د. سعاد إبراهيم عيسى المعلوم والمفهوم, أن المسئول عندما يتحدث للمواطنين في أي أمر كان, لابد من أن يكون صادقا فيما يقول, مؤمنا به, وضامنا لإمكانية الإيفاء بما يعد به. وقبل هذا وذاك, أن يكون مدركا بأن للمواطن عقل يعي ويفهم, وقدرة على اكتشاف وكشف كلما يرمى إليه ذلك المسئول من قول أو فعل, وجميعها مطلوبات لن تتوفر إلا لمن كان هدفه وهمه مصلحة الوطن والمواطنين قبل مصلحته الخاصة. وهى ما يفتقر إليها الكثير من مسئولينا الذين جعلوا من مسئولياتهم مجرد فرصة ووسيلة لخدمة مصالحهم وتحقيق تطلعاتهم, أولا, وان لم يسعفهم الزمن لتقديم أي خدمة للوطن والمواطن, فسيتم نقلهم إلى موقع آخر لتكرار التجربة. السيد وزير الإعلام, الذي عودنا على سماع الحديث المثير الخطر, يعلن هذه المرة, عن احدث مشجب يعلق عليه كل إخفاقات حكومته وعجزها عن تنمية البلاد والنهوض بها, رغم امتلاكها لكل مقومات ذلك النجاح, وبصرف النظر عن المقاطعة الأمريكية شماعة كل فشل كان, فقد وجد سيادته ما هو أعرق منها في استهداف السودان,يمثله المستعمر الأجنبي, الذي استعمر دول العالم الثالث, وعمل على نهب ثرواتها ليقعد بها, لا من أجل ألا تلحق بدولهم, الحلم المستحيل, ولكن حتى لا تقف على قدميها, لتتمكن من السير على طريق التقدم.. وهكذا رأى سيادته أن بريطانيا التي باستعمارها للسودان, هي المسئولة عن تخلفه الحالي وخاصة جنوبه.. وبصرف النظر عما فعلته بريطانيا بالسودان في مجال التعليم, وما تركت من خدمة مدنية كانت مضربا للأمثال, وغير ذلك, نسال سيادته عمادا فعلت الحكومات الوطنية التي أعقبت خروج المستعمر, في مجال تطوير ما خلفه, وعلى الأخص ما الذي فعلته الحكومة الحالية, التي يتحدث باسمها, أليست هي التي قضت على كل عمل ناجح وواعد تركه الاستعمار وما أعقبته من كل الحكومات, وطنية كانت أو عسكرية؟ ولمزيد من الدهشة فان سيادته, يطالب الحكومة البريطانية بالتعويض المادي لا عن فترة استعمارها للسودان, ولكن عن حصد آلتها العسكرية لآلاف الأنصار في معركة كرري, والتي كان من بين أسبابها الانتقام لمقتل الحاكم العام بالسودان حينها,غوردون باشا على أيدي الأنصار. ولا ندرى إن كان سيادته موكلا من حزب الأمة لفعل ذلك, أم القصة مجرد تعكير للأجواء الدبلوماسية, وهى ما ناقصة؟ المسئول عن المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي, كشف عن رأيه فيما يتصل بأهم خدمتين يحتاجهم المواطن في حياته, الماء والخبز. سيادته أعلن بان المواطن السوداني يستهلك من المياه أكثر مما يجب, وكذا بالنسبة للخبز. لكنه وكالعادة, لم يكمل الصورة في الحالتين, بحيث يكشف للمواطن عن الكميات المحددة له فعلا, وما هو مصدرها,, ومن بعد المقارنة بين ما يستهلك وما هو محدد له للوقوف على الفرق المطلوب معالجته... الغريب أن المياه والخبز من الخدمات التي تضاعفت أسعارها, وتزايدت ندرتها, وانخفضت جودتها. فأي استهلاك للمياه يتحدث عنه الخبير الاستراتيجي, والمياه لا زالت غائبة عن الكثير من المواطنين ولآماد طويلة, كما والحصول عليها لا زال غير منتظما لدى آخرين, وفقط يظل تدفقها منتظما ببعض الطرقات, بسبب انفجاراتها المتواصلة,. والمياه التي يرى سيادته تزايد استهلاكها لدى المواطن عموما, فان استخداماتها تختلف كثيرا بين مواطن وآخر, ففي الوقت الذي ينحصر استخدامها في الشرب والنظافة بأنواعها عند البعض, يتزايد لدى آخرين ممن يستخدمون الصرف الصحي, ودون الصعود إلى أصحاب أحواض السباحة والحدائق الغناء, فكيف تم تقدير الاستهلاك في حضور كل هذه الاختلافات؟ أما الخبز الذي شملته تهمة الاستهلاك غير الطبيعي أيضا, يبدو أن الخبير الاستراتيجي لم يشاهده في صورته الأخيرة, بعد أن تقلص حجمه وخف وزنه وتغير طعمه, الأمر الذي يبرر زيادة استهلاكه, طبعا إذا امتلك المواطن المال الذي يمكنه من الحصول على ما يكفيه منه. ودعك من الزيادة.قي استهلاكه. ويظل السؤال مرة أخرى عن الطرق التي استخدمها سيادته المقارنة بين ما هو مقرر وما هو مستهلك من الخبز لكل مواطن؟ ثم ما الهدف من ذلك الحديث بداية؟ أعلن القصر الجمهوري عن قرار اصدر بإعفاء السكرتير الصحفي للسيد الرئيس, ودون اى إشارة إلى سبب ذلك الإعفاء المفاجئ, ومن حق المواطنين أن يعلموا ذلك السبب, وحتى لا يترك الأمر للتكهنات والشائعات التي ضررها أكثر من نفعها,علما بان المعفى من ذلك الموقع, لم يدم في ممارسة مهمته زمنا يكفى لتقييم أدائه, بما يحدد إمكانية الاستمرار فيه أو الإبعاد عنه. رغم علمنا أن سياسة إبعاد اى مسئول من موقعه, بسبب فشله. ليست من شرعة هذا النظام. بداية, إن السيد أبى عز الدين المبعد من مهامه كسكرتير صحفي للسيد رئيس الجمهورية, لم نسمع بقرار تعينه, وكما جرت العادة بالإعلانات المجلجلة لمن يتم اختيارهم للعمل بالقصر الجمهوري, وخاصة الأعمال التي يتصل بالسيد رئيس الجمهورية. وفى ذات الوقت لم نسمع أيضا بان سيادته كان من بين الصحفيين أو الإعلاميين الذين يملئون ساحات الإعلام, المقروء منه والمسموع والمرئي. ورغم أن سيادته قد قدم مرافعة محتشدة بالكثير من الصفات الموجبة التي اسبقها على نفسه, وأرجع الفضل فيها إلى التربية التي تلقاها في كنف حركتهم الإسلامية, إلا أنه لم يتطرق هو الآخر, إلى السبب الرئيس الذي ابعد بموجبه من موقعه بالقصر الجمهوري, وان ألمح إلى أنها مؤامرة من زملائه ممن كان يحلم بحمايتهم له لا الغدر به. وهو باعترافه هذا قد يقدح في مصداقية كل ما قيل عن ايجابيات تربية الحركة الإسلامية لكوادرها, الذين اسموا أنفسهم بالإخوان المسلمين, وأصبحوا بموجب حبهم للسلطة أعداء مسلمين, لا يتورعون من ارتكاب أي جرم أو ذنب في حق إخوانهم, متى كان ذلك ستمكنهم من تحقيق اى من أهدافهم.. .السيد رئيس المجلس الوطني, بروفيسور إبراهيم احمد عمر, الذي أعلن عن ثورة التعليم العالي وشعارها (أن يجد كل تلميذ ناجح مقعدا بأي من مؤسسات التعليم العالي), يعلن أخيرا جدا بضرورة إعادة النظر فيها, لا لاقتناعه بكل المشاكل التي أحاطت بها, ولا بقصورها وفشلها في إخراج كوادر مؤهلة وقادرة على العطاء الذي يوازى ما هو منتظر من خريجي تعليم جامعي, لكنه اختصر المشكلة في عدم الاهتمام أو إهمال النشاط الثقافية, وهو في الأساس مكملا للنشاط العلمي وليس قائما بذاته. ما نعجب له, عندما بدأت تتكشف عورات ثورة التعليم العالي في بدايات عهدها, كان محرما الحديث عن أي من مشاكلها ومهما كانت خطورتها وعواقبها, فأخرست الأصوات عن التنبيه لما يتوجب علاجه في حينه, حتى استفحل داؤها وتمكن من كل المؤسسات التي أنشئت في إطارها واستعصى عن العلاج. كما تمدد ذلك الداء فأصاب بعضا من المؤسسات القائمة التي بسبب مساعداتها للناشئة كي تقف على أرجلها, فقدت الكثير من القها ورونقها القديم. وعندما ترك بروف إبراهيم احمد عمر مقعده بوزارة التعليم العالي, لم يتأنى خلفه في البحث عن الكيفية التي تقوم بها تلك الثورة, فكان خيار إجراء دراسة علمية لكل جوانبها, وبعد الانتهاء منها, تم إجهاضها بإغلاق كل الأبواب التي تمكن من الوقوف على نتائجها, مضافا إليه قرارا بإعفاء الوزير, ولمزيد من تأكيد ألا مجال لأي تعديل أو تبديل فيما يرونه هم صوابا, تمت إعادة الوزير السابق وصاحب فكرتها إلى ذات موقعه. وعندما تناولت في مقال سابق بعضا من أخطاء ثورة التعليم العالي وإلغاء نظام السكن والإعاشة بتلك الصورة المفاجئة كمثال, وضرورة دراسة جدواها, انبرى بعض ممن أسميتهم, قوة دفاع الإنقاذ, الذين لا يرون في أقوالها وأفعالها إلا ما تصوره لهم عقولهم وتتمناه نفوسهم, حيث كشف احدهم عن اكبر خلل في أفعال الإنقاذ التي تقبل على فعلها قبل التأكد من جدواها. فحكومة الإنقاذ لا تؤمن بدراسة الجدوى كما قال, بل تؤمن بإصدار الأوامر والأمر بالتنفيذ, وما على الآخرين إلا السمع والطاعة. فما رأي هؤلاء الآن وقد اعترف صاحب ثورة التعليم العالي نفسه بضرورة إعادة النظر فيها وهو اعتراف ضمني بفشلها أيا كان مقداره, وقد كان ممكنا تجنب هذا الفشل فقط لو اعتمدت حكومة الإنقاذ إجراء دراسات الجدوى لأي مشروع قبل تنفيذه, بدلا من سياسة الجس بعد الذبح هذه؟ .فهل ستلتقط وزيرة التعليم العالي القفاز وتعلن عن تكوين لجنة محايدة جدا, لتضطلع بدراسة جدوى هذا الجيش العرمرم من الجامعات, حتى تبقى منها على ما ينفع الناس, وتطلق رصاصة الرحمة على الآخرين؟ . أخيرا,يبدو أنهم قد جعلوا في كل أقوالهم وأفعالهم قدرا معلوما لاستفزاز وإغاظة المواطن, وحثه على إسراع الخطى لإنهاء هذا المسلسل البائس والممل غاية الملل. [email protected]