استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا قد دنا رضاءها..!!
نشر في الراكوبة يوم 23 - 01 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
امريكا كدولة تحتل مقعد القيادة العالمية راهنا، قطعا هي عرضة لنوازع امبراطورية، تحكم ردة فعلها تجاه الاحداث العالمية، وهذا في حال لم تبادر بصناعتها! وهي مدفوعة في ذلك، بإرادة المحافظة علي النفوذ والسيطرة كحالة ابدية. وبما هي وضعية امبراطورية، ليس مصادفة ان تضع القوانين والقيم والمعايير، او تعيد تفسير ما هو موجود منها بحيث يخدم مصالحها! وما يستتبع ذلك من تجاوز للشرعية وإلتفاف علي القوانين والاعراف الدولية. هل نحتاج لادلة علي ذلك؟ لا اعتقد! فراعي البقر الامريكي تحدثنا سيرته في تاريخه البعيد نسبيا او القريب، علي التواطؤ المفتوح مع التعديات الاسرائيلية، واخذ القانون بيده في اكثر من قضية، وهذا غير تنكره للقيم والمبادئ الديمقراطية، كلما نادي مناديها ان هيا الي الدعم والمناصرة؟! وبالطبع امربكا المقصودة هنا، هي مركب النخب المالية السياسية التي تحكم قبضتها علي الدولة، وليس سائر قطاعات الشعب الامريكي، التي لا يفرقها عن الشعوب الأخري شيئا، سوي شغلها بحياة الترف وهواجس الشهرة وهوس النجومية، اي بوصفها مجرد ارقام او تروس صغيرة في ماكينة الدولة، التي تتحكم فيها القيادة الامريكية، الراغبة في الهيمنة علي الكرة الارضية. وما ساعد امريكا علي ارتداء ثوب القيادة العالمي بشكل حصري او احتكاري، وتاليا مجافٍ للحكمة والمعقولية والعدالة، ليس قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية فحسب، ولكن قبل ذلك عدم وجود كوابح دولية، وتاليا اصبحت وكأنها تعمل في الفراغ؟ وذلك بعد ان ارتضت كثير من الدول (بصورة منفردة او مجتمعة) القادرة علي المنافسة او اتخاذ موقع الندية في التعامل مع بلاد العم سام، التراجع وافساح المجال! اي كحلول سهلة، تعفيها من تطوير قدراتها وتحمل تبعات المواجهة. وترتب علي ذلك، ان لبست هي ثوب الاستكانة واستمرأت دور التابع الذليل، قليل الحيلة والمسؤوليات والالتزامات. وللمداورة علي هذه الوضعية التسلطية من ناحية والاستتباعية من اخري، تم اختراع او النفخ في بعبع الاتحاد السوفيتي كخطر وجودي يستهدف منظومتها الحياتية! وما زاد الطين بلة، رحيل قادة كبار من طينة الجنرال ديجول، يتمتعون بدرجة عالية من الاستقلالية والحس الوطني، ليخلفهم خلف امتهن الانحاء امام جبروت الكاوبوي الامريكي. بمعني آخر، امريكا من اجل السيطرة علي العالم، خلقت الظروف التي تمكنها من تلك السيطرة، وتاليا برعت في استحداث وتوظيف اذرع ذات طابع دول، تضفي علي سيطرتها نوع من التوجه الدولي العام، أي مصالح امريكا هي مصالح العالم وقيم وثقافة امريكا هي قيم وثقافة العالم، وكفي العالم شر الاضافة او مجرد المحاولة والتجريب. وبكلمة مختصرة امريكا هي بطريركية مستحدثة علي احسن الفروض.
