تضامنا مع الروائي السوداني عبد الحميد البرنس الذي منعت إدارة مؤسسة دار الهلال طباعة روايته "السادة الرئيس القرد"، تنشر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فصلين من الرواية بالاتفاق مع الروائي. الفصل الأول ثمة عتمة.. على أرض الحوش الترابية القاحلة الجرداء تماما من خضرة، لا قاتمة، ولا خفيفة، بين بين. أما بعيدا، أعلى من ذرى جبال العاديات، وخلف مزق تلك السحب البيض القليلة المتفرقة، فالسماء زرقاء، صافية.. حانية حتى.. ومضيئة. مع ذلك، لا قمر هناك، ولا شمس. هكذا، بدا الوقت نهارا أو ليلا، أو نحو ذلك، عندما أقبل على عجل وغير توقع رجل طويل القامة، على محيّاه آثار النعمة (واضحة وجليّة). تماما، كما لو أن طعامه الضياء. أما شرابه فالمطر (لم يُلامسَ قطُّ أرضا). أبيض البشرة. شديد سواد الشعر. باختصار، لم تكن ملامحه تشبه ملامح أهل "هذه المدينةِ" في شيء. أخيرا، توقف. شمّر عن ساعده الأيسر. وطرق بحذر ولكن بقوة تكفي كي تُسمع بابَ حوش بيت الداية القانونية أم سدير ثلاثا. ثم انتظر صامتا بمقدار ما هدأت أنفاسه. لم يكن ثمة من عرق ينزّ عبر مسام جلده، إطلاقا. كان يرتدي جلبابا نظيفا أحمر رفيع الياقة. عمامته زرقاء متقنة اللف صاعدة على نحو مخروطي. أما نعله ذو السير العريض المخلوف فمن جلد بعير أشهب. مصقول ولامع. كما لو أنّه بدأ به المشي للتو. حول عنقه تلتف مسبحة حجازية طويلة خضراء تتدلى مثل ثعبان ميت إلى أسفل صدره. لم يمضِ وقت طويل على وقفته المشحونة بالترقب تلك عندما فُتِحَ وعلى غير العادة من دون أدنى ضجة تذكر باب خشب السنط العتيق على مصراعيه. وأطل من خلاله وجه الداية القانونية أم سدير، وقد بدا (ليس بشوشا كسابق العهد به)، بل قاتما، صنميّا، جهما، باردا، وخالٍ باختصار شديد من أي علامة حيّة. كما لو أن الزمن تجمد عليه. في الواقع أن ما عقد لسان الداية القانونية أم سدير هكذا، في التو والحال، أن الطارق لحظة أن أطلت عليه الداية لم يتقدم نحوها على غير عادة المتبع السائد مصافحا. لم يبتسم. كما لم يبن على وجهه، قلقُ الذين تركوا زوجاتهم مكرهين، وهنّ يُصارعن أشباح الموت، في قلب الألم المتصاعد للمخاض، من دون معونة، أو مساعدة، من أحد. فقط، واصل التحديق بأسى إلى أرض الصيف الجافة الغبراء الصلدة من تردد الأقدام، وقد اكتفى قبلها بتحيتها، وهو يهمهم بصوته الراجف الأجشّ ذاك، قائلا: "السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، يا أم سدير". كان من الواضح (كما ستخبر الداية القانونية أم سدير الناس في المجالس والمناسبات لاحقا وعلى مدى عقود تالية) أنّ الرجل جاء وهو يسعى إلى بيتها في تلك الساعة المتأخرة أو المبكرة جدا من الوقت كحامل رسالة. وقالت على سبيل تأكيد مزاعمها تلك: "قطع شك"، أو.. "يقينا ومؤكدا، يا ناس". وقد فهم أغلب الناس بذلك الوضوح الذاهل المتجدد في دهشته طوال سنوات عديدة تالية أنّ الرجل الغريب لم يكن على أية حال مجرد عابر سبيل حار دليله فأخذ يبحث مشمولا بريبة الغرباء عن مكان آمن يمضي فيه ليلته. بل جاء وفي يده بذرة ما، قابلة للزرع أو النماء. والله وحده يعلم أي نوع من الأشجار الكريمة، أو الخبيثة ستنبت، في الأخير، إذا ما غُرِسَت، على أرض "هذه المدينة". وقالت الداية القانونية أم سدير وهي تعكس مدى حيرتها المتسع وقتها كمتاهة: "رسائل مثل تلك تعجز يقينا ومؤكدا عن حملها جبال العاديات نفسها. ناهيك عني أنا. وما لا أفهمه (أيها الناس) ونعمة ماء نهر صالحين المتدفق هذا منذ بدء خلق الكون والزمن لماذا اختارني أنا بالذات، أنا الداية القانونية المتواضعة