قال د. سلاف الدين صالح مفوض نزع السلاح واعادة الدمج والتأهيل بشمال السودان ، ان حجم السلاح غير المصدق به في شمال السودان يصل الى حوالي «2 - 3» مليون قطعة ، وأضاف سلاف الذي كان يتحدث لبرنامج مؤتمر اذاعي ان المفوضية قامت بنزع «2» ألف قطعة خلال العام الماضي، موضحا أنه بنهاية العام الجاري ستصل مفوضيته الى نزع «23» ألف قطعة، وأكد ان العام 2011 - 2012م سيكتمل نزع العدد المستهدف «90» ألف قطعة سلاح. وفي وقت سابق كانت المفوضية قد حددت ولايات دارفور، كردفان والنيل الازرق والشرق على التوالي كأكثر مناطق السودان التي ينتشر فيها السلاح وفقا لمسح احصائي، أسفر عن أرقام دقيقة حول كميات الأسلحة غير القانونية، لكن مدير ادارة السلام وأمن المجتمع بالمفوضية عبد الحفيظ محمد أحمد الذي نقل الخبر على لسانه تحفظ وقتها على ذكر الاحصاءات و انتشار السلاح في خارج دوائر القوات النظامية ليس قصرا على السودان، اذ تقول دراسة أجراها المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف ان المدنيين يملكون ثلاثة أضعاف الأسلحة التي تملكها الجيوش وقوات الشرطة في دول العالم مجتمعة، وتظهر الدراسة التي أجريت في نهايات العام قبل الماضي حول انتشار الاسلحة الشخصية أنه من بين«875» مليون قطعة سلاح متداولة حول العالم، هناك« 650» مليون قطعة في أيدي مدنيين، وهو ما يزيد ب« 200» مليون عن تقديرات سابقة. في السودان، ينظر المراقبون الى انتشار السلاح كسبب من الأسباب الرئيسية للأوضاع الأمنية المتقلبة في الكثير من الأنحاء ويربطون بداية ظهور السلاح في البلاد بالاضطرابات التي حدثت في الدول المحيطة. يقول الفريق عثمان فقراي في حديث سابق للصحيفة ،ان كل الصراعات المسلحة التي دارت في محيط السودان تسببت بشكل أو آخر في تسريب الأسلحة الى البلاد، ففي الشرق السودان عرف الاقليم السلاح ابان الحروب الاثيوبية الاريترية خاصة في عامي «71 -1972م». ثم الحرب الاريترية الاريترية التي اندلعت بين ثوار الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا وجبهة التحرير الاريترية التي دفعت بعدد كبير من قوات الأخيرة في عام 1981م الى داخل الحدود السودانية بسلاحها الذي اضطرت للتنازل عنه مقابل أسعار زهيدة أو حتى مقابل الطعام أو الكساء ، ويقول ان نواحي كسلا و شرق القاش هي أكثر المناطق التي تأثرت بالسلاح الاريتري. وظل الصراع الأثيوبي الاريتري مصدرا للسلاح في شرق السودان الذي كان في الماضي حسب فقراي من المناطق التي كانت توصف بأنها شبه خالية من الأسلحة. وبعد توقف المعارك بين ثوار اريتريا وأديس أبابا لم يتوقف تدفق السلاح بل ظهر تجار ومهربو السلاح المتوجه غالبا الى دارفور لتغذية الصراع الدائر في الاقليم. انتشار السلاح في الاقليم حسب فقراي نفسه أصبح ظاهرة تسترعي الانتباه وهي ظاهرة خطيرة رغم أنه سلاح خفيف وليس كذلك الموجود في دارفور ويحرص على اقتنائه الرحل في القاش وشرق القاش، ويرفض الفريق فقراي افتراض ان الوضع الماثل تطور طبيعي لتقليد حمل السلاح المتجذر