المهم، التاريخ يحدثنا بلسان احداثه المبيِّنة، عن ميل الامبراطوريات للاحتواء والسيطرة والسيادة والسعي لإستدامة التفوق، أي سيادة منطق القوة علي اهتمامها بنشر القيم او رعاية المصالح العامة، وهذا في حال لم يتم التلاعب بالاخيرة، وبما يخدم سطوة القوة! وهذا ما نجده بوضوح في الصرف الخرافي علي التسلح والاستعداد لصراع (إما غير موجود او يتم استدعاءه عاجلا لتبرير تسلط السلطة!). ولكن الاهم ان نفس التاريخ بل وبنفس اللسان يحدثنا عن افول كل الامبراطوريات، مهما كان حجم منعتها! وذلك سواء بتناقض مصالح المكونات الداخلية (الطبقية والعرقية والدينية..الخ) لدرجة يصعب تجسيِّرها، او لتباين سلم الاولويات والاختلاف عليها بين النخب والعامة، او للتناحر علي السلطة وعدم الاستنكاف عن الاستعانة بالاعداء. وهنا تظهر اهمية المؤسسات الديمقراطية او سبب بروزها الي حيز الصراعات الاجتماعية، اي في كونها تلطف حدة الصراع او تنظم مسألة السلطة، ولكن عندما يتم الالتفاف علي وظيفتها، او توظف لإضفاء شرعية زائفة علي روح الهيمنة والتسلط، فعندها حتما لن توقف مصير الانهيار! أي عندما تستنفد هذه الديمقراطية اغراضها، لجهة عدم تجديدها وتطويرها، ليس بما يقي مصير الانهيار، ولكن الاهم للتخلص من ثقافة الهيمنة وعبء الامبراطورية، الذي تشرف عليه اوليغارشية سياسومالية! وتاليا الانفتاح بها علي هموم جماعات ومجتمعات مدنية واهتمامات بيئية ومشاريع إلتقاء (ثقافية انساية حضارية) عالمية، تقطع نهائيا مع الثقافة العسكرية والهيمنة/الهمبتة الامبراطورية! وعندها فقط يمكن ان يكتب تاريخ حديث للبشرية، تبدأ به التخلص من عاهاتها الحضارية وممارساتها البدائية الهمجية! فهل يعقل ونحن علي مدخل القرن الحادي والعشرين منذ بدء حساب السنين، ان يقتل الاخ اخاه لاي سبب كان، ويعتبر هذا فعل شرعي؟ والحال كذلك، ماذا استفادت البشرية من تاريخها وتجاربها المريرة؟ والمؤلم أكثر ما هو الخبر السعيد الذي ندخره للاجيال القادمة؟ وإلا من باب اولي ان نتركها في رحم الغيب، علي نهج المعري إذا صدق ما نسب له؟!
هذه الخلفية الجدلية القصد منها، ان ما يحرك امريكا والاصح النخبة الحاكمة، ليس المصالح فقط كما هو شائع، ولكن للأسف هو منطق القوة والغلبة وإرادة الهيمنة والوصول للاهداف بكل الوسائل! اي الاستبداد (الدكتاتورية الفرعنة الثقافة القبلية العصبية العرقية وغيرها) الذي تفرون منه، انه ملاقيكم في ظل زعامة الامبراطور الامريكي. وفي سياق متصل إذا ما حضرني مفهوم مشابه للحاج صالح، هي تحب اللعب مع الكبار او اشباهها من المستبدين الصغار، الذين يفهمون جيدا لغة الجزرة والعصا! والحال هكذا، التيارات الديمقراطية والمدافعون عن حقوق الانسان، يراهنون علي أحلام الصحيان، عندما يتوقعون الدعم المجاني من حارسة الديمقراطية وحامِ العالم الحر العم امريكا؟ علي الاقل، الاخيرون يصعب اغراءهم بالجزرة او تخويفهم بالعصا، لأنهم في الاصل غير معنيين بلعبة المصالح السلطوية، بقدر اعتناءهم بالمصالح العامة للشعوب، وإلا كانوا غير صادقين في شعاراتهم ودعاويهم المعلنة. هل نحتاج مرة اخري لادلة خذلت فيها الادارات الامريكية المتعاقبة، مبادرات ديمقراطية وحقوقية في شتي انحاء العالم، في الوقت الذي قدمت فيه دعم ظاهر واكثره خفٍ لانظمة قاتمة في استبدادها ومجموعات إيديولوجية غارقة في ظلامها؟ مرة اخري لا اعتقد! ولكن راهنا، نموذج بشار الاسد وما حدث للثورة السورية، وكذلك علاقات الغزل مع الاخوان المسلمين، تغني عن كل دليل؟!
