شاهد بالصورة والفيديو.. أثناء أحياه حفل بأوروبا.. الفنان شريف الفحيل يجمع أموال "النقطة" بالدولار من إحدى السيدات ويستعجل على إدخالها في "جيبه"    تكليف مجلس تسيير لاتحاد الالعاب المصغرة الوليد بكسلا    *الجاموس.. كشف ضعاف النفوس..!!    ثنائي الهجوم الأحمر يصل رواندا    جنوب السودان..تفاصيل مثيرة في محاكمة رياك مشار    قيادة الجيش بالفاشر: الأوضاع تحت السيطرة    كامل إدريس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    حفل الكرة الذهبية.. هل يحقق صلاح أو حكيمي "المفاجأة"؟    القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمين حسن عمر : نحتاج لحديث صريح عن واقع تداخل (الجيش) في الحياة السياسية.. لا أعرف شيئاً اسمه الإسلام السياسي
نشر في الراكوبة يوم 09 - 05 - 2017

نفى القيادي بالمؤتمر الوطني، دكتور أمين حسن عمر وجود أزمة هوية في السودان، مشيراً إلى أن الهوية هي أن يكون الشيء هو نفسه، وليست هنالك دعاوى تتبنى تغريب الثقافة أو تغليب بعض أطيافها وألوانها على ألوان وأطياف أخرى في مكوناتها، ولكن ما يجري سببه استغلال خطاب الهوية استغلالاً سياسياً بواسطة بعض المنتسبين لما يسمى بالنخبة للتحريض القبلي والجهوي والطبقي.
وأضاف أمين خلال حواره مع (الصيحة) أن خطابات الهوية على أساس ديني أو علماني هي ما تصنع إحساساً بأزمة. ولا شك أن كل خطابات الهوية تخلص إلى إجابة واحدة وهي أن واقع الحال ليس مقبولاً وتفضي إلى نشر روح متشائمة للحال والمآل.
ودعا أمين إلى المزيد من الدراسة والحديث الصريح عن واقع تداخل القوات المسلحة في الحياة المدنية بصورة عامة والحياة السياسية بصورة أخص. معتبراً الحديث عن فشل الدولة في السودان أو إخفاقها بصورة كلية حديثاً غير مسؤول، يتحدث به أشخاص يحبون التزيُّد فى الأحكام إن كانت الملامة في رأيهم تقع على آخرين. مضيفاً أن الدولة في السودان لم تفشل.... وأوضاع الحياة العامة تتحسن فيها ولو ببطء ولو بتراجعات أحياناً، ثم تتقدم ولو بتضييع فرص سانحة أو عدم استغلالها الاستغلال الأمثل، مستبعداً الحديث القائل إن بإمكان مجتمع ما إقصاء الدين عن الحياة العامة تماما. مضيفاً أن ذلك لن يحدث مهما اجتهد ملاحدته وفُساقه في ذلك، فالدين ضمير معرفة وضمير في وجدان.
*بدابة ما حقيقة جدلية علاقة الدين بالدولة بالسودان؟
- دعني أًصوِّب السؤال أولاً لو سمحت، فلعله عن علاقة الدين بالدولة، وليس جدلية الدين والدولة، فالجدلية منهج فلسفى يقوم على جدل وتفاعل بين نقيضين وليسا ضدين، وإن الجدل ينتج عنه ناتج يجمع أفضل ما في المتناقضين، وبذلك فإن الفلسفة الجدلية أو "الديالكتيكية"، تقدم تفسيراً للتقدم يقوم على فكرة تفاعل المتناقضات، وهي فكرة في معناها المجمل وبخاصة في العلاقات الإنسانية، لا يمكن أن توصف بأنها خاطئة وإن أخطأت في تفاصيلها وفي قراءتها لوقائع التاريخ وهي تصفه. والقرآن أشار إلى أن التدافع بين القوى المتناقضة سبب لاستدامة الصلاح، إذ يقول (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)- ولكن بعد توجيهه الجدل الذي يثور حول علاقة الدين بالدولة. ولا شك عندي أنه جدل غير متناهٍ ما دامت هنالك جماعات ترى التديّن قيداً ولا تراه حلاً، وهذه الجماعات لا تغير خطابها قط وإن غيّرت الأسماء، ولو أنك نقّبت في سيرة السواد الأعظم لعلمتَ أنهم بعيدون عن التديّن الشخصي مثلما هم يريدون إبعاد الدين عن الحياة العامة. فالدين لدى غالب هؤلاء عبء يُراد التخلّص منه أو قيد يُراد التملُّص منه. وأما أن يقول هؤلاء إن الدين أمر