د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع القطري السعودي: تمرين لمعركة أكبر!
نشر في الراكوبة يوم 06 - 07 - 2017

تكشف الأزمة الناشبة بين السعودية وحليفاتها من جهة، ضد قطر من الجهة الاخرى، عن وجود مشكلة مزمنة لدى المجتمع الدولي، خاصة الغرب صاحب القوّة الأكثر فاعلية، في فهم الاحداث التى يكون مسرحها العالم الإسلامي. ينتج عن مشكلة سوء الفهم هذه، ارتباك متواصل في ردود فعل هذا المجتمع تجاه ما يدور في هذه المناطق من أحداث، مما يتسبب في إطالة أمد الإرهاب الإسلاموي الحالي، الذي صارت ساحته كل أجزاء العالم، وطالت أهدافه المحتملة أي منشأة قائمة عليه، وشمل ضحاياه كل من ساقته الصدفة إلى نقطة مكانية وزمانية إختارها متطرف مجهول، كل مايريده تسبيب أكبر قدر من الأذى لأكبر عدد من الضحايا.
إن المواقف غير المتسقة لدول الغرب، في تقويمها وردود أفعالها على حالة الصراع الراهن بين قطر والحلف السعودي، والمتأرجحة بين التعاطف مع قطر كما يفهم من موقف المانيا، والتضامن مع السعودية كما فعل الرئيس الأمريكي، أوالصمت والإنتظار كما هو الحال بالنسبة لمعظم بلدان الغرب؛ هذه المواقف بنيت على حيثيات لا تساعد في مواجهة العدو الأول للإنسانية اليوم، وهو الإرهاب الاسلاموي. ذلك انه وبغض النظر عن الطريقة التي اتخذتها السعودية وحليفاتها لمواجهة قطر، أو الحسابات التي بُنِي عليها ذلك الموقف إبتداءً، فإن الغرب يخطئ إذا نظر إلى قطر باعتبارها ضحية لتآمر غير شريف، أو أن جريرة قطر الوحيدة هي تمويل المتطرفين. ويخطئ الغرب أكثر إذا اعتقد أن تحرك تركيا ووقوفها المساند لقطر، الذي تم بشكل مفاجئ وغير مألوف، إنما كان دافعه الإحتجاج على ظلم جيران قطر الأقوياء، علماً بأن تركيا لا تملك روابط أو علاقات تاريخية مع دول المنطقة تبرر ذلك!
في الواقع، لقد مثل التحرك الجديد لتركيا أردوغان، والمكشوف عسكرياً وسياسياً، إعلاناً جهيراً بتأسيس حلف، سبق التحضير له، هدفه فرض نظام إسلاموي على كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كمرحلة أولى. حلف ينتمي للمذهب السني في مظهره، لكنه متناغم مع المشروع الإسلاموي الشيعي الإيراني الذي يرنو لقيادة العالم أيضاً. وهو تناغم ليس بالجديد، فقد بدأ أبان غليان الثورة الإيرانية، التي وجدت تشجيعاً حاراً بها من قبل الإسلاميين الحركيين السنة، ثم تطور التعاون والتنسيق بينهما لاحقاً حتى وصل مرحلة التآخي بين تلك التيارات، مثالاً له حركة حماس في غزة وحكومة الإخوان المسلمين بالسودان.
بالرجوع للماضي قليلاً، فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما أعقبها من عمل عسكري ضخم بدأ بافغانستان، أظهرت وجود رابط قوي، بل ربما حلف، بين النظام القطري والجماعات المتشددة الخارجة عن الوهابية، مثل طالبان والقاعدة وجماعة أبومصعب الزرقاوي؛ حيث لم تصمت الآلة الإعلامية القطرية الهائلة، لحظة عن تأكيد هذه الحقيقة، وذلك من خلال ما كانت تبثه من تبريرات للأفعال الإرهابية، وما تقوم به من تعبئة لمشاعر التضامن مع مرتكبيها، وما تجتهد في إلصاقه على مخالفيها من صفات ذميمة. لا نظن أنه عصياً على الاستنتاج للمراقب الحصيف أهمية وخطورة دور قطر، في رعاية تلك الجماعات من خلال الدعم المالي واللوجستي والإعلامي والسياسي.