أم سدير، من دون خلق الله قاطبة، لتوصيل رسالته تلك، في حين أن شيخ بابكر إمام ومؤذن جامع "الديك أبو حبل" أولى لصلاحه المشهود به من قبل الناس جميعا بالعناية وتوجيه الخطاب مني؟". كانت علامات الحيرة لا تزال ترتسم على وجه الداية، ذي القسمات الغليظة البارزة، كمعالم قاتمة على طريقٍ ليليّ، وهي تحاول في الأثناء جاهدة وعلى الأرجح دونما جدوى التعرف على ملامح الرجل الواقف قبالتها، مثل باب مغلق. إلا أن وجه الداية الشاحب من توجس سرعان ما تكسر ولانَ، لحظة أن فطنت إلى تلك الدموع، وهي تسيل على ما بدا منذ برهة في تتابع صامت مبللة لحيته المستديرة البيضاء، فتحركت عواطفها دفعة واحدة، حتى كادت أن تقترب منه خطوة، تربت عليه بحنانٍ أموميّ، وتسأله في جيشان انفعالها ذاك إن كان جائعا أم في حاجة ماسة ولا بد إلى مساعدة، لولا أن الرجل الغريب قاطعها بتودد فاتها أن تدركه في حينه، قائلا "لا هذا ولا ذاك، يا أم سدير. لست جائعا. ولا بي حاجة، يا أمة الله، إلى عطف أو عون من بشرٍ، في مثل مقامي هذا، متواضع الحال، فقير، هالك، وفان". ثم ما لبث الرجل الغريب أن غمغم بغموض كمن يكلّم نفسه، قائلا: "الله الغني. وحده، يا أم سدير، ولا شريك". عند ذلك الحد، أخذ الخوف يحلّ محل الحيرة والعطف في قلب الداية القانونية أم سدير، وهي تواجه لأول مرة قدرة الزائر الخارقة تلك على معرفة الخواطر الصامتة وما تخفي الصدور. إلا أن مشاعرها سرعان ما أخذت في التبدل، مرة أخرى، حين رفع الطارق الغريب يده المشعرة البيضاء، وربت على كتفها قائلا: "لا تراعي، يا أم سدير، فما لأجل هذا جئت". وابتسم. لما تبين للداية القانونية أنّ الرجل الغريب ينطق مرددا اسمها بكل ذلك الحنوّ، اطمأن قلبها قليلا، وقد بدأت من دون تقصد تترك ذاتها سابحة في موج العبق الرقيق المُخترق برائحة المسك والمتصاعد في تهاديه من بين أنفاس الرجل الرطبة المتقاربة، إلى أن مالت ولم تعد تحتمل أكثر بثقلها كله إلى جانب إطار الباب الخشبي المشرع، كمن سيتداعى في أية لحظة، وسألته: "بحق الله وجاه الرسول: هل أنت الشيخ الطيب راجل أم مرح". بدا لثانية كما لو أن روحها لا بل ميزان الكون كله رهن إجابته. وطال أمد ترقبها، قليلا. انتشل الرجل رأسه، بصعوبة، من وعر ذلك الإطراق، وهو يمسح، في آن، على لحيته البيضاء المستديرة السابغة. وقال: "لا، يا أم سدير. أنا لست هو. فهو هو. الولي. قطب الأقطاب. ما أنا سوى عبد فقير جائع إلى رحمة الخالق. طامع في كريم عناية الله وفضله. وقد أتى إليكِ اليوم فقط ليخبرك أنها (إرادة الله)، يا أم سدير". وكما أقبل الرجل الغريب، تلاشى. لم يخلف وراءه من أثر، سوى رائحة المسك، على أنفها الآخذ في التعرق. بعدها، لم يعد قبالة الداية القانونية أم سدير من شيء آخر لتبصره، سوى مجرى الشارع الصغير المترب المتحول منذ برهة إلى نهير بمياه حمراء راكدة. وقالت الداية في محاولة للتغلب هذه المرة على تلك السرعة الجنونية المباغتة وغير المحتملة تماما لخفقان قلبها "اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه". وكمن شرع يعاني من تقلب آخر مباغت لطقس نزق، ولما يفق بعد من أحواله الأولى، هزّت الداية القانونية أم سدير رأسها بالنفي، طاردة بشدة فكرة أنها قابلت الشيطان الرجيم نفسه، في الواقع والتو. قالت: "استغفر الله". ولما أخذ العالم الفسيح (مثل سحب الدخان هبت عليها ريح) في التبدد والتلاشي، على حين غرة، صحت الداية القانونية أم سدير من نومها، قائلة: "اللهم اجعله خيرا". لنحو ثلاثة أشهر، ظلّ نفس الحلم يتكرر، كل ليلة، في منام الداية القانونية أم سدير، بأدق