مجلس الوزراء يجيز موجهات وسمات وأهداف موازنة العام المالي 2026    والي نهر النيل يوجه بتعليق وايقاف الأنشطة الرياضية والثقافية تمشيا مع اعلان حالة التعبئة والاستنفار بالولاية    الذهب يقلص مكاسبه بعد خفض الفائدة الأمريكية وتصريحات باول    بالصورة.. مايسترو الهلال والمنتخب الوطني ينشر تدوينة مؤثرة عن أحداث الفاشر: (كيف لنا أن نلهو.. الجسد موجود لكن القلب والروح والبال في الفاشر كل صورة وكل فيديو يأتي من هناك بمثابة سكرات موت)    مجلس رعاية الطفولة: مقتل ألفي طفل وفقدان (3) آلاف سيدة و(1500) مسن على يد المليشيا بالفاشر    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يصطفون خلف الفنانة رحاب عذاب في شكل "حلقة" ويدخلون معها في وصلة رقص مثيرة وساخرون: (عالم فارغة الناس في شنو وانتو في شنو)    شاهد بالصورة.. جمهور فريق الجيش الملكي المغربي يرفع لافتة في إحدى المباريات: (لأهل السودان وفلسطين لن يؤخر الله جزاء الظالمين)    لماذا يتفاخر عناصر الدعم السريع بقتل المدنيين بالفاشر؟    شاهد بالصورة.. لاعب ريال مدريد ونجم الكلاسيكو الأخير يدعم السودان بهشتاق: (أنقذوا السودان)    150 مليون إسترليني تعيد صلاح لدائرة الاهتمام السعودي    شاهد بالفيديو.. "الشمار" يتسبب في غضب وانفعال الفنانة ندى القلعة تفاجئ جمهورها    كامل إدريس..دماء الضحايا لن تذهب سدا بل ستكون منارة وذكرى للعالم بثباتهم وصمودهم    الجنوبيون يرتكبون الفظائع على الأرض ويتباكون في الأسافير    الملاعب.. والمتاعب السودانية..!!    إعلامية كتبت يوم سقوط الفاشر: (يوم حزين، الفاشر وبرشلونة)    في كم واحد مبسوط من البعملوهو زي السفاح أبو لولو؟    سقوط السودان بيعني تساقط دول كثيرة بعده، زي قطع الضمنة: domino effect    ليفربول يواصل الترنح بخسارة جديدة في كأس الرابطة الإنجليزية    شاهد بالفيديو.. وصفت نفسها بأنها "ترند مصر الأول".. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تحيي حفل زواج مصري وتغني وترقص على طريقة راقصات مصر    صفقات بملايين الدولارات.. كيف أصبحت الإمارات بوابة ترامب الجديدة لتوسيع نفوذه؟    بيان حول الدعوة للمشاركة في ورشة نيون – سويسرا    وزير الطاقة يتلقى خطاب تهنئة من نظيره الاذربيجاني    الرئيس التنفيذي لإكسبو 2030 الرياض: دعوة 197 دولة للمشاركة وتوقعات باستقبال 42 مليون زائر    شاهد بالفيديو.. اعتدى عليه أثناء تصوير مقطع بالفاشر.. الناشط بالدعم السريع "شيخ بدران" يهرب ويجري من "جمل" غاضب والجمهور ينفجر بالضحكات: (تخاف من جمل طيب لو جاتك مسيرة تعمل شنو؟)    نادي ساردية شندي يوزع المعدات الرياضية    الرابطة نوري بطلاً لكأس السودان المحلي كريمة مروي    كامل إدريس يؤكد الإهتمام بدعم وتطوير القطاع الزراعي    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    السلطات الصحية في الخرطوم تزفّ خبر حزين    حسين خوجلي يكتب: الفاشر والسياب جدلية الجسد والوطن    نقل 218 جثمان من مواقع متفرقة بقشلاق الشرطة بمنطقة ابو سعد جنوبي امدرمان وإعادة دفنها وفقاً للإجراءات القانونية    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    وزير الداخلية يشيد بقوات مكافحة التهريب بقوات الجمارك لضبطها عدد 586 كيلو جرام من مخدر الأيس    مسؤول أممي: التدّخل في شؤون السودان يقوّض آفاق السلام    ترامب: أحب إيقاف الحروب    