لعل معضلة العقليات الكيزانية، في تعاطيها مع ثورة 19 ديسمبر، هي أنها بعيدة عن فهم تطلعات الشباب، مفجر الثورة، التي أصابت القيادات الهرمة، للحركة الإسلامية بدوار كدوار البحر، من شدة الصدمة، التي هزتها وهي ترى تداعي الوهم، الذي ركنت إليه، بأنها قد إستلبت الجيل اليانع المولود في كنفها، ودجنته بخطاب ديني ساذج ومتخلف، وتمكن من قولبته في قوالب القرون الوسطى، وأغلقت عقله بالضبة والمفتاح…..وتتمظهر الصدمة في مظاهر عديدة، منها أن العصبة الحاكمة، تدلق كل صباح عبر أجهزتها الدعائية، حلولآ ومقترحات تظن أنها ستنجيها من المصير المحتوم، ولكنها على عكس المطلوب، تزيد في غربتها عن الواقع، وتفضح أبعاد شيخوختها، وتصلب شراينها، لأنها بعيدة من أن تلبي، أدنى تطلعات شباب الثورة، ناهيكم عن سقفها وهو الحرية، التي لا يمكن أن تتوفر إلا في دولة مدنية ديمقراطية، مؤسسة على حرية التعبير، وإستقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة، وإستقلال الجامعات مع حرية البحث العلمي، وما إلى ذلك من الحقوق الواردة، في (وثيقة حقوق الإنسان) الصادرة عن الأممالمتحدة، في العاشر من ديسمبر من العام 1948م. وعجز العصبة الحاكمة عن فهم، تطلعات الشباب الثائر، لا يعود فقط إلى طبيعة العقل الكيزاني السقيم، الذي لا يستوعب ولا ينسجم وحقائق ومظاهر العصر الحديث، الذي هو وليد قانون التطور، المنطلق دومآ إلى الأمام، بل ويعود ذلك أيضآ، إلى أن العقليات الكيزانية، المتحكمة في آليات السلطة والصحافة والقنوات التلفزيونية وما إلى ذلك، تشكلت في بواكير عصر الحرب الباردة، وبقيت متعلقة بعصر الحرب الباردة، دون أن تستوعب حقيقة انه قد ولى منذ عشرين سنة، وأن المعسكر الشيوعي بقيادة ما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي، قد رمست عظامه في مقبرة التاريخ…. ودون أن تفقه أن عصرآ جديدآ قد بدأ، هو عصر الإنفورميشين تكنلوجي، الذي لا يزدهر إلا في المجتمعات الحرة المفتوحة… ففي الوقت الذي كان فيه، المحامي الفاشل علي عثمان محمد طه، ونائب السفاح آنذاك، يعلن في العام 2007 م، إنشاء ألف خلوة، ردأ على قرار العقوبات الأمريكية، كانت رواندا التي نهضت، نهضة جبارة منذ العام 2003 م، بعد أن كانت إحدى أفقر بلدان العالم ضربتها حرب أهلية طاحنة، تقدم لكل تلميذ في مدارسها، جهاز كمبيوتر [لابتوب]. تلاميذ إحدى المدارس الرواندية وهكذا بينما كانت دولة صغيرة مثل رواندا تنهض، لتصبح خلال ستة عشر عامآ، على رأس الدول السياحية في أفريقيا، وأحد أفضل الإقتصاديات الناهضة المشهود لها في العالم، كان نظام المشروع الحضاي الإسلامي الفاشل، قد دمر بالكامل أكبر مشروع زراعي في أفريقيا والشرق الأوسط، كان يروى بنظام الري الإنسيابي الطبيعي، كما دمر إحدى أطول وأقدم السكك الحديدية في العالم، دون أن يقدم شيئآ ذا بال، ورافق ذلك إنهيار الخدمات الصحية، وتدهور مريع في النظام التعليمي، ليس فقط على مستوى