تفاصيله. ما ظلّ يثير روع الداية، لم يكن رائحة المسك، التي تظل عالقة بأنفها لوقت طويل، حتى بعد أن تستيقظ، بل كان مشهد تحول الشارع إلى نهير، على سطحه تلوح تلك الأيدي التي توشك على الغرق مجردة عن أي حماية أو أمل في النجاة. كما لو أنها تستجير بها من شيء كالقدر، كليّ السيطرة، حالك العماء، مطبق وشامل، وفوق هذا وذاك، لا يني يضغط طوال الوقت على أرواحها بثقل وقسوة جاذبا إياها نحو أعماق سحيقة مظلمة وباردة لا قرار لها. بيد أن الداية القانونية أم سدير لم تفهم أبدا ما الذي كانت تحاول جاهدة أن تخرجه من جحر عميق وهي جاثية على ركبتيها لحظة أن طرق ذلك الرجل باب بيتها. البعض أخبرها أنها ستحصل على كنز في القريب. آخرون نظروا إليها بجزع مؤكدين أن عليها من الآن فصاعدا أن تصلي وأن تصوم وأن تتصدق كثيرا لأن يديها هاتين ستجلبان إلى العالم مَن قد لا يخاف الله في عباده والحرمات. الفصل الثاني أخذ نداء صلاة الظهر يتعالى، فجأة ومن غير مكان واحد أو اتجاه محدد، طارقا أُذني الداية القانونية أم سدير، التي أخذت تغادر منذ لحظة عربة أجرة قديمة متهالكة، أمام بيت التاجر الغني غندور الجمر، على عجل. لاحت، في يد الداية القانونية اليمنى، تلك الخالية بدورها تماما من خواتم وأسورة، عدةُ الشغل: شنطة من تلك الأشياء العتيقة الباعثة للذكريات أو الحنين، من صفيح ذي طلاء أزرق أبهته غائل الزمن، بعرض ثلاثين سنتيمترا وارتفاع قامة قطّ لا حياء له من نواحي مزارع الجنيّات وطول سبعين سنتيمترا تقريبا، لها أقفال جانبية رفيعة من الألمنيوم المغطى بالخدوش، ومقبض صغير من خشب الأبنوس الأسود الفاحم ألصقته لاحقا بغراء بني غامق ومتسخ أعلى الغطاء على ما بدا يد غير ماهرة. لم يدر قطّ في خلد الداية القانونية أم سدير المنشغلة طويلا بالتفكير في عطية التاجر الغني "غندور الجمر" المتوقعة، حتى وهي تنقد السائق العجوز كحجرٍ مهمل عند قدمي هرم فرعوني أُجرته، بل وإلى أن بدأت مهمتها تلك في الداخل، أنّها قد تكون قاب قوسين أو أدنى من مجابهة ما تمّ تبصيرها به من قبل في المنام وعلى نحو متكرر في شكل نبوءة لا محالة واقعة. كانت علوية التركية، زوجة غندور الجمر، وقد كسرت مياهها منذ نحو الساعة، لا تزال تغالب أوجاع الطلق في حجرة داخلية، بمعونة محاطة بما بدا شفقة مبالغ فيها من جارتها شامة الجعيلة، التي أعدت قبيل وصول الداية قدر المياه الدافئة وطست النحاس الصغير وبعض الفوط الصحيّة المبقعة المغسولة كيفما اتفق، والتي تكفلت بتعقيمها على حبل الغسيل منذ بضعة أيام شمس أواخر شهر مايو الحارقة، وقد قامت شامة الجعيلة قبل كل ذلك بنثر حفنة رمل جلبتها هي بنفسها منذ نحو أكثر من شهر تقريبا من ضريح الشيخ الطيب حول سرير المرأة الحامل، قائلة في الأثناء "بركة (يا سيدي ومولاي الطيب) وفزعة". وكانت علوية التركية كما يقال "بكريّة". أي أنّها على وشك أن تضع المولود الأول لها. وقد بدا ربما من تجلدها ذاك أنّها من شاكلة ذلك النوع من البشر الذين أقاموا صداقات قديمة وراسخة مع الألم وأنّ ما يبقيهم أحياء على سطح الأرض ليس سوى خداع ذلك النوع من الحبّ المحكوم باليأس منذ البداية حتى النهاية. لما وقع بصر شامة الجعيلة أخيرا على شبح الداية، وهي تتخطى العتبة المرتفعة قليلا للغرفة المبنية من الطين والمسقوفة كيفما اتفق بجريد النخل وجذوعه المشعرة، هبت من مجلسها المشحون بالقلق ذاك، وقد سارعت إليها، وأخذت تهمس في أذنها، قائلة: "إنها تعاني، يا أم سدير". بدا أن الداية القانونية أم سدير نسيت بدورها إلقاء التحية، لا سهوا على الأرجح، أو جراء القلق، شأن شامة الجعيلة، بل