* لا ادري كيف يكون الوضع تحت السيطرة والاوضاع الصحية مستقرة في البلاد، رغم الاعتراف الرسمي لوزارة الصحة الاتحادية بأن عدد وفيات (الإسهال المائي) بلغ ( 17 ) حالة حتى يوم امس في ولاية النيل الأزرق، بالإضافة الى ارتفاع عدد الاصابات في ولايتى نهر النيل وكسلا، حسب النبأ الذى بثته (شبكة الشروق)، إلا إذ كان لوزارة الصحة مفهوم خاص لاستقرار الوضع الصحي، وأن تقييمها لحياة الإنسان يختلف عن التقييم المعروف، فموت إنسان واحد، خاصة إذا كان السبب ميكروب سريع الانتشار، يجب أن يجعل أي شخص يشعر بالقلق، ويستدعي إتخاذ عدة تدابير وإجراءات خاصة، واستنفار كل فئات المجتمع للمساهمة في إنقاذ الوضع !! * صحيح أن تطمين الناس، وعدم إثارة الذعر والهلع أمر ضروري ومهم جداً في الظروف الحرجة، على الأقل لضمان تطبيق الاجراءات والتدابير في أجواء هادئة، ولكن ليس الى درجة التمييع وبث التطمينات المضللة التي تشيع حالة من الاسترخاء، وتمنع المواطنين من المشاركة الايجابية في عمليات الحماية والمقاومة، بالإضافة الى الضرر الذي يمكن ان يقع على الدولة من امتناع الدول والمنظمات العالمية عن تقديم العون الذى يستدعي، حسب القانون الدولي، الاعلان عن الكارثة او الضرر، واتخاذ تدابير معينة للحد من خطورته !! * بالإضافة الى التطمينات السالبة التي بثتها وزارة الصحة الاتحادية، الأمر الذي قد يزيد الوضع سوءا بسبب حالة الاسترخاء التي تقود إليها التطمينات السالبة، فلقد جاء البيان على طريقة (يكاد المريب يقول خذوني)، أو المثل الشعبي (الحرامي في راسو ريشة)، أو (في الفي قلبو حرقص براهو برقص)، فلقد إبتدرته الوزارة بالدفاع عن نفسها وكأنها تستبطن وجود عدو خفى يوجه إليها تهمة التقصير فتضطر الى الدفاع عن نفسها، قبل أن تعلن عن ظهور (عدد) من حالات الاسهال المائي في بعض ولايات البلاد!! * يقول البيان: " على الرغم من المجهودات التى بُذلت في منع ظهور الأوبئة، إلا انه تم رصد (عدد) من حالات الاسهالات في (المناطق الطرفية) في ولايات كسلا، النيل الأزرق، نهر النيل..إلخ" * إذا تأملتم هذه الفقرة، سيتضح لكم الى أية درجة تخشى الوزارة من توجيه الاتهام اليها بالتقصير، وكأنها تشعر فعلا بهذا التقصير، فتلجأ الى الدفاع عن نفسها قبل كل شئ، ثم يأتي فيى المرتبة الثانية تنبيه المواطنين بظهور حالات الاسهال المائي، ودعوتهم للتلبيغ، والاهتمام بالنظافة الشخصية وسرعة الذهاب الى المؤسسات الصحية عند ظهور الاعراض !! * يستمر الدفاع عن النفس ضد التهمة الافتراضية باشارة البيان الى تقديم الوزارة لكل المعونات المطلوبة والدعم اللوجستي والمادي والفني للولايات المتضررة، والقيام بمجهودات كبيرة مما أدى للسيطرة على الوضع فى ولايتي نهر النيل وكسلا، وتقليص عدد الوفيات في النيل الأزرق ..إلخ. باختصار شديد فإن الغرض الوحيد من البيان هو الدفاع عن الوزارة في مواجهة تهمة لم يوجهها إليها أحد، وليس تمليك الحقائق للمواطنين واستنفارهم لمكافحة الوباء!! * ثم أنظروا الى الاستسهال والتمييز بين المواطنين عندما تتحدث الوزارة عن ظهور الحالات في (المناطق الطرفية) في ولايات كسلا، النيل الأزرق، ونهر النيل، وكأن المناطق الطرفية ليست جزءا من السودان، وليست مسؤولية وزارة الصحة، ولا يستدعي ظهور الحالات فيها نوعا من القلق، ويوضح ذلك مستوى تفكير وزارة الصحة، ونظرتها الغريبة لبعض المواطنين، وكأنهم مجرد (تمامة عدد) لا يهم كثيراً أن يصيبهم إسهال مائي أو يقضي عليهم وباء، وهو نفس الفهم الذي ولّد كل مشاكل السودان، ولا يزال!! * ولهذا لم يكن غريباً أن تنتهج وزارة الصحة بولاية النيل الأزرق نفس النهج، فتقلل من حجم الوباء، وتعلن أن الوضع تحت السيطرة، وتبرئ نفسها من تهمة التقصير الافتراضية بارجاع الوفيات الى التأخر في الذهاب الى المستشفيات، وتعلن عن توفر المحاليل الوريدية والمعينات الطبية والكادر الطبي في المؤسسات العلاجية ..إلخ!! * في ظل وضع صحي يتطلب العمل السريع، والشفافية، واستنفار كافة الجهود الرسمية والشعبية، فإن كل ما يهم أجهزة الدولة الصحية الدفاع عن أنفسها، وبقاء المسؤولين في مناصبهم الرفيعة، حتى لو استدعى ذلك تكذيب الواقع والتضحية بحياة المواطنين!! الجريدة