جيد ولكنه شأن يُستعان به على إصلاح ما بالنفس لا ما بالحياة العامة، فهو قول يقال من باب الرياء أو المراء. فمقصود التدين في الأساس هو إصلاح العلائق بين الناس لكي لا يظلم بعضهم بعضاً أو يؤذي بعضهم البعض الآخر. فالدين رحمة بالعالمين وأسلوبه في التأثير هو تربية الإنسان الخلوق الرحيم. أسلوبه تربية الضمير اليقظ الذي لا يحب للناس ما لا يحب لنفسه ولا فائدة للضمير إن لم يصر حكماً عدلاً بين الناس. والذين يريدون إقصاء الدين عن الحياة العامة نظريتهم التي يدفعون بها أن الدين مكانه المساجد والكنائس وليس البرلمانات والبلديات، فكأنهم يقولون إن الدين محض طقوس وشعائر أو أنهم يقولون إنه لا حاجة للضمير في الحياة العامة التي يريدونها كما نراه في غالب واقع الحال، ساحة لصراع شرس لا ترقبه الضمائر ولا تحكمه الأخلاق. ثم إن حديثهم عن الدولة يدل على عدم فهم طبيعة الدولة أو على المراوغة، فالدولة ليست إلا المؤسسات التي لا تُعرف بمبانيها وأثاثها، بل هي مؤسسات اجتماعية أي أنها مجمعات بشرية تنظم اجتماعها ومقاصدها قواعد متعارف عليها لتنظيم الحياة العامة وخدمة المجتمع، فكأنهم يقولون لا حاجة لضمير متديِّن في حفظ هذه العلائق وتنظيمها وعندما يغيب الضمير فإن الحاضر هو الأنانية والأثرة والتباغض والتحاسد والفساد والإفساد، ولا تصدِّق من يحدثك أن الأخلاق يمكن أن تزدهر في نفوس مُلحدة أو فاسقة أو غافلة إلا من باب الاستثناء الذي يقتضي البحث عن تفسير. ولا تصدق من يحدثك أن بإمكان مجتمع ما إقصاء الدين عن الحياة العامة تماماً مهما اجتهد ملاحدته وفُساقه في ذلك، فالدين ضمير معرفة وضمير في وجدان الناس يحملونه حيثما ذهبوا، ولن يتمكن من يريدون إقصاء الدين عن الحياة العامة من تحقيق مبتغاهم حتى يقصوا كل إنسان متديِّن عنها مهما كانت القوانين والنظم مفارِقة للدين أو مناقِضة له.
ماذا عن مسألة انغماس النخب في التنظيمات السياسية؟
أولاً، أنا لا أحب هذا المصطلح الزائف أي مصطلح نخب أو صفوة، فمن الذي انتخبها ومن الذي اصطفاها فهذا المصطلح منتج من منتجات الاستعمار، وقلما تسمع به في البلاد الأوربية أو الأمريكية، ولكنك تسمع به في العالم الثالث، لأن الاستعمار أراد فصل الشريحة الاجتماعية التي اجتهد في صنعها فى مدارسه وجامعاته ومعاهده وعبر مناهجه وقوانينه وشرائعه، أرادها طبقة بعيدة عن المجتمع، وليست منخرطة فيه بعيدة جغرافياً في أحيائها ومساكنها وبعيدة في طرائق الحياة وأساليبها وبعيدة في همومها ووجدانها، ولئن كان لم ينجح تماماً في ذلك فقد أحرز نجاحاً مقدراً جعل مجتمعاتنا مثل مبنى من طابقين، فلا يمر أهل الطابق الأعلى على أهل الطابق الأدنى إلا لماماً ولا يسمعون عن أحوالهم إلا قليلاً، وبذلك تكرسّت حالة تشبه المفاصلة المعيشية والوجدانية إلا قليلاً. ثم زعم أهل الطابق الأعلى أنهم هم الأعلى والأعلم والأفهم هم الصفوة وهم النخبة، وإذا لم ندرك هذا الواقع بهذه الصراحة فلن نستدركه أبداً. وسؤالك عن وجود النخب في التنظيمات السياسية مُشعِر بأن التنظيمات السياسية شأن يخص العوام ولا يعني الخواص بالمعنى الفكري والثقافي وهو افتراض مخالف لواقع الحال، فغالب تنظيماتنا تنظيمات أقرب في نسبتها لما تسميه نخبة، فهي ليست تنظيمات يملك زمامها منتسبون للقواعد الشعبية بقدر ما هي مبادرات جماعات ممن تتسمى بالنخبة، وحتى الأحزاب الطائفية التي تستغل شرائح شعبية بدافع عقائد شعبية فهي تسيطر عليها قيادات منسوبة إلى ما تسميه نخبة، ويصدق الأمر حتى على التنظيمات التي تجمع الناس بالعصبية القبلية أو الجهوية.
