ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أمس أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي سيتمكن من استغلال ثروة هبطت عليه بشكل مفاجئ قيمتها 23 مليار دولار تتمثل في أصول لم ينفقها نظام العقيد معمر القذافي. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في طرابلس القول إن الأصول التي لم تنفق عثر عليها في خزائن الحكومة الليبية هذا الشهر. وقال مسؤول بريطاني للصحيفة: «إنها أصول داخلية عثر عليها في ميزانية البنك المركزي الليبي وهو ما سيجعل المجلس الانتقالي ينعم بثروة مفاجئة حتى بداية العام المقبل». وسيرفع ذلك الضغط من على المجلس الانتقالي إلى أن يتمكن من الحصول على الأصول المجمدة لنظام القذافي خارج البلاد، حسب وكالة الأنباء الألمانية. وأضاف المسؤول أن الأمر بالنسبة إلى المجلس الانتقالي «كما لو أنه عثر على مليارات الدولارات أسفل الوسادة». وستعمل هذه الأصول المكتشفة على مضاعفة الأصول الداخلية التي كانت تقدر حتى الآن بنحو 25 مليار دولار. من جانبه، قرر الاتحاد الأوروبي فك أموال ليبية مجمدة، ودعم أنشطة في قطاع النفط والقطاعات المصرفية، والمساعدة في بناء حكومة مدنية، ورفع الحظر على الطائرات الليبية من استخدام المطارات والأجواء الليبية، وفي الوقت نفسه رفع جزئي لحظر السلاح. وقال الاتحاد الأوروبي في بيان صدر ببروكسل، إنه «تنفيذا للقرارات الأخيرة للأمم المتحدة لدعم ليبيا، قرر التكتل الأوروبي الموحد، اتخاذ مجموعة من التدابير تهدف إلى مساعدة الاقتصاد الليبي على التعافي بعد الحرب الأهلية، ومساعدة بعثة الأممالمتحدة على دعم هذا البلد». وتقضي الإجراءات الجديدة، برفع تجميد أصول الأموال العائدة للعديد من المؤسسات العاملة في مجال النفط والمصارف ل«السماح بإعادة النشاط الاقتصادي في هذا البلد». وبحسب البيان، يستفيد من الإجراءات، مصرف ليبيا المركزي، وهيئة الاستثمار الليبية، والمصرف الليبي الخارجي، وليبيا أفريقيا للاستثمار، كما تم رفع تجميد أصول شركتين في قطاع النفط. وسبق أن وافق الاتحاد في منتصف الشهر الجاري على رفع تجميد أصول شركة الخطوط الجوية الأفريقية. كما قرر المجلس السماح للطائرات الليبية باستعمال المطارات والمجال الجوي الأوروبي، «كما تم تخفيف الحظر المفروض على دخول الأسلحة لليبيا»، كما جاء في البيان. وبرر مسؤولو الاتحاد الأمر بقولهم إنه بات من الضروري السماح بدخول بعض السلاح لليبيا، ل«أغراض تتعلق بحفظ الأمن والتدريب»، وكان الاتحاد الأوروبي قد رفع تجميد أصول بعض الأموال الليبية لصالح مهمات وأنشطة إنسانية ومدنية في هذا البلد. وفي نفس الصدد، رأى الجنرال شارل بوشار، القائد العسكري لعملية حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا، أن الإجراءات التي اتخذتها الدول الأوروبية، بمقتضى القرار الدولي (رقم 2009) الصادر بتاريخ 16 سبتمبر (أيلول) الجاري، حول تخفيف العقوبات على ليبيا، لا تتناقض مع مهمة الحلف في هذا البلد. وأوضح أن هناك ضرورة للسماح بدخول بعض السلاح إلى ليبيا لمهمات تدريبية لصالح السلطات الجديدة، معتبرا أن «هذا الأمر يتوافق تماما مع روح القرارات الدولية السابقة». إعلاميون ليبيون : إسلاميون متشددون من الثوار يهددون باغتيال منتقديهم قال إعلاميون ليبيون ل«الشرق الأوسط» أمس إن إسلاميين متشددين من الثوار الذين أسقطوا حكم العقيد الليبي معمر القذافي، أصبحوا يهددون باغتيال منتقديهم. وأوضح مسؤول في صحيفة ليبرالية جديدة تصدر في ليبيا وصحافيون أن إسلاميين متشددين في العاصمة طرابلس يهددون باغتيال صحافيين في الصحيفة التي تحمل اسم «عروس البحر» بسبب انتقادها لعناصر تابعة للقائد العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج، الأمير السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة. وانتقدت صحف ليبية