اما ما يعنينا تحديدا في هذه البرهة من الزمان، هي الاجواء المشحونة بقرارات الادارة الامريكية المنتهية ولايتها، برفع الحظر الاقتصادي وشقه التجاري والمالي آنيا، عن حكومة الخرطوم الانقلابية! ولكن قبل الدخول كالآخرين في هذه المعمعة، نُسجل ان التبرير الانساني كحجة لرفع العقوبات، مردود علي الادارة الامريكية، لأنه لو صح ذلك وهو غير صحيح، ما هو الثمن الذي يعوض فترة الحظر علي الضحيا؟ ولماذا لم تتأثر هذه الروح الانسانية النبيلة طوال فترة الحظر؟ وهل إنسانية تستيقظ فجاة او تتعلل بالضغوطات والظروف، هي إنسانية حقا؟! اللهم، إلا إذا كانت إنسانية بنكهة الكاوبويات، كدلالة علي انحطاط القيم والمعايير؟! أما الذين يؤيدون القرار في الداخل، بمظنة حدوث انفراج فوري لأزمات طابعها التعقيد والتداخل، وتاليا ينعكس خيرها علي ذات المواطنين الابرياء! فهذا بدوره يحاكي حسن الظن بالسراب، قبل ان يتنافي مع ما ذكر اعلاه وما سيرد ادناه؟!
الملاحظ ان ما يسم هذه القرارات، هو وجود تقاطعات بين مصالح الادارة الامريكية ومصالح النظام الاجرامي في الخرطوم، ليس اكثر ولا اقل؟ ولذا اجدني ليس في وارد الاتفاق مع بعض القراءات، سواء في جانب النظام المفلس او في الجانب الآخر. فالحكومة كما هو معلن، ردتها لمساعٍ دبلوماسية انقاذية، والسبب انه ليس هنالك دبلوماسية انقاذية اصلا، ولكنها خليط من الهوس الاسلامي والهاجس الامني، بالتوازي مع ترضيات سياسية وخدمة مصالح خاصة! بل دبلوماسية الانقاذ لم تفعل غير الاضرار بالتقاليد الدبلوماسية الراسخة، بعد ان حولتها الي علاقات اسرية وتنظيمية وصفقات تجارية وتبريرات فجة لممارسات إجرامية. فهل يعقل ان تترك دفة الامور الدبلوماسية لشخصيات من نماذج علي كرتي ومصطفي عثمان اسماعيل ومحمد عطا؟ وممارسات دبلوماسية من شاكلة المغازلة والمفاخذة والزواج مثني وثلاث؟! والحال من هذا، فهذه ليست دبلوماسية، ولكنها في افضل الحالات جنسانية او موطن لاختبار الفحولة! وعليه، المؤهلات المطلوبة في الدبلوماسي ليس الموهبة والكفاءة والرقي، ولكنها (اشياء تانية عقدت لسان او قلم ود البوني كثيرا او نمسك عنها استجابة لنداء الحرص علي الذوق العام!)
ولا كذلك، رد الامر لدول كالسعودية والامارات، والسبب ايضا ان هذه الدول نفسها تحتاج لمن يعينها للتقرب من عقل وادوات الادارة الامريكية النافذة، بغرض التأثير في قراراتها، لكبح جماح جمهورية الملالي الايرانية، المتمددة في بلاد الشام والرافدين وبعض جيوب دول الخليج، وأخيرا اصبحت تناوش الخاصرة الجنوبية للمملكة عبر اليمن! أي حالها من حال المثل الشائع (جيتك يا عبدالمعين تعين لقيتك داير الاعانة!).