يتطلب الإنصاف، الإشارة إلى أن قطر ليست وحدها المسئولة عن نشؤ وتمدد جماعات الإرهاب، فالسلفية الوهابية الواسعة الإنتشار في العالم الإسلامي، والتي تُعتبَر المذهب المسيطر بالسعودية وتُحظَى برعايته رسمياً، هذه الجماعة هي المزود الرئيسي للجماعات المقاتلة بالرجال والأفكار، بدون أن تنتبه السعودية ذاتها لخطورة ذلك عليها. إنه من الواضح لدينا أن حالة الغلو والتشدد الديني التي يقوم عليها الحكم السعودي، ويدعمها على كل الأصعدة، هي المدخل الرئيسي للتطرف كمرحلة أولى، ومن ثم، وبتوفر قليل من التعبئة، يتم الإنفلات فيتحول التطرف إلى شكله العنيف عبر الارتباط بالجماعات المقاتلة. وهنا يتحول النظام السعودي نفسه لضحية لقوى ساعد هو نفسه في إيجادها.
ربما يصعب على حكام السعودية إدراك نتائج ما يصنعونه بأيديهم، بحكم تحالفهم الوثيق مع المؤسسة الدينية الوهابية التي جذّرت الغلو الديني في المجتمع السعودي، لكن من المؤكد أن الأسرة الحاكمة باتت متوجسة أكثر مما مضى بأن مصرعها ربما يأتي من جانب الحلف القطري التركي الإيراني، حيث أضحى هو الملهم والموجه للحركيين الإسلامويين بمن فيهم المجاهدين الذين خرجوا من عباءة الوهابية. هذه الوساوس السعودية بخصوص ايران والحركيين الإسلاميين الآخرين، يجعل من الطبيعي أن يصور الحكم السعودي الوضع القائم في المنطقة باعتباره صراع مذهبي وأن يسوّق فكرة أن ايران هي راعية الارهاب.
لايمكن للمراقب المنصف، أن يقبل إدعاءات السعودية وحلفاءها بأن إيران هي الداعم لموجة الإرهاب العارمة التي تجتاح العالم اليوم، فما هو ظاهر للعيان لا يشير بذلك، بل بالعكس فإن المتهم الأوضح هو المملكة ذاتها. ربما كان الأجدر للسعودية أن تتوجس من الحلف القطري التركي أكثر من إيران، حيث أن التطرف الوهابي الداخلي عندما يصل ذروة النفور من الطبقة الحاكمة السعودية، ويدنو من مرحلة تحبيذ العنف، في هذه الحالة سيكون أقرب للتعامل مع الحلف القطري التركي الأقرب مذهبياً ووجدانياً. إن هذا لا ينفي بأن إيران، ولإعتبارات متعلقة برغبتها الأيديولوجية الجامحة في تزعم العالم الإسلامي وتحدي العالم الآخر خاصة الغرب، وهو أمر يماثل أهداف تركيا وقطر أيضاً، لها المقدرة والرغبة في تسبيب الأذى للنظام السعودي في حال وجدت الفرصة لذلك.
نرجع لموقف الغرب من الأزمة الناشبة، لنؤكد بأن موقف الرئيس الأمريكي وضغطه على قطر لتكف عن تمويل الجماعات المتطرفة له أساس قوي، بيد أن ذلك الموقف ينقصه الكثير ليستوفي متطلبات الحرب على التطرف والإرهاب. إن تجفيف مصادر الدعم المالي عن الحركات الجهادية أمر مهم، لا شك في ذلك، لكن الأهم هو أن يدرك من هو في مقام رئيس الدولة الأقوى في العالم، أن خطورة الدور القطري ليس في تقديم الدعم المالي فحسب، وإنما في تسخير تلك الإمارة لامكانياتها المادية الكبيرة، وتجيير شبكة علاقاتها المعقدة، لصالح تقوية جماعات الإسلام السياسي بمختلف أجنحتها وتمكينها من السيطرة سياسياً وعسكرياً على كامل العالم الإسلامي. إن قطر تقدم الملاذ الآمن، وتوفر تسهيلات الحركة لقيادات وناشطي الإسلام السياسي بالتنسيق الواضح مع تركيا. إضافة إلى ذلك، فإن هنالك دوراً فائق الاهمية وبالغ الخطورة نجحت فيه قطر، وهو توفير الإعلام المؤثر جداً، والقادر على حشد تأييد المواطن العربي وجعله متضامناً سراً أوعلانية مع كل هذا العنف.
إن الاعلام القطري، خاصة شبكة الجزيرة الإعلامية بمنابرها المتعددة، يقوم بدور أصيل في تغذية التطرف الإسلاموي باستثمار المحمول العاطفي الجامح، لدى الفرد المسلم تجاه قضية الشعب الفلسطيني وغيرها من قضايا العالم الإسلامي، وشغف ذلك الفرد بتحقيق أي انتصار مهما كان ضئيلاً، ومهما كانت وسيلته، على اسرائيل أو أمريكا. يعمل ذلك الإعلام بذكاء شديد واحترافية عالية على الهاب المشاعر، وجعل الفرد مستفزاً على الدوام، خاصة مع ضعف التفكير السياسي العقلاني الموروث بالمنطقة، وذلك بتصوير كل الصراعات القائمة باعتبارها هجمة على الإسلام، وتبرير كل مظاهر القهر الواقع على المجتمع المسلم، وتخلفه السياسي والإقتصادي والإجتماعي، باعتبارها أمراً منظماً سلفاً من دول الغرب واسرائيل.
