متابعة: إبراهيم حمودة -شهد اقليم دارفور السوداني المنكوب الذي يشهد حربا بين الحكومة والحركات المتمردة من جهة ، وبين الميلشيات التي تدعمها وتسلحها الحكومة من جهة وبين المواطنين في القرى ومعسكرات ا لنزوح من جهة أخرى، شهد حادثة أخرى تبين حالة التفكك وغياب السلطة في اقليم دارفور وربما اقاليم اخرى تشهد اضطرابات مماثلة. ففي منطقة السريف بولاية شمال دارفور اندلع قتال عنيف بين قبيلتي الرزيقات وبني حسين مما ادى الى سقوط العشرات من الجرحى والقتلى حسب الاحصائيات الرسمية هناك. موضوع الخلاف الذي ادى لهذه المعركة كان حول أحقية استغلال منجم للذهب بمحلية السريف. تنقيب أهلي المنجم المذكور هو واحد من مئات المناجم التي يتم فيها التنقيب الأهلي العشوائي عن الذهب في مناطق متفرقة من السودان تتوزع بين الشرق وأقصى الشمال وفي النيل الازرق وإقليم كردفان ودارفور حيث اشارت تقديرات أولية أن ما يفوق المائتي ألف شخص يعملون في التنقيب عن الذهب في هذه المناطق وبطرق بدائية حيث تكتفي الحكومة بفرض رسوم تتم جبايتها من المنقبين بواسطة السلطات المحلية . مقابل ذلك لا توفر الحكومة أي بنى تحتية أو مرافق خدمية مثل الصرف الصحي والمياه والمرافق العلاجية. ازدياد حجم ظاهرة التنقيب عن الذهب يعود للفقر ونسبة البطالة العالية في السودان اضافة للتضخم الضارب والانخفاض المضطرد لقيمة الجنية السوداني من ناحية ومن ناحية اخرى يعود الامر للدعاية التي روجتها الحكومة بأن الذهب يمثل مصدرا بديلا لعائدات النفط التي فقدها السودان بعد انفصال الجنوب وإعلان استقلاله. خطأ الحكومة بخصوص الصدام بين قبيلتي الرزيقات وبني حسين فقد أورد الخبر أن سيارات ذات دفع رباعي محملة بمدافع رشاشة قد استخدمت في الهجوم، اضافة طبعا للبنادق الآلية واسعة الانتشار في كامل الاقليم. واقعة أخرى في اقليم كردفان تشير فيها الأخبار ايضا الى استخدام المدافع والبنادق الآلية الامر الذي يزيد من عدد الضحايا في مثل هذه المعارك. ويرى كثير من المراقبين في المنطقة أن الحكومة في الخرطوم هي المسئولة من انتشار الأسلحة بين المدنيين حيث تولت طوال سنوات حكمها تسليح ما يسمى بالقبائل العربية خاصة في اقليم دارفور وكردفان ووضعها في مواجهة القبائل الاخرى. كما تولت الحكومة ايضا استيعاب فئات كانت تمارس عمليات النهب المسلح وضمتها للقوات المسلحة في اقليم دارفور مكونة ما يعرف بحرس الحدود وقوات الشرطة المعروفة باسم (أبوطيرة) في اقليم دارفور وهي فئات لا تتحلي بأي انضباط عسكري ولا تتورع عن المشاركة في حالات النهب المتعددة التي يتعرض لها المواطنون العزل في إقليم دارفور. عجز الحكومة ما يزيد الامر سوءا أن الحكومة المركزية وأدواتها من جيش وشرطة لم تعد قادرة على التدخل لحماية المدنيين من هذه الميلشيات التي لا يمكن وصفها بالقوات النظامية وآخر حادثة في دارفور ايضا هي نهب سوق زمزم المركزي بواسطة جماعات مسلحة في الوقت الذي ظلت فيه الشرطة تأخذ موقع المتفرج وكذلك قوات اليوناميد التي ترابط على بعد بضعة أمتار من مكان الحادث. ويقول مراقبون يبدو أن الحكومة تعتمد على إذكاء النعرات القبلية في كامل التراب السوداني و استخدام الخلافات بين هذه القبائل لصالح اطالة عمرها دون تحسب لإمكانية فقدان السيطرة على هذه القبائل والعدد الهائل من قطع السلاح والمعدات العسكرية التي وزعتها عليها. أدت هذه الوضعية الى تدخل القبائل في مسائل هي من صميم عمل وصلاحيات الحكومة المركزية مثل مسألة التنمية والبنية التحتية حيث طالبت القبائل في مناطق النفط في جنوب كردفان بنسبة محددة من مداخيل النفط كعائد يمكن استخدامه في تنمية المنطقة وتحديد نسبة من العمالة من ابناء المنطقة وهي كلها مسائل تقع في دائرة مسئولية الحكومة من مواطنيها ايا كانوا شرقا ام غربا. حروب وحروب الحديث حول الصدام بين قبيلتي بني حسين والرزيقات حول منجم الذهب يقودنا للمقولات القديمة للمبعوث الخاص السابق للامم المتحدة لدى السودان يان برونك ، وهو وزير سابق للتعاون الدولي بهولندا وحاليا محاضر بمعهد الدراسات الاجتماعية بلاهاي. قال يان برونك في حوار سابق اجريته معه في العام 2009 بأن مناطق بكاملها من افريقيا والسودان منها ، سوف تعاني بظاهرة ما أسماه حروب البيئة . يحدث ذلك بسبب نقص المياه والعشب في مناطق تتضارب فيها مصالح القبائل الزراعية المستقرة والقبائل الرعوية المتجولة. وهي ظاهرة ليست بالجديدة مثل هذه الصدامات التي تأخذ طابع الحوادث المتفرقة، ولكن بتعرف برونك فإن مثل هذه الحروب سيكون لها امتدادات اقليمية خاصة اذا نظرنا لطبيعة امتداد القبائل الافريقية من دولة لاخرى كما هو الحال بالنسبة للعديد من القبائل المشتركة بين السودان وتشاد مثلا أو القبائل المشتركة بين الكونغو ورواندا ، وبين الصومال وكينيا واثيوبيا. ولكن هذه المرة تأتي لعنة الذهب في السودان لتكون المحرك وراء مثل هذه الحروب القبلية التي تخلف الكثير من الضحايا. وبانتشار حمى الذهب التي تساهم الحكومة في الترويج لها كخلاص من ازمتها الاقتصادية الراهنة لا يستبعد أن تتكرر مثل هذه الحروب التي تبدأ عادة إما بالنزاع حول مساحة من الأرض ، أو نتيجة لخلاف بين شخصين من قبيلتين مختلفتين في وضع اصبحت فيه الحساسية القبلية مثل بركان يغلي أو قنابل موقوتة لا يدري المرء متى تنفجر.