بكري المدنى يكتب: المسيرات والخيارات    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    تحذير خطير..الألغام تهدد طريق رئيسي وتحاصر 3 مناطق في السودان    الطاهر ساتي يكتب: لو كان يساوم ..!!    حي العرب بورتسودان يُكوِّن القطاع الرياضي ولجنة تأهيل وصيانة الميز    فوز المغرب والنهب والسرقة وغياب الضمير..!!    المريخ يختبر جاهزيته أمام العساكر    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي: (أنا ما طيبة ومافي زول مالي عيني.. أي فنان أو فنانة يقول هو صاحب الجميع قول ليهو هدى قالت انت منافق ولماذا تسألوني عن علاقتي بإيمان الشريف تحديداً؟)    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    شاهد بالفيديو.. "ما بشيلها أبوي بدقني بقول لي أداك ليها منو" طالب سوداني في مرحلة الأساس يرفض إستلام حافز مالي بعد مقولته الشهيرة في الحصة: (أتبرع لأمي بكليتي وأنا أموت وأمي تعيش)    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    شاهد.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (نجوت من 3 محاولات اغتيال في نيالا والدور على عمر جبريل.. الضابطة "شيراز" زوجت إبنتها التي تبلغ من العمر 11 عام لأحد قيادات الدعم السريع والآن مستهدفة لهذا السبب)    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    لمن يدَّعون أن الجيش عجز عن صد مسيرات مليشيات الدم السريع الإرهابية    والي الخرطوم يبحث مع نائبة المفوض السامي لشئون اللاجئين قضايا اللاجئين وخطة الولاية لترحيل الأجانب    3 أندية سودانية تطلب الانضمام للدوري الرواندي    إحباط تهريب مواد كيميائية وبضائع متنوعة بولاية نهر النيل    قوات الدفاع المدنى تنجح فى إنتشال رفاة جثتين قامت المليشيا المتمردة بإعدامهما والقت بهما داخل بئر بمنزل    تحذير من تموضع حوثي عبر غطاء إيراني قرب السواحل السودانية    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    البرهان يزور مطار الخرطوم الدولي ويؤكد عزم الدولة على القضاء على التمرد    تقرير: السودان تحول من مرحلة أزمة العملة إلى "ما بعد العملة"    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    وزارة الدفاع الكولومبية تعلن دعم مشروع قانون يحظر أنشطة المرتزقة في البلاد    محمد صلاح ليس وحده.. 5 أسباب وراء انهيار ليفربول    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    دولة أجنبية تحاول زعزعة منتخب السعودية    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    ( "لينتي" كفكفت من عيني دمعات الليالي وجدتُ نفسي غارقا في الحب عاشقاً، محباً ومُريدا).. شاهد ماذا كتب العريس أحمد العربي لزوجته لينا يعقوب في أول يوم لهما بعد نهاية حفل زواجهما الأسطوري    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    المريخ يرحب بإقامة قمة في بنغازي تكريما للجمهور السوداني    أسطورة ليفربول مهاجماً صلاح: يجب رميه في الدكة    مدير شرطة اقليم الأزرق يثمن جهود إدارة المباحث الجنائية المركزية بالاقليم في كشف غموض العديد من الجرائم    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    أسعار الذهب إلى أين؟    