ضغط الرئيس دونالد ترامب على مخارج الحروف بشكل واضح في خطاب تنصيبه وهو يقول للجماهير ورجال الدولة المحتشدين في ساحة المومريال بشكل جلي «سنعزز التحالفات القديمة ونشكل تحالفات جديدة ونوحد العالم المتحضر ضد (الإرهاب والتطرف) الذي سنزيله تماماً من على وجه الأرض» وهو ما جعل الإرهابيين في مشارق الأرض ومغاربها يتحسسون رؤوسهم خاصة أفراد تنظيم «داعش» الإرهابي الذين سماهم بالاسم في اليوم الثاني لتنصيبه عندما كان يتحدث في «لانغلي» لقيادات وكالة المخابرات الأمريكية وهو يقول «علينا أن نتخلص من تنظيم «داعش»، علينا إزالة «داعش»، والإرهاب الإسلامي المتطرف.. ليس لدينا أي خيار آخر» وهو ما يعكس بوضوح أنه ذاهب لاجتثاث هذا التنظيم. ظل الرئيس ترامب طوال حملته الانتخابية يردد فكرة واحدة ويؤكد عليها وهي أن وقف انتشار «التطرف الإسلامي» سيكون أولوية إدارته في حال فوزه بمنصب الرئيس. وقال ترامب وقتها، في كلمة شرح فيها سياسته الخارجية، إن «احتواء انتشار التطرف الإسلامي هو أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكذلك العالم»، وفي ذلك تستوي كل الجماعات من «الإخوان» إلى «النصرة» والقاعدة وخاصة «داعش» التي وصفها بأنها (أس الشر) وهو يتحدث لرجالات (السي أي إيه) في مقرهم قائلاً: «يمكن أن تكون هناك حروب بين الدول، ولكن هذا (تنظيم داعش) شيء لا يمكن لأحد أن يفهمه. هذا مستوى من الشر لم نشهد مثله من قبل.. وحان الوقت لننهيه.»: قبل أن يقول «نتجه لفعل أشياء عظيمة، سنحقق إنجازات عظيمة، فنحن نحارب كل هذه الحروب لفترة دامت أطول من أي حروب مضت وقاتلنا أكثر من أي وقت مضى. لم نستخدم كل إمكانياتنا التي نملكها» واتبع ترامب القول بالعمل عندما زار مبنى البنتاغون يوم 27 يناير/كانون الثاني وطلب من فريق وزارة الدفاع برئاسة الوزير «ماتيس»، إعداد خطة لمهاجمة التنظيم في سوريا تقود لنسفه تماماً خلال 30 يوماً فقط، مع إعادة النظر في كافة الخيارات التي درستها إدارة «أوباما» لمدة سبعة شهور، كما كلّف «ترامب» وزير دفاعه بتقديم قائمة الخيارات المتاحة قبل انتهاء هذه المهلة، كما أنه أمره بتجاهل القيود التي فرضها «أوباما» على عدد الجنود الأمريكيين المشاركين في العمليات، والقواعد الرامية للتقليل من الخسائر في صفوف المدنيين. في الوقت الذي سارع فيه ترامب إلى رفض الخطة التي أعدها أوباما لمهاجمة مدينة الرقة بحسب ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست»الجمعة الماضية، وقالت ال صحيفة الأمريكية أن مستشاري الرئيس الجديد وجدوا خطة مهاجمة الرقة غير فعالة، وأن فريق «ترامب» الأمني اعتبر خطة «أوباما» ناقصة، وتخلى عنها بسرعة، وأوضح أحد الموظفين في فريق «ترامب» للصحيفة أن الإدارة الجديدة وجدت «ثغرات هائلة» في هذه الخطة، واصفاً الوثيقة بأنها نتيجة لعمل سيئ، وقال مسؤولون آخرون في فريق الرئيس الأمني إن تلك الخطة «أفزعتهم كونها لا تتضمن أي بنود حول التنسيق مع روسيا أو أي استراتيجية واضحة لمعالجة الأزمة مع تركيا». وسبق ل«ترامب» أن لوح بتفضيله الاعتماد على نفسه، وتعهد بشن هجوم سريع وقاس لتدمير تنظيم «داعش» الإرهابي نهائياً، وفي لقاءات مع فريقه الأمني، وافق الرئيس الأمريكي على إعطاء وزير الدفاع «جيمس ماتيس» حرية التصرف الكاملة ليفعل كل ما يعتبره ضرورياً لمحاربة الإرهاب. وأشارت «واشنطن بوست» إلى أنه من غير