جديدة تصدر من العاصمة الليبية اتجاه إسلاميين شاركوا في عملية «تحرير طرابلس» لفرض وصاية على المجتمع الليبي من خلال مطالبتهم بحظر محال الكوافير (صالونات التجميل للنساء) وغلق صالات الزفاف، والتضييق على النساء غير المحجبات باعتبار ذلك مخالفا للإسلام. وأثار ظهور بلحاج كقائد في ثورة 17 فبراير التي أسقطت حكم العقيد معمر القذافي، مخاوف لدى الأوساط المدنية والديمقراطية داخل ليبيا وخارجها، خاصة بعد أن تم الكشف عن تاريخه الذي يعود لفترة الجهاد في أفغانستان واعتناق الأفكار الدينية المتشددة. ورد بلحاج على هذه المخاوف مبكرا حين قال في أول ظهور له بعد تحرير طرابلس الشهر الماضي إنه مع الدولة المدنية والديمقراطية، لكن ممثل المجلس الوطني الليبي في مصر محمد فايز جبريل قال ل«الشرق الأوسط» إن المهم هو الأفعال لا الأقوال، مضيفا أن المجتمع الليبي متدين بطبيعته ومع الإسلام الوسطي، ولن يقبل بالتشدد. وأوضح فتحي بن عيسى رئيس تحرير صحيفة «عروس البحر» الليبية الليبرالية الخاصة في رسالة بعث بها للمجلس الانتقالي الذي يدير ليبيا مؤقتا برئاسة مصطفى عبد الجليل، وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، أن الصحيفة تلقت تهديدا عبر الهاتف (الذي ذكر رقمه في الرسالة)، وذلك يوم أول من أمس الأربعاء قال فيه المتصل إنه لن يُسمح بالنيل من عبد الحكيم بلحاج. وأضاف رئيس التحرير في الرسالة نفسها التي بعث بنسخ منها إلى العديد من الجهات المسؤولة محليا ودوليا بما فيها الأممالمتحدة، أن هذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها الصحيفة التهديدات منذ صدورها يوم 21 سبتمبر (أيلول) الجاري، وأن هذه التهديدات تهدف إلى منع الصحيفة «من أداء رسالتها كإحدى وسائل الرقابة وتبصير الرأي العام بالشأن العام». وتابع بن عيسى: «بدلا من أن يلجأ من يعتقد أنه تضرر من محتويات الصحيفة إلى القلم وتفنيد ما جاء فيها بالحجة والبرهان، وفقا لما تقتضيه قواعد دولة القانون والمؤسسات والمجتمع المدني المنفتح، نجد أن التهديد بالتصفية الجسدية هو الأسلوب للرد على صاحب قلم بهدف إسكات صوته». ومضى بن عيسى يقول إن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها التهديد بالتصفية الجسدية «بهذا الوضوح»، داعيا الجهات المعنية في ليبيا وخارجها لاتخاذ الإجراءات اللازمة وممارسة دورها الرقابي في حماية حرية التعبير، و«ألا يكون التهديد باستخدام السلاح والتصفية وسيلة للحوار»، مشيرا إلى أن أسلوب تهديد أنصار بلحاج الذي تلقته الصحيفة هو «نفس أسلوب القذافي ولجانه الثورية»، وقال: «لن نعود للقيود»، بعد ثورة 17 فبراير التي حررت الليبيين. ومن جانبه أوضح الصحافي الليبي عماد العبيدي أن صحيفة «عروس البحر» وصحفا محلية أخرى تبنت منذ صدورها خطابا انتقاديا لم يكن معتادا.. «الانتقاد بشكل عام لم يكن مسبوقا في عهد القذافي»، خاصة أن الصحيفة سلطت الضوء على طريقة إدارة المرحلة الانتقالية وحدود الأدوار التي ينبغي أن يلتزم بها كل طرف بمن في ذلك دور الإسلاميين. وحسب العبيدي تساءلت صحف محلية أخيرا في عدة أعداد عن مصير شحنات أسلحة وصلت إلى طرابلس التي يرأس بلحاج مجلسها العسكري، وما إذا كانت هذه الشحنة آلت إلى الدولة أم إلى فرق مسلحة بعيدا عن سلطة المجلس الانتقالي ورقابته. ويوجد صراع خفي في ليبيا بين التيار الليبرالي والتيار الإسلامي. وإضافة إلى ما قاله فايز جبريل عن ضعف التأييد للإسلام المتشدد بين الليبيين، يرى مراقبون أن فترة القمع التي راح ضحيتها آلاف الإسلاميين طيلة حكم القذافي الذي استمر 42 عاما، وانخراط هؤلاء الإسلاميين في ثورة 17 فبراير، جعل لقادتهم بريقا خاصا في بعض الأوساط العامة. من جانبه علق مصدر في المجلس الانتقالي بأنه سيتم التحقيق في شكوى بن عيسى، قائلا إن «عهد التصفيات الجسدية انتهى بنهاية حكم القذافي».