القوز يقرر السفر إلى دنقلا ومواصلة المشوار    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    إلي اين نسير    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشكيل الحكومة (محلك سر!)
نشر في الراكوبة يوم 23 - 04 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي الشواهد التي تدل علي ان الانظمة الانقلابية، تزداد طفولة ونزقا مع مرور الايام وكر السنوات، وتاليا لا تضيف تجربتها اي نوع من التراكم او التعلم من الممارسة والاخطاء! وذلك بسبب العناد والمكابرة والمغالطة من جهة، وتعلية قيمة الاستملاك او نزعة الاستحواذ والاحتكار من جهة مقابلة. والاسوأ من ذلك، ان حالة الطفولة التي تراوح فيها لا تنعكس عليها وحدها، ولكنها تطال المجتمع والاقتصاد والسياسة ومجمل الحياة العامة، لتصاب كلها بداء الطفولة او القصور البنيوي، وتاليا تجدها عالقة في نوع من العبثية والتلاعب واللامبالة، وصولا لانفراط العقد العام او التحلل من الارتباطات اي كانت نحو الدولة والمجتمع، وتصبح كأن العلاقات بين الافراد والانشطة والحقول المختلفة داخل الدولة الواحدة معلقة في الفضاء، او تعيش في جزر معزولة عن بعضها البعض. وذلك بالطبع علي عكس الانظمة الديمقراطية، التي إن لم يكن لها ميزة سوي التعلم من التجارب والاستفادة من الاخطاء، لكفاها ذلك. والسبب انه يمنحها النضج والاستقرار، وما يستتبع ذلك ايضا من انعكاس علي المجتمع والدولة، سواء من ناحية سيادة روح المسؤولية والانضباط او النظام والمؤسسية، وتاليا وجود خيط ناظم او إطار شامل لكل مكونات الدولة، من افراد وانشطة ومجالات، يسمح لها بالتفاعل الايجابي، الشئ الذي يجعل للفرد قيمته والعمل جدواه والدولة احترامها.
سبب هذه (الرمية) هو التأجيل المتتالي لتشكيل حكومة (حوار الوثبة)، مما يشي بالتخبط وغياب المنظومة الشاملة في طريقة ادارة الدولة، وتاليا اباحة استخدام الطريقة العشوائية او النهج المغشوش، اذا جاز التعبير، في التعامل مع الشأن العام! والذي بدوره يفتضح امره عند كل اصطدام مع واقع الحياة وواقعية التحديات. والحال كذلك، يحدث الانفصام الكامل بين السلطة والمجتمع، وهو اكثر ما يتمظهر في حالة استعلاء السلطة وهامشية اهتماماتها وترف مكوناتها من جهة، وغربة المجتمع وتدني احتياجاته وتردي خدماته من الجهة الاخري. والانكي ان كل ذلك يجري مع شأن حكومة، يفترض انها تتويج لحوار وطني اتخذ صفة الوثبة وتبناه راس النظام وسخرت له كل امكانات الدولة، ويستهدف القطع مع مرحلة (دغمسة) ويدشن عهد جديد؟ والاصح ان ذلك يحدث بسبب الحوار نفسه، علي اعتبار ان الحوار الموصوف الذي اسس لذات الحكومة التي تعاني آلام المخاض. تبني منهجية اللامنهجية، بدلالة عدم تحديد لا سقوف زمنية ولا إطار للمفوضات ولا للقضايا او الاهداف او الاطراف؟ بل ولا حتي جداول محددة لانفاذ البنود والالتزامات، او مرجعية تبت في امر الخلافات علي التفاسير والتفصيلات؟ اي الحوار الذي اريد له التاسيس لبناء الدولة، شابه الترهل والضباب والتطويل الممل والمشاركات ذات الطايع المجامل (الكم علي حساب الكيف!)