أنا لا يحزنني انغماس النخب في التنظيمات السياسية بل يحزنني عدم انغماس القواعد الشعبية في قيادة تلكم التنظيمات أو في تأسيسها أو إلهامها بثقافة الشعب الأصيل واختياراته الحقيقية.
*هل تصنف قضية الهوية في السودان بالأزمة؟
- لا توجد أزمة هوية في السودان، فالهوية هو أن يكون الشيء هو نفسه وليست هنالك دعاوى تتبنى تغريب الثقافة أو تغليب بعض أطيافها وألوانها على ألوان وأطياف أخرى في مكوناتها، ولكن ما يجري سببه استغلال خطاب الهوية استغلالاً سياسياً بواسطة بعض المنتسبين لما يسمى بالنخبة للتحريض القبلي والجهوي والطبقي. ومثل ذلك فإن خطابات الهوية على أساس ديني أو علماني هي ما تصنع إحساساً بأزمة. ولا شك أن كل خطابات الهوية تخلص إلى إجابة واحدة وهي أن واقع الحال ليس مقبولاً وتفضي إلى نشر روح متشائمة للحال والمآل "، بيد أن الخطابات المتعددة تختلف حول أسباب الواقع البئيس المُشتكى منه"، وتتفاوت التفسيرات بين من يعزو حالة التخلف عن المراد إلى مشكلة تكوينية للعقل العربي أو الأفريقي بسبب أسطوريته وجزئيته وعدم قدرته على التماهي مع الواقع. وآخرون اعتبروه بخلاف ذلك نتيجة طبيعية للابتعاد عن المنابع الصافية والاعتماد على الدخيل من الأفكار ومنظومات السلوك والأخلاق . فبينما ترى جماعة أن المشكلة في الانغلاق على الذات الواهمة، يرى آخرون أن المشكلة هي في إنكار تلكم الذات والتنكر لها وتجشُّم محاولة مستحيلة للتماهي مع الآخر المنفصل والمتميز بفكره وقيمه وسبل معاشه وحياته. وآخرون لا يؤسسون خطابهم عن الهوية على فكرة التواصل، بل على التباين بين ما هو عربي وأفريقي . وربما بين ما هو مركز وما هو هامش وما هو ديني وما هو علماني. ويقابل هؤلاء من يقول إن هوية المسلم دينه وأن لا اعتبار لأي انتماء آخر . فالانتماء الوطني "شوفونية" والقومي "شعوبية" و"القبلي" عصبية. وكل لغة غير اللغة العربية التي هي لغة القرآن رطانة لا ينبغي أن يؤبه لها. حتى لو كانت تلكم اللغة هي الماعون الحاوي للتراث التاريخي للوطن حتى قبل ظهور الإسلام؟ وهكذا تتصادم الخطابات ويعجز جميع الفرقاء عن التوصُّل إلى إطار ناظم تتداخل فيه دوائر الانتماء التي يعزّز بعضها بعضاً على الرغم من التعدد والتنوّع، وهذه الخطابات التي تتأسس على التباين لا على التعدد الذي يتجمع وعلى التنوع الذي يتكامل فيتمم بعضه بعضاً هي أس ما يقال عنه أنه أزمة الهوية. فعندما تعجز الهوية الجمعية عن تصوُّر ما هي عليه بسبب تنازع الخطابات الفكرية فكأنما تدخل في مرحلة من عدم اليقين حول ما هي عليه وحول منطلقاتها ومقاصدها. فإذا صار الحال إلى ذلك فليس ذلك إلا الضلال المبين.