أما دليلنا علي ان الموضوع لا يعدو كونه مجموعة تقاطعات في المصالح، والاصح مطلوبات امريكية واجبة النفاذ! فهو يتجسد في مصفوفة التعهدات الحكومية للجانب الامريكي وعلي رأسها،
اولا، المساعدة علي مكافحة الارهاب؟ ومعلوم ان الارهاب واحد من وسائل الادارة الامريكية في هندسة وضبط العالم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وبما في ذلك البيئة الداخلية الامريكية، وذلك بغض النظر عن حقيقة الارهاب، سواء كان اعمال مستقلة بذاتها لجماعات ناقمة علي الغرب بصفة خاصة والحياة بصورة عامة، او تم صنعه مخابراتيا او اقلاه من خلال تقديم تسهيلات لوجستية، بوعي ومعرفة الجماعات الارهابية او دونه! الشئ الذي منحه كل هذا الزخم والدعاية بل والرعاية من الادارات الامريكية، طالما يوفر لها كل هذه المنافع! مما يدرج داعش واخوتها في خانة المغفل النافع؟! أما جانب الحكومة، فالارهاب هو اداءة سيطرتها علي الفضاء العام في الداخل، ووسيلة زعزعتها وابتزازها لدول الجوار الاقليمي! والحال كذلك، الادارة الامريكية تنظر لحكومة الخرطوم الارهابية من منظور (من يحضر السحر هو افضل من يصرفه!) اي من يرعي الارهاب هو الاقدر علي محاربته، ولكن بالطبع ذلك علي مستوي الفضاء الخارجي فقط، اما داخليا فيستحيل التخلي عن الارهاب، وإلا تخلت الدولة عن الانقاذ! اي الحكومة والارهاب وجهان لعملة واحدة اسمها الانقاذ، اي يصعب فصلهما إلا وفقا للمثل الشعبي (فولة وقسمت نصفين!). وعموما كما سلف، تفضل الادارة الامريكية هكذا نموذج للتعامل معه! وذلك نتيجة لسهولة الضغط عليه بسبب سجله الاجرامي من جهة، ولقابليته لتمرير كل المطالب ما دون التخلي عن الكرسي؟ حتي وان كان الكرسي من خشب يستوطنه السوس، وينغرز في مستنقع من الفساد النتن، قبل ان يتحول صاحبه الي العوبة توظفها الدول ذات القدرة علي الحاق الاذي به! وعليه، ما مصلحة امريكا في الكرسي اصلا، إذا كان من يعتليه يحقق المراد بمجرد اشارة او تلويحة من البنتاجون.
ثانيا، ايصال المساعدات الانسانية؟ وهذه المساعدات غير الجانب الانساني غير المنكور، إلا انها بدورها تحمل فوائد لا حصر لها، سواء للولايات المتحدة الامريكية، الداعم الاكبر او للانقاذ! فالبنسبة للإدارة الامريكية، غير اشرافها علي هذه المساعدات بطريقة مباشرة او غيرها، وتاليا توفيرها فرص عمل ومصالح لشبكات متعددة، تدين غالبيتها بالطاعة والولاء للإدارة الامريكية، أي كوصي او كفيل لمعظم هذه المنظمات! بمعني، من يملك الاموال وتاليا التمويل وكافة التسهيلات، يملك القرار او القدرة علي التحكم في العملية برمتها، وبما فيها من تصلهم المساعدات وكيفية توزيعها او حجبها او تحديد حجم الفائدة المتحصلة او عدمها! وبكلمة واضحة، الاعمال الانسانية وان كانت سلوك نبيل والمنظمات الطوعية وان كانت جهد راقٍ، إلا انها يمكن ان توظف كوسيلة ناعمة للسيطرة الامريكية يستحيل رفضها او مقاومة اغراءات شعاراتها واموالها! أما حكومة الانقاذ، فهكذا مساعدات في حال لم يتم نهبها، او استغلالها في تشغيل وسائل نقل وشركات بترول وغيرها من الأجسام التجارية التابعة لراسمالية الانقاذ، فهي تحمل عنها العبء او تنوب عنها في صميم واجباتها! ولكن السؤال الاهم الذي يفرض نفسه في هكذا سياق مفارق، هل الأهم تقديم المساعدات ام التخلص من اسباب النزاعات؟ أي كحل وقائي يحفظ الارواح والموارد وكرامة الانسان. وفي ذات الاتجاه، هل الواجب محاسبة الجناة ومنع الافلات من العقاب (لضمان عدم تكرار الجرائم) ام الدخول معهم في مساومات تفضي لحملة علاقات عامة تعيد تأهيلهم دوليا! وتاليا اعطاءهم الفرصة والزمن الكافي لارتكاب فظائع اشد هولا، ومن ثم البكاء علي اللبن المسكوب ولطم الخدود، وتوسل ايصال المساعدات! اي حتي يكتمل سيناريو التوحش الذي يُلصق بكل مجتمع يُراد استغلال موارده؟!