المناهج، التي أصبحت شبه دينية، بل وعلى مستوى المباني المتهالكة، والأدوات المدرسية الشحيحة إحدى المدارس في العهد الكيزانيمدرسة من مدارس العهد الكيزاني وهذا التدهور الشامل في جميع مناحي الحياة، محصلة طبيعية للعقليات المتحجرة المتخلفة المتحكمة، والمعادية أصلآ للحداثة، التي تبدأ بالفكر والمناهج المدرسية… وكان أن إنحط المجتمع السوداني، إلى عصور الهمجية يسودها، قطع الإطراف وجلد النساء في الطرقات….ومن المؤسف أن الشباب، الذي نشأ في كنف، نظام المشروع الحضاري الإسلامي الفاشل، لم يتعرف على الكمبيوتر وبرامجه في المدارس المتهالكة كما كان ينبغي، وحين فتحت له نافذة الإنترنيت، أدرك مدى الإنحطاط، الذي يضرب السودان على جميع الإصعدة، الإجتماعية والإقتصادية والعلمية…ووصل إلى نتيجة منطقية، وهي أن هذا الإنحطاط الذي ينخر البلاد سببه، تسلّط عصابة تتاجر بالدين على مقدرات البلاد، ويرأسها أمي مستبد أخرق، يجلس على سدة السلطة بالحديد والنار، على مدى ثلاثة عقود. وكان أول صدام بين العقليات الكيزانية المتحجرة، والمتحكمة في السلطة، وبين جيل الشباب جيل الإنفورميشن تكنلوجي، في ليلة {شباب توك} التي أعدتها وبثتها فضائية دوتشي فيلي الألمانية، في شهر سبتمر 2018 م، وكانت بطلتها الشابة الجسورة وئام شوقي…..ففي تلك الليلة تحدث الشباب بصوت عال مسموع، عن إنعدام الحريات، وعن لصوص الشرطة الدينية، المسماة بشرطة النظام العام، التي تنتهك حرمات المنازل وتجلد النساء في الطرقات، وتملك سلطة إيقاف اية فتاة في الطريق، بدعوى الزي الفاضح، واكثر من ذلك، لديها سلطة إحتجاز أيّ زوجين، يسيران معآ في الطريق، إذا شكت في أمرهما، ولا تطلق سراحهما، إلا بعد إثبات الزوجية، وحتى الأطفال لم يسلموا من وحشية وهمجية لصوص الشرطة الدينية (النظام العام)….لقد عاش المجتمع السوداني آلآف السنين بلا شرطة دينية، وكان أفضل حالآ، ولم يعرف هذا الكم الهائل من الأطفال اللقطاء، الذي هو ماركة مسجلة، لعهد المشروع الحضاري الإسلامي بشهادة دار المايقوما….فبتاريخ 28 مارس 2018 م [كشفت منظمة شمعة لرعاية الأطفال فاقدي السند، عن دخول طفل على الأقل يومياً ل"دار المايقوما" للأطفال مجهولي الأبوين وقالت رئيسة المنظمة د. نور حسين خلال حديثها بالمجلس القومي لرعاية الأطفال أمس الثلاثاء، إن الأطفال فاقدي السند في إزدياد مضطرد بالمجتمع وإن الجهات الرسمية تتكتم دائماً على الأرقام والإحصاءات رغم الازدياد الواضح]….فهذه هي إحدى ثمرات المشروع الحضاري الإسلامي، الذي صدّعوا به رؤوس أهل السودان. الفيديو الذي يوثق كيف تعتدي الشرطة الدينية على الأطفال بالضرب وتحتجزهم في غرف التوقيف (الفيديو تم تنزيله في 24 أبريل 2012) وقد تحدث الشباب في ليلة شباب توك العاصفة، التي أحدث دويآ هائلآ، عن أمور عديدة متعلقة بتطلعاتهم…وعجزت العصبة الكيزانية الهرمة المتسلطة، أن تتفهم ليلتها تطلعات الشباب… وغاب عن إدراكها، إن جيلآ رافضآ، لمشروعها الحضاري الإسلامي، وسلطتها الإستبدادية القمعية، كان يتخلّق بعيدآ عن مناهجها المدرسية القرون وسطية، وبينما هي مشغولة بمحاولات إختراق الحزب الشيوعي، وتفتيت حزب الامة، وتأزيم الاتحادي الديمقراطي المأزوم أصلآ، وشراء ذمم ضعاف النفوس، في الحركات المسلحة، لتوزيرهم فيصبحوا كالأيتام في موائد اللئام….