*حالة التعدّد في الدولة أهي نعمة أم نقمة؟
- التعدد حالة إنسانية، وليست حالة سودانية فردية، فكل المجتمعات تتعدد شرائحها الاجتماعية وتكويناتها الإثنية والثقافية ولم أسمع ببلد من البلدان تسكنه طبقة اجتماعية واحدة أو جماعة عرقية واحدة أو تسوده ثقافة متفردة منغلقة على ذاتها فعدم التعدد حالة افتراضية والتعدد في كل بلد هو واقع الحال وهو يتفاوت بين بلد أقرب للتجانس وآخر فسيفسائي التكوين. والتعدد ليس شراً نتجنّبه ولا خيراً نتقصّده، بل هو واقع الحال، والعاقل هو من يدير شؤونه بما يُصلح أمره. فليكن الحديث إذاً عن حسن إدارة الأمور التي هي متعددة بحسب الحال ما يعني نفي التحيّز والتعصّب وتثمين كل مسلك وكل عادة وكل ثقافة وفق معايير النفع والصلاح التي تستند إلى دين وعقل وضمير. ولعل بعض إجابتى السابقة يمكن أن تجيب على بعض مناحي السؤال.
*ما صحة أن المثقف السوداني يمتاز بالأنانية؟
-لا أتفق مع هذا القول، ولا أستطيع نفيه في كل حال فبعض المثقفين ليسوا كذلك، يوضح ذلك مسلكهم وتضحياتهم، ونحن شعب قدم متعلِّموه ومثقّفوه تضحيات جمة. بما يدل على نفي التهمة عن سوادهم الأعظم. بيد أن الثقافة السائدة في شريحة ما يُسمى بالنخبة هي ثقافة غرسها الاستعمار وهي تقوم على وضع الأولوية للسيرورة والترقي الشخصي على التقدم والرقي الاجتماعي وهي ثقافة للأسف لا تزال سائدة في الأوساط البيروقراطية والسياسية، ولكني لا أستطيع أن أشير بأصبعى إلى جهة أو أن أسمِّي جماعة أو فرداً.
*ماذا عن صراع اليمين واليسار والاستقرار ب(السودان)؟
- صراع اليمين واليسار لماذا؟ لا تقُل الصراع كان سبباً لعدم الاستقرار- فما من جهة سياسية إلا وهي تُصنَّف يميناً أو يساراً، ويمكن أن تقول يمين اليسار ويسار اليمين، وبهذا تختلق وسطاً بين اليمين واليسار واليمين واليسار منسوباً لسير الإنسان، فإما أن تكون الأشياء إلى يمينه أو إلى يساره. وهو مصطلح في السياسة يستخدم بتجاوز للمصطلح الأصلي الذي دخل به إلى الفكر السياسي. فاليسار رمز للرغبة في التغيير، واليمين رمز للرغبة في المحافظة، والمصطلح مرجعه إلى واقع جلوس حزب المحافظين في البرلمان البريطاني على الميمنة، وحزب الطبقات الشعبية والنقابية الداعي للتغيير على الميسرة. ولكن الصحافة الدارجة في السودان لها تصنيفها الذي تقصد به أن من كان شيوعياً أو قربت مسافته من الشيوعيين فهو يساري، ولو كان أقل الناس رغبة في التغيير والتكيف وما ابتعد عن ما يسمى يساراً فهو يمين، وهذا تصنيف يجسّد عشوائية التصنيف السياسي.
على كل حال، فإن الصراع صراع كل الأطراف، وليس تنافسها هو سبب عدم الاستقرار، فالصراع مبتغاه الغلبة، ولكن التنافس مبتغاه الفوز، وسبب الصراع هو أن السياسة تقوم على التعصب الأيدولوجى أو القبلي أو الجهوي ولا تقوم على الحوار والتفاهم وتكامل الأدوار.
*ماذا عن تسخير المؤسسة العسكرية من قبل النخب للوصول للسلطة؟
- المؤسسة العسكرية هي جزء من بنية السلطة في العالم الثالث، بل حتى في أوربا وأمريكا، ولكن شكل تأثيرها وتأثّرها بعلاقات السلطة يختلف بين أولئك والعالم الثالث. ففي أمريكا يتحدثون عن المؤسسة الصناعية العسكرية أي تحالف أهل الصناعة مع العسكريين الذين يمثلون الإنفاق العام الأكبر الذي يقود الاقتصاد الصناعي، وأن هؤلاء يصنعون الساسة، فالسياسة هناك تقوم على المضاغطات، وأكبر لوبي للضغط هو المؤسسة الصناعية العسكرية. أما في بلادنا، فالجيوش جزء من الطبقة المتعلّمة والمثقفة وضباطها مسيسون وذوو انتماءات فكرية وسياسية، وقد كان من السهل تصنيف ضباط القوات المسلحة رغم منع التحزب، فالفريق أحمد عبد الوهاب كان مثل سائر أهل مدينة الدامر والمجاذيب يميل إلى الأنصار وحزب الأمة، والفريق عبود مثل سائر أهل سنكات كان يميل للختمية وحزبها. ورغم احترام الضباط لمؤسستهم العسكرية وقوة التزامهم بها بما يزيد على الالتزام الحزبي، فهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي . بل إن نفوذهم على هذه الجماعات والأحزاب كان نفوذاً عظيماً، وإن كان خفيّاً وبعضهم مثل عبد الله خليل تقاعد من الجيش ليبرز دوره العظيم في حزب الأمة، ولا شك أن هذا الدور لم يبدأ بعد تقاعده، وإلا لما صار النجم الساطع في الحزب ورئيس الوزراء في حكومة الحزب. أنا لا أدين أحداً بقولي هذا ولا أبرِّئ أحداً، ولكننا في حاجة للمزيد من الدراسة والحديث الصريح عن واقع تداخل القوات المسلحة في الحياة المدنية بصورة عامة والحياة السياسية بصورة أخص. فنحن يُجدينا أن ننظم حياتنا السياسة استصحاباً للوقائع الحقيقية والفرص والعوائق الماثلة لا على تصورات نظرية أو حقائق متوهمة.