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تربط جميع مكاتبها داخل السودان بشبكة الألياف الضوئية لتسهيل إستخراج الفيش    تطوّرات بشأن"مدينة الإنتاج الحيواني" في السودان    ستيلا قايتانو.. تجربة قصصية تعيد تركيب الحرب في السودان    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    والي النيل الأبيض يدشن كهرباء مشروع الفاشوشية الزراعي بمحلية قلي    السودان يعلن عن اتّفاق مع روسيا    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    علي الخضر يكتب: نظرة الى اتفاق الصخيرات .. لماذا تسعى الإمارات لتخريب مبادرة الرباعية ؟    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في إصلاح العمل المعارض
نشر في الراكوبة يوم 31 - 07 - 2017


نبيل أديب عبدالله / المحامي
"إن المحافظة على فرص النقاش السياسي الحر الذي يُمكِّن الحكومة من التجاوب مع إرادة الشعب بحيث يتم التغيير بوسائل قانونية، هو امر مهم لأمن الجمهورية، ومبدأ اساسى في نظامنا الدستوري." المحكمة العليا الأمريكية في روث ضد الولايات المتحدة
دور المعارضة في الأنظمة الديمقراطية هو مراقبة الحكومة، وإخضاعها للمحاسبة، وذلك بإنتقاد سياساتها، وطرح السياسات البديلة. وكلما إنتهجت المعارضة نهجاً موضوعياً في أدائها لدورها كلما زادت فاعليتها وشعبيتها. ولكن المعارضة لا يمكن لها أن تقوم بهذا الدور إلا في إطار ما يمنحه لها الدستور الديمقراطي من حريات تسمح لها بتنظيم عضويتها، وطرح سياساتها، وتعرية مثالب السياسات التي تتبعها الحكومة. النشاط المعارض مهم لتفعيل آلية التبادل السلمي للسلطة والتي تشكل أساس النظام الديمقراطي، لذلك فإنه نشاط يحميه القانون والدستور. أضف لذلك أن النشاط المعارض الدستوري والقانوني، هو الذي يشكل الأساس الذي لا غنى عنه لأمن الحكومة، فالنشاط المعارض هو الضمان الرئيسي لبقاء الحكومة على كراسي الحكم طوال الفترة التي منحها لها تفويضها الإنتخابي، لأن الحكومة التي لاتسمح بالعمل المعارض لن تبقى في السلطة إلى الأبد، بل سيتم القضاء عليها بالخروج عليها، فالبديل للنقاش الحر المفتوح هو الثورة أو الإنقلاب.
رغم ذلك فالواضح هو أن الحكومة لا تمنح مساحة كافية للمعارضة لتقوم بدورها الذي رسمه لها النظام الدستوري، وهي مساحة مازالت تتضاءل حتى دفعت المعارضة لأن تطرح بشكل أساسي شعار إسقاط النظام. لقد قلنا من قبل أن هذا الشعار والذي يقوم على خلط في المصطلحات يقود في النهاية إلى خلط في الفعل السياسي من جهة، وإلى تزايد حالة اليأس، وعدم الإكتراث، التي لا يجب أن ينكر أحد أنها تسود المسرح السياسي الآن، من جهة أخرى. وهو أمر لا خير فيه للحكومة في الأساس لأنه يضعها بشكل رئيسي خارج دائرة الحكم الراشد.
إسقاط النظام أم تفعيله
لنتفق أولاً على ماذا نعني بالنظام. الدستور هو الوثيقة التي تتحدد السلطات في الدولة، وطريقة ممارستها، وحدود تلك السلطات، وطريقة إختيار الحكومة المسئولة عن إدارة السلطة التنفيذية، وطريقة تكوين السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والعلاقة بين السلطات الثلاث، والحريات العامة للمواطنين التي لا يجوز لتلك السلطات أن تنتهكها. مجموع كل ذلك هو ما نطلق عليه النظام السياسي للدولة. وهو يختلف بشكل أساسي عن الحكومة القائمة والتي تتمثل في الطاقم السياسي الذي يتولى السلطة السياسية والتي تنصرف بشكل أساسي للسلطة التنفيذية في الدولة.