المستبعد أن يقرر «ترامب» تعزيز التنسيق مع القوات الروسية، أو حتى مع القوات الموالية لنظام «الأسد»، من أجل تحرير الرقة، كما أنه قد يتخلى عن خيار تسليح الأكراد نهائياً. «داعش» تتفرق ونخلص إلى أنه من الواضح جداً أن ساكن البيت الأبيض الجديد جاد للغاية ويعمل بديناميكية سريعه للإيفاء بوعوده الانتخابية ودحر «داعش» التي اعتبرها أولوية قصوى في الفترة الأولى من رئاسته، لكن ذلك يفتح المجال واسعاً أمام سؤال محوري «ما هو مصير «داعش» المستقبلي بعد حرب ترامب المزمعة ضده؟» وهو ما حاول الكاتبان المختصان في الجماعات الإرهابية شارلز وينتر وكولين كلارك الإجابة عليه في مجلة «فورين افيرز» الأمريكية في مقالهم الجمعة الماضية، واللذان خلصا إلى أن التنظيم في ظل محاصرته في الموصل ودحره في العراق وتراجعه الكبير في سوريا وقتل العديد من قادته من المؤكد أنه سيتفكك بدرجة كبيرة وكتبا: «من المرجح أن يسير التنظيم في طريقين أن يتفكك ويتدمر مركز جاذبيته -العراقوسوريا- إلى أن يضمحل تماماً، والطريق الثاني يحذو حذو تنظيم القاعدة بعد الهجوم عليه سنة 2000 الذي انتهى في أفغانستان ولكنه تمدد في جيوب بعيدة، وبهذه الطريقة سيقلل من تأثيره في العراقوسوريا لكنه سيوفر الزخم لعملياته في أماكن مثل أفغانستان وليبيا، وشبه جزيرة سيناء، واليمن». «النصرة» وسبيل التحالفات عند النظر لساحة الجماعات الإرهابية نجد هناك «النصرة» أو ما يسمي بجبهة فتح الشام أو«جفش» أصبحت واحدة من الجماعات التي ارتفع صيتها في سوريا وجرى استبعادها من هدنة وقف إطلاق النار لما تشكله من خطورة، وعلى الرغم من أن هذه المجموعة تتشارك مع «داعش» في الأيديولوجيا ونمط العمل، لكنها في الوقت نفسه نجدها تقصر عملها على سوريا فقط، وليس لديها طموحات للتمدد عالمياً أو الانتشار في الخارج، كما أن نقطة خلافها الأساسية مع «داعش» تكمن في أنها ترى نفسها فصيلاً مرتبطاً بالثورة السورية والإطاحة بنظام الأسد بعكس عالمية تطرف الآخرين، وفي سبيل هذا الهدف سعت لتقديم العديد من الإثباتات بتقديمها الكثير من التغيرات بدءاً من فك ارتباطها بالقاعدة ما قاد لتغير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» بغرض التخلص من الوصمة الإرهابية في سعيها لاعتبارها واحدة من الجماعات السورية «إسلامية» المنهج، وتحجز لنفسها مقعداً مع الجماعات المعتدلة على طاولات المفاوضات، ومستقبل سوريا. وفي الدراسة التي أجراها معهد «ويلسون» الأمريكي الشهير للدراسات والبحوث عن مستقبل هذه الجبهة والتي نشرت هذا الشهر، يشير المعهد من خلالها إلى تصريح أبومحمد الجولاني قائد عام الجبهة 2015 لتقاسم السلطة في شمال مدينة إدلب. عندما قال «نحن لا نبحث عن حكم المدينة وحدنا، دون غيرنا والشورى هي أفضل نظام للحكم». والذي استدل منه المعهد على أن التنظيم ليس له أطماع للهيمنة أو الانتشار، وتلفت الدراسة في الوقت نفسه إلى أن كثيراً من قادة التنظيم المرتبطين بالقاعدة لم يعجبهم فك الارتباط هذا، وفضلوا الابتعاد عن قيادة الجولاني. أربعة سيناريوهات للجبهة تشير الدراسة إلى أن التنظيم لا يسعى لإقامة دولة إسلامية ولكن يقتصر طموحه على سوريا وحدها وتخلص إلى أربعة سيناريوهات للجبهة يتمثل أولها في «احتفاظها بالوضع القائم، أي تظل الجبهة لاعباً قوياً في الساحة السورية لكن لا تتوسع بشكل أكبر في سوريا من الناحية السياسية وتشكيل التحالفات الكبيرة بل تحتفظ بملاذ آمن. «وثانيها» قد يتدرج النهج البراغماتي للجبهة في النجاح، ويمكن لمقاتليها أن يندمجوا مع الجماعات الأخرى ما يساعد القاعدة على السيطرة على المعارضة المسلحة السورية، وأيضاً قد يوفر قاعدة تشغيلية بديلة بالنسبة لكبار قادة القاعدة، فضلاً عن وصول القاعدة لأقرب مسافة من أوروبا.