بعد أدائه القسم في «الشيوخ».. ياسر جلال يستعين ب مشهد كوميدي ل «مرجان أحمد مرجان»    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    الرئيس التركي: الصراع في السودان"يؤلمنا بشدّة"    القبض على الفنانة عشة الجبل    محافظ بنك السودان المركزي تلتقي مديري عموم المصارف وتؤكد على الإصلاح المؤسسي واستقرار النظام المصرفي    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    إيقاف جميع التعاملات النقدية في ولاية سودانية    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في إصلاح العمل المعارض
نشر في حريات يوم 31 - 07 - 2017


نبيل أديب عبدالله / المحامي
"إن المحافظة على فرص النقاش السياسي الحر الذي يُمكِّن الحكومة من التجاوب مع إرادة الشعب بحيث يتم التغيير بوسائل قانونية، هو امر مهم لأمن الجمهورية، ومبدأ اساسى في نظامنا الدستوري." المحكمة العليا الأمريكية في روث ضد الولايات المتحدة
دور المعارضة في الأنظمة الديمقراطية هو مراقبة الحكومة، وإخضاعها للمحاسبة، وذلك بإنتقاد سياساتها، وطرح السياسات البديلة. وكلما إنتهجت المعارضة نهجاً موضوعياً في أدائها لدورها كلما زادت فاعليتها وشعبيتها. ولكن المعارضة لا يمكن لها أن تقوم بهذا الدور إلا في إطار ما يمنحه لها الدستور الديمقراطي من حريات تسمح لها بتنظيم عضويتها، وطرح سياساتها، وتعرية مثالب السياسات التي تتبعها الحكومة. النشاط المعارض مهم لتفعيل آلية التبادل السلمي للسلطة والتي تشكل أساس النظام الديمقراطي، لذلك فإنه نشاط يحميه القانون والدستور. أضف لذلك أن النشاط المعارض الدستوري والقانوني، هو الذي يشكل الأساس الذي لا غنى عنه لأمن الحكومة، فالنشاط المعارض هو الضمان الرئيسي لبقاء الحكومة على كراسي الحكم طوال الفترة التي منحها لها تفويضها الإنتخابي، لأن الحكومة التي لاتسمح بالعمل المعارض لن تبقى في السلطة إلى الأبد، بل سيتم القضاء عليها بالخروج عليها، فالبديل للنقاش الحر المفتوح هو الثورة أو الإنقلاب.
رغم ذلك فالواضح هو أن الحكومة لا تمنح مساحة كافية للمعارضة لتقوم بدورها الذي رسمه لها النظام الدستوري، وهي مساحة مازالت تتضاءل حتى دفعت المعارضة لأن تطرح بشكل أساسي شعار إسقاط النظام. لقد قلنا من قبل أن هذا الشعار والذي يقوم على خلط في المصطلحات يقود في النهاية إلى خلط في الفعل السياسي من جهة، وإلى تزايد حالة اليأس، وعدم الإكتراث، التي لا يجب أن ينكر أحد أنها تسود المسرح السياسي الآن، من جهة أخرى. وهو أمر لا خير فيه للحكومة في الأساس لأنه يضعها بشكل رئيسي خارج دائرة الحكم الراشد.
إسقاط النظام أم تفعيله
لنتفق أولاً على ماذا نعني بالنظام. الدستور هو الوثيقة التي تتحدد السلطات في الدولة، وطريقة ممارستها، وحدود تلك السلطات، وطريقة إختيار الحكومة المسئولة عن إدارة السلطة التنفيذية، وطريقة تكوين السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والعلاقة بين السلطات الثلاث، والحريات العامة للمواطنين التي لا يجوز لتلك السلطات أن تنتهكها. مجموع كل ذلك هو ما نطلق عليه النظام السياسي للدولة. وهو يختلف بشكل أساسي عن الحكومة القائمة والتي تتمثل في الطاقم السياسي الذي يتولى السلطة السياسية والتي تنصرف بشكل أساسي للسلطة التنفيذية في الدولة.
