يبدو أن السقف الذي وضعته الحكومة لمشروعها جمع السلاح في دارفور أعلى مما نتوقع.. قبل أن تتوارى تصريحات نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن بأنه قبل نهاية العام الحالي ينبغي ألا تكون هناك قوات رسمية باستثناء القوات المسلحة. قبل يومين، القوات المسلحة تتحدث- بصرامة- عن سقفهم في التعامل فيما يتعلق بجمع السلاح في دارفور؛ إذ يهدد وزير الدفاع عوض بن عوف باستخدام القوة لجمع السلاح من المواطنين؛ لفرض هيبة الدولة، إذا اضطر الأمر- فعلاً- أُعلن في جنوب دارفور الشروع في جمع السلاح من القبائل والمواطنين. حديث الجيش عن استخدام القوة يؤكد الموقف الرسمي الحاسم من قضية انتشار السلاح في الإقليم المأزوم، وبالمقابل يُنبئ بنذر حرب جديدة. مشروع جمع السلاح الذي يهدد فيه الجيش باستخدام القوة، مقروء مع إعادة هيكلة القوات الداعمة للقوات المسلحة- أي دمج أو تتبيع قوات حرس الحدود إلى قوات الدعم السريع، وجميع هذه القوات تجمعها القبيلة أكثر من أي شيء. انتشار السلاح في دارفور لم يبدأ الشهر الماضي أو حتى العام الماضي.. قضية تسليح القبائل في دارفور بدأت منذ عهود باكرة، فكيف تستوي الأمور خلال أشهر معدودة؟، هل الأمر بهذه السهولة؟، نتمنى أن يكون كذلك، لكن من اطّلع على الأمر في الواقع يكاد يحسبه من المستحيلات. عملية التسليح للقبائل في دارفور هي التي أوصلت الوضع إلى أزمته المستفحلة الآن، أكثر ممّا فعله الصراع المسلح بين الحركات والحكومة، الذي انفجر منذ العام 2003م. الأمر- بكل بساطة- أن القبائل التي تسلحت، ومنحها السلاح سلطات مُطلقة، وقاتلت- فعلاً- بالنيابة عن الحكومة، بل هي ترى أنها (جيش) الحكومة- هذه القبائل أصبحت دولة لحالها؛ لا تحتكم إلا لقوة السلاح. إن القضية ليست- فقط- تحالف قبائل مع الحكومة، الأمر تسليح وتسليح مضاد، هناك قبائل حملت السلاح، أو تسلحت رد فعل لتسليح الحكومة لبعض القبائل؛ فهذه حملت السلاح لتأمين نفسها، وهذه أمرها يبدو غير معقد؛ لأن تسليحها ينتهي بزوال الفعل. لكن القضية الأهم هي نزع سلاح القبائل التي جيشتها الحكومة، ودعمتها بالمال، ومنحتها النفوذ المطلق، هذه القبائل التي تحالفت مع الحكومة سنوات طويلة، ودفعت بأبنائها في هذه الحروب- كما ترى هي- يُمكن بسهولة أن تتحول إلى الاتجاه الآخر. التهديد باستخدام القوة في جمع سلاح القبائل والمواطنين- ربما- ينذر بمواجهات جديدة، يبدو أن الحكومة مستعدة لها.. لكن.. كيف يكون مصير الصراع في هذا الإقليم المأزوم؟. [email protected] التيار