وفاءً لتقاليد مهنة أشبه بمهنة الجندي. قد تتطلب في بعض الأحيان الركض بأقصى سرعة بمجرد الاستيقاظ مباشرة من النوم على صوت شيء كالإنذار، باقتراب العدو. إلا أن ما يوحي بالثقة في مثل تلك الأوقات أخذ يشع منذ لحظة قدوم الداية بغموض وتواتر مطّرد من كيانها كله. هكذا، شمرت أم سدير عن ساعديها، من دون إضاعة وقت، وفي صمت مفخخ بالتفكير في تجنب العواقب المحتملة، أخذت تغسل يديها قبالة سرير المرأة الحامل، وكانت شامة الجعيلة تواصل صبّ الماء لها من إبريق أصفر ذي فم مكسور كان يتوضأ منه في أوقات تصالحه القليلة النادرة مع الله، ذلك المدعو حسين الضاحك، خال غندور الجمر، وكان من عادات الأخير أن يحتفظ بالأشياء، إلى أن يتقين أنّها لم تعد بعد صالحة، في شيء. عندها، إذا كان الشيء صغيرا، يرميه جانبا، وهو يقول "لا بد أنّه يصلح لعمل وظيفة أخرى، حتما، لا أعلمها الآن. فالله لن يدع الأشياء تمضي هكذا، عبثا". أما إذا كان هذا الشيء كبيرا مثل سرير من الحديد تفككت أجزاؤه وتساقطت نوابضه واعوّجت منه الهياكل، فانه يسارع بهيئة المحسن المتصدق إلى أقرب فقير، حتى يقوم ربما بتوفير أجرة التخلص مما بدا عبئا لا فائدة ترجى منه، ولا طائل. جففت الداية يديها بعناية تامة، تاركة بقعة كبيرة داكنة من آثار الماء وخطوطا طينيّة متعرجة متفاوتة الطول والقصر كثعابين في حال من الفوضى على الأرضية الترابية العارية للغرفة، وقد أرجعت الفوطة المستخدمة تاليا إلى يد شامة الجعيلة الممتدة بالمساعدة، طالبة منها في آن أن تحضر لها زجاجة زيت "العافية"، من المطبخ القريب، لتمسح يديها استعدادا لفحص المرأة المتوجعة، مقتنعة في الأثناء أن مطبخ تاجر مثل غندور الجمر لا بد أن يحتوي على زيت مرتفع الثمن، مثل زيت العافية، الذي درجت الداية على مشاهدة دعايته المعروضة على التلفاز، من حين لآخر. وما أن قامت الداية القانونية أم سدير أخيرا بفتح الشنطة، حتى لاحت بطانة داخلية حمراء مهترئة تفوح منها رائحة تعقيم بدائي لتلك المشارط والملاقط والمقصّات وخيوط العصب والقطن والشاش الطبيين والحقن وقارورتا بنسلين ومضادات حيوية ومطهرات سائلة ذات لون أحمر قان ومرابط للسرة وكتاب أدعية صغير تمّ طبعه في مصر بنصف حجم كفّ اليد يدعى "الحصن الحصين". وكانت الداية تدرك أن الكثير من تلك الأشياء كان الغرض منه الإبهار وتدعيم مكانتها الطبية بين الناس. إلى الدرجة التي ظلّت تحمل معها أحيانا مرجعا في التاريخ الطبي يعود إلى أيام "أول ملوك الفراعنة البطالمة ومؤسس الأسرة البطلمية بالإسكندرية": "بطليموس الأول سوتير"، أو "المنقذ"، على أساس أن ما يحتوي عليه، "على أهميته"، لا يتمّ تدريسه في كليات الطبّ للأسف الشديد "هذه الأيام". لما رجعت شامة الجعيلة غافلة أخيرا من المطبخ، وفي يدها زجاجة الزيت المعنية، ندت عنها صيحة دهشة، فسألت كما لو أنّها نسيت ذلك الوجود المتوجع لعلوية التركية كيف يمكن أن تحوي شنطة الداية الصغيرة كل تلك الأشياء. وهي تمسح يديها بالزيت، قالت الداية القانونية أم سدير من دون أدنى اكتراث:"الأمر يتعلق، يا عزيزتي، بحسن التنظيم، لا بسعة الحجم". بدا كما لو أن الحرج أصاب إحساس شامة الجعيلة المرهف في مقتل. فأخذت تفكر على نحو مبهم وغامض بالقراءة وتعليم ذاتها بذاتها في سرها. "حتى تفهم خبايا هذا العالم بصورة أفضل". كما درج على القول زوجها حسن الماحي، سائق حافلة النقل الجماعي، الذي أصابته منذ أشهر قليلة، لعنةُ القراءة المحمومة تلك، في أثناء تحول ضوء شارات المرور، التي يديرها يدويّا عمّال نزقون، إلى الأحمر. لم يمر سوى نحو الدقيقة، لتدرك الداية