نهار أمس جلسنا مع البروفيسور هاشم علي سالم الأمين العام للحوار الوطني.. بمكتبه بقاعة الصداقة.. لفت انتباهي عبارة قالها خلال اللقاء وسمعتها من قبل تتردّد كثيراً على ألسنة الحاكمين. قال البروف إنّ "الوثيقة الوطنية".. وهي خلاصة توصيات لجان الحوار الست.. ستكون أساساً ل(دستور السودان الدائم).. وحتى لا أظلم البروف؛ هذه العبارة ظلت تتردّد على ألسنة سادتنا السَّاسة منذ ما قبل الاستقلال حتى أمس الساعة الرابعة عصراً عندما سمعناها من البروف.. وبكل أسف نحنُ – شعب السُّودان المُحتار - ندفع ثمن هذه المقولة الخطأ.. لأنّ حياتنا حاضرنا ومُستقبلنا مُجمّد منذ يناير 1956 في انتظار الخل الوفي.. (دستور السُّودان الدائم).. ولا دائم إلاّ الله.. والحقيقة ليس هناك (دستور دائم) في الكرة الأرضية والمجموعة الشمسية.. صحيحٌ الدستور هو القانون الأول.. ويفترض فيه الثبات، لكن ذلك لا يعني أن كتلة صخرية صماء غير قابلة للمس.. دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية.. أُجيز في العام 1787 وقبل أن يبلغ الفطام - أي بعد عامين فقط - تعرّض لأوّل تعديل.. وهو أشهر التعديلات الدستورية في الأرض.. الذي بمُوجبه أضيفت وثيقة الحُقُوق.. وخلال أكثر من قرنين حتى الآن تعرّض إلى (27) تعديلاً.. تمثل تطور المُجتمع والدولة الأمريكية.. ولو كُنّا دولة راشدة.. تأسّست على أيد آباء مُؤسسين يدركون طبيعة الدور الذي يجب أن يلعبه الآباء المُؤسِّسون لما كُنّا في حاجة للبحث لأكثر من (60) عاماً عن (دستور دائم).. كان الأولى تطوير أول دستور ثُمّ الاستمرار في التطور حسب مراحل نمو الدولة السُّودانية.. ولكن – ووا أسفاه على لواكن البلد الملكون دائماً - كل عهد سياسي يأتي بدستوره.. وما أن يَرحل فترحل معه تجربته الدستورية.. إلى أن وصلنا الآن العام 2016.. ولا يزال الحوار الوطني يبحث عن (الدستور الدائم)..!! دَستور السودان للعام 2005 الذي يَحكمنا الآن فيه وثيقة حُقوق ولا أروع.. وكثير من مطلوبات الدولة العصرية.. لا حاجة للحديث عن (دستور جديد).. الأجدر استحداث التعديلات الدستورية حسب الحاجة وتطور الدولة والمُجتمع.. كلّما دَعَت الضرورة.. و"الوثيقة الوطنية" التي أنجبها الحوار غالبها الأعظم مُتوفر في الدستور الحالي.. والأجدر أن لا تنشغل الدولة بحكاية دستور جديد.. فالأولويات الوطنية الحتمية ملحاحة والأفضل التركيز على ما يفرض الالتزام بالدستور والقانون.. بدلاً عَن مَزيدٍ من القوانين والمواد التي لا تلتزم بها الحكومة.. لا حاجة لدستورٍ جديدٍ.. نحنُ بحاجةٍ لمنهج تفكير جَديد..!! التيار