الدستور الذي يحكمنا يتبنى نظام حزبي تعددي، وإنتخابات دورية حرة، كما وأنه يحتوي على وثيقة للحقوق تؤكد حريات التعبير والتنظيم والصحافة والإعلام. إذأ فإن الدستور القائم يمكننا من إستبدال الحكام بإستخدام ما أتاحه لنا من وسائل، وما حفظه لنا من حقوق. فأولئك الذين يرغبون في تغيير الحكام، وأنا منهم، يمكنهم العمل ضمن الوسائل الدستورية لتغيير الطاقم الحاكم بطاقم يتمتع بثقتهم. أقول قولي هذا ولست غافلاً عن ما يمكن أن يقال في الإعتراض عليه. سيقال أن الحريات الدستورية التي أتحدث عنها لا وجود لها خارج النصوص الدستورية، ولا أثر لها على الواقع المعاش الذي يفتقد كل ذلك، بل تحكمه العديد من القوانين التي تقيد تلك الحريات، رغم أن الدستور يمنعها من ذلك. كما وسيقال أن السلطة لا تحفل بدستور أو قانون، فهي تعتقل المعارضين دون سند من أي منهما، وتستخدم قوانين مخالفة للدستور في محاكمتهم أو إعتقالهم، وتفرق مواكبهم بإستخدام القوة المفرطة، وتمنع صدور الصحف كما تشاء. وكل هذا صحيح، ولكن هل يقر الدستور الحكومة على ما تفعل؟ الإجابة بالقطع لا. حسنا، إذا كان ما تقوم به الحكومة القائمة من أفعال مخالف للدستور، وإذا كانت الحكومة لا تحترم الحريات العامة الدستورية، وتجرد العملية الإنتخابية من الفعالية التي تجعلها أداة فعالة لمحاسبة الحكام وإختيار غيرهم لو شاء الناخبون، فهل يتوجب على المعارضة أن تتخلى بدورها عن الدستور، وتحاول أن تنتزع السلطة السياسية عن طريق غير دستوري يتوسل لذلك عن طريق العمل السري؟ أم أن دور المعارضة هو إلزام الحكومة بإحترام الدستور، بحيث تبني سياساتها وشعاراتها على عمل قانوني علني؟
أي مسح للنشاط السياسي الذي يقوم به القطاع الأوسع من المعارضة والذي يشمل الأحزاب السياسية التقليدية، والأحزاب الأحدث تكوينا كحزب المؤتمر السوداني، وهو قطاع يشمل دائرة كبيرة من الأحزاب والجبهات السياسية، كما ويشمل دائرة متسعة أيضاً من المجتمع المدني، يظهر أن ذلك القطاع ما زال يعمل بشكل علني قانوني، ما سُمِح له بذلك. كما ويظهر أدب ذلك القطاع السياسي أنه يقبل بأساسيات الدستور، وأن ما يطالب به من تعديلات في الدستور لا يمس أساسياته، ويمكن إنجازه بالطريق الدستوري. واقع الأمر هوأن مجمل نشاط هذا القطاع هونشاط قانوني دستوري علني يستظل بالأحكام الرئيسية في الدستور والتي تحمي هذا النشاط بنصوص واضحة الدلالة لا تحتمل التأويل. إذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن الدعوة لإسقاط النظام تتعارض مع النشاط الذي يدعو لتفعيل أحكامه، لأن ذلك النشاط يهدف لتدعيم النظام لا إسقاطه.
تبعات إسقاط النظام
إن الصياح المتعالي بشعارات إسقاط النظام وسط الحركة المدنية المعارضة أدى للتساؤل حول ماهو البديل، وهو تساؤل مشروع لا يصلح معه أن تصرفه المعارضة بإعتباره مجرد تساؤل إنصرافي يؤدي لإطالة عمر النظام. مشروعية التساؤل تأتي من تاريخنا المعاصر، ومن التاريخ الحديث الذي يحدثنا عن ما جرى في الدول المحيطة فيما يسمى بالربيع العربي. بالنسبة لتاريخنا المعاصر والذي شهد إنتفاضتين أسقطا حكمين عسكريين، فإن أيا منهما لم يفلح في إقامة نظام تعددي ديمقراطي مستدام، فالنظام الذي نبع عن كليهما كان قصير الأمد، لم يستطع أي منهما البقاء لأكثر من خمس سنوات، وهو الأمر الذي لايرغب احد في تكراره.
