يبدو أنّ فترة الستة أشهر الاختبارية لرفع العُقُوبات الأمريكية، سوف تنقضي في الحديث المُكرّر بالإعلام، الذي ينصب في الاستعراض السياسي من جهة، وبذل النصائح للاستفادة من القرار وصولاً لإصلاح حقيقي في الاقتصاد، من جهة أخرى. البروفيسور بابكر التوم، وهو خبيرٌ اقتصاديٌّ معروفٌ ويرأس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، يَنصح بشدة على ضَرورة دَعم القرار الأمريكي بإصلاحات اقتصاديّة للوُصول بالاقتصاد إلى مرحلة التعافي، وإصلاحات التوم وفقاً لرؤيته بهدف جلب العُملة الصعبة. حتى إعلان انفصال جنوب السودان، كانت العُقُوبات الأمريكية سارية، لكن بالمُقابل كان الدولار الأمريكي يساوي (2) جنيه، الآن العُقُوبات الأمريكية رُفعت، لكن الدولار الأمريكي يقترب من ال (17) جنيهاً. منذ ما بعد انفصال جنوب السودان وتهاوي الاقتصاد، ظلت العُقُوبات الأمريكية (شمّاعة) الفشل لكل قطاع، ابتداءً من الطيران وصولاً إلى مشروعات نظافة المُدن.. وظلّت كذلك (شمّاعة) التراخي في مُكافحة الفساد وكبحه وغَض الطرف عن حماية المال العام من حُرّاسه. بعد انفصال الجنوب مُباشرةً، دفعت وزارة المالية ببرنامج إسعافي لإنقاذ الاقتصاد من فجوة النفط، على رأس هذا البرنامج، بند كامل لخفض الإنفاق الحكومي.. فلا خفض إنفاق تم ولا برنامج نجح.. لم يُنفذ البرنامج، ثُمّ تَمّ الدفع بآخر.. تارةً خُطة وتارةً برنامج حتى بلغ الوضع ما هو عليه الآن. رفع العُقُوبات الأمريكية لن يُصلح ما أفسدته السُّلطة، وسوف يكون كالحرث في البحر.. الخطوة نحو إصلاح اقتصادي حقيقي لن تبدأ من واشنطن، الاقتصاد لن يصلحه قرار رفع عُقُوبات إذا كان عظمه مكسوراً.. الآن عملية إنتاج فعلية لا تُوجد، استثمار حقيقي، لا يُوجد.. هي أرقام ومشروعات لا تُوجد إلاّ في صفحات الصحف ونشرات الاقتصاد التلفزيونية.. والاستثمار الذي تتحمّس له السلطة وتسارع في توقيع عقوده لا يتم إلاّ تحت إكراه المُواطن وإجباره على مُغادرة أرضه. يبدو أنّ ما تبقى من فترة الستة أشهر سوف تنصرف إلى العمل باجتهاد للضغط باتجاه رفع الحظر كلياً، سوف يتحوّل إصلاح الاقتصاد إلى معركة رفع عُقُوبات، وكأنّها الفاصلة.. وقد يحدث ذلك، أن يتم رفع الحظر نهائياً، لكن ماذا بعد، ماذا عن العُقُوبات السُّودانية، مَن يرفعها؟! ليس المطلوب المزيد من التوسل لرفع الحظر، بقدر ما المطلوب العَمل الجَاد لإعادة الإنتاج في المشروعات الكبيرة التي هي العمود الفقري للاقتصاد.. ثم القضاء على الفساد هو رفع العُقُوبات الحقيقي عن الاقتصاد. التيار