ما تزال وثيقة الحوار الوطني، وتداعياتها، تُسيطر على المشهد السياسي، وترسم طابعها على الشارع السوداني ووسط النخب ومؤسسات الدولة، خاصة أن الجميع في انتظار ما سوف تسفر عنه الأيام من خطوات تنفيذية لما خرجت به وثيقة الحوار.. وهكذا فقد كان "السودان ما بعد الحوار" هو مسمى مناسب للندوة السياسية التي نظمتها نقابة عمال المصارف بالأمس بمشاركة عدد من قيادات الأحزاب السياسية. إصلاحات اقتصادية: مسؤول الملف الاقتصادي وعضو الأمانة العامة بحزب المؤتمر الشعبي د. بشير آدم رحمة سعى من خلال ابتداره للحديث بالتركيز على الجانب الاقتصادي عازياً ذلك بقوله: "تظل السياسة والاقتصاد وجهين لعملة واحدة"، حيث إن الاستقرار السياسي بالدولة من الطبيعي أن يترتب عليه انتعاش اقتصادي خاصة في دولة مثل السودان في حاجة ماسة لسلام وإيقاف الحرب، مؤكداً أن وثيقة الحوار التي جاءت عقب نقاش وشد وجذب امتد لما يقارب العامين خلصت إلى مخرجات من شأنها العمل على زيادة الإنتاج في الدولة. ولفت بشير إلى ضرورة أن تشمل الفترة المقبلة دعم القطاعات الإنتاجية الحية من الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين مع معالجة ما يترتب من عمليات وسط المنقبين التقليديين عن الذهب، لافتاً الانتباه إلى أن إنتاج السودان من الذهب بلغ "66" طناً خلال العام الحالي حتى شهر أغسطس الماضي، وذلك عن طريق الوسائل التقليدية ما يعني ضرورة الاهتمام بهذا المجال. ويرى رحمة أن توافق كل من المعارضة والحكومة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني بالدخول في حوار مشترك كان نتيجة ومراعاة لمجمل المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة بالسودان سواء في سوريا، اليمن، ليبيا، مصر، وذلك بعد نشوب ثورات الربيع العربي وما صاحبها من تطورات واضطرابات أمنية في تلك الدول. بيد أن رحمة شدد على أهمية تنفيذ ما ورد في وثيقة الحوار الوطني خاصة فيما يتصل بمحاربة الفساد وتحويل النظرة الكلية للاقتصاد الاستهلاكي إلى الإنتاجية بدءاً من توسعة رأس مال المصارف، وهو ما قد يستدعي الشروع في عملية جراحية مصرفية بدمج بعضها بغرض تحقيق هدف التوسعة، كذلك الابتعاد عن نهج الفوائد في سياسات التمويل الأصغر وتسهيل عملية التمويل للقطاعات الصغيرة من أجل تشجيع المنتجين على العمل من خلال ما يعرف بالقرض الحسن. وحتى يتسنى تحقيق ما سبق، يقول بشير إن الأمر يتطلب مجموعة إجراءات منها تكوين حكومية رشيقة وتحقيق السلام، مبدياً تفاؤله بمشاركة الأطراف الممانعة لوثيقة الحوار في مقبل الأيام سواء أكان رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار الصادق المهدي أو قيادات الحركات المسلحة. ديمقراطية مرتقبة: القيادي بحزب الأمة القومي مبارك الفاضل المهدي ذهب في مسار آخر بالحديث عن مجموعة من المتغيرات، قال إنها اقتضت القبول بالحوار الوطني بينها بحث المجتمع الدولي الآن عن دولة ونظام مستقر في السودان، خاصة عقب المتغيرات التي شهدها العالم في بلدان الشرق الأوسط، وما قام به السودان أيضًا بتغيير محور العلاقة من الكتلة الإيرانية إلى الشرق أوسطية والخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والدور المتوقع أن يقوم به السودان في ذلك. وحسب تعبير الفاضل، فإن أروبا والولايات المتحدةالأمريكية في حاجة للمساعدة في الحد من الهجرات غير الشرعية ومحاصرة الإرهاب، ويساعد الموقع الجغرافي للسودان على القيام بهذا الدور، وفي سبيل تحقيق ذلك لابد من فتح الباب لحوار مع الكتلة الغربية وفق برنامج واضح يبدأ بالالتزام بما ورد في وثيقة الحوار الوطني والتي تمثل مرجعية لسياسة ديمقراطية مرتقبة في السودان، وهو ما وصفه الفاضل مبارك بالتحدي القادم. ويقر بأن خلافات النخب والأحزاب السياسية خلال السنوات الماضية دعت إلى نسيان ما يعرف ب(مهام الدولة) ممثلة في الحفاظ على الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات للمواطنين، وهو ما نتج عنه أوضاع سياسية واقتصادية متدهورة ما يتطلب الآن صيانة كاملة للدولة حسب وصفه، حيث إن مخرجات الحوار في حد ذاتها تحتاج إلى وقت ما بين طويل ومتوسط وقصير المدى حتى تستطيع تحقيق مراميها. ونوّه مبارك الفاضل إلى أن السودان في حاجة ماسة للعمل على رفع الحظر الاقتصادي ومن ثم إعفاء الديون التي باتت متراكمة حتى وصلت إلى 46 مليار دولار فضلاً عن الوقوف على مراجعة النظرة الاقتصادية الكلية للدولة، وما يعرف ب(أسلمة) المصارف والقطاع الاقتصادي حيث إن تحقيق ذلك لن يتسنى إلا بالعمل مع محور المجتمع الدولي. تغيير شكل الحكم: الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني حامد ممتاز ابتدر حديثه بتصحيح عبارة قيادي ب "الحزب الحاكم" بقوله إن الفترة القادمة لن تكون باستحواذ حزب واحد فقط على الجزء الأكبر من السلطة، بل هي شراكة ومسؤولية واحدة تجمع كافة الأحزاب والقوى السياسية ما بين الموالية والمعارضة وفق ما نصت عليه وثيقة الحوار الوطني. وتوقع نتيجة لذلك ظهور مجموعة تحولات على مستوى الساحة السياسية منها التعديلات الدستورية المرتقبة والتي من شأنها أن تعمل على تغيير شكل الحكم في كل من المجالس التشريعية بالمركز والولايات. ويؤكد أن طرح حزب المؤتمر الوطني لمبادرة الحوار الوطني جاءت بعد قراءة متعمقة لوقائع الأحوال في البلاد، وما شهدته من استقطاب حاد أفرز نتائج مختلفة منها وجود مجموعة أحزاب سياسية تجاوزت المائة حزب، كذلك فإن (الحرب) التي نشبت في مناطق متفرقة من أرجاء الدولة حالت دون التنمية بشكلها الطبيعي في تلك المناطق، وقال إن تشريح الأزمة السودانية - في تقديره الشخصي - يكمن في أزمة جنوب السودان وتركة الاستعمار من قضايا خلافية امتدت لنحو ستين عاماً من تاريخ الدولة. ويشدد ممتاز على التزام حزبه بتنفيذ ما ورد في وثيقة الحوار بيد أنه عاد وقال: "هذا الأمر لن يتحقق بإرادة المؤتمر الوطني المنفردة بل على جميع من شارك في الحوار العمل لصالح ما جاء في الوثيقة والنظر بعين المستقبل لصالح الأجيال السودانية القادمة". الصيحة