القانونية أم سدير أنها بالفعل أمام إحدى تلك الولادات العسيرة. وقد تأكد لها أن فتحة عنق الرحم لا تكاد تتجاوز الستة سنتميترات. "ماذا"، تساءلت شامة الجعيلة بقلق مطبوع، وقد خيل إليها، كما لو أن الداية في غمغمتها منذ نحو الدقيقة تقوم بشتم الأمهات، وهي علامة دالة على "حدوث سوء ما"، والعياذ بالله.. فالطفل نفسه إذا كان من أحياء هذه المدينة يعرف أنّها علامة مشاعة عن الداية لحظة أن تبدأ بالضبط في فقدان إيمانها بما تحمل من علم ومهارة. وقالت الداية لتهدئة مخاوف شامة الجعيلة تلك "لا شيء"، بالنبرة القاطعة والحاسمة نفسها التي يفهم منها:"اللعنة! لا تساؤلات أخرى، يا شامة". بعد مرور نحو الساعتين، ومع بذل كل تلك المحاولات المتكررة، كرفع ساقي الحامل المضمومتين وهزهما برفق، ظلّ وضع الجنين مستعرضا، أي كما هو، والرحم لم يتسع بعد سنتيمترا آخر. أخيرا، وقد بلغ الألم بالأم مداه، وأخذت الثقة في جملة المعارف الطبيّة المتراكمة منذ عهد بطليموس تهتز قليلا، قالت الداية القانونية أم سدير "الأمر لله من قبل ومن بعد، يا شامة". ثم ما لبثت، وقد أسدلت كلتا يديها، أن أعطت للمرأة الحامل ظهرها، نافضة بذلك على ما بدا يديها عن الأمر كله، ومسلّمة على نحو مباشر وكره لا يحتمل بالهزيمة، الهزيمة المرة (بنت الكلبة لاسي اللعوب) التي لم يمنعها تدهور الصحة من مضاجعة نحو ألفي كلب في اليوم الواحد، كانت شامة الجعيلة لا تزال تراقب الموقف كله في صمت وحذر، وكان النزيف أو هبوط الجنين على قدميه أكثر ما تخشى الداية القانونية أم سدير حدوثه، خاصّة في ظلّ مثل تلك الأحوال العسيرة الشاقة والمعاكسة، كحظوظ **** أخرق، كما درجت الداية نفسها على القول، في لحظات تبجحها، التي لا تحصى. هكذا، في خطوة استباقية بدت مبكرة جدا، خرجت الداية القانونية أم سدير، بوجه متجهم وحلق جاف، إلى أرض الحوش الترابية الغارقة للتو في الظلّ الناعم للأصيل، والذي لم يشهد تقاطر الوافدين بالتهنئة بعد، لمقابلة غندور الجمر الآخذ منذ ساعات في المراوحة غير بعيد من باب الغرفة كما لو أنّه بندول ساعة معلّقة، على حائط، في بيت شامة الجعيلة. وكان غندور الجمر بدأ منذ بعض الوقت يعمل على تقليل شحنة التوتر لديه عبر أحلام اليقظة، ولحظة أن وقع بصره على هيئة الداية المقبلة نحوه، كان قد وصل إلى تلقين مولوده الذي يرجو أن يكون ذكرا ولا بد مبادئ تصريف المال بحساب دقيق وحكمة، موضحا له أن "النقود (يا ولدي) لا تنمو على أفرع الشجر". والحال تلك، ستلد علوية التركية في الأخير. سيكون المولود كما تمنّى غندور الجمر ورغب ذكرا. إلا أنّه لن يجني المال كما يحلم والده الآن. لا بل سيقوم بطباعته وتصريفه إلى الناس كسلعة هو المتحكم الأول والأخير فيها. وكما يقال في قصص الكتّاب، "في لحظة تهشم الحلم على عتبة الواقع"، أوضحت الداية القانونية أم سدير لغندور الجمر أبعاد الموقف باقتضاب، قاطعة عليه أدنى إمكانية أخرى قد تسمح بتدفق أحلام اليقظة تلك ثانية، طالبة منه أن يقوم بنقل زوجته، حالا، "من دون أي تأخير"، إلى المستشفى، وقد وقع بصرها خطفا في الأثناء على خروف الكرامة القابع في ركن داخليّ قصيّ من الحوش وهو يجتر علفا يابسا في رتابة وضجر بالغين. وكان هناك سرب من الطيور الحزينة يمرق في الفضاء الهامد عائدا إلى أوكاره عند ضفة نهر صالحين القريبة. ففكر غندور الجمر وهو يرمق السماء التي خلت للتو من طير، وراء رأس الداية المتطلعة إليه، قائلا في نفسه:"ما خشيت منه وقع". وكان غندور الجمر، الذي صامت زوجته عن الحمل نحو العشر سنوات، وكان تحدى بحبه لها جملة التقاليد والأعراف السائدة