السودان بمساحاته الشاسعة وتعدد ثقافاته وتنوعها أنتج تنوعاً وثراءً من حيث المنجز الثقافي والفلكلوري، وارتبطت بعض الآلات الموسيقية وأنماط العزف عليها بجهات جغرافية ومجموعات إثنية بعينها، ولكن هناك آلة يجمع عليها أهل السودان كافة، وهي آلة الطنبور التي ارتبطت تاريخيا بشمال السودان غير أنها وجدت بكثرة في غربه وشرقه وجنوبه السابق والحالي، وأن بأشكال وأسماء واوتار وانغام مختلفة سهلة الصنع في البدء، أشار علاء الدين علي الأستاذ بكلية الموسيقى والدراما جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا إلى أنها آلة موسيقية سهلة الصنع ولا تكلف كثيرا، وهي قديمة توجد في جميع أنحاء السودان. وقال: "لكن عندما نقول طنبور يقصد به طنبور مناطق الشايقية الموجودين في شمال السودان، وهو آلة موسيقية شعبية من فصيلة الوتريات، يتشاركها كل أهل السودان لكن بدوزنة مختلفة، وشكل تتحكم فيه البيئة المحيطة لكل منطقة، والمواد المتاحة لتصنيعها، بالإضافة إلى الموروث الموسيقي". نوبية المنشأ وأشار محدثنا إلى أن هناك عدداً من المؤرخين يرجعون أصل الطنبور إلى الحضارة النوبية التي بدات قبل الاف السنين من الميلاد، وكانت تسمي بآلة (الكسر) – بكسر الكاف – ثم انتقلت إلى مناطق الشايقية جنوباً عبر النشاط التجاريبين المنطقتين، وبرروا ذلك، يقول علاء: "استخدم التجار المراكب لنقل بضائعهم وكانت الوسيلة الوحيدة آنذاك وصارت الأساسية لما يصاحب الرحلة من عزف عبر الطنبور وغناء لكسر عقارب الساعة التي تتوقف مع طول المسافة ذهاباً وإياباً، وقد عرفوا بالرواويس لهم غناء وأدبيات كثيرة". وأضاف: "من حينها انتقلت آلة الطنبور إلى بلاد الشايقية وصارت أساسية تصاحب الغناء". طنبور بأشكال مختلفة وأكد الموسيقار دكتور الفاتح حسين ما سبق من حديث عندما قال: "ساهم مغنو الطنبور بمناطق النوبة في انتشارها لتشمل مناطق الشايقية، بينما اعتمدت قبائل أخرى بشمال السودان آلات إيقاعية مختلفة لممارسة الغناء الشعبي، فقبائل الجعليين على سبيل المثال تستخدم (الدلوكة والشتم)، أما قبائل البجة بشرق السودان تشارك النوبيين والشايقية الطنبور مع قبائل النيل الأزرق، لكن بأنواع وأحجام مختلفة، وعرف عندهم بال (باسكوب)، كما عرف عند الشلك بال (طوم)، وفي مناطق البرتا يطلقون عليه ال (بلونقرو)، وفي منطقة الأنقسنا سمي بال (جنقر)". وأشار علاء الدين أيضاً إلى أن الآلة تختلف نغمتها من منطقة إلى أخرى، لكن الفنان الراحل الفنان عوض عبدون برع في استخدامها وسجل للإذاعة السودانية في برنامج ربوع السودان أول من استخدم الطنبور وأجاد العزف عليها، ومن بعده أتى النعام آدم وكان له الفضل في ظهور أغنية الشايقية، فهو أول فنان استخدم الآلة ويعد الرافد الأساسي والمجيد فيها، سيما وأنه يقوم بصناعتها بنفسه. يوما الأحد والخميس وعن صناعة الطنبور قال محمود محمد أحمد الذي يعمل في صناعة الطنبور منذ سنوات مضت: "تصنع الآلة من خام القدح المتوفرة في جميع البيوت، بجانب الجلد ويفضل جلد رأس الثور". وأضاف: "حدد يومي الأحد والخميس لصناعة الطنابير، فهما يوما سوق القرير فيحصلون على جلد الرأس بثمن زهيد، وفي أغلب الأحيان مجاناً". ولفت محمد إلى أن هناك مواد أخرى تستخدم في صناعة الطنبور. وقال: "هناك نوع يصنع من العصي التي يجب تثبيتها بإحكام على القدح وتتكون خمسة أوتار، ارتبطت لدى الكثيرين بالحزن والوحدة لجهة أنها تصدر أنغاماً حزينة، وتسلي رعاة الأبل في الصحراء. اليوم التالي