ثالثا، المحافظة علي الاستقرار في دولة جنوب السودان؟ وهنا نصل للمفارقة الاكبر في قرارات الادارات الامريكية! أي بوصفها ذات الادارات التي هيأت الظروف لانفصال الجنوب، بمساعدة حكومة الانقاذ السنية العنصرية كشريك اصيل! والمؤسف انهما يعلمان مسبقا بل ويقينا ان دولة الجنوب خالية من المؤسسات وتقاليد ادارة الدولة، مع توافر كل مسببات الصراع الدموي! ولا يبرئ ذلك ساحة القادة الجنوبيين، خصوصا سلفاكير ومشار، وهما يقدمان المصالح الشخصية علي المصلحة العامة، او همّ السيطرة علي السلطة، علي همّ بناء الدولة الحديثة (كأن السلطة لعنة اغريقية، تسلطت علي الدول والمجتمعات وعلي راسها النخب في هذه البقعة التعيسة من العالم، اي من خلال تحول السلطة الي حجر عثرة امام تطورها وسوط عذاب يلهب حياتها وبرامج نهب وعقم تشقيها بالفقر والعناء وصولا للقتل والفناء علي مذبحها، بدلا من ان تكون مدخل للتنظيم وحفظ الحقوق وتوفير الامن والعيش والنهوض بالدولة والحياة العامة؟!). المهم، والحال من هذا، يبرز عامل آخر ولكنه حاسم، وهو شركات الاسلحة وتجار الحروب، سواء من الجانب الامريكي (الدولي) او الجانب الانقاذي او دولة الجنوب ذاتها؟ فهؤلاء جميعا لهم مصالح و(بزنس) في خلق الحروب وتسعيرها ومفاقمة الازمات والنفخ في وقودها، لتصريف مخزونات اسلحتهم وملء حسابتهم البنكية؟! اما مطلب الاستقرار، فمن ناحية، الظروف قد تجعله اقل كلفة او اكثر فائدة للطرفين! ومن ناحية مقابلة، يشكل انجاز الاستقرار مدخل للتكسب الدبلوماسي والحزبي والشخصي وربما الانتخابي او السلطوي لاحقا، وبما يجُبْ كثير من الاخطاء والخطايا ويساعد علي غفران التجاوزات والمظالم! اي الكاوبوي الامريكي والدباب الانقاذي تستهويهم لعبة (افلق في الخفاء وداوي في العلن!). ويحضرني في هذا المقام الدعوات النشاز التي رشحت مجرم سياسي ووطني كعلي عثمان لجائزة نوبل للسلام بعد الانتهاء من عملية السلام الشامل! فتأمل ثمن الاستقرار الذي يأتي علي حوامل المجرمين وقابلة المساهمات الدولية المشبوهة، قبل ان ينفجر من الداخل، وقبل ان يجف الحبر الذي كتب به. وكذلك وقف العدائيات يأتي في نفس السياق، ولكن اكثر من ذلك انه يوفر الصرف علي الحكومة المنهكة اقتصاديا.
ما يهمنا اعلاه، ان المطلوبات لصيقة الصلة بالجوانب الامنية، مما يؤكد فرضية القوة السالفة الذكر، كمحرك لفرض المصالح الامريكية، مما يشي بان للقوة منطقها الخاص الذي يعلو علي كل منطق وشرعية وقيم، ويؤكد بدوره مرة اخري، ان الحد من امتلاك القدرة العسكرية، هو البداية الفعلية للتحرر من منطق القوة وثقافة الهيمنة وطموح الامبراطورية، المودي بكل ترقٍ انساني، قبل ان يكون سبب في فتن عنصرية وابادات جماعية ومظالم اقتصادية، وبصفة عامة انتهاكات لحقوق الانسان لا حد لها.