، الشئ الذي جعله كقطار العيد وهو يكتظ بالركاب في كل اتجاه، داخله او علي سطحه، لينتج نوع من الشركاء والمشاركات وتاليا المخرجات علي هيئة غثاء السيل او الزبد الذي يذهب جُفاء، وبئس الحوار. والحال هكذا، يصبح العجز عن تشكيل الحكومة، هو امتداد لعجز اشمل طاول الحوار المشلول. وسبب العجز او مرجعه الاساس، يكمن في ان الغايات سواء من الحوار او تشكيل الحكومة، هي منح نوع من الترضيات، والاصح الرشاوي لبعض القوي السياسية والقيادات المناطقية، نظير ان تُمنح السلطة الانقلابية نوع من الشرعية المشتهاة، وكذلك يهدف للمشاركة الشكلية التي تفرق دم التركة الثقيلة من الاخطاء والجرائم والفساد، بين الأحزاب السياسية والزعامات القبلية والمناطقية، بغرض ابطال مفاعيل المحاسبة والقصاص! وايضا للحصول علي نوع من الاسترخاء السلطوي اذا جاز التعبير، بعد ان اخذ الارهاق وضغوطات الفشل من السطلة كل عافية و(مروة) ومصداقية. إذا صح اعلاه، يصبح العجز عن تشكيل الحكومة، يتأتي من استحالة استرضاء كل الاطراف واشباع كل الاطماع، وهو ما تولد عنه اعلان نهج الكيكة المضمر الي العلن! والاسوأ انه يكشف عن فضيحة غياب المشروع، الذي تتوسله الحكومة لنيل الشرعية او مجرد البقاء من الاساس. وللأسف هذه الوضعية الشاذة، تبين كم الافلاس والتسيب التي ترزح تحتها هذه العصابة الحاكمة، خصوصا علي مستوي الادوار والمهام والحقوق والواجبات. بمعني، بدلا ان تتحول الحكومة الي وسيلة، آلت الي غاية حصرية! الشئ الذي افرغها من محتواها الاجتماعي والوطني، قبل ان يحيلها الي اداة امتياز مجانية، او اقصر سبيل لحيازة الثراء والوجاهة الاجتماعية. والحال كذلك، كل من تقصر به همته او مواهبه عن ادراك الامتياز المستحق للجدارة، فان الاقتراب من السلطة والتزلف للحكام باي كيفية ووسيلة، يصبح هو الطريق الوحيد؟! وفي الحقيقة هذا المسلك ليس غريب او شاذ علي منظومة الانقاذ، ولكن وجد جدواه ومرجعيته في عملية الانقلاب ذاتها؟ بمعني آخر، الانقلاب يتعدي عملية الاستيلاء الغادر علي السلطة، الي احداث انقلاب شامل في منظومة القيم والمفاهيم والسلوكيات المرعية والقواعد المعيارية! في هذا المعني، يصبح قائد الانقلاب (مدبره) ونهج الانقلاب وصولا لمنظومة عمل الانقلاب، هي الثقافة السائدة والمعيار الجديد الحاكم للدولة والمجتمع، ومع مرور الوقت تصبح حتي المرجعية المؤسسة للانقلاب والادوات المساعدة في خبر كان، سواء كان مصدرها ايديولوجية او صداقة عسكرية او غيرها! بمعني الانقلاب (قائده/مدبره) يعيد انتاج مرجعيته ووسائله، وتاليا يخلق قوانينه وثقافته الخاصة، والعابرة للمراحل والشخوص والمرجعيات. وبما ان هذه القوانين والثقافة اكثر ما تتجسد في السلطة وبصورة اخص راسها! فتاليا ثقافة وسلوك وقدرات ومواهب الراس، تسم هذه القوانين والثقافة السائدة. وبكلام اقل تجريد، رغم السمة العامة للانقلابات، إلا ان قادتها يلعبون دورا اكبر في تجسيدها علي الارض! في هذا المعني، مكيافيلية الترابي (الامير الحديث حسب وصف الدكتور حيدر في واحد من كتبه القيمة) في وقت سابق، وضحالة قدرات البشير القيادية والسياسية والادارية في وقت لاحق، كانا السبب الاساس في حالة التردي غير المسبوق علي كل الصعد. ولا يعني هذا تحميل الترابي والبشير حصريا المسؤولية الكاملة، ولكن المقصود، انه بقدر توافر مكر وانتهازية الترابي وتوسعه في نهج التبرير او فقه المصلحة الخاصة، وضعف ملكات البشير وضمور حسه الوطني ونزوعه للترف واكتناز الثروة، وذلك بالتوازي مع طبيعة سلطة عمودية تجتمع بالكامل في يد الراس، شكل مدخل اوسع للفساد والانحرافات بكل اشكالها واحجامها! واكثر ما يتبدي ذلك في تغييب ادوات الرقابة والمحاسبة من جهة، وبدعة الاحتفالات والمهرجانات والافتتاحات والتكريمات الفجة (لعبة الحبشة؟!) والمقصود ليس كعينة، ولكن كنموذج للتوجه الذي يتقصَّد الافراد بالتكريم (التعظيم) وليس الانجازات التي تتحدث عن نفسها، من جهة مقابلة.