عند بعض القبائل السودانية خاصة الهدندوة التي تعتبر السيف جزءا و مكملا لزي الرجل ومظهره، ويقول ان الوضع مختلف تماما لأن الأسلحة النارية تستخدم وتحمل في الخفاء مما يعني ان اقتنائه ليس بدوافع مظهرية حتى ان هذا النوع من السلاح لا يستخدم في الشرق في المناسبات الاجتماعية كالزواج كما هو الحال في الكثير من أقاليم السودان، الأمر الذي يؤكد ان لا دلالات اجتماعية للسلاح الناري في المنطقة. و نبه الى ارتفاع ثقافة استخدام الأسلحة، وقال ان عمليات ك« الفك والتركيب» وغيرها يمارسها المواطنون ببساطة. و في دارفور تقول روايات متواترة ان أول دفعة من السلاح دخلت الاقليم بكميات غير مسبوقة كانت عبر الجبهة الوطنية التي كانت تقود المعارضة ضد نظام الرئيس الأسبق جعفر نميري، وأدخلت كمية كبيرة من السلاح استعدادا لانتفاضة يوليو 1976م وقامت بتخزينه تحت الأرض بوادي هور، لكن قبل ان تستخدمه دخلت في حوار مصالحة مع النظام ولتأكيد حسن نيتها وجديتها أهدت الجبهة الوطنية هذا السلاح للجيش، لكن الجيش عندما وصل حيث دفن السلاح لم يجد كل الكمية التي بلغت عنها الجبهة الامر الذي يعني ان الجزء المفقود تسرب الي ايدي غير نظامية في الاقليم . غير أن الكثير من المراقبين شككوا في هذه الرواية ويرجعون جذور المشكلة الى الصراعات في دول الجوار كالحروب التشادية الداخلية والحرب التشادية الليبية و حرب الجنوب والحروب الأثيوبية الاريترية و الاريترية الاريترية ، ودارفور كانت على مقربة من مسرح الأحداث الدموية في تشاد وكانت معبرا للسلاح الى خطوط النار وساعد في ذلك الحدود الطويلة المفتوحة بينها وبين تشاد، ومن ثنايا هذه التعقيدات انتشر السلاح في بادئ الأمر في الاقليم و ازداد الامر سوءا بظهور الحركات المسلحة وانخراط القبائل في الصراع الذي يعصف بالاقليم الذي اصبح جاذبا للسلاح وظهرت فيه اسواق معروفة ك«أبرم طاقيتك» وراجت فيه ثقافة السلاح وغزت قاذفات اللهب والادب الشعبي فأصبح يجود بأمثال من شاكلة «امتلك كلاش وعيش بلاش». كبير مساعدي الرئيس السوداني، رئيس سلطة دارفور الانتقالية، مني اركو، ذهب أبعد من ذلك عندما قال ان معدل انتشار السلاح في الاقليم يصل الى «5» قطع من السلاح لكل مواطن من مواطني الاقليم الذين يبلغ عددهم أكثر من 6 ملايين نسمة الأمر الذي يعني ان دارفور بها حوالي «30» مليون قطعة سلاح بمنطق الحساب الذي لا يكذب. و ما يزيد من خطورة المشكلة تطور نوعية الأسلحة التي أصبحت أكثر فتكا بعد دخول أنواع متقدمة كمنقستو والرمنتول وكسرة وهي من نوع الرشاش الذي يطلق الرصاص في مجموعات بعد أن كانت السائدة أسلحة تعمل بنظام « الطلقة طلقة». وقضية انتشار السلاح وفقا للمراقبين ستظل ماثلة الى ان يتحقق السلام الشامل وتسيطر الدولة سيطرة كاملة على الاقليم حتى بعد ذلك يجب أن تكون عملية النزع، حسب ذات المصادر، متزامنة بمعنى ان يتم تجريد كل المسلحين في وقت واحد من أسلحتهم حتى لاتتعرض المجموعات التي يتم تجريدها الى التهلكة خاصة الرعاة الذين تتطلب حياة الحل والترحال