وقتها، قد فرض حصارا على حدث الولادة منذ الأيام الأولى للحمل تجنبا للحسد. حسب ما باح به بعد مرور أكثر من العام، وهو مخمور بمقدار صفيحة عرقي تكفي لفقدان كتيبة عسكرية لوعيها، لموظف استقبال أحول في فندق صغير لجأ إليه هربا من شر ما أخذ يسمّيه "حبائل طفل الشيطان اللعين"، وكان يعني بطفل الشيطان ذاك نفس الطفل، الذي يتوقع ولادته منذ ساعات، وتحاول علوية التركية عبثا أن تدفع به إلى خارج بطنها، في آن. ثم لما رأت الداية القانونية أم سدير ظهر غندور الجمر، وقد عارض منذ لحظة مقترحها ذاك قائلا إنه ليس منالمروة أن يعرض رجل زوجته على رجل غريب يحمل حتى "رتبة أخصائي نسوان وتوليد"، استدارت بدورها في صمت، ومضت عائدة قدما إلى الغرفة. يداها منسدلتان. على فمها لعنة صامتة بدت، في احتقانها ذاك، مثل مولود يستعرض عند عنق رحم، لا للخارج وجهته ولا الداخل. ولم تعد تفكر بعد في عطية التاجر غندور الجمر المتوقعة، خاصّة وقد بدا من حركتها الآخذة في التباطؤ أكثر فأكثر كما لو أنّها تبذل جهدا خارقا كيلا تقع عيناها الآن على عدة الشغل، بمحتوياتها تلك المبعثرة، على سرير المرأة الحامل وجانبيه، وقد بدت في تناثرها واجتماعها ذاك كبقايا معركة وضعت أوزارها للتو ولم ينتصر فيها أحد. قالت تخاطب شامة الجعيلة وعينها على المرأة الحامل "المهم"، كتعبير مفخخ بسخط كسيح عاجز ويائس عن لا جدوى التعليق، على تلك الطريقة الدارجة العقيم، التي ظلّ يفكر بها "منذ خلق الكون وبدء الزمن" كما درجت على القول "رجال هذه المدينة". ثم جلست الداية القانونية أم سدير أخيرا، على السرير الآخر حذاء الحائط الداخلي الخالي من نوافذ، قبالة سرير المرأة الحامل واضعة يدها على خدها، عيناها تتأملان في الفراغ الآخذ في العتمة وراء النوافذ المشرعة للغرفة. فجأة، قالت: "يا لهم من أحذية!". ببراءةِ مَن أخذت تفكر منذ لحظات في فوائد الكتب، سألت شامة: "ما الذي تعنيه بالأحذية؟". قالت أم سدير: "ومَن غيرهم، يا شامة؟" ولما تيقنت الداية القانونية أنّها تمسك بخيوط اهتمام شامة الجعيلة بإحكام، واصلت، قائلة: "أعني الرجال طبعا، يا شامة. إنّهم مجرد أحذية". وكما لو أن الحديث ساح حرب غير مباشرة لتصفية الحسابات ضد معارف الداية الحاسمة، حضر إلى وعي شامة الجعيلة خطفا أن الداية لم تذق الزواج من قبل قطُّ، فقالت: "لكننا، نحن النساء، يا أم سدير، لا نستطيع المشي، للأسف الشديد، من غير انتعال تلك الأحذية". ضحكتا ضحكتين مختلفتين. وقد خيل للمرأتين في اللحظة عينها كما لو أنّ شبح ابتسامة نحيل وباهت لاح بدوره خطفا على طرف الفم الأيسر الجاف لعلوية التركية. عند حلول الغسق، استحالت آلام الطلق تلك إلى أنين خافت كظيم. والظلام بدأ يتكاثف وراء نوافذ الغرفة المشرعة، ويزداد ضراوة وكثافة، واصلتالمرأتان تطلعهما إلى المرأة الحبلى، كمن ينتظر وقوعمعجزة، قد تنهي ما بدأ يتحول إلى كابوس، في أية لحظة. وقد أيقنتا وأذان فجر اليوم التالي يرتفع من غير مكان في الجوار أن عملهن قد لا يتجاوز كثيراالدعاء أو على الأرجح القيام بعمل كمادات ملطفة، فضلا عن إعادة الحرارة إلى دعواتهما للحامل بالتقاط الأنفاس ومواصلة الدفع بما في بطنها إلى الخارج. قالت الداية:"حسنا لا نزيف حتى الآن، يا شامة".