جربي طبخة سهلة حريفة، تساعدك على ذرف الدموع بسخاء وتفتح في المقابل شهيتك لالتهام المزيد منها، كلما راودك الحنين عن نفسه. ميدل ايست أونلاين نص: رائدة زقوت 'ستشيح بوجهها وتفتعل الضحك' رائحة المعقم النفاذة التي تنتشر أثناء مسح الأرض، تذكرني بالمستشفيات في العادة! ومع ذلك أداوم على استخدامها في تحدٍ صارخ لمشاعري. حسناً؛ ها أنا أمسح أرض المطبخ للمرة العاشرة، بفارق خمس دقائق بين الجولة والأخرى؛ لست خائفة من انتشار الأمراض الجسدية، كل ما أفعله هو أنني أذيب الدهون العالقة في مجرى الذاكرة ، أعالج الكآبة والحنين بتسديد لكمة قوية لهما، بإغراق جسدي بالتعب؛ التعب غير اللذيذ. في نهاية كل جولة، يبدأ قلبي بالخفقان، وجسدي في التعرق، أقول لنفسي: ها أنت قد وصلت، لقد حللت عقدة الذاكرة بإرهاقها، فأشهق نفساً طويلاً، ثم لا ألبث إلا ثوان حتى تعيد الذاكرة بثها على موجة أعلى من السابقة، يتسلل البرد لجسدي المتعّرق وينخفض النبض لأسوء حالاته. أعيد الكرة مرة أخرى، وأنا على يقين من قدراتي الهشة؛ أعيد الكرة وأنا على يقين من أنني أضعف من أن أكسر عصا الحنين، عظامي فقط هي ما يتكسر من انحناءتي المتكررة في حربي مع النسيان. في كل مرة تدخل فيها منزل امرأة وتتسرب لأنفك رائحة المعقم، لا تتعب نفسك بالبحث عن الضيوف إن شككت في وجودهم، ولا تقل بينك وبين نفسك : "اووه ما أشد نظافة هذا المنزل وصاحبته"، عليك فقط أن تبحر في عينيها، إن وجدت لذلك سبيلا ، لتتعرف على نوع الحنين الذي حولها ل"سيزيف"! في حكم المحفوظ أنها لن تمكنك من اختراق تلك المنطقة، ستشيح بوجهها عنك، وتهش في وجهك وتكثر من افتعال الضحك... الضحك الذي يدفع العينين للإغماض على ما فيهما! لا تصدقوا النساء، كل ما يحصل أنهن يدفن أجسادهن في العمل؛ لعدم القدرة على دفن الرأس، أو وسوسة العقل لهن، وحدها قلوبهن تجاوزها الزمن وأُغلقت على غبار آخر خطوات الأحبة وهم يوصدون الباب بقوةٍ خلعت مساميره، وأبقت على بقايا خشب هش، ما أن يستندن بعد الانتهاء من أعمالهن الشاقة عليه، حتى ينهار محدثاً ضجة، ويعلو الصراخ كأنما هو همهمات أهل مصاب بحالة خطرة يحاولون أن يسعفوه عنوة من قدره المحتوم، و تفوح رائحته تماماً مثل رائحة المستشفى. كوني واقعية للتخلص من عسر الحنين عليك الإقرار أولاً بأنه حالة مرضية، وتتشابه أعراضه تقريباً مع عسر الهضم لولا أن الثاني أخف وطأة، وله علاجات دوائية؛ حبوب تخلصك من عسر الهضم وتفرغ ما سبب لك هذا الاضطراب. حسناً الخطوة الأولى: لا علاج كيميائي للحنين وعسره، فقط بعض التفاصيل الصغيرة، ربما تطيّر وقتك الفارغ حقيقيةً، الممتلئ مزاجاً بمشاعرك المضطربة. الخطوة الثانية: تخلصي من روايات "أحلام" تماماً كما فعلت وأنت في سن المراهقة مع روايات عبير عندما اصطدمت بأول خيانة بريئة، عندما حوّل الشاب الذي ينتظرك على باب المدرسة وكان يأكل تضاريس وجهك بعينه،- وهو لا يعلم أنك تعيشين معه قصة حب خيالية سرية، وقد تماديت فيها لدرجة أنك منحته قبلة وسرقت من رائحته كمشة ووضعتها في تلافيف مخيلتك لتعتاشي عليها زاداً لأحلام اليقظة، ويباس المحيط وعقول المحيطين بك - بالنظر لصديقتك التي كانت تشبهك في البحث عن قصة حب خيالية ترضي طموح مراهقة شرهة للحب وللتجربة الأولى، رغم سوء المنقلب لمن ضبطت تهذي بأحلامها، وآثار الصفعة على خدها الأيمن إن غلبها الحلم وفضحها. التخلص من الروايات سيجنبك الوقوع في أفخاخ المراهقة المتأخرة وأنت المصابة بداء الحنين وعسره. الخطوة الثالثة: عليك بالطبخ؛ لا تستغربي! فقد ثبت عربياً أن "الطريق لقلب الرجل معدته" وطالما كان الطعام طريقاً للقلب فالأولى به أن يكون طريقاً لعلاج "عسر الحنين" ولأثبت لك هذا الأمر عليك بتجريبه في طبخة سهلة حريفة، تساعدك على ذرف الدموع بسخاء وتفتح في المقابل شهيتك لالتهام المزيد منها، كلما راودك الحنين عن نفسه. المقادير: ثلاث حبات من البندورة الحمراء الناضجة، خمسة فصوص من الثوم المدقوق جيداً، لا تحاولي تقطيع الثوم بالسكين، سيفقد مقدرته على التأثير النفاذ لحواسك، قرن من الفلفل الأخضر الحار، زيت زيتون، ومقلاة لا تحبينها كثيراً وتودين لو أنها تحترق لتتخلصي منها؛ دون شعور بالذنب! ضعي الثوم المدقوق على الزيت إلى أن يتحول إلى اللون الذهبي، تماماً مثل قلبك قبل سنوات عندما عشت الفترة الذهبية، وأنت تختالين كعاشقة ومعشوقة، أضيفي للثوم الذهبي الحار الذي قمت بتقطيعه لقطع صغيرة متعمدة أن تصل حرقته لرؤوس أصابعك العشرة، لمساعدتك لاحقاً على القفز والشتم والسب، من أثر الحرق المعنوي الذي طال روحك بعد أصابعك! بعد هذا قومي بوضع البندورة التي قطعتها على شكل دوائر لتحترق أسرع... أقصد لتنضج أسرع متحولة من حمراء لحمراء موشحة بالبني والأسود. الخطوة الأخيرة: جهزي المائدة، دون شموع، مملحة صغيرة لتختاري كمية الملح التي تناسب حالتك المزاجية، تجنبي إضافة كرسي آخر للمائدة، فقط كرسي واحد ليذكرك بأن وحدتك أزلية، وإن أحببت تعزية نفسك بإمكانك استغلال قدراتك الخيالية، بتصور أن هناك في مكانٍ ما من العالم يجلس رجل يمارس طقوسك كاملة، يعاني الخيبة التي تعانينها، ويعالج عسر الحنين أيضاً، هكذا تحلين جزءًا من خيبتك المعتملة في نفسك، وتتوجهين بعدها مقبلة لتناول وجبتك.