وعوضآ عن أن تستوعب العصبة الكيزانية الهرمة المتحجرة، معنى ما جرى في ليلة شباب توك بفضائية دوتشي فيلي، سلطت عليهم، وخاصة على وئام شوقي، ما يعرف بالذباب الإلكتروني، ليسبوهم بأقذر وأقبح الألفاظ ، وصلت إلى حد إستخدام مفردات العهر، بزعم انهم بمناداتهم بالحرية، وهجومهم على لصوص الشرطة الدينية، إنما ينادون بنشر الفجور والفسوق في المجتمع…وإشترك في حفلة الردح، زعماء الجاهلية السلفية، من كبار تجار الدين الحاضرين دومآ في موائد السلطان، والقائلين بوجوب طاعة الحاكم، وإن أخذ مالك وجلد ظهرك وضاجع زوجتك….ولكن كل هؤلاء الدجالين شذاذ الآفاق، إنحبس صوتهم وإنقطع لسانهم، ولم ينبسوا ببنت شفة، وهم يرون سيدهم السفاح، يرقص ليلآ وسط الحسناوات، بينما يردد صباحآ أمام المحشودين أمامه دجلآ وتضليلآ :[الله اكبر الله اكبر ولا إله إلا الله ومحمد رسول الله…الله اكبر الله اكبر إياك نعبد وإياك نستعين ولا عدوان إلا على الظالمين] الفيديو الذي يرقص فيه السفاح مع زوجته وداد، ربما كان في حفل عرس بنتها من الهالك إبراهيم شمس الدين، الفيديو تم تنزيله في 16 نوفمبر 2011م كان اللجوء إلى سب وشتم شباب توك، بتلك الطريقة المسعورة، ليس شهادة على تحجر العقليات الكيزانية فحسب، بل وكان أصدق دليل، على عدم إدراكها لتطلعات الشباب….وقد هزمت العصابة الأخوانية ، هزيمة نكراء أمام جيل الإنفورميشن تكنولجي….. وقد تجلت هزيمتها في ليلة شباب توك، في هزيمة ممثلها في تلك الليلة، وحامل أفكارها الظلامية، رئيس ما يسمى بهيئة علماء السودان، الذي جلس بعمامته كمومياء فرعونية، وسط شباب وشابات يتحدثون بلغة لا يفهمها، ويحلمون بعالم لا يمكن له، أن يلامس خياله المحدود….. كان بالفعل صراع بين زمنين… بين عالمين منفصلين، إجتمعا في مكان واحد…. عالم القرون الوسطى، الذي تمثله العصابة الأخوانية ، ممثلة في تلك الليلة في شخص ما يسمى برئيس هيئة علماء السودان، وجيل العصر الديجتالي، المتجسد في شباب توك… ولما كانت العصا من العصية، فإن ذلك التمرد الشبابي في ليلة شباب توك، على نظام المشروع الحضاري الإسلامي الفاشل، قد إزدهر وتنامى، إلى ثورة شبابية عارمة في شهر ديسمبر، أي بعد أربعة أشهر من تلك الليلة، التي ضاءت بنور الوعي الشبابي… كانت ليلة شباب توك إنذارآ مبكرآ، وعلامة على ما يعتمل وسط الشباب لينفجر، ولكن أنّى يلتقط الكيزان المعاتيه الإشارات، وهم في قاع الظلمات… فتلاقحت ثورة 19 ديسمبر بليلة شباب توك، لتكمل هزيمة العصابة الكيزانية المجرمة. فالعصابة الأخوانية الهرمة المتسلطة، كما فشلت في فهم رسالة شباب توك، وسلطت