في نهاية الأمر، يمكننا التقرير، بأن الإعلام القطري قد نجح في تعبئة مشاعر الفرد المسلم وصياغة طريقة تفكيره وردود أفعاله بشكل يجعله متقبلاً لأفكار وأفعال الإسلام الجهادي المتطرف. أي دليل على طبيعة الإعلام القطري، أوضح من أن يصف مدير مركز الحريات العامة وحقوق الإنسان بقناة الجزيرة، سامي الحاج، في لقاء صحفي حديث معه، يصف بن لادن بأنه رجل عظيم وأنه كان يتمنى لقاءه؟!
مما يثير الانزعاج أيضاً في موقف الغرب، وخاصة موقف الرئيس الأمريكي من الصراع القطري السعودي، تجاهله للدور الرئيسي للسعودية في خلق ورعاية المناخ الذي يولِّد الفهم المُمْعِن في الغلو الديني والكراهية وانكار الآخر، والذي هو المدخل الرئيسي للتطرف، ومن ثم الى العنف. وما نتحدث عنه من مناخ مشجع لنشوء الأيديولوجية الشريرة بالسعودية، لا يحتاج الناظر المتمعن لمجهود كبير لإثباته، فالأمثلة أكثر من أن تحصى! يكفي أن نشير إلى أنه وفي ذات الوقت الذي كان فيه الرئيس ترامب يشيد بالسعودية في مكافحتها الإرهاب، كان المنتخب الوطني السعودي لكرة القدم، على الضفة الأخرى للمحيط الهادي، يرفض بإصرار مشاركة مضيفه الأسترالي الوقوف الرمزي، على أرض الملعب، لمدة دقيقة حداداً على ضحايا احداث العنف الارهابى فى مانشستر، بسبب حيثيات دينية تمنعهم عن ذلك! بل هل هناك إثبات لدرجة الغلو الديني، أكثر من أن تحرّم السعودية قيادة المرأة للسيارة وتُجَرِّم ظهورها في الحياة العامة، حتى ولو بشكل رمزي درءاً للحرج عن البلاد، كما حدث أبان زيارة الرئيس الأمريكي الذي أتاها بزوجته وإبنته؟!
ليست الوهابية هي الأيديولوجية الوحيدة التي تغرس الغلو الديني، الذي يؤدي للتطرف، وتالياً للإرهاب، فمعظم التيارات الإسلاموية الفاعلة كالأخوان المسلمين والشيعة الإيرانيين، هي بشكل عام تفتقر لقيم التسامح واحترام الآخر، وتعمل بشكل منظم على تجذير حالة الغلو الديني، المؤدي في نهاية الأمر للتطرف. يصبح محاصرة تلك التيارات وفتح الطريق للفكر المستنير أمراً حتمياً لإقتلاع التطرف من جذوره.
إن الصراع الناشئ بين السعودية وحلفائها من جانب، ودولة قطر من جانب آخر هو صراع أيديولوجي بامتياز. فكلاهما يدعم التطرف المؤدي للإرهاب لكن بطريقته ووفقاً لحساباته. فالسعودية متوجسة من الإسلام الراديكالي بشقيه السني والشيعي، وقطر تدعم ذلك التيار بكل قوة. إننا نزعم، وباطمئنان، أن الهدف الرئيسي لسياسة قطر الخارجية لا يعدو غير أن يكون أيديولوجياً محضاً، فهو لا ينبع من ضرورات وضعها الداخلي، كما لا يرتبط بمصلحة شعبها. يتمثل ذلك الهدف، في تقديرنا، في ترسيخ وجود الإسلام الراديكالي ودفعه بقوة ليهيمن على كامل المحيط الإسلامي. إن الدلائل على ذلك تفيض عن الحاجة للإثبات، أبسطها أن قطر نفسها دولة تفتقر للشروط المعروفة التي يتطلبها الدور الزعامي الذي تسعى إليه بشراسة. بل أنه، وفي الواقع، لا توجد أسباب منطقية تدعوها للعب هذا الدور من الأساس. قد يتفهم المرء عداء قطر للسعودية باعتبارات التخوف من الجار القوي الذي له محاولات سابقة في التأثير على الحكم بها، لكن كيف لنا أن نفهم معاركها السياسية الطاحنة مع مصر، البعيدة عنها جغرافياً والتي ليس لديها معها حساسيات تاريخية أو ثقافية؟ وكيف لنا أن نفسر إهتمامها الزائد عن الحد بمناطق التوتر في العالم كأفغانستان والعراق، وليبيا، مثلاً؟ إنها الرغبة في ترسيخ الأيديولوجيا الإسلاموية، إذن!