الدستور الذي يحكمنا يتبنى نظام حزبي تعددي، وإنتخابات دورية حرة، كما وأنه يحتوي على وثيقة للحقوق تؤكد حريات التعبير والتنظيم والصحافة والإعلام. إذأ فإن الدستور القائم يمكننا من إستبدال الحكام بإستخدام ما أتاحه لنا من وسائل، وما حفظه لنا من حقوق. فأولئك الذين يرغبون في تغيير الحكام، وأنا منهم، يمكنهم العمل ضمن الوسائل الدستورية لتغيير الطاقم الحاكم بطاقم يتمتع بثقتهم. أقول قولي هذا ولست غافلاً عن ما يمكن أن يقال في الإعتراض عليه. سيقال أن الحريات الدستورية التي أتحدث عنها لا وجود لها خارج النصوص الدستورية، ولا أثر لها على الواقع المعاش الذي يفتقد كل ذلك، بل تحكمه العديد من القوانين التي تقيد تلك الحريات، رغم أن الدستور يمنعها من ذلك. كما وسيقال أن السلطة لا تحفل بدستور أو قانون، فهي تعتقل المعارضين دون سند من أي منهما، وتستخدم قوانين مخالفة للدستور في محاكمتهم أو إعتقالهم، وتفرق مواكبهم بإستخدام القوة المفرطة، وتمنع صدور الصحف كما تشاء. وكل هذا صحيح، ولكن هل يقر الدستور الحكومة على ما تفعل؟ الإجابة بالقطع لا. حسنا، إذا كان ما تقوم به الحكومة القائمة من أفعال مخالف للدستور، وإذا كانت الحكومة لا تحترم الحريات العامة الدستورية، وتجرد العملية الإنتخابية من الفعالية التي تجعلها أداة فعالة لمحاسبة الحكام وإختيار غيرهم لو شاء الناخبون، فهل يتوجب على المعارضة أن تتخلى بدورها عن الدستور، وتحاول أن تنتزع السلطة السياسية عن طريق غير دستوري يتوسل لذلك عن طريق العمل السري؟ أم أن دور المعارضة هو إلزام الحكومة بإحترام الدستور، بحيث تبني سياساتها وشعاراتها على عمل قانوني علني؟
أي مسح للنشاط السياسي الذي يقوم به القطاع الأوسع من المعارضة والذي يشمل الأحزاب السياسية التقليدية، والأحزاب الأحدث تكوينا كحزب المؤتمر السوداني، وهو قطاع يشمل دائرة كبيرة من الأحزاب والجبهات السياسية، كما ويشمل دائرة متسعة أيضاً من المجتمع المدني، يظهر أن ذلك القطاع ما زال يعمل بشكل علني قانوني، ما سُمِح له بذلك. كما ويظهر أدب ذلك القطاع السياسي أنه يقبل بأساسيات الدستور، وأن ما يطالب به من تعديلات في الدستور لا يمس أساسياته، ويمكن إنجازه بالطريق الدستوري. واقع الأمر هوأن مجمل نشاط هذا القطاع هونشاط قانوني دستوري علني يستظل بالأحكام الرئيسية في الدستور والتي تحمي هذا النشاط بنصوص واضحة الدلالة لا تحتمل التأويل. إذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن الدعوة لإسقاط النظام تتعارض مع النشاط الذي يدعو لتفعيل أحكامه، لأن ذلك النشاط يهدف لتدعيم النظام لا إسقاطه.