عليهم ذبابها الإلكتروني، لتسبهم بأقذع الشتائم وأكثرها بذاءة وفحشآ، فإنها بنفس القدر صدمت بعنف، ولم تصدق ناظريها وهي ترى الشباب، الذي ظنت أنها تربست عقله، يخرج بالآلآف ضد مشروعها الرجعي المتخلف، ودولتها الدينية التي لا مكان لمثلها في عصر الأنوار، ويكفي أنها هوت بالبلاد أربعين خريفآ، في هاوية سحيقة لا قرار لها… وأمام هذه الصاعقة التي فاجأت العصابة الأخوانية، لم تجد حلآ غير الهروب إلى الفجاجة،. المتمثلة في التفسير الساذج لما يجرى….إذ أخذت هي ورئيسها السفاح وأبواقها ووزرائها، في ترويج أن التظاهرات حق دستوري مكفول، بالرغم من أنها قبل هذه الثورة، ما كانت تسمح بإلتام ندوة شعرية، ناهيكم عن ندوة سياسية… ومن ترويجات العصابة أيضآ في هذا المنحى، أن التظاهرات إندلعت من أجل الخبز، وإنها قد وفرت الخبز، بما يستدعي إنهاء التظاهرات، ولكن مندسين حولوها إلى تظاهرات سياسية. وما لا تستوعبه جماجم الأخوان المسلمين، أن الخبز والحرية تؤامان …فأكبر ثورة في التاريخ، وهي الثورة الفرنسية الكبرى، أم الثورات التي أرست وثيقة حقوق الإنسان ، ودشنت عصر النور والتنوير، بدأت بتظاهرات الخبز، الذي إنعدم حينها في مخابز المدن الفرنسية ، بسبب الأزمة الأقتصادية الطاحنة، التي كانت تمسك بخناق النظام الملكي….ولا احد في هذه الدنيا، لا يعرف قولة الملكة ماري انطوانيت، حين سمعت صيحات المتظاهرين، وسألت عما يجري، فقيل لها إنها تظاهرات بسبب إنعدام الخبز….فقالت قولتها الشهيرة:{لماذا لا يأكلون الكيك}…كانت فرنسا حبلى بالثورة، والفلاسفة والمفكرون التنويريون، من أمثال فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو، قد رسموا ملامح الدولة المدنية اللائكية…مجتمع الحريات والديمقراطية، وهيأوا الأجواء للثورة ضد النظام الملكي الإستبدادي.. ولم تكن تظاهرات الخبز، التي عمت مدن فرنسا سوى الزند، الذي قدح الشرارة في برميل البارود، فتفجرت الثورة وتحولت هتافات [أين الخبز] إلى هتافات {إلى الباستيل إلى الباستيل} وإستمرت الثورة لسنوات، بقيادة مفكرين ومثقفين من الطبقة الوسطى، وتمكنت من خلع الملك بعد أربع سنوات….وليست الثورة الفرنسية الكبرى، هي وحدها التي بدأت بتظاهرات من أجل الخبز، فهناك أيضآ الثورة الروسية، التي إندلعت في فبراير من العام 1917 بقيادة الكسندر كيرنسكي، وأطاحت بالنظام الإستبدادي القيصري، الذي فشل في توفير الخبز، لأن نفقات القصر الباهظة، ونفقات الجيش الذي كان منغمسآ، في الحرب العالمية الأولى، لم توفر روبلآ واحدآ في خزينة الدولة.. وبإنعدام الخبز إنتشرت المظاهرات في موسكو، منادية :[ أين الخبز] {نريد الخبز} وسرعان ما تحولت الهتافات إلى {يسقط القيصر}…كان ذلك شرارة الثورة التي أرست الديمقراطية، التي لم تستمر طويلآ، إثر إنقلاب البلاشفة عليها…..