نفس الأمر ينطبق على تركيا وإيران بشكل أو آخر، حيث كلتاهما تسعيان بشدة للعب دور زعامي لا توجد ضرورات ومصالح وطنية تستدعي القيام به غير الهوس الأيديولوجي. صحيح أن النزوع القومي التركي والإيراني قوي من الناحية التاريخية، لكن الأيديولوجية الإسلاموية صعّدت عالياً من سقفه، الذي كان في حدود تحقيق التفوق على الجيران، وارتفعت به لأفق الرغبة في سيادة العالم، تلك التي أفصحت عن نفسها من خلال استفزازات أردوغان المتعددة للأوروبيين، ونصيحته، البالغة الدلالة، للأتراك الذين يستوطنون أوروبا الغربية في أن يزيدوا من معدل مواليدهم! فالدولة التركية العلمانية كانت مهجوسة أكثر بابراز مقدرتها في التعامل بندية مع جيرانها وشركائها في القارة الأوروبية، ومقدرتها في قمع الأقليات كالأكراد والقبارصة، لكنها لم تحاول أن تبسط نفوذها في المنطقة العربية، أو تطلب لنفسها موقعاً متقدماً في منظومة الدول الإسلامية، أو تضع نفسها في مواجهة اسرائيل مثلاً.
نفس الأمر ينطبق على إيران بشكل أو آخر، فهي بعيدة عن العالم الإسلامي كثيراً جغرافياً ومذهبياً وعرقياً، كما أن لها حساسيات مع دول مهمة بالمنطقة، رغم هذا، ولرغبتها المحمومة في السيادة، جعلت من اسرائيل قضيتها الأساسية؛ في تجاوز حتى للفلسطينيين أصحاب القضية الأساسيين!
يخطئ كثيراً من يظن أن القضاء على الإرهاب يتم بالمواجهة الأمنية والحصار المالي. ربما يساعد ذلك في تعطيل تحول الإرهاب لكيان جغرافي، لكنه لن يوقف التطرف والإرهاب بالتأكيد. إن التحقيقات التي شملت مئات التجارب السابقة، كهجمات بوسطن وسان برناندينو ومانشستر ومصر وغيرها، تثبت أن تصرفات الإرهابيين لا تحكمها أوامر آتية من الخارج، كما تبرهن تلك الأحداث على أن الدعم المالي لم يكن شرطاً هاماً لإنجاز أولئك الإرهابيين لمخططهم.
لا بد من أن ندرك جيداً أن العالم يتعامل اليوم مع نوع غير مألوف من المقاتلين، يقدم الفرد منهم حياته بنفس السهولة التي يُنفِّس فيها بعضنا عن نفسه بتدخين سيجارة! مقاتلين لا يمكن التعرف عليهم قبل تنفيذهم لعملياتهم، لدرجة أن أقرب الأقربين لهم لا يصدق ما فعلوه! مقاتلين لا يمكن ايقاف مدهم الا بتنقية المناخ الذي خلق بذرة الحقد والكراهية وحب الموت داخلهم. إلا بهزيمة أفكارهم!
لذا، إذا أراد العالم الأمان فعلاً، فعليه التخلي عن النمط الكلاسيكي في تحليل الأزمات، مثل ربطها بمشاكل الاقتصاد والتهميش الاجتماعي والخلل في تطبيق العدل، فالأزمة الحالية أزمة أفكار، ومعالجتها لابد أن تكون في ميادين مختلفة. على العالم أن يركز على إصلاح النظام التعليمي في العالم الإسلامي وتنقيته من كل ما يؤدي للكراهية والحط من قيمة التفكير. كما عليه إيقاف عبث شيوخ التطرف في الفضائيات وتدخلهم في كل جوانب حياة الناس وتسميمهم لعقول الناس وقلوبهم. على العالم أن يضغط بقوة لفتح للأبواب أمام الرأي المستنير بدلاً عن محاربته، وأن يدرك أهمية خلق إعلام أكثر ميلاً نحو العلم والتفكير العقلاني في مختلف الفضاءات. وأخيراً، وليس آخر، على العالم أن يعمل على تحديد دور المسجد والمؤسسات الدينية وحصر دورها فيما هو مرتبط بالعبادة، بدون تدخل في كيفية حكم البشر لأنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.