تبعات إسقاط النظام
إن الصياح المتعالي بشعارات إسقاط النظام وسط الحركة المدنية المعارضة أدى للتساؤل حول ماهو البديل، وهو تساؤل مشروع لا يصلح معه أن تصرفه المعارضة بإعتباره مجرد تساؤل إنصرافي يؤدي لإطالة عمر النظام. مشروعية التساؤل تأتي من تاريخنا المعاصر، ومن التاريخ الحديث الذي يحدثنا عن ما جرى في الدول المحيطة فيما يسمى بالربيع العربي. بالنسبة لتاريخنا المعاصر والذي شهد إنتفاضتين أسقطا حكمين عسكريين، فإن أيا منهما لم يفلح في إقامة نظام تعددي ديمقراطي مستدام، فالنظام الذي نبع عن كليهما كان قصير الأمد، لم يستطع أي منهما البقاء لأكثر من خمس سنوات، وهو الأمر الذي لايرغب احد في تكراره.
كذلك فإن ما يسمي بالربيع العربي شهد إنتفاضات شعبية مجيدة ضد حكام مستبدين، دون أن يفلح في التوصل لنظام أحسن من النظام الذي أسقطه، إلا في تونس حيث تمكن حزب الأغلبية من الخروج عن أيديولوجيته التي من شأنها أن تنتج نظاماً إستبدادياً، إلى رحاب الفكر المنفتح القابل للآخر، وهو أمر يصعب تكراره وبالتالي فلا يجوز التعويل عليه. هذا لا يعني عدم جدوى إسقاط الأنظمة الإستبدادية، وإنما يعني فقط ضرورة الإعداد لذلك بشكل يضمن بديلاً يحقق تطلعات القوى المشاركة في إسقاطه. قبول العمل المعارض في مجموعه بأن معركته ليست مع النظام وإنما مع الحكومة القائمة التي تتصرف بشكل مخالف للدستور/ النظام يجيب على ذلك التساؤل من حيث أن المعارضة لا تهدف لأحداث زلزال سياسي، ولا لتقويض دستور قائم، وإنما تهدف من خلال الدستور إلى تغيير حقيقي في حياة الناس ومعاشهم.
إسقاط الحكومة يبدأ بإسقاط سياساتها
لا توجد معارضة سياسية لا تسعى للوصول للسلطة، وبالتالي فإن إسقاط الحكومة بغرض الحلول محلها هو هدف مشروع سياسياً ودستورياً على السواء، بالنسبة للأحزاب والجبهات السياسية المعارضة. ولكن الوصول إلى السلطة لا يُطلب لذاته، بل لتحقيق سياسات معينة. إذاً فإن مجرد الدعوة لإسقاط الحكومة لن يجذب الجماهير، مالم تطرح المعارضة برنامحها لتلبية حاجة الجماهير عبر تغيير السياسات التي تنتهجها الحكومة، والتي تعاني الجماهير منها.
لاشك أن الحكومة القائمة الأن تنتهج سياسات إستبدادية غير دستورية تؤدي إلى إنتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين كأفراد، وكمنظمات سياسية، وحقوقية، وهو الأمر الذي يمد المعارضة بجماهير مؤيدة، إذا طرحت برامج لسياسات بديلة، وقادت وفقا لتلك السياست البديلة معركة حقوقية تهدف لإنتزاع الحقوق الدستورية المنتهكة. إذا كان تغيير الحكومة هو هدف المعارضة فإنها لن تتوسل لذلك بطرح شعار يدعو لذلك بل بتبني سياسات ترد للجماهير حقوقها عبر نشاط حقوقي يحاصر السياسات الحكومية التي تنتهك تلك الحقوق. والأمثلة على ذلك لا تحصى، ويكفي أن نشير إلى حريتي التعبير والتنظيم وموقف الحكومة منهما لأنه يستحيل على معارضة دستورية أن تؤدي دورها دونهما.
