك يكون على أساس المقاييس البريطانيًة و طالما أنً ما يعنينا هو سعر البيع للمستهلك داخل السودان، لذلك سيكون لزاماً علينا التحويل من برميل امريكي إلى برميل انجليزي و من جالون أمريكي إلى جالون انجليزي..البرميل الأمريكي يعادل 42 جالوناً أو 159 ليتر و الجالون الأمريكي يعادل 3.78 لتراً، أمًا الجالون الانجليزي فيعادل 4.5 ليتر، الطن المتري من البنزين يعادل 8.5 برميل أمريكي و كذلك يعادل 1351 ليتر...،الطن المتري من الديزل يعادل 7.5 برميل أمريكي، و كذلك يعادل 1192 لتراً.. مستند (2): الجدول التالي يبين أسعار الطن المتري من الديزل تسليم الموانئ الأوروبيًة بتاريخ الخميس 28 يوليو 2016 مأخوذ من أسعار البترول العالميًة المقدًمة من شركةOPIS و تحديداً أغلى أنواع الديزل المستخدمة في العالم (الذي يحتوي على نسبة منخفضة جدا من الكبريت ULSD ): من الجدول ، سعر الطن (حمولة الناقلة الكبيرة) تسليم موانئ شمال غرب أوروبا 369.75 دولار، و سعر الناقلة العاديًة عند 379.25 دولار للطن واصل موانئ غرب أوروبا، و369.18 تسليم بحر البلطيق و 363.75 دولار تسليم البحر المتوسط و377.25 واصل موانئ البحر المتوسط(تعاقدات النظام تحسب على أساس تسليم موانئ غرب أوروبا) ، و طالما أنً السعر واصل CIF فهو يشمل سعر السوق مضافاً إليه قيمة الشحن و التأمين و العمولات المتعارف عليها، و أيضاً الأسعار واصل بورتسودان أقل من الأسعار واصل موانئ غرب أوروبا أو البحر الأبيض المتوسط. أمًا في حالة الأسعار فوب، تكلفة الشحن و التأمين للطن تبلغ 7 دولار في المتوسط و يمكن الاطلاع عليها في أحد المواقع (platts, Argus, Rim and Commodity3.) على هذا الأساس سعر اللتر واصل ميناء بورتسودان لا يتجاوز 32 سنت (385.25/1192) (ما يعني أنً سعر الجالون الانجليزي الذي نتعامل به في السودان يجب أن لا يتجاوز 1.4 دولار(0.32* 4.5) ليكون 8.54 جنيه حسب سعر الدولار الرسمي (6.1 جنيه مقابل الدولار (1.4 * 6.1 )، أو 19.6 جنيه إذا حسبنا سعر الدولار بالسوق الأسود عند 14 جنيه مقابل الدولار (1.4 * 14 )). لذلك ان استورد أصحاب المصانع الديزل بطريقتهم سيدفعون 19.6 دولار للجالون واصل بورتسودان و ربًما أقل من هذا المبلغ لأنً السعر الوارد هنا يخص الديزل عالي الجودة قليل الانبعاثات المدمرة للبيئة ، امًا بعد رفع الأسعار النظام يبيعهم الجالون بسعر 30 جنيه. نفس الحال ينطبق على أسعار السوق الأمريكية Argus فسعر اللتر الصافي (بعد العمولات و العلاوات السعرية المضافة) يعادل 33 سنت ، سعر الجالون الانجليزي يساوي 1.48 دولار يعادل بالجنيه السوداني 20.7 بسعر السوق الأسود للدولار عند 14 جنيه. هذا فيما يخص أسعار الديزل العالميًة يوم الخميس الماضي، و هى أعلى من الأسعار التي وصلتني بالأمس بثلاث دولارات للطن ، لم أعدل الحساب حتى يواكب السعر الجديد.. راعيت في حساب الأسعار أقصى مبادئ الحيطة و الحذر بحيث تم احتسابها على أساس أعلى سعر في الأسواق العالميًة (الأمريكية و الآسيوية و الأوروبية) و أغلى المنتجات التي تحتوي على نسبة منخفضة جداً من الكبريت. أمًا فيما يخص أسعار البنزين التي حسبنا عليها أعلى من أسعار السوق كونها أسعار يوم الأربعاء في الأسواق الأمريكيًة قبل الافتتاح، انخفضت الأسعار بعدها لأكثر من 10 دولارات للطن ثم تواصل الانخفاض بحوالي 2.75 دولار للطن يوم أمس، مع ذلك تظل حقيقة أنً النظام يحقق أرباحاً خرافيًةً حتًى عندما نحسب الدولار بسعر السوق الأسود و على جميع المحروقات.. إذا كان متوسط سعر الجالون الأمريكي من البنزين 1.29 دولار هذا يعني بأنً سعر اللتر 0.34 سنت ليكون سعر الجالون الانجليزي 1.54 دولار واصل بورتسودان، في هذه الحالة سيكون السعر 9.4 جنيه سوداني بالسعر الرسمي و 21.5 جنيه بسعر السوق الأسود.. لذلك حتًى و إن باعوا البنزين للمواطن السوداني بهذا السعر فهم أيضاً يربحون . لا أعلم كيف يباع الفيرنس لكن سعره العالمي واصل بورتسودان كما هو ظاهر أعلاه يفترض أن لا يتجاوز1.08 دولار للجالون الأمريكي أي 28 سنتاً لللتر أو 1.28 دولار للجالون الانجليزي بالجنيه السوداني 7.8 جنيه بالسعر الرسمي أو 17.92 جنيه للجالون بسعر السوق الأسود عند 14 جنيه مقابل الدولار. التحرير المزعوم لأسعار الديزل و الفيرنس الذي طبقه النظام على القطاع الصناعي ما هو إلاً خطوة أولى لتطبيقه على جميع القطاعات حيث أنً استهلاك القطاع الصناعي من الديزل لا يتجاوز 10% من جملة استهلاك السودان ، لكنًه يسيطر كلياً على أستهلاك الفيرنس.. النظام يسعى بخطىً حثيثة لتدمير ما تبقى من الاقتصاد السوداني بدءاً من القطاع الصناعي الذي تمً قبره ، ثم تأتي الخطوة التالية لتدمير ما تبقى من قطاعي النقل و الزراعة. ليس من اختصاصات المزارعين و الصناع و أصحاب الحافلات و البصات و الناقلات استيراد المحروقات طالما توجد حكومة ، و لا يمكنهم الشراء بالأسعار التي يحددها النظام بعد خصم أرباحه و ارباح شركات منسوبيه، الحل الوحيد أمام أصحاب المصانع التي لا زالت تعمل هو التوقف و البحث عن مصدر رزق آخر أو الهجرة كما فعل بعض أصحاب المصانع، أمًا المزارعين و أصحاب البصًات و الشاحنات فلا سبيل أمامهم إلاً أن يعلنوا الحرب على النظام الذي حرمهم من ممارسة عملهم الذي يأكلون منه...، مع ذلك يمكن للمصانع أن تعمل و تحمٍل التكلفة للمستهلك ويمكن لأصحاب وسائل النقل أن يفعلوا ، لكن لا يمكن للمزارعين ذلك ، خطوة النظام تستهدف المزارعين أكثر من غيرهم، و إن توقفت الزراعة توقفت الحياة.. مصطفى عمر [email protected]