كذلك فإن ما يسمي بالربيع العربي شهد إنتفاضات شعبية مجيدة ضد حكام مستبدين، دون أن يفلح في التوصل لنظام أحسن من النظام الذي أسقطه، إلا في تونس حيث تمكن حزب الأغلبية من الخروج عن أيديولوجيته التي من شأنها أن تنتج نظاماً إستبدادياً، إلى رحاب الفكر المنفتح القابل للآخر، وهو أمر يصعب تكراره وبالتالي فلا يجوز التعويل عليه. هذا لا يعني عدم جدوى إسقاط الأنظمة الإستبدادية، وإنما يعني فقط ضرورة الإعداد لذلك بشكل يضمن بديلاً يحقق تطلعات القوى المشاركة في إسقاطه. قبول العمل المعارض في مجموعه بأن معركته ليست مع النظام وإنما مع الحكومة القائمة التي تتصرف بشكل مخالف للدستور/ النظام يجيب على ذلك التساؤل من حيث أن المعارضة لا تهدف لأحداث زلزال سياسي، ولا لتقويض دستور قائم، وإنما تهدف من خلال الدستور إلى تغيير حقيقي في حياة الناس ومعاشهم.
إسقاط الحكومة يبدأ بإسقاط سياساتها
لا توجد معارضة سياسية لا تسعى للوصول للسلطة، وبالتالي فإن إسقاط الحكومة بغرض الحلول محلها هو هدف مشروع سياسياً ودستورياً على السواء، بالنسبة للأحزاب والجبهات السياسية المعارضة. ولكن الوصول إلى السلطة لا يُطلب لذاته، بل لتحقيق سياسات معينة. إذاً فإن مجرد الدعوة لإسقاط الحكومة لن يجذب الجماهير، مالم تطرح المعارضة برنامحها لتلبية حاجة الجماهير عبر تغيير السياسات التي تنتهجها الحكومة، والتي تعاني الجماهير منها.
لاشك أن الحكومة القائمة الأن تنتهج سياسات إستبدادية غير دستورية تؤدي إلى إنتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين كأفراد، وكمنظمات سياسية، وحقوقية، وهو الأمر الذي يمد المعارضة بجماهير مؤيدة، إذا طرحت برامج لسياسات بديلة، وقادت وفقا لتلك السياست البديلة معركة حقوقية تهدف لإنتزاع الحقوق الدستورية المنتهكة. إذا كان تغيير الحكومة هو هدف المعارضة فإنها لن تتوسل لذلك بطرح شعار يدعو لذلك بل بتبني سياسات ترد للجماهير حقوقها عبر نشاط حقوقي يحاصر السياسات الحكومية التي تنتهك تلك الحقوق. والأمثلة على ذلك لا تحصى، ويكفي أن نشير إلى حريتي التعبير والتنظيم وموقف الحكومة منهما لأنه يستحيل على معارضة دستورية أن تؤدي دورها دونهما.
حرية التنظيم والتجمع السلمي
معلوم أن السياسة الحكومية تخضع حرية التجمع السلمي والتظيم لقيود لاصلة لها بالدستور، وأحيانا لا صلة لها حتى بالقانون. فقد درجت السلطات على تطلب الحصول مسبقاً على تصديق بالنسبة للتجمعات بنوعيها، سواء أكانت المتحركة ( المظاهرات أو المسيرة)، أو الثابتة ( الإجتماعات العامة)، من لجنة الأمن في الولاية، ولجانها الفرعية رغم أنه سبق وقررت مفوضية حقوق الإنسان الأفريقية في الدعاوي المرفوعة ضد حكومة السودان من قبل منظمة العفو الدولية وآخرين، عدم دستورية تتطلب التصديق المسبق لما فيه من خرق للمادة 10 (1) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
منذ صدور الدستور لم تسمح السلطات للمعارضة بتسيير موكب سلمي واحد، ولم تتحدى المعارضة هذا المنع أمام المحاكم بطعن في دستورية التصديق، ولا في دستورية القانون الذي يتطلبه. رغم أنه حق يحميه الدستور والمواثيق الدولية التي تعتبر جزءً من الدستور بنص المادة 27 منه..