وتململت المرأة الحامل في رقدتها، قليلا. ران صمت مفخخ بالتوقع والتساؤلات، داخل الغرفة الغارقة في العتمة، من قبل أن يتهشم بصوت عربة طوارئ مسرعة، بالتزامن مع عودة شامة الصامتة من المطبخ، حاملة في يدها زجاجة وقود، لتضخ منه داخل مصباح الجاز الصغير، الذي أخذت شعلته تبهت منذ مدة، كشمس غاربة من وراء كثبان رملية. وما أن تألقت الشعلة ثانية حتى عاد التيار الكهربائي الذي تمّ قطعه بعد آذان العشاء للسريان مجددا. فقالت الداية القانونية:"هذا ما كان ينقصنا: مزاح الكهرباء". ولما كاد قلب شامة الجعيلة التي غسل التعب رواسب تلك الغيرة من معارف الداية المتفوقة وأزالها عن أعماقها أن يذوب بحلول الشروق حزنا على وضع جارتها، التي بدا كما لو أنّها تحتضر، رأت الداية القانونية أم سدير أن تشغل شامة بشيء آخر جرى التثبت من قوة فاعليته في أثناء ولادات أخرى تمت تحديدا على الجانب الآخر من المدينة، حيث تكثر قبور الصالحين ويزداد نشاط السحرة خاصة في الأعياد، فطلبت منها هامسة أن تقوم بتعليق راية خضراء أعلى باب الحوش لتضليل ملاك الموت، وتتلو في الأثناء وبخشوع تام (وهذا ضروري، يا شامة) تلك الآية الكريمة من سورة يس: "وجعلنا من بين أيديهم سدا، ومن خلفهم سدا، فأغشيناهم فهم لا يبصرون". ثم تابعت الداية الحديث كمن يكلم نفسه هذه المرة، قائلة:"لعل المعجزات قد تحدث، يا شامة". كانت أم سدير تحاول بجهد جهيد في أثناء كل ذلك وربما من دون تقصد واع منها إخفاء فرحتها لتوقف تفكيرها فيما اعتبرته أحيانا "كوابيس النوم المهلكة". وقد أجهدت نفسها منذ الظهور الأول لذلك الحلم في السعي رغبة وخشية بين مواقع مختلفة للتأويل. إلا أنها أبدا لم تتوصل إلى ربط تلك الأحلام بعد بما يحدث لها "الآن"، في بيت التاجر الغني غندور الجمر، مما بدا كرياحٍ معاكسة. ضحى اليوم التالي، أخذت الداية القانونية أم سدير تواجه بمشكلة لم تكن في الحسبانما أن تذهب إلى المرحاض. أم سدير ردت المسألة للوهلة الأولى (ربما) إلىالتعب وقلة النوم. ما حدث بعد ثوان جعلها تفهم على نحو غامض، أي لم تعقله في كلمات بعد، لماذا كانت تنقب فيجحر أثناء ذلك الحلم. ربما لذلك شرعت تفكر على نحو لا يخلو كذلك من غموض وتكذيب في أيام الصوم والصلاة القادمة لا محالة. وإن كانت أم سدير في قرارة نفسها لاتزال تحلم بتحقق الشق الثاني من تفسير الحلم المتمثل في عثورها على كنز ستره الخفاء منذ مائة عام أو يزيد. لاسيما وأنها قد أعدت نفسها جيدا وتخيلت ذلك في شكلحقيبة من الحديد ملأي بالذهب كان طمرها وزير مال الخليفة عبد الله التعايشي بعد هزيمتهفي موقعة كرري مباشرة. كان الأمل متمكنا من الداية القانونية أم سدير إلى الدرجة التي فكرت معها فيالذهاب إلى بيت الله الحرام أكثر من مرة. بل قامت في خيالها حتى بزيارة ميدان العتبة في القاهرة لشراء وشاح ذهبي يلتف حول قبة "سيدي" الشيخ الطيب في المناسبات ولا أقلّ (بخاصّة) من العيدين الكبيرين والمولد النبوي الشريف. وقتها، ما أن تهيأت الداية لقضاء حاجتها، ومع أنّه لم تكن توجد هناك أية علامة على وجود جحور أو شق في الحيطان المتقاربة المصمتة للمرحاض، حتى بدأت تصطف أمامها في خط أفقي، مجموعة صغيرة من السحالي، التي أخذت تتابع النظر إليها، بعيون حزينة دامعة، لم تنفع محاولات رشقها بالماء في جعلها ترمشللحظة، ناهيك عن محاولة الدفع بها للهرب، أو حتى للتزحزح جانبا. إذ ذاك، والداية تنهض ساحبة سروالها تجنبا لحدوث الأسوأ، فكرت:"هناك شيء مريب يحدث في هذا البيت". لم تجد الداية القانونية أم سدير أمامها من مخرج، والحال تلك، سوى القفز إلىخارج المرحاض، من دون أن تشرع كما يشاع فيما كانت بصدده، وقالت الداية القانونية ترد من بين أنفاسها اللاهثة على شامة الجعيلة وقدنسيتا على ما يبدو أمر المرأة الحامل "في مثل تلك الأحوال لا شيء يعوقني، يا شامة، عنالجري بعيدا، على الرغم من طول لساني، حتى لو كان هناك جيش من الرجال ينتظر عند باب المرحاض في