اول اعتقال كان في العام 1996 وذلك بعد فشل عشرات المحاولات منذ العام 1989 منذ ان كنت طالبا فقد تمت مداهمة غرفتي في اغسطس 1989 بداخلية هباني بالمقرن ولم اكن موجوداً واعتقل منها الرفيق ضياءالدين والرفيق ابوزيد صدفة ومكثا سنة في بيوت الاشباح وكوبر ثم تم احتلال مكتبي في العام 1992 لمدة اربعة اشهر ثم داهموا منزلي في امتداد ناصر واعتقلوا اخي من المتوسطة وشقيقي بالفرع والرفاق احمد كوكو ومعتصم صغيرون وحاتم بابكر و الطاهر الصديق لاكثر من اربعين يوما ببيوت الاشباح وكان ذلك في العام 1995.. وقي العام 1996 تمت مهاجمة المنزل في الليل وتم اعتقال اشقائي البعثين الثلاثة عماد الفرع والفانح الاهلية وخالد الثانوي واعتقل ايضا الرفاق حيدر ابن عمتي والصديق نادر السر من مدني جاء في زيارة و في كل مرة كنت افلت بخروجي من موقع الاعتقال لاداء مهام .. وفي صباح اليوك التالي وبعد علمي بالاعتقال ذهب لتامين الرفيق محمد الامين يوسف في برج البركة بتنبيهه بعد اعتقال شقيقه حيدر الذي يعمل بالبرج وهنالك تم اعتقالي في الحادية عشر صباحا في كمين محكم ووسط الناس وتم ضربي ومنعي من الاكل والنوم لعشرة ايام وفكرت جادا في القفز عبر شباك الحمام من الطابق الرابع في غمارة موقف شندي ببحري نسبة لما عانيته هناك . دخلت كافتريا ابن عمتي لانبه شقيقه محمدالامين الذي كان مسؤول مركزية ج ك ط بالسودان ونجحت في ذلك بتغطية جيدة لاني كنت اعتقد وجود كمين ولكن ظهرت بنت وسألت عن محمد الامين بصوت عالي فشعرت بحركة أحدهم في شباك الكافتريا فخرجت مودعاً ولكنه فاجأني في الخارج: لو سمحت أقيف معاك جهاز الأمن العام :- نعم ؟ وداير شنو مني , .. مفلتاً يدي عنه محاولاً الهرب , بعد أن وجهت كل ما فيني من قوة .. , نحو بطنه المنتفخ , .. إرتدت يدي تشكو الألم , وصرخة منه كانت كافية لجر المزيد لدائرة المواجهة ....... :- ياااااصلااااااح , .. قالها .. مع صرخته المدوية , وكان صلاح مدرباً لمثل هذه المواقف , فقد مد رجله نحوي .... , كوم الحصي الذي جاد به (قلاب ) في الصباح الباكر كان موضعا مناسباً لدفن رأسي وحائطاً جيداً لأسري ..., والفضول الذي يميز أهل السوق العربي كان خير قيد لإحكام الحصار عليَ .... رأيت عشرات الأقدام تلتف حولي ... , إخترت الحلقة الأضعف في الدائرة المنتصبة وعاودت الهرب ...... (الدهنون) كان عملاقا بما يكفي أن يقبض علي عنقي ويلفني حول إبطه المشبع بكل ألوان الرعونة ........ أسناني كانت السند الوحيد لي .. , كي أجد متنفساً , والطريق الأوحد لرفد رئتي بالأكسجين .. صرخة أخرى أكثر قوة من الأولى , خرجت عنه , .. بعض الدماء لونت قميصه الأبيض في الجزء الذي يعلو كليته اليمنى .. كانت المرة الأولي التي أستخدم فيها أسناني دفاعاً ... , كانت المرة الأولي لجهاز أمنهم في إشهار مسدس أعد بجدارة اللحظة للإنتقام من هول الأسنان المغروسة .. من قال أن كل أفراد جهاز الأمن بلا عقل فقد كذب , فصلاح ورفاقه الثلاثة باتوا يصارعون (الدهنون) منعاً من إطلاق رصاصته الغاضبة على رأسي ........... دائرة القيد الفضولي إتسعت قليلاً .. , لكنها ظلت محكمة الإغلاق ... نعم لا منفذ .. , رفعت يدي مستسلماً , في نفس اللحظة التي تمكن صلاح ورفاقه من كبح جماح الدهنون الهائج وأمسكوا بالمسدس ... .. عربة نصف نقل , بكابينة واحدة موديل نفس العام ... كانت وسيلتي لمسكني الجديد .. سألني الدهنون : إنت منو يا زول ؟ وهو ممسك بجانبه الأيمن حيث بقعة الدم .. قلت : إنت قابضني وما عارف اسمي ؟ الدهنون : أنا سمعت البت بتسأل فيك عن (محمد الامين.) وانت همست ليها بشئ .. أنكرت ذلك فضربني بكوعه الممتلئ علي صدري , وبات يضربني كلما اضطر الي تغيير سرعة العربة ....فقد كان سائقاً ماهراً يعرف كيف يبدل سرعات (الترس) كل عشرين ثانية , وكان الطريق طويلاً ....... في أعلي (كوبري كوبر) قلت أنا (قيسان..) وكان ذلك أعلانا لنوع جديد من المعاملة .. تغيرت أصواتهم وعلت وجوههم ابتسامات فرح غامر .... ...... صاح صلاح وهو يزيل بيده (صايد كاب ) عن رأسه : شايف الصلعة دي نمرة ستاشر بسببك يا ود الموية انت بتزوغ كيف خمسة سنة يا مفتري ؟؟ الدهنون : ههههههههههه الليلة ما وقع راجل ,, الليلة الحش ... وقال العديد من الالفاظ النابية من الصندوق الخلفي مد أحد رفاقهم ذلك الذي احتفظ بمسدس الدهنون عنده قائلا : -(.....) عليك الله امس زغت كيف من البيت , أنا لحدي عشرة ليل كنت متاكد أنك جوة ؟ لزمت الصمت ... الطريق إلي (عمارة موقف شندي) لم يكن ذات الطريق الذي يعرفه الكل .. , فقد كان يمر عبر حي الواحة الراقي وشوارعه المرصوفة لينعرج علي غشلاق كوبر العتيق بشوارعه الغير ممهدة و بدت وكأنها رسالة , تغاضيت عن ذلك - لنرجع مرة أخري وسط تهريج شديد لنشق غبار المنطقة الصناعية بحري وندور في مربعات المصانع والورش في حركات تمويه إرهابية معها صيحات التهديد والإنتصار , لنصل أخيرا لبوابة العمارة ... .. الحق يقال .. , فقد كان حفل الاستقبال رائعا شاركت في كل رتب العمارة وتم إستدعاء بعض خبراء هذه الاحتفاليات .. فقد أثلج صدري و (خدر جسدي ) تماما .. بعد الإستجواب التقليدي , تفتقت عقلية المقدم المسؤول عن حالتي بان يتم عقابي كل فترة الاعتقال بالوقوف ووجهي علي الحائط ... علي الزاوية الشمالية الشرقية للصالة في الطابق الرابع وبين بابين لمكتبين متقابلين في زاوية الراس ومساحة (كتفة باب) لا تزيد عن الخمسين سنتيمترا كانت زنزانتي الرأسية حيث لا تمدد ... وليت وجهي صوب الركن الاصم ذو اللون الأصفر الباهت , وأسندت صدغي ملتقى الجدارين وتمكن أنفي من رسم تجويف له بين الفراغين وأستسلمت .. عشرة أيام مضت وانا اواصل الليل بالنهار وقوفا سعيدا لا تقلقني إلا تلك الصفعات علي مؤخرة رأسي لكل من دخل المكتب فهي تجعل جبهتي ترتد بشدة علي الجدارين المتقابلين فتصيب الصدغين بكدمة مما يجعلني اصحو من نومي مذعورا .... عرفت حينها و أعجبني جدا أنني .. , كنت : أول طالب يتم إدراج إسمه للإعتقال أول معتقل نهاري .. اول معتقل من وسط السوق دون وجود تظاهر ات .. أول معتقل يقاوم الإعتقال ويوجه علي رأسه مسدس .. أفرحني ذلك خاصة وأنه أغضبهم جدا .............. ... وهكذا مكثت ايامي العشرة الأولي واقفا , تعلمت فيها كيف يكون النوم وقوفا ... اليوم العاشر وانا امارس قيلولتي توقف خلفي المقدم يستفسر عن شئ ولم أرد له وسمع شخيري .... ضحك كثيرا وتفتقت عقليته الشيطانية بأن أقف بعيدا عن الجدار وعين لي حارساً قبالتي يتغير كل ساعتين . بعد هذا الاعتقال كان هنالك طابور حضور يومي للتمام استمر لخمسة عشر يوما من 8 ص الى ال4 عصرا كان لي مكتب للتصميم والديكور غرب الميرديان وكان رجال الامن لا يتغيبون عن زياراتهم السخيفة كثيرا . وفي يوم دخل اربعة افراد وطلبوا منا الذهاب معهم لبعض التحريات الروتينية و اقفلنا المكتب وانفصلت قي سيارة لوحدي بينما قادوا الرفيق حاتم كوكو و ياسر عبدالرحمن واخرين في سيارة اخرى ومكثت في كوبر اكثر من شهر . حملة صحافيون ضد الاعتقال للتضامن مع المعتقلين #المعتقلات_مقبرة_النظام_لدفن_حرياتنا عصام عمر ابراهيم (قيسان)