الطرفة التي بهت لونها من كثرة الاستعمال تقول بأن رجلاً كان يحمل فوق رأسه لوح زجاج وقف محتاراً بالقرب من طريق الأسفلت الذي تنتشر فيه بقعة لزجة وقال في نفسه : ( إذا أنا حاولت اقطع الزلط ما في شك حأتزلق حأتزلق ) . لذلك قام عملياً بوضع الزجاج على الأرض وذهب (اتزلق) ثم عاد وحمل الزجاج مجدداً ومضى . المؤسف في الأمر أن قدمه زلّت مرة أخرى فوقع أرضاً وانكسر لوح الزجاج . عنوان المقالة ليس له علاقة بأغنية المطربة الشعبية التي تقول ( طلعنا الكوبري ونزلنا بحري ....الى أن تبلغ مرحلة البوح بالآمها فتدع الحبيب في مأمن من سهام نقدها وتجعل من المكان سبباً لمأساتها ومعاناتها فتقول : العباسية سبب الأذية .... الفتيحاب يا سبب العذاب يا ) . فإنما يتعلّق المقال بالعذاب الحقيقي الذي ظل عابرو كوبري الفتيحاب يعانون وطأته منذ افتتاح الجسر العملاق في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي . لا أحد– خاصة سكان جنوبأم درمان – ينكر الفرج الذي جلبه عليهم كوبري الإنقاذ بعد أن كانوا يعانون كثيراً في تنقلهم ذهاباً وإياباً من الخرطوم حيث الأشياء الأكثر حيوية وأهمية بالبلاد باتت ترقد هناك و(تنوم) . بل لقد كان جسر الفتيحاب بمثابة الرئة الأوسع لكل سكان أم درمان وخير بديل لكوبري النيل الأبيض القديم الهزاز. وقد كان الحديث عن ذاك الجسر العتيق قد كثر بسبب ضيقه واهتزازه الذي عزوه الى أنه في الأصل كوبري (أورنيك) . حيث جلب من الهند التي عمل بها لسنين طويلة . ولكن منذ دخول جسر الإنقاذ في الخدمة بدأت تكثر الشكاوي من بعض المشاكل التى تواجه السيارات التى تعبره . و تلك المشاكل أخذت تترجم عملياً الى حوادث مرورية وخيمة العواقب . وصارت الحوادث تحدث بمعدل حادث كل أسبوع تقريباً . وكل حادث يقع هناك تشترك فيه سيارتان على الاقل .والغريب في الامر ان معظم الحوادث لا بد ان يكون احد اطرافها سيارة نقل عامة غالباً ما تكون حافلة ركاب كبيرة . وذلك الشيء يرفع من معدل احتمالات إصابة أكبر عدد من المواطنين . قبل عامين تقريباً أعلن متحدث باسم الإدارة العامة للمرور بأن الكوبري المذكور يعاني بعض العيوب الفنية تجعل المرور عبره غير آمن . ولكن كالعادة انبرى نفر من ( أهل الحارة وأخوان البنات ) من داخل الوزارة التي يهمها الامر ونفوا أن تكون بالجسر الحصين أي عيوب خلقية . وزادوا حديثهم كيل بعير منددين وشاجبين كل المؤامرات التي تحاك ضد الوطن ومقدرات الأمة وكباريها . ولكن المنطق يقول إن النقد البناء هو الذي يأتي من ذوي الشأن والاختصاص. ولولا النقد المستمر والإحساس الدائم بقصور التجربة البشرية لما كانت صناعة الطائرات مثلاً تطورت من محاولة عباس بن فرناس الطيران بجناحين مروراً باختراع الأخوين رأيت ثم الطائرات التي تدار محركاتها بجر الحبل حتى بلغت تلك الصناعة اليوم درجة ابتداع الطائرات التي تطير من غير طيار . ما يدور من أحاديث في المدينة أن الكوبري المذكور قد تم تشطيبه ووضع لمساته الأخيرة بواسطة مهندسي وزارة الشئون الهندسية وذلك فيما يتّصل بالمداخل والمخارج والانفاق . وتلك كانت تجربة جديدة على مهندسينا مما أدى الى ما يشار اليه من عيوب ومشاكل . ويعزز ذلك الزعم أن العلة الواضحة بالكوبري والتي أشارت اليها الإدارة العامة للمرور تتمثل في أن الصعود الى الكوبري لا يتم بالشكل الانسيابي الطبيعي . فهناك اصطدام يتباين أثره حسب نوع السيارة العابرة يحدث معه ارتجاج لحظة الصعود من طريق الاسفلت الى جسم الجسر . كذلك النزول من الكوبري يشبه لحظة هبوط الطائرة واصطدام عجلاتها بالمدرج . وعمليتا الصعود والنزول تينك تؤديان الى انحراف السيارة التي تسير بسرعة كبيرة عن مسارها وبالتالي صعوبة التحكم فيها بواسطة السائق خاصة اذا ما كانت السيارة تعاني بعض الخلل أو كانت تئن من حمولة أكبر من طاقتها . فيحدث التصادم أو الانقلاب على الفور . كل يوم يتوكل العابرون للجسر على الله وهم على يقين بأنهم لا محالة منزلقون منزلقون كحال حامل لوح الزجاج في طرفة المقدمة . و يشاء الله ان يقضي البعض منهم نحبه والبعض الآخر ينتظر . ولكن تبقى تسوية الطريق مسؤولية ولاة الامر . وسيسأل الله تعالى من يهمهم الأمر بالطبع حتى إن عثرت بالطريق بغلة إن لم يقوموا بتسويته. فلذلك كل ما نرجوه أن تشكل لجنة فنية لدراسة الأمر ميدانياً . والبدء فوراً بالمعالجة اللازمة لخطورة حال الكوبري على حياة النّاس وسلامتهم . والآن لحظة كتابة هذه السطور هناك ثلاث سيارات مهشمات على قارعة الطريق عند مدخل الكوبري باتجاه الخرطوم. حافلتا ركاب وسيارة نصف نقل (دفار) . نأمل أن يبدأ التحري والعمل الميداني بهذه الحادثة أن كان لمن ننادي من حياة ولما نكتب من مجيب. مصعب الريح رشاش