حرية التنظيم والتجمع السلمي
معلوم أن السياسة الحكومية تخضع حرية التجمع السلمي والتظيم لقيود لاصلة لها بالدستور، وأحيانا لا صلة لها حتى بالقانون. فقد درجت السلطات على تطلب الحصول مسبقاً على تصديق بالنسبة للتجمعات بنوعيها، سواء أكانت المتحركة ( المظاهرات أو المسيرة)، أو الثابتة ( الإجتماعات العامة)، من لجنة الأمن في الولاية، ولجانها الفرعية رغم أنه سبق وقررت مفوضية حقوق الإنسان الأفريقية في الدعاوي المرفوعة ضد حكومة السودان من قبل منظمة العفو الدولية وآخرين، عدم دستورية تتطلب التصديق المسبق لما فيه من خرق للمادة 10 (1) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
منذ صدور الدستور لم تسمح السلطات للمعارضة بتسيير موكب سلمي واحد، ولم تتحدى المعارضة هذا المنع أمام المحاكم بطعن في دستورية التصديق، ولا في دستورية القانون الذي يتطلبه. رغم أنه حق يحميه الدستور والمواثيق الدولية التي تعتبر جزءً من الدستور بنص المادة 27 منه..
كذلك فقد قيدت الحكومة حق التنظيم بالنسبة للنقابات ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، فرفضت بشكل تحكمي، وبدون أي ضوابط قانونية، تسجيل بعضها، وحلت البعض الآخر، ورفضت تجديد تسجيل من يخضع تسجيله لإعادة التسجيل، إما إعتمادا على قوانين مخالفة للدستور، أو أحيانا بالمخالفة للقوانين نفسها التي شرعتها هي. ولم تفعل المعارضة شئً بإزاء ذلك على المستوى الحقوقي القانوني وليس لديها أي برامج مفصلة بصددها.
حرية التعبير
الحديث عن حرية التعبير يطول، ولعل تدخل الحكومة في النشر الصحفي بالحظر المسبق، وبالمحاكمات اللاحقة، لايحتاج منا لأكثر من أن نُذكِّر بصباح الإثنين الأسود الذي كان صباحاً بلا صحف. في ذلك اليوم قرر جهاز الأمن، لسبب لم ير داع للإفصاح عنه، مصادرة كل الأعداد التي أصدرتها أربعة عشرة صحيفة من الصحف التي تصدر في ولاية الخرطوم. وقد صرح وزير الإعلام نتيجة لذلك تصريحا يفهم منه أنه غير راضي عن قانون الأمن، وأنه يأمل في تعديله بواسطة الحوار الوطني، ضمن 68 قانوناً ينتظر طرحهم للتعديل. ما يعكسه ذلك هو وجود حوجة ماسة وملحة للإصلاح القانوني، يبدو من هذا الكم الهائل من القوانين المحتاجة لتعديل، وهي مسألة صحيحة ومجمع عليها، مما يعني أن هنالك دوراً هاما يمكن، بل يجب على المعارضة القيام به، من أجل إنجاز الإصلاح القانوني الذي يعلم حتى وزير الإعلام أنه مطلوب بشكل عاجل.
أساسيات العمل المعارض
"هنالك تشققات في كل شئ وهذا ما يُمكِّن الضوء من الدخول" ليونارد كوهين
بالطبع ستُشكِّل الدعوة للسلام ووقف الحرب ركنا أساسيا من سياسات العمل المعارض، وهو الأمر الذي لا ينتهي بوقف المعارك بل يمتد لمعالجة جذورها، بإزالة الظلامات التي أدت إليها، ونشر ثقافة تضميد الجراح، والعمل على تكوين آليات الحقيقة والمصالحة، كمسألة اساسية لبناء سلام مستدام.
ومطلوب أيضاً وبشكل عاجل من العمل المعارض الآن، وحتى يدخل في دائرة الفعل السياسي، العمل على تكوين حركة حقوقية قوية تشمل الأحزاب التي تؤمن بالدستور، وعلى الأخص بالحريات العامة المضمنة فيه، في تنسيق مع المجتمع المدني وبالأخص الأجزاء المعنية منه بالحكم الراشد، وحقوق الإنسان، ومغالبة الفقر والعوز، ومنع التمييز بسبب النوع أو العرق أو الدين. وهي حركة حقوقية لن تقتصر على من ذكرنا بل ستجتذب بالضرورة قطاعات من الإسلاميين الذين أدت سياسات الحكومة الإستبدادية، وما سببته لهم سياساتها بشكل عام من خيبة أمل أخرجتهم إراديا عن دائرة الفعل السياسي، وإلى إبتعادهم عن مركز إتخاذ القرار. وقد أسميناها حقوقية لأنها معنية في المقام الأول بإشاعة حقوق الإنسان بمعناها الشامل، لأن حقوق الإنسان لا تقتصر فقط على الحقوق السياسية، بل تشمل أيضاً الحقوق الإقتصادية والإجتماعية.