*كيف تنظر إلى حكم " الإنقاذ" وما صاحبه من إخفاقات؟
- أولاً، أود أن أفرّق بين الفشل والإخفاق، فأما الفشل فهو العجز عن متابعة المسعى لتحقيق المقصود، أما الإخفاق فهو عدم التبلّغ للمقصود رغم مواصلة المسعى، وأما أن الدولة في السودان قد فشلت أو أخفقت بصورة كلية فحديث غير مسؤول يتحدث به أشخاص يحبون التزيّد في الأحكام إن كانت الملامة في رأيهم تقع على آخرين. الدولة في السودان لم تفشل فأوضاع الحياة العامة تتحسن فيها ولو ببطء ولو بتراجعات أحياناً، ثم تتقدم ولو بتضييع فرص سانحة أوعدم استغلالها الاستغلال الأمثل ولو بتبديد الموارد في نزاعات وصراعات لا طائل من ورائها، ولكن المراجعة الدقيقة لتقدم الأوضاع في غالب المجالات تنبئ الشخص الموضوعي أن الدولة لم تفشل وهي لم تخفق أيضاً في تحصيل كل مقاصدها، ولكن رجال الدولة قصّروا كثيرًا في حُسن إدارة السياسة والإدارة العامة، بيد أني من أهل التفاؤل وأبغض التشاؤم وأصحابهً وأرجو رجاءً غير بعيد المنتأى أن يتعلم رجال ونساء السياسة والدولة من أخطائهم وأن يطوّروا الخبرة من نجاحاتهم وإن قلّت، فإن التواضع هو سلّم التعلّم. ولئن كانت أوزار ما فشلت الدولة في متابعة إنجازه أو أخفقت في تحصيل مقاصده تقع على ما يسمى النخبة، فإن للشعب أيضًا من ذلك نصيب بلا اضطرار مني لتفصيل فلستُ في مقام الحكم أو القضاء.
*هل هي في حاجة لمراجعات؟
-لا شك في ذلك لا يستغني عن المراجعة في كل حال إلا المغرور، وأما إن كان الحال ليس بالمُرضي فإن المراجعات المفضية لتغييرات عميقة وتحوّلات واسعة تصبح الخيار الراشد الأوحد.
*ماذا عن حكم السودان خلال ثلاثة عقود بفلسفة الإسلام السياسي؟
- لا أعرف شيئًا اسمه الإسلام السياسي في السودان أو غير السودان، فالإسلام هو الإسلام، وهو متّصل بحياة الأفراد والجماعات في شتى مناحيها يشمل ذلك طرق كسب عيشهم ونظم اجتماعهم وطرق إدارة حياتهم. وأما هذه العبارة فهي عبارة اخترعها أناس يريدون إقصاء التعاليم الإسلامية عن الحياة العامة. أما أن أردت تجربة حكم الإنقاذ في نصف قرن من الزمان في السودان، فهو أمر مبذول للمداولة حوله، وهو متاح للحكم عليه في جوانبه المختلفة بالنجاح أو الفشل أو الإخفاق وغالب من يثير مسألة تقويم تجربة الإنقاذ في هذا السياق يفتقر إلى الموضوعية، لأنه يريد أن يصدر حكماً بالفشل والإخفاق على الإنقاذ ثم ينقل هذا الحكم إلى الفكرة الإسلامية أنها غير ذات تهيّؤ عملي لتحقيق الحلول التي تحقّق تقدّم المجتمعات أو رفاه الشعوب.
الصيحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.