طالعت مقال منشور للدكتور حيدر إبراهيم علي ،في صحيفة الراكوبة الإلكترونية ينتقد فيه جدلية المركز والهامش ومشروع السودان الجديد. للامانة ادهشتني كتابة د.حيدر الذي عرف بانضباطه الأكاديمي وفوق ذلك تحليلاته العميقه،وقراءته المنطقية للأحداث ، استغربت للتبسيط المخل والقراءة الشائهة والمبتسرة لحقل الصراع وطبيعته، ورده لأسباب اجتماعية واقتصادية. فاذا أخذنا تحليله بأن طبيعة الصراع لاسباب اجتماعية اقتصادية فهذا يدلل علي ان الصراع ذو منحي ثقافي باعتبار الاقتصاد والجوانب الاجتماعية تدخل في لب الثقافي. وجدلية المركز والهامش تقول بأن اساس الصراع في السودان هو تحكم ثقافة بعينها وتمكنها من الدولة واستعمال أدوات هذه الثقافة من دين ولغة وعادات إجتماعية وزي وغيرها من محركات الثقافة كاسلحة أيديولوجية تستعملها في قمع بقية الثقافات والقضاء عليها او السيطرة عليها او تذويبها او لتصير جزء منها ومن ثم الاستئثار بخيرات ومقدرات وثروات البلاد. اما فيما يخص استشهاده بعلي الحاج وغيره من ابناء الهامش علي انهم من المفسدين، واسقاط الجزء علي الكل فهذا تبسيط مخل وغير أمين وغير دقيق نربأ بدكتور في قامة حيدر ان يقع فيه. فعلي الحاج وضع له وأمثاله تعريف ووصف دقيق بانه معاد إنتاجه داخل حقل الثقافة المهيمنة من خلال ممارسة تضليل ايدلوجي عليه باستعمال احد أسلحة هذه الثقافة كما ذكرنا عاليا وهو الدين، فالمركز يتمتع بذكاء وخبث يمكنه من استعمال هذه الأسلحة بدقة، فاختار مع دارفور ان يستعمل معهم سلاح الدين لاعتبارات تتعلق بالمقدس وتاثيره علي أهلها ، فتم تصوير ان الجامع بينهم وبينه هو الدين وألا اعتبار لي اي شي اخر غيره في المنظومة هذه، فتمت إعادة توجيهه لما يلائم هذه الثقافة ويخدم خططها للسيطرة ،وهي هنا تحتاج لمثل علي الحاج وخليل ومحمد الامين خليفة وغيرهم من ابناء الهامش لممارسة نوع من التضليل او التغبيش الإيديولوجي بان الهامش ممثل في منظومتهم ولكن يبقي السؤال لماذا أستبعد علي الحاج بعد وفاة الزبير ان يكون نائبا اول رغم انه أول المرشحين، وجي بعلي عثمان بدلا منه؟ولماذا لم يتدرج خليل ليصير رئيسا للوزراء مثلا،والشاهد ان خليل بعد ان عرف انه خدع وانه تمت اعادة إنتاجه ليقوم بدور الحارس والبودي قارد، نفض يده وتمرد علي ذات النظام حتي لاقي ربه،ومثله فعل بولاد،والمضحك هنا انه حين توفي الزبير محمد صالح وكان جورج كنقور نائبا ثاني وبعد فراغ منصب النائب الأول ظل جورج كنقور نائبا ثاني لفترة حتي تم تعيين علي عثمان،وحالة جورج كنقور اسميت في الجدلية بالترميز التضليلي* بمعني تمثيل القوميات المهمشة بافراد انتهازيين واختزال هذه القومية في فرد ووضعه كصوره او ديكور لخداعهم بانهم ممثلين في الدولة. في الجانب الاقتصادي معلوم ان قبيلة الزغاوة كقبيلة وأفراد من اكثر القبائل التي تمتلك المال سوا كان علي مستوي الافراد او كمجموع قبلي ولكنها رغما عن ذلك حملت مجموعة منهم السلاح وكون بعض أفرادها اكبر مجموعات حاملة للسلاح سوا كان في حركة العدل والمساواة او حركة تحرير السودان جناح مني،والسؤال لماذا حملت السلاح الإجابة ببساطة