اما الجانب الآخر من القرارات او المتعلق منها بالنواحي ذات الصبغة الاقتصادية، وكما لمح البعض فيبدو انها ذات صلة بالشره (او سمه السفه) الاقتصادي الصيني، الذي تحوَّل من دائن مرابي الي محتل استيطاني، بعد ان سمحت حكومة الانقاذ والاصح (حكومة المواسير تأسيا بسوق المواسير او الاحتيال الشهير!) بتعويض ديونها التي استلفتها بنية عدم السداد، باراضي الدولة السودانية (ولا عزاء للاجيال القادمة الموعودة بمصير الفلسطينيين!). فالتنين الصيني يبدو ان ليس لديه (قشة مُرة!) فيما يخص موضوع الاستثمار، اي يستثمر في كل شئ وكل اتجاه ومع كل كائن، ويا حبذا لو كان مجرما محترفا كالانقاذ، الذي يوفر عليه كثير من الالتزامات! والخلاصة، ان الصين بشهيتها الاقتصادية المفتوحة علي النهم، تثير حساسية او عقيدة الراسمالية الامريكية وتخدش قدسية الربحية لديها، وذلك بالطبع عندما لا يشتركان في ذات المصلحة؟! ويا له من مصير قاتم عندما تلعب بغاث الانقاذ مع الكواسر الجارحة، وعندها قل علي الوطن السلام.
وعلي العموم، وكما ذكرت في مواد سابقة تتعلق بخطاب الانقاذ، عبرت عن انقسامه الي خطابين! خطاب تعبوي عاطفي لاستمالة المواطنين البسطاء والمغيبين في الداخل، وخطاب حقيقي (انبطاحي)، بقدر ما هو مغيب عن الجمهور، إلا أنه يحكم علاقة الانقاذ بالخارج؟ والحال كذلك، امريكا كانت دائما محتوية نظام الانقاذ، وجماعة الاخوان المسلمين بصفة خاصة! وبالطبع، إلا من بعض شطحات انقاذية بنسخة الترابي، جمع فيها متطرفي العالم من كل حدب وصوب، وانحرافات انقاذية بطبعة البشير، تجاوز فيها حد الابادات الجماعية واستخدام الاسلحة المحظورة؟ أما غير ذلك، فلا نعتقد ان العمة امريكا كانت معنية ذات لحظة، بازاحة كابوس الانقاذ الجاثم علي صدر الوطن وكاتم حيوات المواطنين، او كانت جادة يوما في مسألة دعم الديمقراطية او كفالة حقوق الانسان، إلا من بعض المساعدات (الهايفة!) واعلانات الدعم اللفظية، التي لا تتعدي مجاملات العلاقات العامة، وحفظ ماء الوجه امام مبادئ امريكا المعلنة في الهواء الطلق؟!
وفي جانب آخر، ردة الفعل الهستيرية من جانب النظام تجاه القرارات الامريكية، يذكر بالوعي الاسطوري الذي يحكم بنية هذا الوعي الانقاذي المفوت، الشئ الذي لا ينعكس علي الانفعالات الطفولية التي لا تستقيم، لا مع النضج السياسي او الاقتصادي او الدولتي او المسؤولية الوطنية بصفة عامة، فقط! ولكنه يرد كل الأخطاء او حتي النجاحات رغم ندرتها او غيرها من التصرفات، لعامل واحد فقط، وهذا في حال لم تدخل الاقدار كرافعة لإخفاء القصور والمثالب. أي مشكلة الانقاذ الاصل، في الماعون او التصميم الذي يحكم اقوالها وافعالها وطموحاتها (الشاطحة!). بمعني، القالب الشمولي ذو البعد الواحد، له القابلية علي قولبة كل الوقائع بل وقسر الواقع، الي رغبات خاصة او تبريرات فطيرة، بحيث تقارب المثال المتخيل، مهما كانت غرائبية ولا واقعية ذاك المثال، وهو عموما كذلك بما هو خيال! وعليه، هكذا عقلية او نمط تفكير او نهج ممارسة ليس في مقدوره الانعتاق من اساره او دائرته المغلقة، إلا عبر صدمة قوية تهوي به علي الارض! اي ليس هنالك فرصة لتصحيح اخطاءه وعيوبه ذاتيا، وتاليا ليس هنالك طريق للانفكاك من رهنه، سوي الاطاحة به عبر قوي خارجية (اي خارج منظومته وادواته وسياقه) وعندها يعلم الواهمون اي منقلب ينقلبون. والحال كذلك، تم تصوير رفع العقوبات المشروط، كعصا موسي القادرة علي حل كل المشاكل بين رمشة عين وانتباهتها. وعليه، ادلي كل وزير بدلوه وانصرف كل مدير عن اشغاله ورفعها كل متنفذ في وجه منتقديه! وهموُّا جميعا بانتظار السماء الواشنطونية، لتهطل عليهم وديانا من الدولارات، عوضا عن مواجهة مشاكلهم والسعي في حلها كما تتطلب مناصبهم وكصفات ملازمة لرجال الدولة.