كذلك فقد قيدت الحكومة حق التنظيم بالنسبة للنقابات ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، فرفضت بشكل تحكمي، وبدون أي ضوابط قانونية، تسجيل بعضها، وحلت البعض الآخر، ورفضت تجديد تسجيل من يخضع تسجيله لإعادة التسجيل، إما إعتمادا على قوانين مخالفة للدستور، أو أحيانا بالمخالفة للقوانين نفسها التي شرعتها هي. ولم تفعل المعارضة شئً بإزاء ذلك على المستوى الحقوقي القانوني وليس لديها أي برامج مفصلة بصددها.
حرية التعبير
الحديث عن حرية التعبير يطول، ولعل تدخل الحكومة في النشر الصحفي بالحظر المسبق، وبالمحاكمات اللاحقة، لايحتاج منا لأكثر من أن نُذكِّر بصباح الإثنين الأسود الذي كان صباحاً بلا صحف. في ذلك اليوم قرر جهاز الأمن، لسبب لم ير داع للإفصاح عنه، مصادرة كل الأعداد التي أصدرتها أربعة عشرة صحيفة من الصحف التي تصدر في ولاية الخرطوم. وقد صرح وزير الإعلام نتيجة لذلك تصريحا يفهم منه أنه غير راضي عن قانون الأمن، وأنه يأمل في تعديله بواسطة الحوار الوطني، ضمن 68 قانوناً ينتظر طرحهم للتعديل. ما يعكسه ذلك هو وجود حوجة ماسة وملحة للإصلاح القانوني، يبدو من هذا الكم الهائل من القوانين المحتاجة لتعديل، وهي مسألة صحيحة ومجمع عليها، مما يعني أن هنالك دوراً هاما يمكن، بل يجب على المعارضة القيام به، من أجل إنجاز الإصلاح القانوني الذي يعلم حتى وزير الإعلام أنه مطلوب بشكل عاجل.
أساسيات العمل المعارض
"هنالك تشققات في كل شئ وهذا ما يُمكِّن الضوء من الدخول" ليونارد كوهين
بالطبع ستُشكِّل الدعوة للسلام ووقف الحرب ركنا أساسيا من سياسات العمل المعارض، وهو الأمر الذي لا ينتهي بوقف المعارك بل يمتد لمعالجة جذورها، بإزالة الظلامات التي أدت إليها، ونشر ثقافة تضميد الجراح، والعمل على تكوين آليات الحقيقة والمصالحة، كمسألة اساسية لبناء سلام مستدام.
ومطلوب أيضاً وبشكل عاجل من العمل المعارض الآن، وحتى يدخل في دائرة الفعل السياسي، العمل على تكوين حركة حقوقية قوية تشمل الأحزاب التي تؤمن بالدستور، وعلى الأخص بالحريات العامة المضمنة فيه، في تنسيق مع المجتمع المدني وبالأخص الأجزاء المعنية منه بالحكم الراشد، وحقوق الإنسان، ومغالبة الفقر والعوز، ومنع التمييز بسبب النوع أو العرق أو الدين. وهي حركة حقوقية لن تقتصر على من ذكرنا بل ستجتذب بالضرورة قطاعات من الإسلاميين الذين أدت سياسات الحكومة الإستبدادية، وما سببته لهم سياساتها بشكل عام من خيبة أمل أخرجتهم إراديا عن دائرة الفعل السياسي، وإلى إبتعادهم عن مركز إتخاذ القرار. وقد أسميناها حقوقية لأنها معنية في المقام الأول بإشاعة حقوق الإنسان بمعناها الشامل، لأن حقوق الإنسان لا تقتصر فقط على الحقوق السياسية، بل تشمل أيضاً الحقوق الإقتصادية والإجتماعية.