انها مهما امتلكت من المال فإنها تظل في الذهن الثقافي الإيديولوجي المسيطر في تراتيبية اجتماعية دون او اقل، وهذه حقيقة لن ينكرها الا من يحاول ان يحجب ضوء الشمس بغربال. اما لماذا تقاتل ابناء الهامش فيما بعضهم في الجنوب فالإجابة في غاية البساطة ومن ذات التحليل الثقافي وهو انهم يتقاتلون حول السلطة ويستعملون البعد الثقافي القبلي للحشد وحسم الصراع اي ينكفئو نحو انتماءاتهم البسيطة اي القبيلة وهذا مبين باسهاب في ذات التحليل الثقافي،والمؤكد انه لاتوجد طبقة اقتصادية ليلجاؤن اليها فالدينكا والنوير حالهم كبعض في الفقر والجوع والوضع الاقتصادي يعتمدون علي حليب ولحم ابقارهم وما تجود به الارض من فاكهة وبفرة. أن دولة الجنوب حالها كالشمال مجتمعات قبلية ما قبل برجوازية محور تماسكها العاطفي هو الرث او المك او الزعيم . وقعت قبيلة الدينكا في ذات الخطأ الذي كان تحارب فيه ايديولوجيا المركز وهو محاولة حيازة السلطة واستعمال المحددات الثقافية من لغه وعادات وغيرها كاسلحة أيديولوجية لحسم الصراع اي التمترس والالتجأ القبيلة وليس هناك من طبقة برولتاريا او برجوازية لتلجأ إليها، ومن بعد ان تحسم الصراع بمحددات ثقافية بحتة تقوم بالاستئثار بالسلطة والثروة ليكون الاخرين تبع ومحاولة تذويب او اقصاء بقية القوميات مما جعل القوميات الاخري ترفض هذا الفعل وتصفهم بانهم يحملون ذات صفات وسلوك الجلابة وتقاتلهم ،وأسهم تفشي الجهل الذي اوقعتهم فيه نخب الشمال وحداثة تجربة الدولة وانانية وفساد النخبة الحاكمة في الجنوب والنزعة القبلية في انتشار رقعة الصراع وكارثيته. الشي الآخر الذي ذكره د. حيدر وجانبه فيه الصواب وخطأ المعلومة،انه ذكر حقيقة غير صحيحة وهي ان الحركة الشعبية ابعدت ولم تشرك التجمع الوطني الديمقراطي في مفاوضات نيفاشا،والصحيح ان حكومة المؤتمر الوطني هي من رفضت أن يشارك التجمع وتعنتت في موقفها. اما صراع مالك عقار وعبد العزيز الحلو فهو ليس صراع في جوانب فكرية وانما هو شكليات واسهم انفراد مالك عقار وياسر عرمان بالسلطة ومممارسة الإقصاء والتخبط في ابعادهم واري ان د. حيدر اسقط عرمان عمدا او سهوا مع انه المعني الرئيسي بقرار الابعاد، وآثر مالك ان يدور في فلكه لانه مسيطر عليه بالكامل من قبل ياسر عرمان. الخلاصة ان هناك فهم مغلوط وخاطي لي رؤية ما عرف بالمركز والهامش والصحيح ان الرؤية ليس لها إشكال مبيت مع اي عرق او جهة او دين ولكن أشكالها متي ما سيطرت ثقافة ما وحولت محدداتها من دين وعرق وجهة الي اسلحة أيديولوجية تقهر بها بقية المكونات وتجيير هذه المحددات لصالحها بغية السيطرة والهيمنة علي الوطن وتري انها الحقيقة النهائية للوطن وان دينها وعرقها وجهتها هي الأعلي والامثل فهنا يجب عليها ان تكف عن سلوكها هذا وتحترم تعدد هذا الوطن وتترك سؤال الهوية من تحديده لقومية ما، من الاني للمستقبلي وفق قيم الحرية والعدالة والمساواة وفي ظروف متساوية كما ونوعا. *الترميز التضليلي مصطلح استعمله د.ابكر ادم إسماعيل في جدلية المركز والهامش. وبعده د. محمد جلال هاشم في منهج التحليل الثقافي . فاروق عثمان [email protected]