وبما ان غاية الانقلاب والانقلابيين السلطة حصرا، فتاليا كل همومهم وجهودهم وبرامجهم تتمحور حولها. وعليه، تصبح قضية تبني مشاريع خدمية عامة او برامج نهضوية طموحة او حتي الحصول علي الشرعية السلطوية، مجرد هوامش! وهذا في حال لم تحوَّل الي وسائل دعاية وشعارات جوفاء، يتم تسويقها للبسطاء وغطاء لشراء الانتهازية و(الوسطاء). في هذا الاطار الاخير يندرج الحوار المارثوني وابنته (اللقيطة/الحكومة) المقترح تكوينها علي نهج (دخلت نملة وشالت حبة!). وبالطبع الغرض الاساس من اثارة كل هذا الغبار الكثيف، تحت يافطة (الحوار وتشكيل الحكومة) غير شراء الوقت، هو صرف الانظار عن امهات القضايا والحاجات الماسة لكرام المواطنين، التي يطالها الاهمال والتقصير وصولا لحالة الشلل والفشل التام. وعموما هذا الاسلوب العاجز في التعامل مع المطالب الموضوعية والمتطلبات الاساسية، هو واحد من آليات عمل حكومة الانقاذ الطفولية! والمقصود، تعليق الاخطاء والفشل في رقبة التآمر والاستهداف الخارجي من جهة، ومن جهة ثانية تصوير الوعود والاوهام والتعامل الرغبوي مع الواقع والوقائع، مثل تخفيف بعض القيود علي الحصار الاقتصادي الامريكي او تشكيل الحكومة او استثمارات الراجحي، علي انها انجازات ضخمة ووصفات سحرية، قادرة علي علاج كل ازمات البلاد ضربة لازب، وليس مجرد تصحيح لاخطاء وقصور فاضح، فوق انها رهينة التقلبات، لعدم استنادها علي رؤية واضحة او برامج حقيقي يستهدف معالجة شاملة لازمات البلاد. وهذا جميعه ان دل علي شئ فهو يدل علي المراهقة السلطوية، التي لا تزيدها السلطة المطلقة، إلا تهور وفجور ومراكمة للاخطاء والكوارث .مما لا يعالجها إلا تبني برامج موضوعية وواقعية تتوخي النهوض بالبلاد، علي اعمدة المنهجية العلمية والنظم المؤسسية، وحوامل معارضة دينها وديدنها الوجهة الديمقراطية. وقبلها استحداث وسائل اقل كلفة للخلاص من هذه الاوضاع الكارثية.
والخلاصة، ان الازمة الحقيقية لا تكمن في تذبذب الاعلان عن تكوين حكومة جديدة، يعلم القاصي والداني انها لا تعني اكثر من تعبئة للفشل والفساد في قنانٍ جديدة، بقدر ما تكمن في اصرار السلطة الانقاذية علي الوصول بنهج الانقلاب الي نهايته الحتمية، وتاليا اجبارها المعارضة واحتيالها علي الشارع للقبول بهذا النهج، مع ترك هوامش للحوارات والمؤتمرات واللقاءات الفارغة والاعتراضات الهشة.
