بالنظر إلى التعليم في السودان نجده متنوعاً وتتعدد مذاهبه، فهناك الحكومي والأهلي والأجنبي الذي تختلف أساليبه ومناهجه باختلاف أسلوب التدريس وهوية المدرسة، ومنذ دخول التعليم السودان هناك طبقة تفضل المدارس الأجنبية أقدمها (المدرسة الأمريكية بأمدرمان)، التي أضحت خراباً وبضع دكاكين، فقد كانت تحتل مكاناً مميزاً قبالة مستشفى أمدرمان التعليمي حالياً، بحسب ما يذكر، في سياق هذا الاستطلاع تناولنا نشأة المدارس الأجنبية والحكومية وأساليب الترغيب والترهيب التي تتضمنها تلك المدارس أضف إلى ذلك نوع التعليم المقدم في قوالب حديثة مواكبه لتطور الإنسان والبيئة من حوله. ترغيب وتقريب أشار هاشم عبد الرازق أحد أقدم تلاميذ المدرسة الأمريكية أمدرمان، إلى أنه التحق بالمدرسة في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت رغبة والده أن يكون نابغة ويواصل تعليمه بالخارج، وقال: "تضمت المدرسة حينها أفضل الأساتذة بما فيهم السيد الزعيم الأزهري الذي عمل فيها مدرساً، بجانب الراحل زهير السراج، وأستاذ اللغة العربية محمد عمر الإمام، فضلاً عن أن سياسة المدرسة لم يفرض على طلابها المسلمين تعلم الديانة المسيحية، بل وفرت لهم إدارة المدرسة حينها أساتذة قرآن وفقه ولغة عربية، إلا أنها كانت تحفزهم لدخول الكنيسة وتوزيع البلح لمن يواظب على الحضور، فواظب أغلب التلاميذ". وتابع: "كانت المدرسة الأمريكية القبلة الأولى لكل من أراد تعليماً جيداً لأبنائه، لذلك نجدها تضم مختلف الجنسيات والطبقات، واجتهد مدير المدرسة مستر فليني وزوجته مسس فيلني في تقديم عروض ترغيبية، فقد كان منهجها يضم حصصاً للموسيقى، وهي غير متوفرة في المدارس الأخرى سيما الحكومية، وكانت مسس فليني أمهر عازفات البيانو حينها". التأهيل سبب أساسي من جهتها، ترى المعلمة بإحدى المدارس الإنجليزية تهاني سراج أن التعليم الجامعي في السودان كان قوياً ويخرج أميز الطلاب، الذين يتم تعيينهم مباشرة في المدارس الأجنبية في السودان عدا المدارس الهندية. وقالت: "اختلف اليوم الحال وأوكلت مهمة تدريس الرياضة والموسيقى للسودانيين، وباقي المواد أتت المدارس باصطاف من الخارج ليقوم بهذه المهمة". وأردفت: "لا أدري إن كان الأمر سياسة داخلية للمدرسة أم لتدني كفاءة المعلم السوداني إذا صح التحليل". وأكدت تهاني إلى أن أولياء الأمور باتوا يفضلون المدارس الأجنبية على نظيراتها السودانية، لما تتمتع به من مميزات عدة أولها شهادتها العالمية، واعتماد اللغة الإنجليزية في تدريسها، بالإضافة إلى أساليب الترغيب الأخرى كالتعامل بلطف ولين مع الطلاب، بجانب المناشط وتعديل السلوك التربوي. طموحات بسيطة أكد الموظف ناصر محمود أن التعليم الأجنبي حتما أفضل من غيره، إلا أن القدرة المالية وتدهور الجنيه مقابل العملات الأخرى جعل الانضمام إلى تلك المدارس حكرا على فئة بينها من المجتمع. وقال: "التعليم في السودان يحتاج إلى إعادة هيكلة وتنظيم وتحديث وتلقيح جديد خصوصاً المنهج التربوي الذي خلا من مادتي الجغرافية والتاريخ، فنحن لا نطمح لتعليم الكتروني أو (لابات) علوم وغيرها من الأشياء بقدر حاجتنا إلى تمليك التلاميذ معلومات جديدة ومفيدة تواكب تطورات زمنهم وتفيدهم في قراءة المستقبل". ولفت إلى هروب الطلاب من الجامعات جراء المنهج الذي تتبعه في التدريس وتولي أساسيات وقواعد اللغة الإنجليزية والعمليات الحسابية جل اهتمامها وكانت نتيجته إما فرار الطلاب وإما لجؤوهم لخيار آخر. أما ماهر زين العابدين الذي أكمل دراسته بالخارج، عاد ليقول: "العلم تطور ويسبق ما ندرسه ونتعلمه في السودان بألف عام أو يزيد بجانب تعلم اللغات"، لذلك عزم ماهر إلحاق أبنائه مستقبلاً بالتعليم الأجنبي الذي يواكب العالم علماً ونهجاً. اليوم التالي