الخارج". ثم وهي تنتشل نفسها من صمتِ تفكيرٍ مباغت ألم بها، قالت الداية القانونية: "لولا الخوف من الله، وخذلان الذاكرة في مثل هذه السن يا شامة، لقلت إنني كما لو سمعت داخل المرحاض إحدى تلك السحالي، وهي تقول: ويل للداية القانونية أم سدير". ثم.. وهي تلقي نظرة حزينة على الوجود الهامد لعلوية التركية، واصلت حديثها، قائلة "لكن ما من شيء، يا شامة أختي، سيصرع القدر، كما حدثني شيخ بابكر، بمثل ما تفعل قوة الدعاء الحار". لم يصل لشامة الكثير مما قالته الداية للتو. ويبدو أن شامة الجعيلة كانت تأخذ مسألة السحالي تلك في البدء على سبيل المزاح، خاصة وأنّها كانت قد استبقت الداية إلى المرحاض نفسه بنحو النصف ساعة ولم يحدث لها هناك ما يمكن أن يثير مثل هلع الداية هذا، إلا أن ذلك لم يكن في باطنه مزاحا، بل نفحة من عقل شامة الجعيلة الذي تدرب طويلا في السابق على إنكار الأشياء السيئة، ما لم ترها هي بنفسها، حتى إذا رأتها فإنها عادة ما تسلك كما لو أنّها لم تبصر شيئا، وهي الميزة التي تخلت عنها كما سنرى للمرة الأولى ومنذ البداية، ما أن تعلق الأمر بما أسماه غندور الجمر نفسه، في حديث مخمور إلى موظف الاستقبال العجوز الأحول، بعبارة شاعرية موحية بتعقد الأزمة وضعف الحلول المتاحة، نصّها: "حبائل طفل الشيطان اللعين". إلا أن الخوف بدأ يدب بالفعل في أوصال شامة الجعيلة، متجاوزا متانة حيطانها الداخلية المحكمة، عندما صاحت الداية القانونية أم سدير التي امتلأت مثانتها عن آخرها قبيل أذان المغرب، وأخذت تدق بقدميها على الأرض مثل طفلة، وهي تطلب من شامةمرافقتها إلى المرحاض، "الآن ودونما تأخير"، ولم تكن الداية في ذلك مراعية بالمرة لوضع علوية التركية المثير للرثاء، وقد فاتها أن تتفهم كذلك في حراجة وضعها الخاص المتفاقم أن شامة الجعيلة كما تثبت وقائع الخبرة الخاصّة بها لا يعود استخدامها لسلاحٍ مثل الغمز والتجريح، وإن شئت "المطاعنة"، إلى نزعة إظهار القوة، بقدر ما يعود إلى رغبة غريزيّة للتغطية على تكوينها الداخلي الهش الضعيف، ولم تكن شامة الجعيلة دائما تلك المرأة التي يمكن أنيعتمد عليها ولو جزئيا في وجود الخطر، خاصّة وأنه لم يخطر ببال (شامة المسكينة) أبدا و"طوال حياتها" أن سمعتأو تخيلت وجود سحالي في هذا العالم، بمثل "هذا السوء والسفه والاستهتار والفاحشة والوقاحة أيضا"، بل ربما يمكن أن تتجرأ، وتقتحم خصوصية النسوان المعتبرة في المرحاض هكذا، أي بعيون خالية من أي ذرة حياء، بل لها كذلك إذ تبكي حتى خصائص عين تمساح ماجن، من نواحي بحيرة تقع غربي سلسلة جبال العاديات تدعى باسم "ساق الكافرة". الأكثر مدعاة للحيرة أن أم سدير، وقد نهض جبن شامة الجعيلة قبالتها بغتة كحائط، وجدت مع تفاقم وضعها الحرج ألا مفر هناك، من إجراء مفاوضات تقنع شامة بالوقوف أمام باب المرحاض المفتوح لمنع أي رجل يمر من هناك، وقد كان أن نفذت شامة الجعيلة بنود الاتفاق على كره، ولكن في وضع الاستعداد للهرب عند سماع أول صرخة قادمة من الداخل، وقد رسخ في ذهنها المشوش من قلة النوم والتعب ما قالته أم سدير من أن النطق باسم الجلالة في مكان قذر قد يحولهما معا إلى جنيتين ويبعدهما بالتالي عن عالم الإنس مرة واحدة وإلى الأبد. ويبدو الآن أن محنة المرأتين تتم في وقت بدت معه آلام المرأة الحامل من الأمور العادية الأخرى لتفاصيليوم عادي آخر. لقد عبرت شامة الجعيلة وقتها باقتدار كزوجة لقارئ نهم مستجد للكتب عن الموقف برمته وهي تنظر إلى جارتها على بعد تلك الساعات القليلة من الولادة، قائلة: "كان ينقصنا بالفعل مثل ذلك الوجود المزعج لسحالي الشيطان".