الى مناطق لا تتوفر فيها حماية الحكومة ويتعرضون فيها الى الاعتداءات عليهم وعلى ممتلكاتهم. اللواء معاش عبد العزيز الأمين، يرى ان نزع الأسلحة أمرا عسيرا لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها، وقال لابد ان يتم على مراحل ويصاحبها حملة توعية مكثفة وعمل اعلامي كبير حتى تجد العملية القبول عند المعنيين بنزع السلاح ولابد ان يسبق كل ذلك تحقيق السلام الشامل الذي معه لا يحتاج الفرد والمجتمعات لحماية انفسهم. ويقول مراقبون ان الأنظمة التي حكمت في الخرطوم بعد الاستقلال دأبت على تسليح القبائل الموالية لها خاصة في الجنوب والغرب منذ ثمانينات القرن الماضي، ويشيرون الى ان هذه السياسة زادت من انتشار السلاح و دفعت القبائل الأخرى الى البحث عنه وامتلاكه ، وتنفي الحكومات المعنية هذه الاتهامات. وعلى المستوى الداخلي شهدت البلاد العديد من الحركات الاحتجاجية وسط بعض القوات التابعة للفصائل التي كانت تحارب الحكومة في مختلف الجبهات، و عادت الى الداخل وفقا لاتفاقيات السلام بسبب ما يسميه المحتجون بالتجاهل الذي يجدونه الأمر الذي يعزز الانتقادات التي توجه لتلك الاتفاقيات بأنها اهتمت بقادة الحركات ولم تعر المقاتلين واعادة دمجهم في المجتمع الاهتمام الكافي فبقى معظمهم بأسلحتهم فانتشرت الميليشيات المسلحة بشكل واسع لدرجة ان وزير الداخلية الأسبق قال في وقت سابق أمام البرلمان ان الخرطوم لوحدها بها حوالي «48» ميليشيا مسلحة غير ان مظاهر التسلح على الأقل في الخرطوم تراجعت كثيرا ولم نعد نشاهد في شوارعها مسلحين خلاف المنتسبين للقوات النظامية غير أقاليم كالجنوب وجنوب كردفان وبطبيعة الحال دارفور بها العشرات من المجموعات المسلحة. ويشير الدكتور سراج الدين عبد الغفار عمر، في بحث منشور الى ان عدد الميليشيات الجنوبية المسلحة التي كانت تحارب في صف الحكومة أثناء حرب الجنوب وصلت الى« 29» فصيلا تنتمي الى قبائل النوير والدينكا والفرتيت وقبائل الاستوائية والشلك، ويبلغ عدد قواتها نحو 34159 جنديا، وقد انضمت جل هذه الميليشيات بعد السلام الى الجيش السوداني وقليل منها انسلخ وانضم للحركة الشعبية. ويقول اللواء عبد العزيز الأمين ان الاتفاقيات كان يجب أن يصاحبها حصر لأماكن تواجد القوات وحصر للأسلحة التي بحوزتهم ومن ثم جمعها ومصادرتها حتى لا تتسرب وتشكل خطرا على الأمن. وتواجه عمليات نزع السلاح والتسريح واعادة الدمج رغم أهميتها الكثير من العقبات وتسير بوتيرة بطيئة ، فالأرقام التي تعلن المفوضية عنها غالبا لا تتجاوز بضعة آلاف في حين ان جملة الذين يحتاجون الى اعادة الدمج أكثر من «350» من المحاربين السابقين. ود.سلاف نفسه قال في حديثه الاذاعي ان المفوضية نزعت خلال العام الماضي الفي قطعة سلاح فقط من العدد المستهدف «90» ألف قطعة، ويشتكي المسؤولون عن المفوضية من ضعف الامكانيات وبطء تدفق أموال المانحين رغم الاتفاق المسبق على مشروع مشترك بينهم وحكومة الوحدة الوطنية والأمم المتحدة وحكومة الجنوب تبلغ تكلفته «450» مليون دولار.