وفي مقلب آخر، يستند بدوره علي ما ورد في تقرير الصحفي احمد يونس (الراكوبة/ الشرق الاوسط) يربط التأخير في الاعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، بخلافات مع الأحزاب الكبيرة (الاتحاد الديمقراطي) و(المؤتمر الشعبي). وعليه، بغض النظر عن تسبب الحزبين في المشكلة او غيره من الاسباب، فمن حيث المبدأ تعني مشاركة، اولا، حزب بحجم الاتحاد الديمقراطي بزعامة مولانا الميرغني، في حكومة لا تمثل إلا نفسها، وتتركز سلطاتها في يد البشير بصورة أساسية ونائبه بدرجة أقل، مجرد ضيافة تستلزم كل آدب الإستضافة، من قصر المطالب وغض الطرف عن الاخطاء والتأدب في حضرة المضيف، وهذا ناهيك عن لؤم المضيف وتعمده إهانة الضيوف، كجزء من تذكير الاخيرين بفضله من ناحية، بهامشيتهم من ناحية مقابلة! والنتيجة المنطقية لهكذا وضعية تبعية، هي حيازة مصالح خاصة وتمرير اجندة اكثر خصوصية، مقابل صرف النظر عن مشروع التغيير الشامل، كهدف استراتيجي لا تقوم للدولة من دونه قائمة. وبحسبة بسيطة، يري مولانا الميرغني بعين براغماتيته السياسية، ان الطائفية والحداثة لا يلتقيان، وتاليا اي مشروع تحديث يستهدف الدولة السودانية، يستحيل ان يمر من دون تحديث الحزب الاتحادي اولا، وبما يعني افتكاك الحزب من براثن الطائفة، مما يصح وصفه ب(فلكرة الطائفة، من فلكلور) اذا جاز التعبير، وتحويلها الي مجرد ذكري تاريخية (انتهاء دورها ووظيفتها بانتها الظروف التي انتجتها) في ذاكرة التحديث الاتحادية، وتاليا تحول الميرغني الي ولي او مولانا لا ولاية له، إلا علي وزن (الملكية البريطانية) اي له حق الاحترام والتقدير والمشورة غير الملزمة، علي احسن تقدير. إذا صح ذلك، يصبح مولانا الميرغني بموقفه الاخير من المشاركة في الحكومة، اختار الديمومة في قيادة الحزب الاتحادي، علي حساب مستقبل الحزب، مما ينذر بتذرر الحزب اكثر من وضعه الحالي الذي يرثي له! ومن ثم خسارة الجميع وعلي راسهم مولانا الميرغني الذي لن يجد من يقوده، سوي قطيع من (مصلحجية) يقدسون العباءة بقدر انتصارها للسلطة والثروة! وتاليا استعدادهم للتخلي عنه، عند اي منعطف يتعارض مع هذه المصالح الضيقة. الشئ الذي يترتب عليه، خسارة الحزب لتاريخ طويل من التضحيات وبوادر الليبرالية واستعدادات التحديث.
اما الشعبويون وعلي راسهم المحامي كمال عمر فامرهم عجبا! وقبل ذلك اود ان اشير الي ان الشعبويين يجسدون الاسلاموية (كمشروع نصب وافلاس) اكثر من اشقاءهم الوطنيين، وكلهم في الفساد والاجرام شرق! وتاليا كل مزاياداتهم علي اخوانهم في شأن الحرية والديمقراطية والدستور وغيرها من لغو الشعبويين، هي مردودة عليهم! وذلك لسبب بسيط، لانهم كما سبق يمثلون روح الاسلاموية التي يشكل الاسلامويون الوطنيون جسدها، ومعلوم سلفا ان خبث الروح أشد وطاة من فساد الجسد! وإلا كيف يستقيم التبجح بالدفاع عن الحريات والدستور لمنظومة تعدت علي الديمقراطية (تجسيد الحرية وروح الدستور) ومن دون تقديم اعتذار صريح او مراجعة جذرية للمرجعيات التي سوغت لها انتهاك الديمقراطية! ولكن قد يزول الاستغراب بالرجوع للدوافع السلطوية والغرائز التملُكية، المتجذِّرة في الاسلامويين بصفة عامة والشعبويين بصفة خاصة، بوصف الاخيرين اكثر تماهٍ بالترابي الذي مسخهم الي الاسلاموترابوية، والتي تضع هذه المجموعات الشاذة من البشر فوق البشر، بقدر ما تستسهل تمرير دعاويها ومشاريعها وخططها، وكأنها تعمل في الفراغ او داخل مجتمع من غير ذاكرة او مغييب الوعي، وعلي استعداد لتصديق كل شئ، في اي زمان ومكان! وبتعبير آخر، هم يفترضون في انفسهم الذكاء والمعرفة وسمو الدين والفكر والعرق..الخ بنفس الدرجة التي يجردون فيها الآخرين من هذه الصفات والقيم. وما سهل عليهم هذا التوهم او الغرور وتضخم الذات وتاليا تجذُّره في وعيهم ولا وعيهم، هو قبولهم في صف المعارضة من دون فحص تاريخهم ونقد مشاريعهم والاستيثاق من عهودهم! وبالمجمل إذا ما تمت هذه الاجراءات مسبقا، فتاليا هم مرفوضون مبدئيا. بمعني، الاسلاموية تشكل اكبر عقبة امام مشروع التغيير الشامل، علي اعتبارها مُزيَّفة للصراع ومبتذلة للتحديات، من خلال حرفها عن واقعها الارضي الي متخيَّل سماوي، يمتلكون وحدهم شفرة رموزه الطلسمية! وبناء عليه، تصبح اي محاولة جادة وعملية لمقاربة الاستعصاءات والازمات الداخلية المستحكمة، تستوجب ليس التخلي عن الاسلاموية فقط، ولكن محاصرتها (مكافحتها) ومقاطعة اصحابها، حتي يتخلون عن هذا التلوث الفكري والتشوُّه الوجداني والانحراف المسلكي. وإذا لم يتم ذلك، بعد كل هذه الاكلاف والتضحيات الجسام، التي قدمت علي مذبح تلاعب الاسلاموية بالوطن والمواطنين، مما ترتب عليه تغبيش وعي الحاضر واهدار فرص المستقبل، خصوصا بعد ان استلمت هذه الجماعة البلاد وتحكمت في مصيرها بالمطلق، وتاليا سنحت لها الفرصة الكاملة لتطبيق برامجها الاسلاموية ومشاريعها الحضاروية؟ فعلي الوطن السلام.