الإصلاح السياسي والإقتصادي
يتطلب كل ذلك برامج متخصصة تخاطب الإصلاح السياسي، وهي برامج تشمل على الصعيد السياسي إشاعة الشفافية في العمل الحكومي لمحاربة الفساد، وتحرير جهاز الدولة من قبضة الحزب الواحد، وإتاحة الحريات العامة بشكل عام. كما وتشمل برامج للإصلاح الإقتصادي بغرض خلق ثروة تمكن الدولة من الوفاء بإلتزاماتها الدستورية في توفير التعليم، والصحة العامة، والحق في العمل. ولا يقتصر ذلك فقط على توفير فرص العمل، بل يشمل أيضاً التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على وجه الخصوص أجراً منصفا يوفر للعاملين عيشاً كريماً. كذلك يجب على العمل المعارض أن يوفر برامجا لإلغاء كل أشكال التمييز بسبب الدين، أو العرق، أو النوع، وذلك يشمل الحريات الدينية، كما يشمل المساواة الإجتماعية. وهو الأمر الذي يتطلب إصلاحات عديدة ضد ظلامات قد لا تكون مقننة ولكنها موجودة، ومن ذلك إجتماعياً القوانين المؤسسة على ذهنية الإسترابة في الأنثى وإقتصاديا قاعدة الأجر المتساوي للعمل المتساوي، ولكنه على الأخص يتطلب التوزيع العادل للموارد بما في ذلك جندرة الميزانية، وهذا يتطلب إعمال النظر في مسألة جدوى تبني التمييز الإيجابي لإزالة الظلامات السابقة، وما يتطلبه كل ذلك من برامج مفصلة يقوم بها خبراء في المجالات المعنية تتناول الإصلاح في كل هذه المجالات بطرح أهداف مفصلة لعلاج كل ذلك. إننا هنا لا نتحدث عن إطلاق شعارات، ولكن عن برامج مفصلة، قابلة للتنفيذ، يقوم بإعدادها أتيام من المتخصصين في المجالات التي يعدون فيها تلك البرامج، ليتم طرحها بعد إجازتها من القيادة السياسية، في إجتماعات عامة وندوات موسعة لتمليكها للجماهير، لتتولى هي نفسها العمل من أجل تحقيقها في تنظيماتها النقابية والتنظيمات المدنية المختلفة. وقد يتطلب الأمر في مرحلة لاحقة، إقامة ما هو معروف في الديمقراطيات العريقة بحكومة الظل، وذلك بخلق أجهزة متخصصة موازية للوزارات الحكومية، تراقب عملها وتطرح السياسات البديلة. مجرد الصياح والخطب العنترية، و الدعوات المبهمة لإسقاط النظام، لن تؤدي إلا لمزيد من عدم الجدوى والإحباط.
هذا من حيث المحتوى أما من حيث الوسائل فهذه الحركة حتى تكون شاملة، وواسعة المدى، يجب أن تكون حركة حقوقية على غرار حركة الحقوق المدنية الأمريكية في الستينات، أو النضال الجنوب إفريقي ضد االأبارتيد، والذي توج بإلدستور الديمقراطي في مقتبل التسعينات. هذا يتطلب أن تقوم المعارضة بنشاط مكثف تستخدم فيه المسيرات الجماهيرية والإجتماعات الحاشدة وجمع التوقيعات على العرائض وتقديمها وكل ما يحول العمل المعارض إلى عمل جماهيري قانوني فاعل، يهدف إلى إسقاط القوانين والممارسات الإستبدادية المخالفة للدستور التي تنتهك الحقوق الديمقراطية للجماهير. إذا ما نجحت المعارضة في الوصول بحركتها الحقوقية إلى مبتغاها فإنها ستصل إلى تحويل مبدأ التبادل السلمي للسلطة من نص معطل في الدستور إلى واقع معاش.