وفي ذات السياق يلاحظ، ان حمي الدولار اصبحت كحمي جنون البقر الجميع يهذي بها، ويعلق عليها سبب ارتفاع الدولا او انخفاض قيمة العملة المحلية، وصولا لربطها بوضع الخلاص الفردي والتعافي للاقتصاد الوطني العام، وهذا غير تبرير التجار لجشعهم والمسؤولين لفشلهم والفاسدين لانحرافهم؟! وبالطبع، هذا الوضع البائس انعكاس لحالة الفراغ والعجز من جهة، ومن جهة لعملية طويلة وممنهجة من التبسيط المخل للقضايا والتزييف للوقائع، كوسيلة هروب الي الامام، من مواجهة الازمات التي ادمنها النظام واجبر الجميع علي تحمل تبعاتها، مما يمكن اجماله في سيادة الوعي المأزوم او ازمة امتهان الوعي. وعموما ندرة الدولار او تحوله لتجارة رائجة ومضمونة، تزيح المخاطرة عن امتلاك العملة المحلية، المحكومة بالتدهور بمتوالية هندسية! يرجع وكما اشار الجميع وان بصور مختلفة، لغياب ثقافة الانتاج بالتوازي مع جموح ثقافة الاستهلاك! ولكن قبل ذلك، كرد علي شيوع ثقافة السمسرة والمضاربة والانشطة الاقتصادية الطفيلية، اي استجابة لمدرسة فهلوة اقتصادية اسست لها الراسمالوية الاسلاموية! وهذا غير رهن موارد البلاد للوظائف الدستورية الفارغة والانشطة العسكرية التالفة، والفساد القانوني عبر آليات التجنيب والتحلل والاعفاءات الضريبية والجمركية! وبكلمة مختصرة، حماية السلطة عوضا عن رعاية المجتمع.
اما الامر الآخر الذي لا يقل اهمية، فهو عدم تبرير هذه الانعطافة الحادة نحو الموقف الامريكي او (الشيطان الاكبر سابقا) الذي تحول بقدرة قادر الي الملاك الانبل والواهب الاعظم! او اقلاه علي مستوي الخطاب الجماهيري. فهو تبرير ان كانت المعارضة لا تحتاجه لأنها ادري بالنظام وانبطاحه وامريكا وغدرها، ولكن لاحترام دماء (الشهداء!) الاسلامويين، والوفاء لذاكرة الساحات والاذاعات الهادرة بالتهديد والوعيد، وقبل ذلك لهيبة الاسد النتر، وتديُّن السلفيين المستعصمين بعقيدة الولاء والبراء؟! واخوف ما اخاف، ان تكون هذه الانعطافة المعلنة بالطبول ومزينة بالاهازيج، مستفزة لمشاعر الدواعش في كل مكان! وتاليا تفتح علي السودان فصلا جديدا من عملياتها الجهادية/الارهابية، التي خبرناها في العراق ومصر وبقية دول العالم. ولا حول ولا قوة الا بالله.
آخر الكلام
عاجل الشفاء للدكتور امين مكي مدني، الذي آلمنا ما تعرض له من ظلم يستهدف حياته، وهو القانوني الضليع المدافع عن حقوق الانسان، وقبلها كواجهة مُشرقة للوطن ومُشرِّفة للقيم الأصيلة والحضور النبيل. فامثال دكتور امين مكي هم الذين نتعزي بهم امام طوفان السقوط والفجور الاسلاموي، ونستظل بآراءهم وجليل اعمالهم عندما تدلهم الخطوب، وما اكثرها في بلاد يحكمها الخارجون علي القانون!
دكتور امين، دمت لنا ودامت نضارة بسمتك وثبات خطاك تجاه دولة القانون والمواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان، القادمة قريبا باذن الله. ودمتم في رعايته.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.