الإصلاح السياسي والإقتصادي
يتطلب كل ذلك برامج متخصصة تخاطب الإصلاح السياسي، وهي برامج تشمل على الصعيد السياسي إشاعة الشفافية في العمل الحكومي لمحاربة الفساد، وتحرير جهاز الدولة من قبضة الحزب الواحد، وإتاحة الحريات العامة بشكل عام. كما وتشمل برامج للإصلاح الإقتصادي بغرض خلق ثروة تمكن الدولة من الوفاء بإلتزاماتها الدستورية في توفير التعليم، والصحة العامة، والحق في العمل. ولا يقتصر ذلك فقط على توفير فرص العمل، بل يشمل أيضاً التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على وجه الخصوص أجراً منصفا يوفر للعاملين عيشاً كريماً. كذلك يجب على العمل المعارض أن يوفر برامجا لإلغاء كل أشكال التمييز بسبب الدين، أو العرق، أو النوع، وذلك يشمل الحريات الدينية، كما يشمل المساواة الإجتماعية. وهو الأمر الذي يتطلب إصلاحات عديدة ضد ظلامات قد لا تكون مقننة ولكنها موجودة، ومن ذلك إجتماعياً القوانين المؤسسة على ذهنية الإسترابة في الأنثى وإقتصاديا قاعدة الأجر المتساوي للعمل المتساوي، ولكنه على الأخص يتطلب التوزيع العادل للموارد بما في ذلك جندرة الميزانية، وهذا يتطلب إعمال النظر في مسألة جدوى تبني التمييز الإيجابي لإزالة الظلامات السابقة، وما يتطلبه كل ذلك من برامج مفصلة يقوم بها خبراء في المجالات المعنية تتناول الإصلاح في كل هذه المجالات بطرح أهداف مفصلة لعلاج كل ذلك. إننا هنا لا نتحدث عن إطلاق شعارات، ولكن عن برامج مفصلة، قابلة للتنفيذ، يقوم بإعدادها أتيام من المتخصصين في المجالات التي يعدون فيها تلك البرامج، ليتم طرحها بعد إجازتها من القيادة السياسية، في إجتماعات عامة وندوات موسعة لتمليكها للجماهير، لتتولى هي نفسها العمل من أجل تحقيقها في تنظيماتها النقابية والتنظيمات المدنية المختلفة. وقد يتطلب الأمر في مرحلة لاحقة، إقامة ما هو معروف في الديمقراطيات العريقة بحكومة الظل، وذلك بخلق أجهزة متخصصة موازية للوزارات الحكومية، تراقب عملها وتطرح السياسات البديلة. مجرد الصياح والخطب العنترية، و الدعوات المبهمة لإسقاط النظام، لن تؤدي إلا لمزيد من عدم الجدوى والإحباط.
هذا من حيث المحتوى أما من حيث الوسائل فهذه الحركة حتى تكون شاملة، وواسعة المدى، يجب أن تكون حركة حقوقية على غرار حركة الحقوق المدنية الأمريكية في الستينات، أو النضال الجنوب إفريقي ضد االأبارتيد، والذي توج بإلدستور الديمقراطي في مقتبل التسعينات. هذا يتطلب أن تقوم المعارضة بنشاط مكثف تستخدم فيه المسيرات الجماهيرية والإجتماعات الحاشدة وجمع التوقيعات على العرائض وتقديمها وكل ما يحول العمل المعارض إلى عمل جماهيري قانوني فاعل، يهدف إلى إسقاط القوانين والممارسات الإستبدادية المخالفة للدستور التي تنتهك الحقوق الديمقراطية للجماهير. إذا ما نجحت المعارضة في الوصول بحركتها الحقوقية إلى مبتغاها فإنها ستصل إلى تحويل مبدأ التبادل السلمي للسلطة من نص معطل في الدستور إلى واقع معاش.
