منذ نحو سنوات خمس، سعت الجهات المختصة ومنها وزارة المالية بشكل أساسي في تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية بعدد من الجوانب، وخاصة الجانب المالي، وأقيمت لذلك عدد من المؤتمرات والملتقيات، كان من نتائجها التوصية باعتماد أورنيك "15" الإلكتروني" وإلغاء العمل بالأورنيك الورقي القديم، وتدشين برنامج النفاذة الواحدة، والسداد عبر الهاتف وغيرها، غير أن أهم ما في هذه الخطوات هو توجه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لحوسبة المرتبات والأجور، والخطوة ليست جديدة، ففي خواتيم العام المنقضي، نظمت وزارة الاتصالات ملتقى المعلومات الرابع عشر بولاية النيل الأبيض، وفيه طالب نائب رئيس الجمهورية، حسبو محمد عبد الرحمن، حكومات الولايات بحوسبة الفصل "الأجور"، معتبراً ذلك أدعى لضبط المال العام، والتحكم في الصرف المالي، بل ذهب النائب للقول إن معيار تقييم الحكومات الولائية وأداء الوزراء سيكون من خلال تطبيق الحكومة الإلكترونية بغية تحقيق الحكم الراشد والشفافية وتوفير الجهد والموارد واستعجل وزارة الاتصالات بإكمال الإجراءات لحوسبة الفصل الأول ودعم الولايات الضعيفة، مبيناً إن الإصلاح الشامل للدولة يأتي من خلال المعرفة واعتبر المعلومات أساس التخطيط، وزاد قائلاً إن المشاريع الإلكترونية "التحصيل الإلكتروني والنافذة الواحدة والحوسبة الضريبية والدفع الإلكتروني والفوترة" تعتبر خطوات عملية في تطبيق الحكومة الإلكترونية، وأكد أن الحوسبة الضريبية من شأنها أن تسهم في زيادة الإيرادات بما ينعكس على أمن ورفاهية المواطن وتنمية الوطن، وأشار حسبو حينها إلى أن المعلوماتية ستلعب دورًا مهمًا في تعزيز إصلاح الدولة الشامل. مؤخراً شرعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في تطبيق نظام حوسبة المرتبات، وحددت أبريل المقبل موعداً لتطبيقه، مؤكدة أن حوسبة المرتبات ستسهم بشكل كبير في ضبط الفصل الأول، وهو قول يكتسب جانباً من الوجاهة والمنطقية، ذلك أن ضبط الفصل الأول كان يشكل هاجساً للمؤسسات الحكومية، ولم تسلم منها حكومات الولايات، التي تضاربت أرقام حساباتها المالية، بحيث تعذر على الجهات المختصة معرفتة حجم الرواتب الفعلي على وجه القطع والتحديد. ودعا وزير الدولة بوزارة المالية مجدي حسن يس لدى مخاطبته الملتقى التنويري الأول حول نظام حوسبة المرتبات المركزي، المؤسسات الاهتمام بالعنصر البشري وتدريبهم للاستعداد للمرحلة الجديدة، مبيناً أن الخطوة تأتي في إطار تطبيق الحكومة الإلكترونية من خلال تطبيق حزمة اجراءات، قال إن الدولة تستفيد منها بتوظيف المعلومات لتحقيق الشفافية والعدالة وسط العاملين، وأشار الى أن الحوسبة تعتبر واحدة من حلقات التطوير وتساعد الدولة في برامجها وخططها المستقبلية، لافتاً إلى أن تطبيق الحوسبة تتطلب من الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية، معتبراً أن رفع الحظر الاقتصادي عن البلاد يجب رفع الإنتاج لمقابلة تحديات نقص الصادر، ودعا لإعادة التوازن لمعالجة الخلل الذي مر به اقتصاد البلاد بزيادة الإنتاج. ويشير مدير ديوان الحسابات هشام آدم مهدى، إلى أن اللقاء يهدف لتنوير كافة القطاعات المختلفة للترتيب المبكر لمرحلة حوسبة المرتبات في أبريل المقبل، مشيراً لتشكيل لجنتين بمشاركة الجهات ذات الصلة والمختصة لبداية المرحلة الجديدة، كاشفاً عن وفود طافت على كل الولايات للتنوير بحوسبة المرتبات والدفع الإلكتروني، مؤكداً على أهمية المرحلة المقبلة من حيث الإعداد والتدريب وتحديد المطلوبات، مشيراً إلى أن لجاناً ستنطلق للمؤسسات والشركات لبداية المرحلة المقبلة. فيما قال مدير المركز القومي للمعلومات، محمد عبد الرحيم يس، إن نظام الحوسبة الإلكترونية وحوسبة الرواتب خطوة يمكن الديوان ويساعده في التحول نحو الحكومة الذكية، وقال: نحن نستهدف حوسبة النظام المالي وتوفير الأجهزة والمعدات والاهتمام بالعنصر البشري بوصفه أساس تنفيذ الخطوة. في وقت يرى فيه مدير ديوان شؤون الخدمة، دياب محمد نور أهمية حوسبة الرواتب، وقال إنها خطوة ستساعد الديوان في الحصول على البيانات الأساسية للعاملين بالدولة واستكمال الملفات المطلوبة واستكمال الملفات المطلوبة لشؤون الخدمة. التوجيهات التي سبق أن دفعت بها رئاسة الجمهورية في شأن حوسبة المرتبات يمكن أخذها من جانبين في حال تطبيقها على الأرض، فهي من جانب تعد مؤشرًا على أنها توجه جدي من الدولة لتعزيز برامج الحكومة الإلكترونية وتوسيع قاعدة إنتشارها، وضبط الموقف المالي، صرفاً وإنفاقًا، كما يمكن أخذها من جانب آخر باعتبار أن التوجه الإلكتروني يعتبر أحد أقوي خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي على السواء، لا سيما في جزئية ضبط المال العام والتقيد بصرفه في القنوات الصحيحة، ذلك أن إشكالية التجنيب برزت كأصعب إشكالية عانى منها المال العام في السنوات الماضية ولا سبيل لضبطه سوى الاعتماد على التقنية الإلكترونية التي تحدد أوجه التحصيل ابتداء ومعرفة حجمه على وجه الدقة، علاوة على أن أي صرف سيكون مقنناً ومكشوفاً مما يغلق الباب تماماً أمام التحايل والاستيلاء على المال العام وتبديده في غير مصارفه المحددة. من الواضح أن الولايات المختلفة ما تزال بعيدة عن الوصول لمستوى مناسب في مجال المعلومات، وهو أمر له ما يبرره، حيث أن الكثير من الولايات ما تزال تعاني من ضعف وتدني البنية التحتية في قطاع الاتصالات، وهي جزئية يمكن تلمسها بوضوح بعدد من الولايات التي تفتقر للبنية التحتية اللازمة، ولم تتوقف مطالبات الولايات بدعم وتأهيل بنيتها التحتية في مجال المعلوماتية والتقنيات الحديثة التي تمكنها من تنفيذ المطلوب في مجال حوسبة المرتبات، خاصة في جانب مسؤولية وزارة الاتصالات التي تبدو مطالبة بتقديم المزيد من الخدمات للولايات في هذا الجانب. الصيحة