تعيش قرى النوبة بمحافظة أسوان حياة بدائية أقرب إلى العصور الوسطى، حيث تضم 5 تجمعات سكنية، تقع ما بين السد العالى وخزان أسوان، وهى «قرية تنقار وجزيرة هيسا وجزيرة بيجا وجزيرة عواض وجبل شيشة»، وتختلف واقعة تهجير أهالى هذه القرى، عن عملية تهجير النوبيين الكبرى، بعد بناء السد العالى إلى مركز نصر النوبة شرق مدينة كوم أمبو، فأهالى قرى النوبة تم تهجيرهم فى الجبال بعد بناء خزان اسوان وتعليته الأولى فى عام 1902، والثانية فى عام 1912 والثالثة فى 1933، بحيث اخذت عمليات التهجير تتدرج فى المناطق المرتفعة فى نفس أماكنها، حتى استقرت فى موقعها الحالى، بسبب ارتفاع مياه التخزين بين السد والخزان، وقرب هذه القرى الشديد من موقع بناء الخزان، مما أدى إلى غرقها وغرق الأراضى الزراعية، وأشجار النخيل التى تشتهر بها بلاد النوبة،الا أنها لا تزال تحتفظ بعاداتها وتقاليدها القديمة والتى لم تتغير مع تغير المكان، وظل تجاهل المسئولين لهذه القرى، هو سيد الموقف، حيث لم يحصلوا على التعويضات المقررة لمن تم تهجيرهم. «الشروق» تجولت فى قرية تنقار، والتى تقع على بعد كيلومتر شمال السد العالى وجنوب الخزان، وتحتضن نهاية مصب مفيض توشكى، وقال أحمد عبدالعزيز إن اسم القرية ينقسم إلى شقين الأول «تن» وتعنى الغرب، و«قار» وتعنى الشاطئ، أى القرية الواقعة غرب الشاطئ، وكانت تسمى فى الماضى تنقار دول، وكلمة دول تعنى كبيرا أى كثيرة السكان، واصبحت تنقار فقط بعد نزوح الأهالى، نظرا لتقلص عدد سكانها إلى نحو 200 نسمة، ويضيف: «عندما تم فتح المفيض فى التسعينيات، جرف معه الرمال الصفراء إلى القرية، وغطت الرمال الطمى الذى كان يعتبر من اجود انواع التربة الصالحة للزراعة». يقول مصطفى ميرغنى رئيس جمعية تنمية المجتمع بقرية تنقار: «على الرغم من الطبيعة القاسية، كانت حياتنا مستقرة، ولدينا اكتفاء ذاتى من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، إلى ان تم بناء الخزان عام 1902، وبدأت مشاكلنا لا سيما بعد بناء السد العالى وتحويل مجراه، فجميع احتياجاتنا كنا نحصل عليها من السودان من ملابس وأدوات منزلية، من خلال التجارة بين وادى حلفاوأسوان قبل بناء السد، وكنا نمتلك مراكب شراعية، نقوم من خلالها بنقل البضائع المصرية إلى وادى حلفا، ثم نعود بالبضائع السودانية من جلود وصمغ وبلح، وأصبحنا بعد بناء السد محبوسين بين جبال شاهقة جدباء، وبقعة من بحيرة صغيرة عميقة، لا أسماك ولا زروع ولا أراضى صالحة للزراعة، لأن البحيرة تحدها الجبال شرقا وغربا، ونعترف بأن الدولة قامت بإمدادنا بالمياه والكهرباء والطرق لربطنا بمدينة اسوان، لكن ينقصنا تخصيص الظهير الصحراوى للقرى، وبناء مساكن عصرية بكامل المرافق والمدارس ومراكز الشباب والمكتبات والرعاية الصحية، ومعاملتنا كمواطنين مصريين وليس رعايا مهمشين، خاصة أننا ضحينا من اجل الوطن». ويشير أحمد محمود من أبناء القرى النوبية، إلى أن النظام السابق حرم هذه القرى من الخدمات، فلا يوجد مركز شباب أو مدرسة أو وحدة صحية ولا مبنى جمعية تنمية، مضيفا: «لا أعتقد أنه توجد قرية على مستوى الجمهورية لا توجد بها هذه الخدمات، مما أدى إلى هجرة العديد من الأسر، والبحث عن مساكن بديلة قريبة من المدينة، فهناك حكومات سابقة خصصت مستعمرات سكنية للعاملين بالسد العالى وأسرهم، وتم نسيان من ضحوا من أجل بناء السد العالى والخزان، وأخص بالذكر القرى النوبية المحصورة بين السد والخزان، لأنهم أكثر من تضرروا عند التعليات الثلاث للخزان، وتضررنا من الألغام أثناء بناء السد».