الوسائل الدستورية لإسقاط الحكومة
مسألة إسقاط الحكومة القائمة كهدف للمعارضة الدستورية القانونية يتم دائما بشكل سلمي دستوري. وأحد أشكال الوصول لذلك قد يتم عبر الإنتفاضة، وهي هنا تعني حركة إحتجاج واسعة تنتهي بتنحي الحكومة طوعاً عن السلطة. وهذه وسيلة يمكن أن تنتجها حركة إحتجاج واسعة وقوية ترفض الحكومة الإستجابة لها حتى تفقد قدرتها على تسيير الأمور، فتتنحى عن السلطة طوعاً. ولكن السلطة السياسية في العادة في الأنظمة الدستورية يتم تبادلها عبر صندوق الإنتخابات. على المعارضة أن تبحث في أثر مقاطعتها السلبية للإنتخابات في عامي 2010 و 2015 على فاعليتها السياسية، و صلتها بالجماهير. ولكن بغض النظر عن التجارب السابقة ففي تقديري أن المشاركة في الإنتخابات القادمة هو الفيصل بين المعارضة الفاعلة، والمعارضة عديمة الجدوى. صحيح أن الإنتخابات لكي تكون حقيقية يجب أن تكون السلطة السياسية مطروحة في صندوق الإنتخابات، فإن لم تكن، ولا أخالها كانت في الإنتخابات التي أجريت عام 2015 ولا 2010، فإن مثل هذه الإنتخابات لا يكون لنتيجتها ثمة دور في التبادل السلمي للسلطة . ولكن الإنتخابات لا تضع السلطة السياسية في صندوق الإنتخابات بنتيجتها فقط، بل أيضا بقدرة القيادة الفاعلة على رفع طموح الجماهير على إجراء التغيير عبرها بحيث يصبح تزوير الإنتخابات لعبة غير مأمونة الجانب. مثلما حدث لدكتاتور الفيليبين ماركوس حينما زور الإنتخابات فخرج الشعب واعتصم في الميادين الكبرى، ومنعه من إلقاء خطاب الفوز فى التليفزيون، وأعلن وزير الدفاع ونائب رئيس الأركان انضمامهما إلى الاعتصام، وأعلنت الوحدات العسكرية تمردها وامتناعها عن تنفيذ الأوامر بقتل المتظاهرين، وإنتهى الأمر كله حين أعلن الشعب فوز زعيمة المعارضة ونائبها وقامت بتأدية اليمين وسط احتفال شعبى كبير. ولكن ذلك لا يمكن أن يحدث في إنتخابات من جانب واحد، وبغير منافسة فاعلة من المعارضة.
واقع الأمر أن الأحزاب السياسية لاتشارك في الإنتخابات فقط للفوز بها، بل لأن الإنتخابات هي فرصة لأعضائها في التمرس بالممارسة الديمقراطية. فالإنتخابات تتيح للأحزاب فرصة في أن تطرح برامجها وتجمع الجماهير حولها بحيث تجعل من نفسها كتلة قوية ذات أثر على المسرح السياسي .
وحتى ولو لم تفلح المعارضة في الفوز بنتيجة الإنتخابات، فإن الإنتخابات ستمنحها وجوداً فاعلاً في البرلمان، تستطيع من خلاله تمرير سياساتها حتى عبر الحكومة القائمة، وذلك بالحوار مع الأغلبية البرلمانية، وبالضغوط الشعبية على نواب الحكومة.
حتى لايصبح إسقاط النظام، أو حتى إسقاط الحكومة، مجرد شعار لتغطية عدم الفعالية السياسية، على المعارضة أن توجد لنفسها وجوداً فاعلاً بالعمل ضمن حركة حقوقية فاعلة وذلك بالعمل في المسرح السياسي القانوني والذي يشمل كافة أشكال الحراك السياسي القانونية وأهمها المشاركة في الإنتخابات العامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.