هذه هي جدلية الخبز والحرية عبر التاريخ، فإنعدام الخبز يرتبط بالفساد وسوء الإدارة، والتكاليف الباهظة لنفقات الشريحة الحاكمة، لتعيش حياة مترفة مع إنفاقها الكبير ، على أجهزتها القمعية لتحمي نفسها من غضب الجماهير، ولذا فان المظاهرات من أجل الخبز في أيّ مكان وعبر التاريخ هي مظاهرات سياسية بإمتياز… وتبعآ لكل ما اوردنا، فإنه لا يعيب ثورة 19 ديسمبر، أن يكون شرارتها هو إنعدام الخبز، وليس من قبيل الصدفة ان يهتف الذين إنطلقوا في المظاهرات من اجل الخبز في عطبرة [سلمية سلمية ضد الحرامية] …أيّ ضد الحرامية الذين سرقوا خبزهم وأموالهم، وسرعان ما أصبحت الهتافات {حرية سلام وعدالة، والثورة خيار الشعب}…هذا ما حدث في فرنسا قبل قرنين، وفي روسيا قبل قرن، وفي السودان في 19 ديسمبر 2018 م، فالعقليات الكيزانية الهرمة المتحجرة، ظنت انها بتوفير الخبز، من الدقيق الذي تصدق به بعض أثرياء الخليج، والقمح الذي تبرع به النظام المصري، وقبله بوتين تنفيذآ لوعده للسفاح البشير، بأن يكون القمح مقابل زيارته لبشار الأسد، ستخمد الثورة إلى الأبد، وذلك دون أن تعي أن الشباب يهتفون اليوم [الشعب يريد بناء سودان جديد]و[العار العار رئيسنا حمار] و[لا بنكل ولا بنمل، ولن ترهبنا كتائب الظل] و[بالصوت بالصورة رئيسنا كمان ماسورة]….هتافات شبابية خالصة، تؤكد أن رفض الثوار لنظام المشروع الحضاري الإسلامي الفاشل، بلغ ما بلغ…..فلا يعقل أن الشباب الذي نادي بالحرية في ليلة {شباب توك} يمكن إسكاته بالدقيق، الذي تصدق به أثرياء الخليج، والنظام المصري وبوتين….وعوضآ عن الإعتراف بالفشل والهزيمة، وتسليم السلطة للقوى السياسية الموقعة على {إعلان الحرية والتغيير} لتشيكل حكومة تكنوقراط لفترة إنتقالية ، تنتهي بإجراء إنتخابات حرة نزيهة، ترسي قاعدة التداول السلمي للسلطة، لجأت إلى ما يسميه الإنجليز ب to change the subject أيّ (تغيير الموضوع) إذ أخذت العصبة الكيزانية المتسلطة، في ترويج مزاعم بأن هناك، مؤامرة دولية لتركيع السودان، ولا ندري كنه هذه المؤامرة الدولية، التي تستهدف أحد أفقر بلدان العالم، لا يجد شعبها الرغيف في المخابز، فهل يحتاج هكذا بلد إلى مؤامرة، وفوق ذلك "دولية"؟!…..لم تكتف العصبة الكيزانية بمزاعم المؤامرة الدولية، بل وأعلنت أن الحزب الشيوعي، إستثمر التظاهرات التي خرجت من أجل الخبز، وحولها إلى تظاهرات سياسية، تنادي بإسقاط النظام….وبذا تهرب العصابة الكيزانية، من تكاليف مواجهة الشباب الرافض، لنظامها الشمولي ومشروعها الحضاري الإسلامي الفاشل والمقزز، إلى {حيطتها القصيرة} الحزب الشيوعي، لتخوض معركة في غير معترك، إذ أن المعركة مع الشباب، وليس مع الحزب الشيوعي، الذي علم بإندلاع الثورة، من وسائل التواصل الإجتماعي، مثله مثل بقية الخلق…. ولكن لماذا الحزب الشيوعي تحديدآ؟ لأنه (الجن) الذي تعرفه هذه العصابة…فكما أسلفنا، فإن العقليات الكيزانية الهرمة المتحكمة اليوم، تشكلت في سنوات الحرب الباردة، عندما كانت الحركات الاسلامية، تقف مع المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، ضد المعسكر الشيوعي بقيادة ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، حتى أن الإسلاميين من الأقطار الإسلامية، ومنهم أخوان السودان، توجهوا في ثمنينات القرن الماضي، إلى إفغانستان للجهاد ضد الإحتلال السوفيتي لها…ولذا فإن الأخوان المسلمين، منذ أن أعلنوا عن أنفسهم كحزب سياسي، بإسم {جبهة الميثاق الإسلامي} بعد إنتصار ثورة اكتوبر سنة 1964 م، وحتى يومنا هذا، ورغم إنهيار المعسكر السوفيتي، فإنهم ليس لهم من موضوعة، غير الشيوعية والشيوعيين، ولا يستطيعون التفكير خارج هذا الصندوق، الذي أكله النمل الأبيض….فهذا هو الشئ الوحيد، الذي يعرفونه في هذه الدنيا، ويقول المثل الشعبي [من ترك قديمه تاه]…..وتبعآ لهذه الحقائق، فلا جناح عليهم عندما يزعمون زورآ وبهتانآ ان الحزب الشيوعي يقود الإحتجاجات، وحين يتحدون الشيوعيين أن ينازلوهم في مناظرات بالميادين العامة ….فيا للجاجة والغباء، حركة إسلامية سقطت أخلاقيآ، بعد أن ولغت في الفساد حتى الثمالة، وفشلت في إدارة الدولة التي سادتها ثلاثين سنة، لدرجة إنعدام الخبز، فماذ ستفعل بمناظرة كلامية حتى لو إنتصرت فيها.فتأمل. يقول إبن خلدون في مقدمته:{إن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع} ولقد هرمت دولة الحركة الإسلامية الدينية، التي لم تنتج غير الفساد والقئ والصديد، ولم تجلب غير الهلاك والمسغبة …وهذا النظام الهرم بقيادته الهرمة، ذات العقليات السقيمة المتحجرة، يتوهم أنه قادر على إحتواء ثورة الشباب الذي إنطلق من عقاله بعد ثلاثين عامآ من محاولات تغييبه وغسل دماغه وتزييف وعيه ….ومن دواعي السخرية إن هذه العصابة الهرمة، بجهالتها وضيق أفقها، تظن أنها تستطيع أن ترتقي هذا المرتقى الصعب، بحيل قديمة وتكتيكات أكل الدهر عليها وشرب ، منها التخويف بالشيوعية، ومحاولات إستمالة السيد الصادق المهدي، ليتحاور معها ويوقع إتفاقية جديدة، ضمن سلسلة الاتفاقيات التي وقعها معها، من إتفاقية جيبوتي مرورآ بإتفاقية أهل القبلة، إنتهاء بإتفاقية (كدا مش عارف ايه)….. فيا أيها البلهاء، فلا التخويف بالشيوعية، سيوقف الثورة….ولا الترهيب بمصير بلدان الربيع العربي سيطفئ الثورة…ولا إستمالة السيد الصادق المهدي سيحبط الثورة….فخصمكم الذي يقف في الميدان مشمرآ عن ساعديه، ليس هذه المرة [قوى الإجماع الوطني] ولا [قوى نداء السودان] ولا [الحركات المسلحة] بل هو الشباب على إمتداد مدن السودان…..هو جيل الإنفورميشين تكنلوجي، الذي قلب الطاولة على المشروع الحضاري الإسلامي الفاشل، ويتطلع إلى عصر جديد، يليق بإنسان السودان، ليكون حرآ موفور الكرامة…..فكل تلك التكتيكات البالية ستذهب سدى، أمام ديناميكية الثورة، التي دخلت بيوت كهنة النظام وسحرته، وإحدثت إنقسامآ فيها، كما قال إعلامي من حملة الإبريق، الذين كانوا في معية السفاح، الذي إستدعاهم ليستأنس بهم، وهو في وحشته وعزلته.. أحمد القاضي الجمعة 22 فبراير 2019 [email protected]