الوسائل الدستورية لإسقاط الحكومة
مسألة إسقاط الحكومة القائمة كهدف للمعارضة الدستورية القانونية يتم دائما بشكل سلمي دستوري. وأحد أشكال الوصول لذلك قد يتم عبر الإنتفاضة، وهي هنا تعني حركة إحتجاج واسعة تنتهي بتنحي الحكومة طوعاً عن السلطة. وهذه وسيلة يمكن أن تنتجها حركة إحتجاج واسعة وقوية ترفض الحكومة الإستجابة لها حتى تفقد قدرتها على تسيير الأمور، فتتنحى عن السلطة طوعاً. ولكن السلطة السياسية في العادة في الأنظمة الدستورية يتم تبادلها عبر صندوق الإنتخابات. على المعارضة أن تبحث في أثر مقاطعتها السلبية للإنتخابات في عامي 2010 و 2015 على فاعليتها السياسية، و صلتها بالجماهير. ولكن بغض النظر عن التجارب السابقة ففي تقديري أن المشاركة في الإنتخابات القادمة هو الفيصل بين المعارضة الفاعلة، والمعارضة عديمة الجدوى. صحيح أن الإنتخابات لكي تكون حقيقية يجب أن تكون السلطة السياسية مطروحة في صندوق الإنتخابات، فإن لم تكن، ولا أخالها كانت في الإنتخابات التي أجريت عام 2015 ولا 2010، فإن مثل هذه الإنتخابات لا يكون لنتيجتها ثمة دور في التبادل السلمي للسلطة . ولكن الإنتخابات لا تضع السلطة السياسية في صندوق الإنتخابات بنتيجتها فقط، بل أيضا بقدرة القيادة الفاعلة على رفع طموح الجماهير على إجراء التغيير عبرها بحيث يصبح تزوير الإنتخابات لعبة غير مأمونة الجانب. مثلما حدث لدكتاتور الفيليبين ماركوس حينما زور الإنتخابات فخرج الشعب واعتصم في الميادين الكبرى، ومنعه من إلقاء خطاب الفوز فى التليفزيون، وأعلن وزير الدفاع ونائب رئيس الأركان انضمامهما إلى الاعتصام، وأعلنت الوحدات العسكرية تمردها وامتناعها عن تنفيذ الأوامر بقتل المتظاهرين، وإنتهى الأمر كله حين أعلن الشعب فوز زعيمة المعارضة ونائبها وقامت بتأدية اليمين وسط احتفال شعبى كبير. ولكن ذلك لا يمكن أن يحدث في إنتخابات من جانب واحد، وبغير منافسة فاعلة من المعارضة.
واقع الأمر أن الأحزاب السياسية لاتشارك في الإنتخابات فقط للفوز بها، بل لأن الإنتخابات هي فرصة لأعضائها في التمرس بالممارسة الديمقراطية. فالإنتخابات تتيح للأحزاب فرصة في أن تطرح برامجها وتجمع الجماهير حولها بحيث تجعل من نفسها كتلة قوية ذات أثر على المسرح السياسي .
وحتى ولو لم تفلح المعارضة في الفوز بنتيجة الإنتخابات، فإن الإنتخابات ستمنحها وجوداً فاعلاً في البرلمان، تستطيع من خلاله تمرير سياساتها حتى عبر الحكومة القائمة، وذلك بالحوار مع الأغلبية البرلمانية، وبالضغوط الشعبية على نواب الحكومة.
حتى لايصبح إسقاط النظام، أو حتى إسقاط الحكومة، مجرد شعار لتغطية عدم الفعالية السياسية، على المعارضة أن توجد لنفسها وجوداً فاعلاً بالعمل ضمن حركة حقوقية فاعلة وذلك بالعمل في المسرح السياسي القانوني والذي يشمل كافة أشكال الحراك السياسي القانونية وأهمها المشاركة في الإنتخابات العامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.