آخر الكلام
الحديث عن التوقيت وارجاعه خلال الفترة الماضية، ذكرني قصة ساخرة للكاتب المصري الراحل علي سالم، وهي مستندة علي واحدة من الحواديت المصرية، بعنوان شاكوش اسطي عبدو. وخلاصتها، ان اسطي عبدو بعد ان فتح محله صباحا، ارسل صبيه لاحضار شاكوش من جاره، وعندما لم يجده ارسله لغيره، وهكذا حتي انتصف النهار دون فائدة، وعندها لعن الزمن وقلة المروءة في الخلق، ثم طلب من صبيه ان يحضر له شاكوه الخاص!! ومغزي القصة كما هو واضح، يدور حول الالتفاف علي فعل الصاح رغم بداهته، وبعد اهدار الزمن وضياع الفرص في المماطلة والعناد والتسويف، يتم الرجوع لنقطة البداية وكانها انجاز؟! والحال كذلك، يصبح السؤال متي تقلع الانقاذ عن ممارسة سياسة (شاكوش اسطي عبدو) وترتقي للمسؤولية الوطنية؟ وليس عن مواعيد تشكيل حكومة وهمية، ليس بمستطاعها تحويل الفسيخ شربات؟ وهذا في حال لم تثقل كاهل ميزانية تتوكأ علي اموال التسوُّل والقروض؟!
نافذة خاصة جدا وحزينة جدا جدا.
فجعت في سابق الايام برحيل امي الحبيبة، وهي ككل ام مصدر للحنان والدفء والامان، وامتداد للجذور ومركز ثقل للوجود وبوصلة للوجدان، تحكم علي المشاعر بالتوجه اليها، بغض النظر عن ابعاد الزمان والمكان او الحضور والغياب. وغيرها مما يُحس ولا تفي الكلمات بالتعبير عن طزاجته، ولكن اقرب لوصفه تعبير اسماعيل حسن (اقول بعضي الاقيها تسربت في مسارب الروح بقت كلي، محل قبلت القاها معايا معايا زي ضلي). اما ما قد تشترك فيه مع بعض الامهات دون غيرهن، فهو حساسيتها الشديدة ضد الظلم او المساس بكرامتها، الشئ الذي جعلها توصف بالصعوبة ولكن مع الاعتراف بانها حقانية. ومصدر ذلك في اعتقادي، انها كانت تتوقع ان يعاملها الآخرون كما تعاملهم، وكأنها تنصب ميزان العدل في علاقاتها الاجتماعية. ولكن المؤكد انها حتي في حالة غضبها الشديد، وهو غالبا كذلك، كانت تتراجع لاقل كلمة طيبة. ولحسن الحظ، عاشت دائما معتزة بشخصيتها وعزة نفسها، ولم تنكسر امام اي شئ، وما كان يتاح لها ذلك وان رغبت، لمجافاة ذلك لفطرتها او طبعها الذي تطبعت عليه.
نسأل الله ان يسامحنا علي تقصيرنا في حقها، وهو ما يستحيل ادراكه، لمن وهبتنا عمرها وعافيتها وهمها وكنا هدفا لها منذ ان عرفت معني الانجاب. ونسأله مليارات المرات وبقدرها من الدعوات، ان يغفر لها ويرحمها ويحسن مسواها ويتقبلها قبولا حسنا، وان يحشرها مع الابرار والانبياء والصدقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا. وإنا لله وإنا إليه راجعون. ودمتم في رعايته.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.