«ثالثها» أن يقود الصراع بين الجبهة والجماعات المسلحة الأخرى، إذا كشف النقاب عن التعاون ما قد يجعلها أكثر تطرفاً وانعزالًا، كما تواجه الجبهة انقساماً داخلياً، حيث لم يوافق العديد من كبار أعضاء مجلس الشورى وبعض العسكريين الأقوياء على انفصال الجبهة عن تنظيم القاعدة ولم يصدقوا على إطلاق الاسم الجديد. والسيناريو الأخير التأثير في صلابة أيديولوجية الجبهة مع مرور الوقت، من خلال عمليات الاندماج، خصوصاً مع الجماعات غير الجهادية في الجبهة ما يقيد المقاتلين في صفوف الجبهة الذين يتقاسمون رؤية القاعدة العالمية. «اليمن» مكمن الخطر وبعيداً عن بلاد الشام سورياوالعراق حيث رتعت الجماعات الإرهابية لسنوات هناك، ولكن في ظل تركيز القوى العظمى الولاياتالمتحدةوروسيا ومن خلفهم التحالف الدولي، ازدهر عمل بعض الجماعات الإرهابية في بعض البلدان مثل اليمن ومصر (شبه جزيرة سيناء) وشمال إفريقيا ونيجيريا حيث بوكو حرام، وتتصاعد قوة أفرع جماعات القاعدة في اليمن و«داعش» في سيناء بدرجة أكبر من غيرهما من المناطق ومن الواضح أن قادة وزارة الدفاع ومجتمع الاستخبارات الأمريكي ملمين بتفاصيل صعود القاعدة في اليمن وما يمكن أن تشكله من خطر مستقبلي لذا كانت أولى العمليات العسكرية التي صادق عليها الرئيس ترامب في جنوب اليمن قبل نحو أسبوعين، والتي قتل فيها أول جندي أمريكي في الخارج في ظل الحكومة الأمريكية الجديدة التي بررت العملية بحاجتها للحصول على معلومات عن امتدادات عمليات التنظيم التي يخطط لها في الداخل والخارج بغرض الحد من صعوده في وقت مبكر قبل تفاقمه بينما قالت أبريل آلي كبيرة المحللين لشؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية «الغارة...مثال جيد على ما لا يجب عمله» مصر وحيدة على الجبهة وفي الوقت الذي ينحسر فيه تنظيم «داعش» في ليبيا التي كان يخشى أن تكون الملاذ الآمن للتنظيم بعد دحره في العراقوسوريا، نجد أن التنظيم يحاول بشكل سريع توطين نفسه في «شبه جزيرة سيناء» ولكن تواجهه قوة ضربات الجيش المصري، الذي يعتبر من أقوى الجيوش العربية إلا أن الإرهابيين بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب عليهم ما زالوا يشكلون خطراً كبيراً في المستقبل المنظور حال ما تركت القوات المسلحة المصرية تقاتل لوحدها في هذه الجبهة المشتعلة في ظل الاحتقان الاقتصادي في مصر ودعم جماعة «الإخوان» الإرهابية للحرب في سيناء، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان أول الرؤساء العرب الذي أجرى اتصالاً بالرئيس ترامب بعد إعلان فوزه، قال في تصريحات إعلاميه إنه تطرق لمسالة «مقاتلة المصريين لوحدهم في سيناء دون عون من أحد» وينتظر أن تجد مصر عوناً من الولاياتالمتحدة في هذه الحرب خلال الشهور القادمة خاصة وأن ترامب سبق له اتهام جماعة الإخوان بأنها تقف خلف النار المشتعلة في سيناء، وأنه سيسعى لوضعها في قائمة الجماعات الإرهابية ما يعني تجفيف منابع الدعم والأموال للإرهابيين في سيناء. الخليج